عرض وقفة أسرار بلاغية
{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)}
لما ذكر سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وذكر أن له من في السماوات والأرض، وأن له القوة والعزة فأهلك القرى الظالمة وبطش بها، وأنه يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فلا تكون أفعاله إلا حقًا ولا تصدر إلا عن حكمة، وأنه الإله في السماوات والأرض لا شريك له علم أنه لا يسأل عما يفعل وإنما هو الذي يسأل غيره، فكل من عداه عبد له مملوك وكلهم مسؤولون أمامه. فلا يسأل لأنه الإله وأنه الخالق وأنه الملك وأنه المالك وأنه القوي العزيز وأن أفعاله كلها لا تصدر إلا عن حكمة، وإن كل واحدة من هذه الصفات لا يسأل من اتصف بها عما يفعل فكيف إذا اجتمعت؟!
ثم إن هذه الآية مناسبة لما افتتحت به السورة وهو قوله: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} فالناس مسؤولون أمامه وقد اقترب حسابهم.
ومناسبة للآية قبلها وهي قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}
فهو الإله في السماوات والأرض لا شريك له، والإله لا يسأل عما يفعل.
وهو (رب العرش)، ورب العرش لا يسأل؛ لأن رب العرش هو الملك، والملك لا يسأل عما يفعل وإنما هو الذي يسأل غيره. وقوله: (سبحان الله) يعني أنه المنزه في أفعاله وصفاته، والمنزه لا يسأل عما يفعل لأنه الكامل في ذلك.
جاء في (البحر المحيط): "ثم وصف نفسه بكمال القدرة ونهاية الحكم فقال: {}، إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء، وفعله على أقصى درجات الحكمة فلا اعتراض عليه ولا تعقب عليه. ولما كانت عادة الملوك أنهم لا يسألون عما يصدر من أفعالهم مع إمكان الخطأ فيها كان ملك الملوك أحق بألا يسأل" (1).
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 61 إلى ص 62.
(1) البحر المحيط 6/305.