عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ﴿٨﴾ ﴾ [الأنبياء آية:٨]
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)}
أي لم نجعلهم أجسادًا لا تأكل الطعام، وإنما جعلناهم بشرًا يأكلون ويشربون ويموتون كسائر البشر.
وهو رد على قولهم مستنكرين: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ} وقولهم في موضع آخر: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ} [الفرقان: 7].
جاء في (الكشاف): {لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} صفة لجسدًا، والمعنى: وما جعلنا الأنبياء عليهم السلام قبله ذوي جسد غير طاعمين.
ووحد الجسد لإرادة الجنس، كأنه قال: ذوي ضرب من الأجساد.
وهذا رد لقولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ} [الفرقان: ۷۰] (1).
ونفى الجملتين بـ (ما) دون (لم) ذلك أن (ما) كثيرًا ما تكون ردّا على كلام أو ما نزل هذه المنزلة، تقول: (لقد قال فلان كذا وكذا) فيقال لك: (ما قال ذلك). قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116].
فكان جوابه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: ١١٧] (2).
جاء في (الفروق اللغوية): "(ما) جواب عن الدعوى، تقول: قلت كذا، ويكون الجواب: ما قلت"(3).
ومن ناحية أخرى أن (ما) أكد من (لم)، فإنها تقع جوابًا للقسم، بخلاف (لم)، قال تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣]، وقال: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: 74].
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 33 إلى ص 34.
(1) الكشاف 2/322، وانظر البحر المحيط 6/298 – 299، روح المعاني 17/13،
(2) انظر معاني النحو 4/229.
(3) الفروق اللغوية 334.