عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ﴿١٢١﴾ ﴾ [هود آية:١٢١]
- ﴿وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴿١٢٢﴾ ﴾ [هود آية:١٢٢]
{وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هود: 121 – 122]
أي اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها فإنا عاملون على ما نحن عليه. فكل منا ومنكم يعمل على حالته.
وانتظروا ما سيحصل لنا ونحن ننتظر ما يحيق بكم، وسترون ونرى عاقبة كل منا ومنكم.
وقدم العمل على الانتظار لأن العمل يسبق العاقبة.
وقال هنا: {إِنَّا عَامِلُونَ}، وقال في فصلت: {إِنَّنَا عَامِلُونَ} بالفصل بين (إن) و(نا)، ذلك أنه فصل في ذكر إعراضهم وزاد فيه فقال: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت: 5].
فلما ذكر زيادة إعراضهم وفصل فيه بقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا
عَامِلُونَ}، {وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ}، {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} زاد في التعبير والتوكيد، فناسب كل تعبير موضعه والله أعلم.
قد تقول: لقد قال في أكثر من موضع: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [الأنعام: 135، الزمر: 39]
وقال على لسان سيدنا شعيب: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [هود: 93]
فقال: {إِنِّي عَامِلٌ} بالإفراد.
وقال ههنا: {إِنَّا عَامِلُونَ} بالجمع.
فلم ذلك؟
فنقول: مل ما ورد فيه: (إني عامل) فالسياق في مقام المتكلم المفرد وليس في مقام الجمع، وأما المخاطبون فهم جمع.
فلم يذكر في سياق آية الأنعام من آمن معه، فقد قال: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 133 - 135]
وكذلك ما جاء في سورة الزمر فقد قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} [الزمر: 38 - 40].
وكذلك ما ورد على لسان سيدنا شعيب فالخطاب إنما هو خطاب شعيب لقومه ولم يذكر من معه فقد قال: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [هود: 93].
أما آية هود التي ذكر فيها (إنا عاملون) فالسياق في ذكر المؤمنين مع الرسول . فقد قال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 112 - 113]
وقال: {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]
فناسب أن يقول: (إنا عاملون) بالجمع.
فناسب كل تعبير موضعه.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 372 إلى ص 374.