عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴿١١٠﴾ ﴾ [هود آية:١١٠]
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود: 110]
ذكر ربنا لرسوله أنه لم يكن بدعًا من الرسل ولا أن قومه بدع من الأقوام، فقد آتى موسى الكتاب كما آتاك ربك فاختلفوا فيه، فمنهم من آمن به ومنهم من كفر. ولولا أن الله سبحانه جعل لكل شيء أجلًا لقضي بينهم في هذا الاختلاف.
ثم قال: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} ولم يقل: (إنهم كانوا في شك مريب) ليدل على أن الاختلاف والشك لا يزالان قائمين في عهده ، وإن كلا سيوفيه ربنا أعمالهم كما قال في قومه { وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} .
قد تقول: لقد قال ههنا: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} .وقال في آية أخرى: {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14] فقال: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ولم يقل مثل ذلك في آية هود فما السبب؟
فنقول: لقد ذكر في آية هود ملة واحدة وهي ملة موسى.
وأما في آية الشورى فذكر مللًا متعددة، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: 13 - 15].
فقد قال: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وذلك في يوم القيامة.
فقوله: {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} يعني يوم القيامة.
وقوله: {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} يعني ذلك أيضًا.
فناسب أن يقول: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ههنا دون آية هود التي ليس فيها ذلك.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 351 إلى ص 353.