عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾    [هود   آية:١٠٨]
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108].قال في الأشقياء: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا} فأسند الشقاء إليهم، ولم يقل: (فأما الذين أشقوا) ليدل على أن ذلك بما قدمت أيديهم، فهم الذين أشقوا أنفسهم وقال في السعداء: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} بالبناء للمجهول، ليدل على أن الله هو الذي أسعدهم برحمته وفضله. جاء في (روح المعاني): "وما ألطف الإشارة في شقوا وسعدوا على قراءة البناء للفاعل في الأول و البناء للمفعول الثاني. فمن وجد ذلك فليحمد الله تعالى، ومن لم يجد فلا يلومن إلا نفسه" (1).{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} "أي غير مقطوع عنهم ولا مخترم" (2). ولم يقيد العطاء بشيء وإنما أطلقه ليشمل كل ما تقتضيه السعادة، وهذا العطاء مستمر غير مقطوع.قد تقول: لقد قال في سورة الواقعة: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32 - 33]. وقال ههنا: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع، ولم يقل: (ولا ممنوع) كما قال في الواقعة. فنقول: لقد قال ههنا: (عطاء) أي يعطون، فدل ذلك على أنه غير ممنوع وإلا فكيف يعطون والعطاء ممنوع؟! ولم يقل مثل ذلك في الواقعة، فناسب أن يقول: (ولا ممنوعة). وقال: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يقل: (غير مقطوع) كما قال في الواقعة: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} وذلك أنه أفاد فائدتين: الأولى: أن العطاء غير مقطوع. والأخرى: أنه سالم غير مكسور ولا محطم وليس فيه عيب، فإن من معنى الجذ: الكسر. فالمجذوذ أعم من المقطوع لأنه يشمل المقطوع وغيره. وقوله: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أفاد معنيين: أنه غير مقطوع وأنه سالم. والعطاء أعم من الفاكهة، فهو يشمل الفاكهة وغيرها. فناسب العموم العموم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 347 إلى ص 348. (1) روح المعاني 12/146. (2) روح المعاني 12/146.