عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ ﴿١٠٠﴾    [هود   آية:١٠٠]
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 100 - 101] شبه ما بقي من القرى "بالزرع القائم على ساقه، وما عفا وبطل بالحصيد" (1). و(الحصيد) فعيل بمعنى (مفعول) أي محصود، وهو أبلغ من (مفعول)، فالجريح أبلغ من مجروح وأعم. فصيغة (فعيل) بمعنى (مفعول) لا تقال إلا لمن اتصف بالوصف ووقع عليه الفعل، ولا يقال لمن لم يقع عليه الفعل (2)، فلا يقال لمن لم يقتل: (قتيل) ولا لمن لم يجرح: (جريح)، بخلاف (مفعول) فإنها تقال لمن وقع عليه الفعل ولمن لم يقع عليه الفعل، وإنما هو متوقع وقوعه، فقد تقول لشخص: (أراك مقتولًا في هذه الرحلة) أي ستقتل. قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103] وهو يوم القيامة ولم يقع بعد، فاستعمل (مجموع) و(مشهود) بمعنى أنه سيجمع فيه الناس ويشهدونه. وقال: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} ولم يقل: (ومنها هالك أو عاف) أو نحو ذلك، وإنما قال: (حصيد) أي حصده حاصد، بمعنى أن هناك ذاتًا حصدت هذه القرى كما يحصد الزرع، وهو ربنا سبحانه الذي أهلكها لأنها عصت أمر ربها وكذبت رسله. وقال: {مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} والمعنى (منها قائم ومنها حصيد) أي بعضها قائم وبعضها حصيد. وحذف (منها) الثانية لأنها معلومة ظاهرة المعنى. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 334 إلى ص 335. (1) روح المعاني 12/138. (2) انظر (معاني الأبنية في العربية) ص 58 وما بعدها.