عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ ﴿٩٣﴾    [هود   آية:٩٣]
{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [هود: 93] معني قوله: {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي داوموا على ما أنتم عليه من الكفر فسوف تعملون عاقبتكم وترون جزاء إصراركم. ومعنى قوله: {إِنِّي عَامِلٌ} أي أنا مداوم على عملي مستمر على ذلك من الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته. {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} قال هنا: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} وقال في قصة نوح في هذه السورة: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} بإدخال الفاء على (سوف). والذي يظهر أن إدخال الفاء هنا أكد من عدم ذكرها، فقد يفيد إدخال الفاء التوكيد في مواضع" (1). والذي يؤيد ذلك ما جاء في الآيتين: 1- فقد قال في قصة نوح: { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 39]. وقال في قصة شعيب هذه: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} فزاد في قصة نوح {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} ولم يقل مثل ذلك في قصة شعيب. 2- إن ربنا قال لسيدنا نوح: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ولم يقل مثل ذلك في قصة شعيب. 3- إن ربنا أخبر نوحًا بتعجيل عقوبة قومه وطلب منه أن يصنع الفلك. {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37]. ولم يخبر شعيبًا بنهاية قومه. 4- إن هذا القول قاله سيدنا نوح وهو يصنع الفلك، وذلك يدل على قرب نهاية القوم وعقوبتهم. كل ذلك يدل على توكيد نهاية القوم في قصة نوح ودنو ساعة النجاة. ولست أدري فلعل إدخال الفاء على (سوف) يدل على أن مجيء العذاب لقوم نوح أقرب من مجيئه لقوم شعيب وإن كانا جميعًا في المستقبل، فإن الفاء قد تفيد التعقيب. إن (سوف) في كلا الموضعين تفيد الاستقبال، غير أن دنو العذاب من قوم نوح أقرب. ولعل إدخال الفاء إشارة إلى ذلك، علاوة على ما ذكرنا من التوكيد والله أعلم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 326 إلى ص 327. (1) انظر معاني النحو 4/127 وما بعدها (باب الشرط)، وانظر حاشية الدسوقي 1/177.