عرض وقفة أسرار بلاغية
{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
مسومة، أي عليها سيما، وهي العلامة يعلم من شاهدها أنها ليست من حجارة الأرض (1).
{وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}
"أي الحجارة الموصوفة بما ذكر.
(من الظالمين) من كل ظالم.
(ببعيد) فإنهم بسبب ظلمهم مستحقون لها. وفيه وعيد لأهل الظلم كافة" (۲).
وقال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ولم يقل: (وليست من الظالمين بعيدًا) أو (ببعيد) فجاء بالجملة الاسمية المنفية بـ (ما) وزاد الباء في الخبر لتوكيد عدم بعدها عنهم.
وقال: (ببعيد) ولم يقل: (ببعيدة) لأنه لا يريد البعد في المكان بل أراد البعد في الوقوع.
وقدم الجار والمجرور (من الظالمين) على متعلقه (بعيد) وذلك لأن الكلام على الظالمين وهم مدار الحديث، والعقوبة إنما كانت لهم.
وقد تقول: أليس من الأولى لو قال: (وليست هي من الظالمين ببعيد) فيؤكد الضمير المستتر في (ليست) فيفيد ذلك زيادة في التوكيد؟
فنقول: لا، وذلك لعدة أوجه:
منها: أن ذلك لا يخرجها عن كونها جملة فعلية، والاسمية أثبت من الفعلية وأكد.
ومنها: أن النفي بـ (ما) أقوى وأكد من النفي بـ ( ليس) (3). والأمر الآخر: أنه لو قال: (وليست هي من الظالمين ببعيد) لاحتمل أنه يفيد اختصاص عدم البعد بهذه العقوبة دون غيرها، أما غيرها من العقوبات فقد يكون بعيدًا منهم.
وهذا المعنى غير مراد ولا يصح.
أما في الآية فإنه ذكر عدم بعد أمثال هذه العقوبة من الظالمين ولم يخصها بالبعد بل قد يعاقبهم بغيرها.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 312 إلى ص 313.
(1) البحر المحيط 5/250، وانظر روح المعاني 12/113.
(2) روح المعاني 12/114.
(3) انظر معاني النحو 4/568.