عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴿٨١﴾ ﴾ [هود آية:٨١]
{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]
نادوه باسمه ليعلموه أنهم يعرفونه فيستمع إليهم. ثم أمنوه بقولهم: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} وأضاف الرب على ضمير المخاطب ليدل على أن ربه القيم على أمره والمتولي أمره هو الذي أرسلهم إليه فيكون أدعى إلى تطمينه.
والرسول إنما يرسل ليبلغ رسالة فطمأنوه بقولهم {لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}.
وجاء بـ (لن) المؤكدة الدالة على الاستقبال ليدل على أنهم لا يستطيعون أن يؤذوه في المستقبل إضافة إلى الحال فليطمئن.
وقال: {لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} ولم يقل: (لن يؤذوك) ذلك أنه نفى الوصول فانتفى الأذى من باب أولى.
فإنه لو قال: (لن يؤذوك) لاحتمل الوصول إليه من غير أذى فيناله منهم إزعاج وانقباض نفس.
ولكن نفى ما هو أبعد من ذلك، فنفى الوصول إليه فانتفى الأذى. ثم أبلغوه رسالة ربه بقولهم: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} والقطع من الليل: الطائفة منه، أو بقطعة منه (1) أي لا تتأخر إلى الصبح.
{إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ}
الهاء ضمير الشأن وهي تفيد تعظيم ما سيصيبهم وتهويله.
و(مصيبها) خبر مقدم وليس مبتدأ، ذلك لأن الإضافة غير محضة.
فإن اسم الفاعل ههنا للاستقبال فهو نكرة.
و(ما أصابهم) معرفة فهو مبتدأ مؤخر. وقدم الخبر المتصل بضمير المرأة لأن الكلام عليها والاهتمام بذكر عاقبتها.
وقال: {مَا أَصَابَهُمْ} فجاء بالاسم الموصول (ما) الدال على العموم والإبهام للدلالة على عظم ما سيصيبهم.
وقال: {مُصِيبُهَا} ولم يقل: (يصيبها) للدلالة على ثبات ذلك وتحققه.
وقال: {أَصَابَهُمْ} بالفعل الماضي ولم يقل: (يصيبهم) وذلك للدلالة على تحقق الوقوع.
فانظر كيف أكد بإن وجاء بضمير الشأن، وعدل عن الفعل إلى الاسم في (مصيبها)، وقدم الخبر، وجاء بـ (ما) الدالة على الإبهام، وعدل عن الفعل المضارع إلى الماضي في (أصابهم) للدلالة على عظم ما سيحل بهم وتحققه.
جاء في (روح المعاني): "وضمير (إنّه) للشأن، و(ما أصابهم) مبتدأ، و(مصيبها) خبره، والجملة خبر إن ... والمراد من (ما) العذاب، ومن (أصابهم) يصيبهم، والتعبير به دونه للإيذان بتحقيق الوقوع. وفي الإبهام، واسمية الجملة، والتأكيد، ما لا يخفى" (2).
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 308 إلى ص 310.
(1) انظر البحر المحيط 5/248.
(2) روح المعاني 12/112.
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}
أي موعد هلاكهم (1). وقدم الموعد لأنه هو المقصود والمطلوب لسيدنا لوط.
وقوله: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} يشعر باستطالة سيدنا لوط للوقت وكأنه يريد أسرع من ذلك.
وهذا بين مقدار مساءته وضيق ذرعه ومقدار برمه بقومه.
"ويروى أن لوطًا عليه السلام قال: أريد أسرع من ذلك، فقالت له الملائكة: أليس الصبح بقريب" (2).
وفي المجيء بالاستفهام التقريري وزيادة الباء في خبر (ليس) دون القول (إن الصبح لقريب) أو نحو ذاك ما لا يخفى.
وعلى أية حال هو يدل كما ذكرنا على مقدار برمه وضيق ذرعه.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 310 إلى ص 310.
(1) البحر المحيط 5/249.
(2) البحر المحيط 5/249.