عرض وقفة أسرار بلاغية
{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]
أي لو أن لي طاقة فأمنعكم "يقال: ما لي به قوة وما لي به طاقة. ونحوه {لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} وما لي به يدان؛ لأنه في معنى: لا أضطلع به ولا أستقل به.
والمعنى: لو قويت عليكم بنفسي أو أويت إلى قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم. فشبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته. ولذلك قالت الملائكة وقد وجدت عليه: إن ركنك لشديد.
وقال النبي "رحم الله أخي لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد" (۱).
قال ذلك سيدنا لوط على سبيل التفجع والتمني.
فهو تمنى أن يكون له قوة في نفسه أو يكون له من يأوي إليه فيستعين به على دفعهم.
جاء في (تفسير الرازي): "واعلم أن قوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} لا بد من حمل كل واحد من هذين الكلاميين على فائدة مستقلة، وفيه وجوه:
الأول: المراد بقوله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} كونه بنفسه قادرًا على الدفع، وكونه متمكنًا إما بنفسه وإما بمعاونة غيره على قهرهم وتأديبهم.
الثاني: والمراد بقوله: {أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} هو أن لا يكون له قدرة على الدفع لكنه يقدر على التحصن بحصن ليأمن من شرهم بواسطته.
الثالث: أنه لما شاهد سفاهة القوم وإقدامهم على سوء الأدب تمنى حصول قوة قوية على الدفع، ثم استدرك على نفسه وقال: بل الأولى أن آوي إلى ركن شديد وهو الاعتصام بعناية الله تعالى" (۲).
ويحتمل أن تكون (لو) شرطية وفيها معنى التمني حذف جوابها ليذهب الذهن كل مذهب فيما سيفعله لردعهم، نظير قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] أي لرأيت شيئًا مهولًا لا يقدر على وصفه.
جاء في (الكشاف): "جواب (لو) محذوف كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} يعني لو أن لي بكم قوة لفعلت بكم وصنعت" (3).
وجاء في (تفسير الرازي): "وحذف الجواب ههنا لأن الوهم يذهب إلى أنواع كثيرة من المنع والدفع" (4).
وجاء بـ (لو) ولم يأت بـ (ليت) فيقول: (ليت لي بكم قوة) ليشمل معنيي التمني والشرط إضافة إلى حذف الجواب للعموم.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 306 إلى ص 308.
(1) الكشاف 2/108.
(2) تفسير الرازي 6/380.
(3) الكشاف 2/108.
(4) تفسير الرازي 6/380.