عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴿٧٨﴾ ﴾ [هود آية:٧٨]
{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78]
لقد قال: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ}، ولم يقل: (نفر من قومه) أو جماعة منهم، للدلالة على شيوع هذه الفاحشة فيهم. فالقوم كلهم جاؤوا يهرعون إليه، كما قال في موضع آخر: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ} فإن أهل المدينة كلهم جاؤوا إليه وليس مجموعة منهم. وقلنا: (كلهم) لأنهم أهلكوا أجمعون لم يستثن أحدًا منهم. {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} أي "يسرعون كأنما يدفعون دفعًا" (۱).
{وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} أي كانوا مستمرين على عمل السيئات وإن ذلك كان "ديدنهم وعادتهم أصروا على ذلك ومرنوا عليه" (2).
لقد قال:{ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}، ولم يقل: (ومن قبل عملوا السيئات) وذلك للدلالة على أن هذه عادتهم.
{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} ناداهم بـ (يا قوم) تعطفًا لقلوبهم، وعرض عليهم بناته وقال: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}، فجاء بالضمير (هن)، ولم يقل: (هؤلاء بناتي أطهر لكم) ليدل على قصر الطهر فيهن وأنه ليس وراء ذلك طهر.
ودعاهم إلى تقوى الله ومراعاة حق الضيف، كل ذلك ليرشدوا ويرعوا، ثم قال متحسرًا منكرًا عليهم بما ملؤه الأسى ومستثيرًا لذوي اللب إن كان فيهم من هو كذلك {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} "يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح" (3).
فقد ترى أنه حاول دفعهم بكل ما يستطيع:
1- بمناداتهم (يا قوم) تعطفًا لقلوبهم.
2- وعرض ما هو أفضل وأطهر.
٣- ودعوتهم إلى تقوى الله وأن يخشوا عقابه.
4- وإلى مراعاة حرمة الضيف.
5- وأن لا يخجلوا ويخزوا واحدًا من قومهم فيفضحوه ويسيئوا إلى سمعة القرية.
6- ودعا ذوي اللب والرشد إن كان فيهم أحد كذلك ينصح هؤلاء الرعاع.
ومن أين يأتي الرشد إذا كانوا كلهم جاؤوا مسرعين إليه.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 302 إلى ص 303.
(1) الكشاف 2/108.
(2) البحر المحيط 5/246.
(3) تفسير البيضاوي 303.