عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴿٧٧﴾    [هود   آية:٧٧]
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي لحقته المساءة بسببهم وضاق ذرعه بهم، أي ضاق صدره بمجيئهم. والذرع يوضع موضع الطاقة والجهد، "يقال: ضقت بالأمر ذرعًا إذا لم تطقه ولم تقو عليه. وأصل الذرع بسط اليد، فكأنك تريد مددت يدي إليه فلم تنله ... ونصبه على أنه تمييز محول عن الفاعل، أي ضاق بأمرهم وحالهم ذرعه" (1). والتحويل عن الفاعل إلى التمييز إنما يكون بقصد المبالغة والشمول مثل قولنا (اشتعلت نار البيت) و(اشتعل البيت نارًا ) (۲). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 300 إلى ص 300. (1) روح المعاني 12/105 وانظر البحر المحيط 5/246، تفسير الرازي 6/378. (2) انظر كتابنا (معاني النحو) ج2 – باب التمييز. {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} "أي شديد، وأصله من العصب بمعنى الشد، كأنه لشدة شره عصب بعضه ببعض، وقال أبو عبيدة: سمي بذلك لأنه يعصب الناس بالشر" (1). والآية أظهرت غاية الضيق بمكانهم، فإنها ذكرت أنهم أدخلوا المساءة عليه، وهذه حالة أولى. ثم ذكر حالة بعدها أشد وهي أنه ضاق بهم ذرعًا، وهذه أشد من مجرد المساءة، فإنه قد يسيء مجيء شخص شخصًا ولكن قد لا يضيق به ذرعًا فيكون تحمله فوق طاقته. ثم إنه لم يكتم ذلك في نفسه بل صرح به وقال: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}. ثم انظر كيف وصف ضيقه بأن حول الفاعل إلى تمييز بقصد المبالغة فقال: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} والأصل: فضاق ذرعه بهم، وكيف وصف اليوم بأنه (عصيب)، ولم يقل: (هذا أمر عصيب) أو (هذا شيء عصيب) بل جعل الشدة لليوم كله، وذلك لاشتمال الشدة على اليوم وليس على أمر فيه. ثم إن الوصف بالعصيب له دلالته، فإنه لم يقل: (هذا يوم شديد) وذلك أن الوصف بعصيب أشد؛ ذلك لأنه كأنه يعصب الإنسان بالشر، وأنه معصوب بعضه ببعض، فالشر متصل فيه. وقد بحثنا في كتابنا (التعبير القرآني) الفرق بين قوله هنا: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}، وقوله في العنكبوت: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} [العنكبوت: 33] بزيادة (أن) في آية العنكبوت. فلا نعيد القول فيه (2). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 301 إلى ص 301. (1) روح المعاني 12/105. (2) التعبير القرآني – باب الذكر والحذف 127 – 129.