عرض وقفة أسرار بلاغية
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75].
الحليم : الذي لا يعجل في الانتقام ممن أساء إليه.
والأواه: الكثير الحزن، وقيل: الرحيم الرقيق المتضرع، والكثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس.
والمنيب: الراجع إلى الله تعالى (1).
"وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة، فبّين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والإنابة كما حمله على الاستغفار لأبيه" (2).
وجاء في (روح المعاني): "والمقصود من وصفه عليه السلام بهذه الصفات المنبئة عن الشفقة ورقة القلب بيان ما حمله على ما صدر عنه من المجادلة، وحمل الحلم على عدم العجلة والتأني في الشيء مطلقًا.
وجعل المقصود من الوصف بتلك الصفات بيان ما حمله على المجادلة وإيقاعها بعد أن تحقق ذهاب الروع ومجيء البشري لا يخفى حاله" (3).
وقدم الحليم لأن المقام مقام غضب وعقوبة وانتقام، والحلم يقتضي عدم التعجيل بالعقوبة والانتقام.
وهذه صفة تتعلق بالموقف من الآخرين.
ثم جاء بالأواه بعده لمقام التأسف على ما صدر من قوم لوط، والتأوه من ذنوبهم التي أفضت إلى غضب الله عليهم والانتقام منهم. وقد دعته رحمته بهم وتأوهه عليهم إلى المجادلة في أمرهم.
والأواه صفة تتعلق بالفرد وبالآخرين، فهو كثير التأوه إذا أذنب، وكثير التضرع والحزن، وكثير التأسف على الآخرين إذا أذنبوا، والرحمة بهم.
وأما المنيب فهو الراجع إلى الله، وهذا أمر يتعلق بالفرد ذاته. فقدم ما يتعلق بالآخرين لأن المقام يقتضي ذلك وهو الحلم، ثم ذكر بعده ما يتعلق به وبالآخرين، ثم ذكر بعده ما يتعلق به هو.
ولم يرد في القرآن الكريم وصف نبي من الأنبياء بهذه الصفات في غير خليل الله إبراهيم عليه السلام.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 279 إلى ص 281.
(1) انظر روح المعاني 12/104.
(2) الكشاف 2/107.
(3) روح المعاني 12/104.