عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴿٦٧﴾    [هود   آية:٦٧]
  • ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ ﴿٦٨﴾    [هود   آية:٦٨]
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 67 - 68] ذكرنا في كتابنا (أسئلة بيانية) قوله: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وقوله: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 94] بالتذكير والتأنيث فلا نعيد القول فيهما. وذكرنا في القصة إفراد الديار مع الرجفة وجمعهما مع الصيحة. {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي كأنهم لم يكونوا فيها ولم يقيموا فيها مستغنين بها عن غيرها. جاء في (المفردات في غريب القرآن) للراغب الأصفهاني: "غني في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مستغنيًا به عن غيره بغنى، قال: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}" (1). أما بقية التعبير فقد ورد نحوه في قصة هود. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 262 إلى ص 263. (1) المفردات للراغب الأصفهاني (غني). قصة إبراهيم من سورة هود {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُود} [هود: 69 – 76] من سورة الحجر {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الحجر: 51 - 58] من سورة الذاريات {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} [الذاريات: 24 – 32] من سورة العنكبوت {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 31 – 32] ورد هذا الجانب من قصة إبراهيم في ثلاث سور هن هود والحجر والذاريات، كما وردت لها إشارة يسيرة في سورة العنكبوت في أثناء قصة لوط. وهي في كل ما ورد منها مدخل إلى قصة لوط. ولوط آمن لإبراهيم وهاجر إلى ربه كما قال تعالى: {فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26]. وهو ابن أخيه، فلا غرو أن يذكر جانبًا من قصة إبراهيم مدخلاً إلى قصة لوط. وما يذكر من هذه القصة فيه تبسط في بعض المواضع، وفي بعضها إيجاز، وذكر جانب منها وطي جانب آخر بحسب السياق الذي ترد فيه. وقد ذكرنا في كتابنا (لمسات بيانية) هذا الجانب من القصة من سورتي الحجر والذاريات، وبيان شيء من اللمسات البيانية فيهما فلا نكرر القول ذلك. في لقد ذكر في هذا الموضع من القصة أمورًا لم تذكر في مواضع أخرى، وهو نحو ما ذكرنا في القصص السابقة، فإنه لم يكرر القصة وإنما يذكر في كل موضع جانبًا لم يذكر في موضع آخر. 1- فقد ذكر ههنا وفي العنكبوت أنه جاءته رسل ربه. فقد قال ههنا: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}، وفي العنكبوت: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31]. وأما في سورتي الحجر والذاريات فقد ذكر أنهم ضيفه. فقد قال في الحجر: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الحجر: 51]، وقال في الذاريات: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24]. ۲- ذكر تحيتهم ورد التحية عليهم في هود والذاريات. وذكر في الحجر تحيتهم ولم يذكر رد التحية عليهم. وأما في العنكبوت فلم يذكر تحية ولا رد تحية، وإنما هو دخول مباشر إلى قصة لوط بعد المجيء بالبشرى. 3- ذكر تقديم الطعام لضيفه في هود والذاريات، ولم يذكر ذلك في الحجر. 4- ذكر في الذاريات أنه دعاهم إلى الأكل قائلاً: {أَلَا تَأْكُلُونَ}، ولم يذكر ذلك في هود، غير أنه لما رآهم لا يمدون أيديهم إلى الطعام نكرهم وأحس منهم خيفة. 5- ذكر في هود أن امرأته كانت قائمة وأنها ضحكت بعد ذكر الرسل أنهم أرسلوا إلى قوم لوط. ولم يذكر ذلك في أي موضع آخر. 6- ذكر في هود أنهم بشروها بالولد، في حين أن البشارة كانت لإبراهيم في الحجر والذاريات. 7- في هود بشروها بولد وبولد الولد، في حين كانت البشرى في الحجر والذاريات بالولد ولم يذكر ولد الولد. ۸- ذكرت البشارة اسمي الولد وولد الولد في هود، ولم يذكر ذلك في الحجر ولا في الذاريات، وإنما ذكر البشرى بغلام عليم. ففي هود ذكر اسم العلم، وفي الحجر والذاريات ذكر صفته. 9- ذكر في هود عجب امرأة سيدنا إبراهيم ومحاورتها للملائكة وأنها تبسطت في ذكر العجب. ولم يذكر في الحجر ذلك. وأما في الذاريات فلم تزد على أن صكت وجها وقالت: {عَجُوزٌ عَقِيمٌ}. 10- ذكر في الحجر محاورة إبراهيم للملائكة في هذه البشرى وكيف أنهم بشروه بعد أن مسه الكبر. ولم يرد ذلك في موضع آخر. ففي هود والذاريات كان الكلام فيما يتعلق بالبشرى بين زوجه والملائكة، وفي الحجر كان الكلام بينه وبين الملائكة. ۱۱- ذكر تبسط الملائكة في الكلام مع زوج إبراهيم في هود فيما يتعلق بعجبها. ولم يرد مثل ذلك في الذاريات، وإنما قالوا لها: {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}. 12- سألهم إبراهيم عن الغرض من مجيئهم في الحجر والذاريات قائلًا: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر: 57، الذاريات: 31]. فبينوا له سبب ذلك. في حين ذكروا ذلك ابتداء في هود من غير أن يسألهم، وكذلك في العنكبوت. فالقصة كما ترى ليست متطابقة.