عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ﴿٦٤﴾    [هود   آية:٦٤]
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود: 64] وهذا هو الأمر الثاني الذي ذكره لهم وهو الأمر القائم على الحجة الملزمة، وهي الآية الدالة على صدقه وهي الناقة التي أخرجها الله من الصخرة كما طلبوا، وقد كانوا تعهدوا لنبيهم أنه إن فعل ذلك آمنوا له وصدقوه. وسماها ناقة الله لأنها لا تعود لأحد وإنما هي الله كما ذكرنا. وقدم (لكم) على (آية) للاختصاص، وذلك أن هذه الآية خاصة بهم دون غيرهم أرسلت إليهم هم كما طلبوا. فالآية لهم هم، فهم الذين طلبوها، وهم الذين شاهدوها وتعاملوا معها. وطلب منهم أن يتركوا ناقة الله تأكل في أرض الله لا في أرضهم ولا من زرعهم، فالناقة ناقة الله والأرض أرضه. وهذا غاية الإنصاف والعدل، فلماذا يمسُّونها بسوء إلا إذا كانوا معتدين عليها ظالمين لها؟ {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} "نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالشر الشامل لأنواع الأذى مبالغة في الزجر فهو كقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} ... أي لا بشيء مما يسوؤها أصلًا كالطرد والعقر وغير ذلك" (1). ونكّر السوء ليشمل أي سوء مهما كان ضئيلًا. {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وصف العذاب ههنا بأنه قريب، وقال في الأعراف: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فوصفه بأنه أليم، ذلك أنه قال لهم ههنا: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} وهذا وعد قريب، فناسب ذكر القرب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنه في الأعراف كان أول التبليغ لقومه، فهو أول موضع ترد فيه هذه القصة في القرآن الكريم فلا يناسب ذكر التعجيل بالعقوبة. في حين كان الكلام في هود بعد ذلك وقد بلغهم ونصح لهم فناسب ذكر قرب العذاب في هود. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 258 إلى ص 259. (1) روح المعاني 8/163.