عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٤﴾    [هود   آية:٢٤]
{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }[هود: 24] شبه الفريق الكافر بالأعمى والأصم، ولم يذكر الأبكم لأن هذا الفريق يتكلم، فهم كذبوا على الله ويصدون عن سبيل الله وببغونها عوجًا وهذا إنما يكون في الكلام. وشبه الفريق المؤمن بالبصير والسميع. وبدأ بالفريق الكافر لأنه تقدم ذكرهم وذلك من قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} إلى قوله: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ} [هود: 18 - 22]. ثم ذكر بعده الفريق المؤمن وهو البصير والسميع وذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ......} جاء في (البحر المحيط): "والفريقان هنا الكافر والمؤمن، ولما كان تقدم ذكر الكفار وأعقبه بذكر المؤمنين جاء التمثيل هنا مبتدأ بالكافر فقال: {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ}" (1). وقال: {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} بحذف إحدى التاءين من الفعل ولم يقل (تتذكرون) كما في آيات أخرى؛ ذلك لأن هذا الأمر من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى قدر طويل من التذكر والتأمل "فإنك إذا سألت أيفرد من عقلاء خلق الله: هل يستوي رجل أعمى أصم ورجل بصير سميع؟ أو هل يستوي الأعمى والبصير والأصم والسميع؟ كان جوابه: كلا لا يستويان. فحذف من الفعل للدلالة على أن هذا لا يحتاج إلى طول تذكر وتأمل" (2). فلما كان الأمر لا يحتاج إلى وقت طويل من التأمل والتفكير للإجابة اقتطع من الفعل. والله أعلم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 82 إلى ص 83. (1) البحر المحيط 5/213. (2) بلاغة الكلمة في التعبير القرآني 20.