عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴿١٥﴾    [هود   آية:١٥]
  • ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٦﴾    [هود   آية:١٦]
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 – 16]. هاتان الآيتان مناسبتان للجو الذي وردتا فيه. فقد ذكر في أول السورة سبيل المتاع الحسن في الدنيا وهو الاستغفار والتوبة فقال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3]. والمتاع الحسن مما يريده الإنسان في هذه الدار مؤمنهم وكافرهم. فقال فيمن يريد الحياة الدنيا وزينتها أنه يوفي إليهم أعمالهم فيها. ولم يقل إنه يمتعهم متاعًا حسنًا. في حين قال في الصنف المستغفر التائب إنه يمتعهم متاعًا حسنًا. وقال فيمن يريد الحياة الدنيا: {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} وقال في الصنف التائب: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}. ولا شك أن الصنف التائب متاعه أفضل ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها. ثم ذكر بعد ذلك أثر الرحمة والنعماء في الإنسان فقال: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: ۹ - ۱۰]. وذكر الذين يقولون: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} [هود: ١٢] والكنز من وسائل متاع الحياة الدنيا وزينتها. فناسب ما مر ذكره من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها. جاء في (البحر المحيط): "مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر شيئًا من أحوال الكفار المناقضين في القرآن ذكر شيئًا من أحوالهم الدنيوية وما يؤولون إليه في الآخرة. وظاهر من العموم في كل من يريد زينة الحياة الدنيا والجزاء مقرون بمشيئته تعالى، كما بين ذلك في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: ۱۸]" (1). لقد قال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}، فأدخل (كان) على الفعل المضارع (يريد)، وهذا التعبير يفيد الاستمرار، أي يريدها على وجه الـدوام. جاء في (روح المعـانـي): "وإدخـال (كـان) للدلالة على الاستمرار، أي من يريد ذلك بحيث لا يكاد يريد الآخرة أصلًا" (2). {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} "نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق. وقيل: هم أهل الرياء، يقال للقراء منهم: أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ولمن وصل الرحم وتصدق: فعلت حتى يقال، فقيل، ولمن قتل فقتل: قاتلت حتى يقال فلان جريء فقد قيل. وعن أنس بن مالك: هم اليهود والنصارى، إن أعطوا سائلاً أو وصلوا رحمًا عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن. وقيل: هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله  فأسهم لهم في الغنائم" (3). وجاء في (روح المعاني): "(نوف) متضمن معنى (نوصل) ولذا عدي بـ إلى، وإلا فهو مما يتعدى بنفسه. وقيل: إنه مجاز عن د ذلك" (4). وقد عدى (نوف) هنا بـ (إلى) وعداه إلى مفعولين في آيات أخرى، فقد قال في آية أخرى من سورة هود: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: ۱۱۱]. فعداه إلى ضميرهم وإلى الأعمال. وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} [آل عمران: 57]. وغير ذلك من الآيات (5). والذي يظهر من الفرق بين الاستعمالين في القرآن الكريم: أن تعدية هذا الفعل بـ (إلى) إنما خصها بالأموال، قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٢]. وقال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]. وقال في آية هود هذه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ}، والحياة الدنيا وزينتها إنما تتأتى عن طريق الأموال. ثم إن تعدية هذا الفعل بـ (إلى) أفادت معنى (نوصل إلى) كما مر، فمعنى (نوف إليه) نوصل إليه. والإيصال إلى شخص ما لا يقتضي المباشرة بالإيصال أو المواجهة، فقد توصل شيئًا إلى أحد عن طريق شخص آخر أو وسيلة ما. ويتضح من الاستعمال القرآني أن ما جاء معدى بنفسه إنما هو في الآخرة وذلك نحو قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: ٢٥]. وقوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [الأحقاف: 19] وقوله: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل: 111]. وغير ذلك. ومعنى ذلك أن الأمر يدل على المواجهة والتوفية المباشرة، ذلك أنه في يوم القيامة يعرض الجميع على ربهم فيواجههم بأعمالهم، كما قال: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 47 – 48]. وأما ما عداه بـ (إلى) فهو لا يخص الآخرة، فقد يكون الإيصال في الدنيا، فإن آية هود إنما هي خاصة بالدنيا كما هو واضح، فقد قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ} ... وأما آية الإنفاق فإنها لا تختص بالآخرة، بل قد يكون أثره في الدنيا، فإن قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]، وقوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٢]، قد يكون ذلك في الدنيا والآخرة، أي يوفيه ما أنفق في الدنيا، ويؤتيه أجره في الآخرة. ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وقوله : (ما نقص مال من صدقة). وعلى هذا فالفرق بين (وفاه) و(وفى إليه) في الاستعمال القرآني: 1ـ إن (وفى إليه) خصه القرآن بالأموال، وأما (وفاه) فهو عام. ٢ـ إن (وفى إليه) قد يكون ذلك في الدنيا، وأما (وفاه) فاستعمله لما بعد الدنيا. 3ـ لما كان (وفى إليه) تضمن معنى الإيصال فإن ذلك لا يقتضي المواجهة والمباشرة بالتوفية، بل قد تكون عن طريق آخر. ومن المعلوم أن ربنا إذا أراد أن يوفي في الدنيا من أنفق هيأ له أسباب التوفية. وأما (وفاه) فلما كان في الآخرة اقتضى ذلك مواجهة الرب الذي يوفي الأعمال. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 51 إلى ص 55. (1) البحر المحيط 5/209. (2) روح المعاني 12/23. (3) الكشاف 2/93. (4) روح المعاني 12/23. (5) انظر على سبيل المثال: النور 25، فاطر 30، النساء 173 وغيرها. {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} أي في الدنيا. وقوله: {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} يحتمل معنيين: أحدهما: أن قوله: (فيها) أي في الأعمال، فالضمير في (فيها) يعود على الأعمال، والمعنى أننا نوفي إليهم أعمالهم في الدنيا ولا يبخسون على في أعمالهم. والآخر: أن (فيها) يعود على الدنيا، أي وهم في الدنيا لا يبخسون. وهذا هو الأظهر. فتكون التوفية في الدنيا، وكذلك عدم البخس. قد تقول: أما كان يمكن الاكتفاء بضمير واحد فلا يكرر (فيها) فيقول مثلاً: (نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون)؟ فنقول: لو قال ذلك لكان عدم البخس في الدنيا والآخرة، ولكان المعنى أنه يوفي إليهم أعمالهم في الدنيا وأنهم لا يبخسون مطلقًا، فيكون عدم البخس في الدنيا والآخرة. في حين أنه أراد أن كل ذلك في الدنيا، فإنه يوفي إليهم أعمالهم فيها، وأنهم فيها لا يبخسون. وأما الآخرة فإنهم حبطت أعمالهم فيها وأنه ليس لهم فيها إلا النار، كما قال تعالى في الآية بعدها. جاء في (روح المعاني) في قوله: {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} "أي لا ينقصون، والظاهر أن المجرور للحياة الدنيا. وقيل: الأظهر أن يكون للأعمال لئلا يكون تكرارًا بلا فائدة. ورد بأن فائدته إفادته من أول الأمر أن عدم البخس ليس إلا في الدنيا، فلو لم يذكر توهم أنه مطلق" (1). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 55 إلى ص 56. (1) روح المعاني 12/24. {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ١- لقد ذكر الصنع ثم ذكر العمل فقال: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا}، ثم قال:{ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }والصنع هو إجادة العمل، وأما العمل فهو عام يشمل الصنع وغيره، وقد ذكر بطلانه كله: ما بذلوا فيه جهدهم لإحسانه، وما عملوه على وجه العموم. وذكر الصنعة الحبوط، ومع العمل البطلان؛ ذلك أن الحبوط أخص من البطلان، فالحبوط خاص بالأعمال، وأما البطلان فهو عام في الأعمال وغيرها كما سنبين. والصنع أخص من العمل لأنه ما أجيد منه. فذكر الخاص مع الخاص، والعام مع العام. ٢- قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} يحتمل أن يكون الجار والمجرور (فيها) متعلقًا بـ (حبط) فيكون المعنى: (وحبط فيها ما صنعوا) أي في الآخرة، فيعود الضمير على الآخرة فيكون الحبوط في الآخرة. كما يحتمل أن يكون الجار والمجرور متعلقا بـ (صنعوا) فيكون المعنى: (وحبط ما صنعوا في الدنيا) فيعود الضمير على الدنيا. والمعنيان مرادان، فإنه حبط في الآخرة ما صنعوا في الدنيا. وهذا من التوسع في المعنى. ولو قدم الجار والمجرور فقال: (وحبط فيها ما صنعوا) لكان احتمالاً واحدًا. فالتعبير القرآني أولى لأنه يشمل معنيين. جاء في (البحر المحيط): "والضمير في قوله: {مَا صَنَعُوا فِيهَا} الظاهر أ أنه عائد على الآخرة والجار والمجرور متعلق بحبط. والمعنى: وظهور حبوط ما صنعوا في الآخرة . ويجوز أن يتعلق بقوله: (صنعوا) فيكون عائدًا على الحياة الدنيا كما عاد عليها في (فيها) قبل" (1). 3- قوله: (ما صنعوا) يحتمل أن تكون فيه (ما) مصدرية فيكون المعنى: وحبط صنعهم. كما يحتمل أن تكون (ما) اسمًا موصولاً فيكون المعنى: وحبط الذي صنعوه من الأعمال. والمعنيان مرادان، فقد حبط الصنع والعمل، وحبط ما صنعوه، وهذا من التوسع في المعنى أيضًا. ولو قال: (ما صنعوه) لكان اسمًا موصولاً فقط. فما ذكره أولى لأنه أعم وأشمل. جاء في (البحر المحيط): "و(ما) في (ما صنعوا) بمعنى (الذي) أو مصدرية" (2). ثم لننظر في تأليف هذه العبارة، أعني قوله تعالى: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من جهة أخرى. فإن القسم الأول منها وهو قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} مبني على الخصوص. والقسم الآخر: وهو قوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مبني على العموم. فقوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أعم من قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} من أكثر من جهة : 1- فقد قال في العبارة الأولى: (وحبط). وقال في العبارة الثانية: (وباطل). والباطل أعم من الحبوط، فإن الحبوط خاص بالأعمال، ولم يرد في القرآن إلا كذلك. قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]. وقال: {فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} [البقرة: ٢١٧] وقال: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 53]. وأما الباطل فهو عام في الأعمال وغيرها مما لا يصح فيه الحبوط. قال تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ۱۱۸]، وقال: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16]. ويكون الباطل لغير العمل، فقد يكون في المعبودات والمعتقدات وغيرها مما هو نقيض الحق. قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤٢]. وقال : {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: ٢٩]. وقال: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: ۷۲]. وقال: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ٨١]. وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: ٦٢]. وقال: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: 5]. وقال: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52]. وغير ذلك وغيره. فقد يكون الباطل يعني المعبودات الباطلة من دون الله، وقد يكون من المعتقدات الباطلة غير دين الله، وغير ذلك. فالباطل أعم من الحبوط. 2- وقال: (حبط) بالفعل الماضي. وقال: (باطل) بالاسم. والاسم على العموم أثبت وأعم من الفعل. فكان الباطل أعم من الحبوط من حيث الدلالة ومن حيث الصيغة. ٣- وقال في العبارة الأولى: (ما صنعوا). وقال في العبارة الثانية: (ما كانوا يعملون). والصنع هو إجادة العمل وإحسانه، فالعمل أعم من الصنع لأنه قد يكون بإجادة أو بغيره. 4- قال في العبارة الأولى: (ما صنعوا) بالفعل الماضي. وقال في العبارة الثانية: (ما كانوا يعملون). والعبارة الثانية أعم لأنها تدل على الاستمرار في الماضي. فقوله: (صنعوا) قد يدل على زمن من أزمنة الماضي، وقد يدل على الحدوث مرة واحدة في الزمن الماضي. أما قوله: {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فإنه يدل على الاستمرار في الماضي فهو أعم. فقولك: (صنعوا) حالة واحدة وزمن واحد من قولك: (كانوا يصنعون). 5- قال في العبارة الأولى: {مَا صَنَعُوا فِيهَا} فقيد الصنع في الدنيا أو الحبوط كما ذكرنا. وأطلق في العبارة الثانية فلم يقل (وباطل فيها)، كما لم يقل: (ما كانوا يعملون فيها)، فالعبارة الثانية أعم. 6- قوله : { وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }أعم من حيث التأليف من قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} ذلك أن قوله: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} فعل وفاعل. وقوله: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يحتمل أن يكون (باطل) خبرًا مقدمًا، وقوله: {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مبتدأ مؤخر. كما يحتمل أن يكون {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فاعلاً لاسم الفاعل (باطل)، والباطل خبر ثان لأولئك. (3) فهو أعم على كل حال. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثالث من ص 57 إلى ص 61. (1) البحر المحيط 5/210. (2) البحر المحيط 5/210، وانظر الكشاف 2/93. (3) انظر البحر المحيط 5/210.