عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٢٥﴾ ﴾ [الإنسان آية:٢٥]
- ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴿٢٦﴾ ﴾ [الإنسان آية:٢٦]
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)}
أمره بالذكر والتسبيح والصلاة بعد أمره بالصبر ونهيه عن إطاعة الآثم والكفور، وربنا يأمر بالإكثار من ذلك عند الوقع في الأزمات ومضايق الأمور والمواطن التي تحتاج إلى الصبر، وذلك نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 97 – 98]، وقوله عند اللقاء في الحرب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]، وقول يونس في بطن الحوت: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ونحو ذلك من المواطن، فإن مداومة التسبيح تفرج الكروب وتنجي من المضايق، وهي أزكى الأعمال وأرفعها عند المليك، ولذا طلب منه مداومة التسبيح في الليل والنهار.
جاء في (روح المعاني): "أراد سبحانه أن يرشده إلى متاركتهم عقب ذلك بالأمر باستغراق أوقاته بالعبادة ليلًا ونهارًا بالصلوات كلها من غير اختصاص وبالتسبيح بما يطيق على منوال قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}" (1).
وقدم الجار والمجرور (من الليل) على قوله: (فاسجد) لما في التهجد من أجر عظيم، ولما في ذلك من المشقة والكلفة، فإن صلاة الليل ثقيلة. وهذا التقديم نظير قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17 – 18]، وقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
جاء في (تفسير البيضاوي): "وتقديم الظرف لما في صلاة الليل من مزيد الكلفة والخلوص" (2).
كما أن هذا التقديم يدل على علو منزلة السجود وفضله على غيره، ذلك أن تقديم الجار والمجرور سوّغ إدخال الفاء على الفعل (اسجد) وهذا الفاء على كل ما قيل فيها تفيد التأكيد، سواء قلنا: إنها جواب شرط مقدر، أي مهما كان فلا تدع السجود، أو قلنا: هي زائدة للتوكيد. ولو لم يتقدم الظرف لم تصح زيادة الفاء، فلا يصح القول: (وفاسجد له من الليل)، وبهذا يتضح أن هذا التقديم أفاد أكثر من فائدة.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 262 إلى ص 264.
(1) روح المعاني 29/166.
(2) أنوار التنزيل 774.