عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ﴿١٧﴾    [الإنسان   آية:١٧]
  • ﴿عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ﴿١٨﴾    [الإنسان   آية:١٨]
{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)} لما ذكر أنه يطاف عليه بالآنية والأكواب ناسب أن يقول: (ويسقّون) دون (يشربون)، ولما لم يذكر الآنية والطائفين بها في الآية قبلها وهي قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} ناسب أن يذكر الشرب دون السقي، فإن الطائفين يسقونهم. جاء في (روح المعاني): عن قتادة: "يشرب منها المقربون صرفًا وتمزج لسائر أهل الجنة. والظاهر أنهم تارة يشربون من كأس مزاجها كافور، وتارة يسقون من كأس مزاجها زنجبيل، ولعل ذكر (يسقون) هنا دون (يشربون) لأنه الأنسب بما تقدمه من قوله تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} ... الخ، ويمكن أن يكون فيه رمز إلى أن هذه الكأس أعلى شأنًا من الكأس الأولى" (1). ولفظ السلسبيل يوحي بالسلاسة وسهولة المساغ، وهو ما يقابل طعام الكفار الذي قال فيه سبحانه: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 12 – 13] وهو الطعام الذي ينشب في الحلق. جاء في (الكشاف): "{تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها ... قال الزجاج: السلسبيل في اللغة: صفة لما كان في غاية السلاسة" (2). والذي يظهر - كما أشار إليه صاحب روح المعاني - أن هذا الشراب أعلى من الذي قبله، يدل على ذلك أمور منها: 1- أن هذا الشراب يُسقونه فيحمله الولدان المخلدون إلى أماكنهم. ۲- وصف آنية الشراب التي يطاف بها عليهم. 3- ذكر الطائفين به ووصفهم بأنهم كاللؤلؤ المنثور. ولم يذكر مثل ذلك في الشراب الأول، مما يدل على أن هذا الشراب أعلى. ومن الملاحظ أنه استوفي عناصر الطواف كلها، فقد ذكر الطائفين وهم الولدان المخلدون، والمطوف عليهم وهم الأبرار، والمطوف به وهي آنية الفضة وأكواب القوارير وما يسقون فيها من شراب. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 248 إلى ص 249. (1) روح المعاني 29/160. (2) الكشاف 3/298.