عرض وقفة أسرار بلاغية
{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)}
جمع لهم بين دنو الظلال وتذليل القطوف، وهما صورتان متقاربتان، فتذليل القطوف يعني أن يكون ذلك في متناولهم كيف شاءوا، وفيه دلالة على دنوها منهم، كما قال تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة : ۲۳].
فتذليل القطوف يعني دنوها منهم، وأنه "لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك" (1). فالظلال دانية عليهم، والقطوف مذللة لهم دانية منهم.
وقد عطف الفعل (ذللت) على اسم الفاعل (دانية) ذلك أن الظلال
ثابتة ودنوها متصل، فجيء به باسم الفاعل الدال على الثبوت، أما
القطوف فهي متجددة، فتذليلها يتجدد بحسب الحاجة، فجيء بالفعل الدال على التجدد، جاء في (روح المعاني) أن نكتة التخالف بين الفعلية والاسمية هي: "أن استدامة الظل مطلوبة هنالك، والتجدد في تذليل القطوف على حسب الحاجة" (2).
وجوز الزمخشري أيضًا أن يكون إعراب (دانية) صفة لجنة محذوفة، فيكون التقدير: وجزاهم جنة أخرى دانية عليهم ظلالها، فيكون المعنى على النحو الآتي: وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، فيدل على أنه وعدهم جنتين.
جاء في (الكشاف): "ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والقرّ ودنوّ الظل عليهم ... ويجوز أن يكون (دانية) معطوفة على جنة، أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، على أنهم وعدوا جنتين، كقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] لأنهم وصفوا بالخوف {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا} ...
وتذليل القطوف أن تجعل ذلالًا تمتنع على قطـافهـا كيـف شاءوا" (3).
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 242 إلى ص 244.
(1) البحر المحيط 8/396.
(2) روح المعاني 29/159.
(3) الكشاف 3/298.