عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴿١١﴾ ﴾ [الإنسان آية:١١]
{فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)}
لما ذكر أنهم يخافون شر ذلك اليوم العبوس ذكر أنه تعالى وقاهم شره، ولقاهم بدل العبوس النضرة، والعبوس إنما يكون في الوجه، وكذلك النضرة، قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: ۲٤] وبدل الخوف السرور.
والخوف محله القلب، وكذلك السرور، فقابل بين العبوس في الوجوه والنضرة فيها، وبين الخوف في القلب والسرور فيه.
وقد تقول: إن مقابل الخوف هو الأمن وليس السرور، فنقول: إن السرور هو الأمن وزيادة، فقد يكون الإنسان آمنًا غير مسرور.
وكذلك النضرة لا تقابل العبوس، وإنما هي زيادة في النعيم بادية على الوجه، فقد يكون الوجه غير عابس ولكنه غير نضر، ونضارة الوجه أدل على التنعم، وكذلك السرور.
جاء في (التفسير الكبير): "اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين: طلب رضا ال له والخوف من القيامة، بيّن في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين. أما الحفظ من هول القيامة فهو المراد بقوله: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} ... وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسرورًا في القلب ... والتنكير في (سرورًا) للتعظيم والتفخيم" (1).
وجاء في (الكشاف): "أي أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وسرورًا في القلب، وهذا يدل على أن اليوم موصوف بعبوس أهله" (2).
وقد تقول: ولم قال في آية سابقة: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} ولم يقل: (يخافون شر يوم كان مستطيرًا)؟ وبعبارة أخرى: لم قال: إنهم يخافون اليوم ولم يقل: يخافون الشر.
في حين قال في هذه الآية: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} فذكر هناك أنهم خافوا اليوم، وذكر هنا أنه وقاهم شر ذلك اليوم؟
والجواب: أنهم يخافون ذلك اليوم وما فيه من أهوال هائلة ومصاعب شديدة، فإن ذلك اليوم كما قال تعالى - يوم عسير تتقلب فيه القلوب والأبصار، فهم يخافون ذلك اليوم بما فيه من مصاعب وشرور وأهوال، وهو يوم لا مناص لهم من شهوده، فقال: إنه وقاهم شر ذلك اليوم، ولم يقهم مشهد ذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيبًا وأحواله وأحداثه، وكل
منها مهول، فحسبهم أن وقاهم شره. وفي هذا إنذار وتخويف عظيمان.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 238 إلى ص 240.
(1) التفسير الكبير 30/245.
(2) الكشاف 3/297، وانظر البحر المحيط 8/396.