عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾    [الإخلاص   آية:١]
إن سورتي الفلق والناس جمعتا الاستعادة من جميع الشرور الظاهرة والخفية، فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من شرور القوى المنظورة والخفية مما لا يملك الإنسان دفعه ولا حيلة فيه، فهي استعاذة من الشر الواقع عليه من غيره. وأما سورة الناس فهي استعاذة من ظلم الإنسان لنفسه ولغيره، وهو الشر الذي توسوس به نفسه، فهو الشر الصادر من الداخل. فالشر في سورة الفلق مما لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه؛ لأنه ليس من كبسه وهو غير محاسب عليه. وأما الشر في سورة الناس فهو مما يدخل تحت التكليف ومتعلق به النهي، وهو مما يحاسب عليه المرء. جاء في (التفسير القيم): "الشر الذي يصب العبد لا يخلو من قسمين: إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها، فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه، ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها، وهو أعظم الشرين وأدومهما وأشدهما اتصالًا بصاحبه. وإما شر واقع به من غيره، وذلك الغير إما مكلف أو غير مكلف، والمكلف إما نظيره وهو الإنسان، أو ليس نظيره وهو الجني. وغير المكلف مثل الهوام وذوات الحمة و غيرها. فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه، وأدله على المراد، وأعمه استعاذ منه فيهما" (1). وجاء فيه أيضًا أن سروة الناس "مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي كلها، وهو الشر الداخل في الإنسان، الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة. فسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو ظلم الغير له بالسحر والحسد، وهو شر من خارج. وسورة الناس تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه، وهو شر داخل. فالشر الأول لا يدخل تحت التكليف، ولا يطلب منه الكف عنه؛ لأنه ليس من كبسه. والشر الثاني في سورة الناس يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي، فهذا شر المعايب، والأول شر المصائب. والشر كله يرجع إلى العيوب والمصائب ولا ثالث لهما" (2). فسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من شرور إذا وقعت على المسلم المحتسب دخلت في صحيفة حسناته؛ لأنها من المصائب الواقعة عليه، وهو يؤجر عليها حتى الشوكة يشاكها. وسورة الناس تضمنت الاستعاذة مما يدخل في صحيفة سيئاته، فجمعت هاتان السورتان كمال الاستعاذة. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 27 إلى ص 28. (1) التفسير القيم 543 – 544. (2) التفسير القيم 599 – 600.