عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ﴿٤٦﴾ ﴾ [المائدة آية:٤٦]
- ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴿٢٧﴾ ﴾ [الحديد آية:٢٧]
• ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة :٤٦] مع ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [الحديد :٢٧]
• ما وجه ما اختلف في هاتين السورتين من التفصيل فيمن قفى بهم، ووجه ما زِيْدَ في آية الحديد من المقفّى بهم قبل عيسى (ﷺ)، ولم يقع ذلك في سورة المائدة، مع اتحاد ما قصد في الموضعين من تواتر الرسل، وتقفية بعضهم ببعض ؟
• قال الغرناطي : لـ " أن آية المائدة؛ ورد الكلام فيما تقدمها في بني إسرائيل، وأكثر آيات هذه السورة، إنما نزلت فيهم تعريفاً بمرتكباتهم وتحريفهم ونقضهم الميثاق وحكمهم بغير ما أنزل الله،ولم يقع في هذه الآي، ذكر لغير بني إسرائيل، ومن كان فيهم من الأنبياء من بعد موسى (عليه السلام) إلى قوله تعالى: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾ ولا توقّف في تعقيب الرسل والأنبياء بعيسى (عليه السلام)؛ فلهذا لم يقع هنا ذكر واسطة.
وأما آية الحديد: فمقصدها غير هذا؛ إذ هي وما اتصل بها قبلها وبعدها؛ خطاب للمؤمنين، وعظات وترغيب وتمثيل وتحذير؛ أن يكونوا كمن عرفوا به ممن طال عليه الأمد، وقسا قلبه، فلهذا وما يتلوه إلى أول قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد :١٦] إلى آخر السورة؛ خطاب للمؤمنين فيما لهم وعليهم وما وعدوا به وحذروا منه، وكذا سورة الحديد بجملتها، وهم المعرفون، بقوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [الحديد :٢٥] فالمراد: عامـة الرسل - عليهم السلام - ممن كان من بني إسرائيل وقبلهم؛ تعريفاً بما أنعم سبحانه على العباد من رحمتهم بإرسال الرسل، ونص من جميعهم على نوح وإبراهيم؛ إعلاماً بحالهما في الرسل، ثم قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحديد :٢٦] وذكر ما جعل في ذريتهما من النبوة والكتاب، أتبع تعالى بتوالي الإنعام بمن بعدهم، فقال : ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا ﴾؛ إشارة إلى من كان بعد نوح وإبراهيم، وبينهم وبين عيسى، وذلك كثير، ثم قال: ﴿ وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ ، وهذا مقصد مباين ما قصد بآية المائدة، فاختلف ما ورد في الموضعين؛ لاختلاف المقصد فيهما، ولم يكن عكس الوارد ليناسب، والله أعلم بما أراد ".
روابط ذات صلة: