عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴿١٥﴾    [المائدة   آية:١٥]
  • ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿١٩﴾    [المائدة   آية:١٩]
• ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [المائدة : ١٥] مع ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾ [المائدة : ١٩] • ما السر فيما جاء في هاتين الآيتين من الاختلاف، فيما خوطب به بنو إسرائيل، ووجه خصوص كل من الموضعين بالوارد فيه، مع اتحاد مقصودهما ؟ • قال الغرناطي : لـ " أنه لما تقدم قوله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ فبيّن تعالى ما عهد إليهم فيه، أي: في معرفة نبوته، وأن يؤمنوا به ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ﴾ وألزموا الوفاء به، وأعلموا بما يكون من أمرهم أن وفوا، فقيل لهم : ﴿ لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾؛ فالتزموا بما ألزموا، بدليل قالوا : أقررنا، ثم نقضوا وحرفوا؛ فجُوْزُوا باللعنة، وقساوة القلوب، قال تعالى : ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ فلما تقدم هذا؛ ناسبه قوله تعالى لهم : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾ وهذا أوضح تناسب. ولما تقدم الآية الثانية، قول النصارى في المسيح (ﷺ)، وإخباره تعالى عنهم بذلك في قوله : ﴿ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾، وبيّن تعالى حال المسيح في عبوديته، وانسحاب القهر الرباني عليه كسائر المخلوقات، فقال تعالى : ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ ثم جمع أهل الكتابين في التعريف بقولهم : ﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ وليس هذا الإخبار كالمخبر به من حال اليهود، في قبيح عنادهم، وشنيع تحريفهم، ولم يجرِ خطاب النصارى، وما عرف به من حالهم في الكتاب العزيز، على حد ما جرى في ذلك في يهود من التعنيف والتوبيخ، وضرب الذلة، واللعنة عليهم، والبوء بالغضب، فلما كان هذا التعريف المتقدم على الآية الثانية، أوطأ مساقًا، ودون ما تقدم الآية المتقدمة من التوبيخ والمبالغة في شنعة المرتكب؛ ناسب هذا ما بنى عليه، وأتبع به، من قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ ﴾، وفي هذا الخطاب؛ استلطاف ورفق، ولم يَردْ هنا ذكر تحريف ولا تبديل؛ ليلائم ما تقدمه في لِين القول، ووطأة الإخبار، وتأمَّل التناسب بين الخطابين، وما بُنِيا عليه يَلُحْ لك جليل الانتظام، وعظيم التلاؤم، وأن عكس الوارد لا يمكن، ولا يلائم، والله سبحانه أعلم ".
روابط ذات صلة: