عرض وقفة تذكر واعتبار

  • ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٣٢﴾    [البقرة   آية:١٣٢]
﴿وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [البقرة ١٣٢] اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الحِكايَةَ اشْتَمَلَتْ عَلى دَقائِقَ مُرَغِّبَةٍ في قَبُولِ الدِّينِ : أحَدُها: أنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ وأمَرَ إبْراهِيمُ بَنِيهِ بَلْ قالَ: وصّاهم ولَفْظُ الوَصِيَّةِ أوْكَدُ مِنَ الأمْرِ، لِأنَّ الوَصِيَّةَ عِنْدَ الخَوْفِ مِنَ المَوْتِ، وفي ذَلِكَ الوَقْتِ يَكُونُ احْتِياطُ الإنْسانِ لِدِينِهِ أشَدَّ وأتَمَّ، فَإذا عَرَفَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ مُهْتَمًّا بِهَذا الأمْرِ مُتَشَدِّدًا فِيهِ، كانَ القَوْلُ إلى قَبُولِهِ أقْرَبَ. وثانِيها: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَصَّصَ بَنِيهِ بِذَلِكَ، وذَلِكَ لِأنَّ شَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلى أبْنائِهِ أكْثَرُ مِن شَفَقَتِهِ عَلى غَيْرِهِمْ، فَلَمّا خَصَّهم بِذَلِكَ في آخِرِ عُمْرِهِ، عَلِمْنا أنَّ اهْتِمامَهُ بِذَلِكَ كانَ أشَدَّ مِنَ اهْتِمامِهِ بِغَيْرِهِ. وثالِثُها: أنَّهُ عَمَّمَ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ جَمِيعَ بَنِيهِ ولَمْ يَخُصَّ أحَدًا مِنهم بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ، وذَلِكَ أيْضًا يَدُلُّ عَلى شِدَّةِ الِاهْتِمامِ. ورابِعُها: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أطْلَقَ هَذِهِ الوَصِيَّةَ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمانٍ مُعَيَّنٍ ومَكانٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ زَجَرَهم أبْلَغَ الزَّجْرِ عَنْ أنْ يَمُوتُوا غَيْرَ مُسْلِمِينَ، وذَلِكَ يَدُلُّ أيْضًا عَلى شِدَّةِ الِاهْتِمامِ بِهَذا الأمْرِ. وخامِسُها: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ما مَزَجَ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ وصِيَّةً أُخْرى، وهَذا يَدُلُّ أيْضًا عَلى شِدَّةِ الِاهْتِمامِ بِهَذا الأمْرِ، ولَمّا كانَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ هو الرَّجُلُ المَشْهُودُ لَهُ بِالفَضْلِ وحُسْنِ الطَّرِيقَةِ وكَمالِ السِّيرَةِ، ثُمَّ عُرِفَ أنَّهُ كانَ في نِهايَةِ الِاهْتِمامِ بِهَذا الأمْرِ، عُرِفَ حِينَئِذٍ أنَّ هَذا الأمْرَ أوْلى الأُمُورِ بِالِاهْتِمامِ، وأجْراها بِالرِّعايَةِ، فَهَذا هو السَّبَبُ في أنَّهُ خَصَّ أهْلَهُ وأبْناءَهُ بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ، وإلّا فَمَعْلُومٌ مِن حالِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ كانَ يَدْعُو الكُلَّ أبَدًا إلى الإسْلامِ والدِّينِ.