عرض وقفة تذكر واعتبار

  • ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴿١٨﴾    [الأنفال   آية:١٨]
الحمدلله والصلاة والسلام عَلَى رسول الله اما بعد فهذه وقفات منقولة من قول الله تعالى : ﴿ذَ ٰ⁠لِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَیۡدِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ) قال البغوي - رحمه الله - ﴿مُوهِنُ﴾ : مُضَعِفُ ابن عاشور - رحمه الله - و”كَيْدِ الكافِرِينَ“ هو : قَصْدُهُمُ الإضْرارَ بِالمُسْلِمِينَ في صُورَةٍ لَيْسَتْ ظاهِرُها بِمُضِرَّةٍ، قال ابن كثير - رحمه الله - : وهذه بشارة فإن الله أعلمهم بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل مصغر أمرهم وأنهم في تبار ودمار» والتشديد في صيغة اسم الفاعل دليل المبالغة في إضعاف ذلك الكيد في الحال والاستقبال. ولا عجب في ذلك؛ إذ ضعف كيد الكفر مستمد من ضعف كيد مَصدره ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ ومن صور إيهان الله كيدَ الكافرين: 1- إلقاءُ الرعب في قلوبهم، كما قال تعالى: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ 2- وتفرّق كلمتهم 3- وفشو العداوة والبغضاء بينهم كما قال تعالى: ﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ 4- ومكر أولئك الكافرين السوءَ راجع بالسوء عليهم وسيصطلون بناره كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ 5- ومكر الله بأولئك الماكرين متين؛ لا يدركه بُعْدَه إلا من أنار الله بصيرته بنور الوحي وعمر قلبَه باليقين وكان له بصر بتاريخ الأمم، ولم تغرّه ظواهر الأحوال ولم تأسره اللحظة الحاضرة؛ فالكيد الإلهي للكافرين كيد قوي شديد خفي متدرج طويل الأمد يأتي من مأمن، ويصيب في مقتل، وينقضّ على أصول مكرهم السيء ويقوّض أساس بنائه حتى يتهاوى السقف على أهله كما قال تعالى: ﴿ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ ويقول تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ 6- وكذلك فإن من شأن ذلك الكيد الكفري أن يوقظ جذوة الإيمان في القلوب، ويسوق أهل الإيمان للاحتماء بربهم، والرجوع لدينه والتمسك به. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته ويقذف بالحق على الباطل؛ فيدمغه؛ فإذا هو زاهق 7- ". وهكذا ينقلب كيدهم نقيض ما أرادوا وخططوا ودبروا وموّهوا، كما حكى الله عاقبة كيد قوم إبراهيم – عليه السلام – به، فقال: ﴿ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿ الْأَخْسَرِينَ [ ﴾ وذلك من تباب كيد الكافرين، وضلال سعيهم، وخسارة جهدهم كما قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾