عرض وقفة تذكر واعتبار

  • ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿١٧٥﴾    [الأعراف   آية:١٧٥]
  • ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦﴾    [الأعراف   آية:١٧٦]
موقف ترك في قلبي كثيراً من العِـبر ! ‏قبل أيام قصدت مسجدا يصلي فيه أحد العلماء المعروفين - أبقاه الله على عافية وطاعة ونفع به - ، ولما أنهينا الصلاة وانفض الناس من المسجد تحيّنت فراغه من أذكاره ثم أقبلت عليه وهو متكئ على مِركاة لوحده ، ‏فقبّلت رأسه وجلست بجانبه فرحّب بي كعادته ثم شرعت في سؤالي ولما فرغ من الإجابة، أخذ المصحف وكأنه يريد البدء في ورده المعتاد ،فرأيتها فرصة سانحة قبل مفارقتي له أن أسأله سؤالا أخيراً ‏لعلي أجد ما يجلو الله به الصدأ عن قلبي. ‏فقلت؛ أحسن الله إليك قبل أن أنصرف أخبرني عن الآية التي إذا وصلتها لم تتعداها لغيرها حتى تظن أنك أوفيتها شيئاً من حقها تأملاً وتدبرا؟ ‏فسكت مهلة وهو مطرق رأسه ثم قرأ هذه الآية {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاويين} سورة الأعراف ١٧٥-١٧٦ ‏ثم التفت إلي وعيناه تفيض من الدمع وقال: كثير يظن هذه الآية لعامة الناس ! لا .. بل هي لأهل العلم والعلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله! ثم أخذ يقلب يده وهو يقول: كيف يكون على طاعة ثم ينقلب إلى معصية ؟! يكون على الهداية ثم ينقلب إلى الضلال! ‏فعلمت أني نكأت جرحاً لم يندمل في قلبه - ‏فأردت أن يحدثني عن الرجاء في لطف الله ورحمته حتى أخفّف عليه ، ‏قلت : آمنت بالله ياشيخنا وكيف النجاة ؟ ‏فقال : "الدعاء ،الدعاء، الدعاء" ‏وإلا هل يعقل أن يكون أحد من أحباب الله وأوليائه ثم ينقلب عدوّاً لله ؟! ‏ثم أجهش باكياً وأخذ يضرب على فخذه وهو يرجو الثبات ويردد؛ ‏الله المستعان الله المستعان .. ‏فاستحييت منه وقبلت رأسه وانصرفت وأنا أسمعه يرددها وهو يبكي حتى خرجت من المسجد ! ففكرت كم نغفل عن مثل تلك المعاني ؟! ‏وهذا الذي شابت لحيته في تحقيق كتب أهل الفقه والسنة وذو حظ من العبادة - كما نحسبه - كيف كان خوفه على إيمانه ولا حول ولا قوة إلا بالله! ‏اللهم بارك في علمه وعمله وارزقنا وإياه الثبات على هُداك حتى الممات أنت حسبنا ونعم الوكيل.