التدبر

١١ {فلما رأينه أكبرنه} {فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين}النساء يعجبهن حسن المظهر والرجال فيعجبهم حسن المنطق. الوقفة كاملة
١٢ حال النسوة مع يوسف ﷺ : " فلما (رأينه) أكبرنه وقطعن أيديهن " الملك لما رآه : فلما (كلمه) قال إنك اليوم لدينا مكين " الرجال غالباً يروقهم جمال الجوهر والمخبر.. والنساء يروقهن المظهر.. أو بعبارة أدق كلا الجنسين ينظر من زاوية مختلفة .. ومعرفة طريقة تفكير الذي أمامك بالذات في المجتمع الأسري يفيدك في تلافي كثير من الإشكالات الأُسرية. الوقفة كاملة
١٣ "فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين" الدعاة إلى الله شخصيات مبهرة ومقنعة .. لذلك يحرص المفسدون على الحيلولة دون وصولهم لصناع القرار . الوقفة كاملة
١٤ (فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين) عقل المرء وقدره يُعرف من كلامه. الوقفة كاملة
١٥ [ فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ]ما أعدل الشخص عندما يجد انسان كفؤ ، فينزله منزلته وما أظلم من يعرف مميزاتك لكن يتجاهلك. الوقفة كاملة
١٦ وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي " قال الملك أولا في الآية رقم ٥٠ " ائتوني به " فقط . فلما لم يفعل يوسف ﷺ وتبين للملك علو شأن هذا النبي الكريم قال ثانيا " ائتوني به " بزيادة " أستخلصه لنفسي " وهذا يرسم منهج الطغاة عند وجود المصلحة والمنفعة .. فهذا الطاغية - وأمثاله كثير - لم يبالي بيوسف ﷺ وهو في السجن لسنين مديدة .. ولا يعنيه أصلاً كم سنة من عُمره ذهبت وراء القضبان .. ولم يتفكر في شأنه وكيف ينام ليله ويمضي وقته .. لكن عندما كلمه واحتاج له قال كلمته " استخلصه لنفسي " واجعله من خاصتي وكأنه المتكرم. الوقفة كاملة
١٧ ﴿فلما "كلمه" قال إنك اليوم لدينا مكين أمين﴾ ﴿فلما "رأينه"أكبرنه﴾ المرأة يغرها المظهر وأماالرجل فيبحث عن المخبر لذا كان وليها. الوقفة كاملة
١٨ " يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه " أب مكلوم ومفجوع من فقد ولديه ومع ذلك يناديهم بألطف كلمه "يابَني" إنها رحمة الأب ، توجب لنا البر.. همسة : كيف برحمة أرحم الراحمين ؟! فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قدم رسول الله ﷺ ، بسبي ، فإذا امرأة من السبي تسعى ، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته ، فألزقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال رسول الله ﷺ : " أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا والله . فقال : " لله أرحم بعباده من هذه بولدها "متفق عليه . الوقفة كاملة
١٩ "اهدنا الصراط المستقيم" يهدي" يتعدى ب "إلى" أو "في"؛ فحذفهما ليشمل المعنيين؛ فأنت تدعو أن يهديك إلى الصراط وفيه الوقفة كاملة
٢٠ (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) في الآية معنيان لطيفان: ١- التكنية عما لا يحسن التصريح به. ٢- عدي الرفث بـ(إلى) مع أنه لا يقال: رفثت إلى النساء، ولكنه جيء به محمولًا على الإفضاء الذي يراد به الملابسة. الوقفة كاملة

تذكر واعتبار

١١ ثانياً- وسائل الإعلام: من أكبر الجرائم في حق الأوطان هي المواد التي تبثها وسائل الإعلام بدون توجيه أو توعية، إلا السعي للإفساد والفساد على المستوى العقلي والسلوكي، ومعلوم ما تبثه الكثير من الفضائيات من فنون نشر الرذيلة، بل هناك أقمار كاملة معنية بهذه الأمور، وتعلن الحرب على الشباب طوال الليل والنهار؛ ليصبح مسخاً بلا هوية أو أخلاق، وذلك لأن المضمون والمحتوى الفكري والثقافي الذي يقدم للشباب -بخاصة البنات- منذ نعومة أظفارهم يؤثر حتماً على بنائهم النفسي، وتكوينهم العاطفي والوجداني، ويمثل لهم أنماطاً سلوكية، ونماذج عملية يقتدون بها، ويحبون التشبه بها في حياتهم العملية. وفي مجتمعاتنا العربية، نجد كثيراً من البرامج التي تهتم بالأطفال دوماً ما تسأل الأطفال عن سؤال محدد، سواء في إطار البرامج والحلقات، أو في الحياة عموماً، والسؤال هو: "من هو مثلك الأعلى؟"، وغالباً تكون الإجابة: فنان أو لاعب كرة، والفتيات كذلك، تكون القدوة ممثلة أو مغنية، إلا من رحم ربي، وهم الصفوة التربوية الناجية من براثن الإعلام بفضل خبرة الآباء وإخلاصهم لله عزوجل. وعليه فإن دور كل صاحب رسالة مصلح -سواء إعلامي أو مربٍ خطير- هو ترجيح الكفة نحو صلاح الشباب والفتيات، خصوصاً مع ضخامة تمويل الفساد وبريق الفاسدين وآرائهم التي ينبهر بها الشباب. الوقفة كاملة
١٢ لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته . ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن . أولاً : الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية : 1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه . 2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض . أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه . هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه . 3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير . 4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله . 5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض . ثانياً : الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن : ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة . ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة . ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه : 1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 . 2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون . 3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه . 4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية . 5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي . 6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين . صور من اهتمام المسلمين بالسجناء : - الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا . - كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم . - كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول : انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى . - جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه . - لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة ، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا . وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله . - وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له : ( فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون - وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض ، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم ، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم ) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي . للمزيد يُراجع : أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379 ، الوقفة كاملة
١٣ الحمد لله. أولا: الواجب على المؤمن أن يعتقد كمال عدل الله وحكمته، فالله لا يظلم عبده مثقال ذرة، وهو الحكيم العليم الذي يضع الأشياء في مواضعها، وهو الرحيم الكريم الذي يكرم عباده ويتفضل عليهم. وقد وعد الله المؤمنين –رجالا ونساء- بالجنة والنعيم والثواب الكريم، في غير آية من كتابه. وما من نعيم ثابت للمؤمن إلا وهو شامل للمرأة ، إلا ما خصه الدليل ، ككون الرجل له عدد من الحور العين، والمرأة تكون قاصرة على زوجها، ويكون نعيمها وهناؤها في هذا القصر . وأما التمتع بالطعام والشراب، والسرر والأرائك، والقصور والحبور، والأنهار والأشجار، فكل ذلك للرجل والمرأة سواء. وأعظم نعيم لأهل الجنة هو رؤية الله تعالى، وهذا يكون للرجال والنساء، كما سيأتي. قال تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَاب ِ) آل عمران/195 وقال تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء/124 وقال عزّ وجلّ : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97 وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) غافر/40 فالذي يجعل المرأة تقبل على العمل، وتحب لقاء الله هو شوقها لمغفرة الله تعالى، والتنعم بدار كرامته، والنجاة من عذابه، شأنها في ذلك شأن الرجل تماما. ولو أن الرجال لم يذكر لهم شيء عن الحور العين، أما كانوا سيسعون للعمل، ويشتاقون للجنة، وينتظرون نعيمها؟! وهل الحور العين إلا نعمة يسيرة ، في جانب ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من النعيم في الجنة؟! ثانيا: أعظم نعيم أهل الجنة هو رؤية الله الكريم المنان، وهذا يحصل لجميع أهل الجنة رجالا ونساء. ونسوق هنا كلاما جامعا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وفيه ذكر لكثير من الأدلة الدالة على حصول هذه الرؤية للنساء في عرصات القيامة ثم في الجنة. قال رحمه الله: " الدليل على أنهن [ يعني : النساء ] يرينه : أن النصوص المخبرة بالرؤية في الآخرة للمؤمنين تشمل النساء لفظا ومعنى، ولم يعارض هذا العموم ما يقتضي إخراجهن من ذلك ؛ فيجبُ القول بالدليل ، السالم عن المعارض المقاوم. ولو قيل لنا: ما الدليل على أن الفرس يرون الله؟ أو أن الطوال من الرجال يرون الله ؟ أو إيشٍ الدليلُ على أن نساء الحبشة يخرجن من النار؟ لكان مثل هذا العموم في ذلك بالغا جدا ؛ إلا إذا خصص. ثم يعلم أن العموم المسند ، المجرد عن قبول التخصيص : يكاد يكون قاطعا في شموله ، بل قد يكون قاطعا. أما " النصوص العامة " : فمثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة {أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله؛ قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك... هذان الحديثان من أصح الأحاديث فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم فإنكم ترونه كذلك؛ يحشر الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه . أليس قد علم بالضرورة أن هذا خطاب لأهل الموقف من الرجال والنساء؛ لأن لفظ الناس يعم الصنفين ، ولأن الحشر مشترك بين الصنفين ؟ وهذا العموم لا يجوز تخصيصه ، وإن جاز : جاز على ضعف ؛ لأن النساء أكثر من الرجال ، إذ قد صح أنهن أكثر أهل النار ، وقد صح : لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات ، سوى الحور العين ، وذلك لأن من في الجنة من النساء أكثر من الرجال ، وكذلك في النار؛ فيكون الخلق منهم أكثر ؛ واللفظ العام : لا يجوز أن يحمل على القليل من الصور ، دون الكثير، بلا قرينة متصلة؛ لأن ذلك تلبيس وعي ينزه عنه كلام الشارع... وفي حديث أبي رزين العقيلي المشهور من غير وجه قال: قلنا يا رسول الله: أكلنا يرى ربه يوم القيامة؟ قال: أكلكم يرى القمر مُخْلِيا به؟ قالوا: بلى !! فالله أعظم . وقوله: كلكم يرى ربه كقوله كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ؛ فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في مال زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها مِنْ أشملِ اللفظ. ومن هذا قوله: كلكم يرى ربه مخليا به ، وما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ، وما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان ، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان ، التي تصرح بأن جميع الناس ذكورهم وإناثهم مشتركون في هذه الأمور ، من " المحاسبة " و " الرؤية " و " الخلوة " و " الكلام ". وكذلك الأحاديث في " رؤيته - سبحانه - في الجنة " : مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ؛ إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه . فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب ، فينظرون إلى الله ؛ فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة}. قوله: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يعم الرجال والنساء؛ فإن لفظ الأهل يشمل الصنفين . وأيضا فقد علم أن النساء من أهل الجنة. وقوله: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه : خطاب لجميع أهل الجنة الذين دخلوها ، ووعدوا بالجزاء ، وهذا قد دخل فيه جميع النساء المكلفات. وكذلك قولهم: " ألم يثقل ويبيض ويدخل وينجز " يعم الصنفين. وقوله: فيكشف الحجاب فينظرون إليه : الضمير يعود إلى ما تقدم ، وهو يعم الصنفين. ثم الاستدلال بالآية دليل آخر؛ لأن الله سبحانه قال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ؛ ومعلوم أن النساء من الذين أحسنوا . ثم قوله فيما بعد: أولئك أصحاب الجنة : يقتضي حصر أصحاب الجنة في أولئك ، والنساء من أصحاب الجنة ؛ فيجب أن يَكُنَّ من أولئك، وأولئك إشارة إلى الذين لهم الحسنى وزيادة؛ فوجب دخول النساء في الذين لهم الحسنى وزيادة ، واقتضى أن كل من كان من أصحاب الجنة فإنه موعود " بالزيادة على الحسنى " ، التي هي النظر إلى الله سبحانه؛ ولا يستثنى من ذلك أحد إلا بدليل ... وكذلك ما دل من الكتاب على " الرؤية "؛ كقوله وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة : هو تقسيم لجنس الإنسان المذكور في قوله: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة . وظاهر انقسام الوجوه : إلى هذين النوعين. كما أن قوله وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أيضا : إلى هذين النوعين؛ فمن لم يكن من الوجوه الباسرة ، كان من الوجوه الناضرة الناظرة؛ كيف وقد ثبت في الحديث أن النساء يزددن حسنا وجمالا كما يزداد الرجال، في مواقيت النظر؟ وكذلك قوله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قد فسر بالرؤية وقوله: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون : فإن هذا كله يعم الرجال والنساء... وكذلك قوله: إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون إن " البر " سبب هذا الثواب ، و" البر " مشترك بين الصنفين، وكذلك كل ما علقت به " الرؤية "، من اسم الإيمان ونحوه ، يقتضي أنه هو السبب في ذلك فيعم الطائفتين. وبهذا " الوجه " احتج الأئمة أن الكفار لا يرون ربهم. فقالوا: لما حجب الكفار بالسخط ، دل على أن المؤمنين يرون بالرضى ؛ ومعلوم أن المؤمنات فارقن الكفار فيما استحقوا به السخط والحجاب ، وشاركوا المؤمنين فيما استحقوا به الرضوان والمعاينة ؛ فثبتت الرؤية في حقهم ، باعتبار الطرد واعتبار العكس. وهذا باب واسع ؛ إن لم نقطعه ، لم ينقطع !!" انتهى من مجموع الفتاوى (6/ 437- 440). ثالثا: أما رؤية الرجال لربهم تعالى يوم الجمعة، فقد روى مسلم (2833) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ، فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ ، وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ). وهذا ظاهر في أن هذه الرؤية الخاصة إنما تكون للرجال، أي مجيئهم إلى سوق الجمعة، لكن لا يمنع ذلك من حصول الرؤية للنساء وهن في منازلهن. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " وما في هذا الحديث من " ازدياد وجوههم حسنا وجمالا " : لا يقتضي انحصار ذلك في الريح ، فإن أزواجهم قد ازدادوا حسنا وجمالا ، ولم يشركوهم في الريح؛ بل يجوز أن يكون حصل في الريح زيادة على ما حصل لهم قبل ذلك ، ويجوز أن يكون هذا الحديث مختصرا من بقية الأحاديث بأن سبب الازدياد " رؤية الله تعالى " مع ما اقترن بها. وعلى هذا فيمكن أن يكون " نساؤهم المؤمنات " رأين الله في منازلهن في الجنة " رؤية " اقتضت زيادة الحسن والجمال - إذا كان السبب هو الرؤية ، كما جاء مفسرا في أحاديث أخر - كما أنهم في الدنيا ، كان الرجال يروحون إلى المساجد فيتوجهون إلى الله هنالك ، والنساء في بيوتهن يتوجهن إلى الله بصلاة الظهر؛ والرجال يزدادون نورا في الدنيا بهذه الصلاة ، وكذلك النساء يزددن نورا بصلاتهن ؛ كل بحسبه؛ والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، بل كل عبد يراه مُخْلِيا به في وقت واحد" انتهى من مجموع الفتاوى (6/ 408). ونقول: هبي أن الرؤية يوم الجمعة لا تحصل للنساء، مع ما أكرمهن الله بالرؤية العامة، والنعيم المقيم، أيكون هذا داعيا لاعتراضها وقنوطها؟! وهل هذا إلا من كفران النعمة، وعدم شكر المنعم؟ وأي وسوسة هذه التي تجعل الإنسان مشغولا بأنه لن يحصل على كل صور النعيم في الجنة، وقد علم أن مجرد الزحزحة عن النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم، كما قال تعالى: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران/185 وكل مؤمن يعلم أنه قد تفوته مراتب كثيرة في الجنة، كمراتب الأنبياء، فضلا عن غيرها من المراتب، نظرا لتقصيره وتفريطه، ومع ذلك فهو يشتاق لمجرد دخولها، بل حري به أن يفني عمره في خدمة ربه ومولاه، شكرا على نعمه التي أنعم بها عليه في الدنيا، فكيف إذا كان سيدخله جنته ودار كرامته. والمهم أن تعلمي أن كل من في الجنة لا بد أن يكون راضيا سعيدا، بل في أتم الرضا والسعادة ، حتى قبل حصول الرؤية، ولذلك حين يقول الله لهم: (تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه مسلم (181). فهم في هذه الحال ، قبل حصول الرؤية : يتنعمون نعيما ، لا يدور بخاطرهم أن هناك نعيما فوقه ، أو أنه بقي لهم شيء يطلبونه من النعيم ؟!! أفلا ينبغي أن تكوني من هؤلاء السعداء الشاكرين ، الذين يرون نعمة الله العظمى عليهم في دخولهم الجنة ، ونجاتهم من النار ، وتبييض وجوههم؟! وما أجمل قول شيخ الإسلام رحمه الله: "ألا ترى أن الذين في الدرجات العلى من أهل الجنة لا يُعْطون الدرجات الدنى ، ثم لا يكون هذا نقصا في حقهم؛ فإن الله سبحانه يرضي كل عبد بما آتاه، فجاز أن يكون قد أرضى النساء بأعلى " الرؤية " ، عن مجموع أعلاها وأدناها" انتهى من مجموع الفتاوى (6/ 456). رابعا: لا وجه لقولك: إن المرأة مهما عملت فلن تكون أفضل من أقل رجل في الجنة؟! وكون الرجل يفضلها بالحور العين، لا يمنع من أنها قد تفضله بأشياء أخرى كالدرجة الأعلى والأرفع ، وما فيها من النعيم الذي يناسبها. والمرأة كالرجل في وعد الله لها بالدرجات العلى، وبارتفاع درجتها لحفظها القرآن الكريم، فتقرأ وترقى، ويكون منزلتها عند آخر آية كانت تقرؤها. وقد تكون في درجة نازلة، فيرفعها الله إلى درجة زوجها، كما قال تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) الزخرف/70. وقال في دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) غافر/8، وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) الرعد/22-23. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/ 451): "أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ، لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، امتنانًا من الله، وإحسانًا ، من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)" انتهى. فالمرأة قد تفضل ما شاء الله من الرجال في الجنة، بحسب درجتها ومنزلتها، ولا نعلم دليلا على أنها تكون دون الرجل ، هكذا على العموم . ونصيحتنا أن تنشغلي بما ينفعك، وأن تقبلي على الطاعة والعبادة، وألا تلتفتي لوساوس الشيطان، فإن الشيطان يودّ لو ألقى في نفسك أنك لن تفضلي الرجال! فما الداعي للعمل؟! وتأملي قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) النساء/32 واعلمي أن المؤمنة في الجنة راضية هانئة، منعمة مع زوجها، لا تفكر في غيره، ولا تتطلع إلى سواه، ولا تشعر ببخس ولا ظلم ولا حزن، فليس في الجنة حزن، بل سرور وحبور، وزوجها ليس على ما كان في الدنيا، لا شكلا، ولا لونا، ولا عمرا، كما في الحديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً رواه الترمذي (2545) وأحمد (7933) وحسنه الألباني ومحققو المسند. الوقفة كاملة
١٤ الإضرار عن طريق الإغفال والتضليل ذكرنا فيما سبق: ان الغرب خطط للاضرار بالمسلمين في كل مجالات الحياة، في العلم والصنعة، وفي العدد والعدة، وفي الدين والعقيدة، ولأجل مواصلة الإضرار بهم، زرع في قلب بلادهم، ووسط منطقتهم، اسرائيل الغاصبة لتخلق لهم البلابل والمشاكل باستمرار، وتسبب تضررهم دائماً وأبداً. ولكنه لم يكتف الغرب بذلك كله حتى خطط لاغفال المسلمين والنوم عن مصالحهم، فان من مصلحة كل شعب وأمة ان توفر لنفسها وبيدها ضرورياتها وأوليات حياتها، حتى لا تحتاج فيها إلى غيرها، فإن الاحتياج إلى الغير يولد التبعية، ويفقد الاستقلالية وذلك كما قال الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): «احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره» بعد ان قال (عليه السلام): «افضل على من شئت تكون أميره»(1). بينما أشاع الغرب في المسلمين ثقافة الكسل والضجر والتقاعس عن العمل، وروج بينهم هذا المنطق الكاذب، الذي يقول: (انا نحن المسلمين والعرب سادة وأشراف، والغرب عبيد واماء، فهم يعملون ويكدحون ويخترعون وينتجون، ونحن نستورد ونستهلك وبفضل أموالنا وثرواتنا فهم عمال ونحن تجار، وهم مستعطون ونحن متفضلون). وبهذا المنطق الخادع أضروا بالمسلمين ضرراً بالغاً، مما أدى إلى تبعيتهم للغرب في كل شيء، بحيث لو اغلق الغرب عليهم أبواب منتجاتهم الزراعية يوماً اختلت حياتهم، وماتوا جوعاً، وهل هناك ضرر يمكن للغرب ان يضر العرب والمسلمين به أكبر من هذا؟ نعم، ان المسلمين على أثر هذه التبعية وعدم استقلاليتهم الناتجة عن اشاعة الغرب في أوساط المسلمين ثقافة الترهل والتقاعس، وترويج المنطق الكاذب: (انهم الغربيون عمال ونحن تجار، وهم عبيد ونحن سادة وأرباب) تراجعوا في كل شيء، وتقهقروا من كل الجهات، واليك مثلاً على ذلك: تضرر البلاد العربية ذكرت المنظمات العالمية تقريراً عن العلماء المعنيين بالبيئة يقول: ان البلاد العربية صالحة من حيث المناخ والمساحة والتربة والماء لأن تستوعب خمسة مليارات انسان، على ان يعيش كل واحد منهم برغد ورخاء، وعائد سنوي كبير، ودخل يومي رفيع، يوفر عليه السكن المريح، والوسيلة الفارهة، والعيش الهنيئ، والرزق الوافر. بينما اليوم على أثر التضليل الغربي، والدعايات المضللة التي أشاعها الغرب في الأوساط العربية، لم يتجاوز نفوس العرب في البلاد العربية عن الثلاثمائة مليون نسمة، وكلهم سوى الطبقة الحاكمة وعشرة بالمائة من الناس، يعيشون عيشة مزرية، ويعانون من سوء التغذية، وعدم السكن، وقلة الرزق، ووعورة الحياة، وانخفاض مستوى الدخل، وغير ذلك من ضنك العيش وصعوباته. خسارة دائمة ومستمرة هذا مع ان هناك تقريرات رسمية أخرى تقول: بان في مصر أياد عاملة كثيرة لكنها عاطلة عن العمل، وفي السودان أراض واسعة وتربة خصبة ومياه كثيرة، حيث النيل الفضفاض يسقي تلك الربوع المستعدة للزرع والضرع، ولكنها متروكة ومهجورة فإذا شغلنا تلك الأيادي العاملة العاطلة في مصر، على زراعة الأرض الخصبة والمستعدة التي بقيت متروكة ومهجورة في السودان، استطعنا ان نوفر من القمح فقط ما يكفي طعاماً لكل البلاد العربية على رمتها. لكن تغافل العرب بل المسلمين كلهم ونومهم عن مصالحهم المخطط لهم هذا التنويم من الغربيين، وترك الأيادي العاملة عاطلة عن العمل، والأراضي الخصبة مهجورة عن الزراعة، وكانت النتيجة: ان أصبحت الشعوب العربية فقراء معدمين، تعساء محرومين، لا رزق لهم ولا طعام، ولا سكن ولا مقام، ولا سعادة ولا هناء. كان هذا بعض ما وصلنا من التقارير الرسمية في خصوص البلاد العربية، وفي مجال طاقاته البشرية المعطلة، وأراضيها الخصبة المهجورة، ومياهها الكثيرة المهدورة، وفي مجال اعتدال مناخها، وسعة مساحتها، وقدرتها على استيعاب خمسة مليارات من البشر، المقصورة بدل ذلك على ثلاثمائة مليون نسمة فقط. وما لم يصلنا من التقارير الرسمية في بقية المجالات الحيوية والهامة، بالنسبة إلى خصوص البلاد العربية، وكذلك بالنسبة إلى عموم البلاد الإسلامية، فهي أكثر بكثير مما وصلنا واطلعنا عليه، وان كان في الذي وصلنا لكفاية في قيام الحجة علينا، وانقطاع العذر منا أمام الله والناس، والتاريخ والأجيال، وذلك كما قال تعالى: (قل فلله الحجة البالغة) (2) فإنه يقال للعاصي يوم القيامة لم عصيت؟ فإذا قال: ما كنت أعلم، يقال له: لم لم تتعلم؟ من وسائل إضرار الغرب بالمسلمين لم يقنع الغرب بالأضرار التي ألحقها بالمسلمين عرباً وغير عرب في مختلف مجالات الحياة، كما لم يكتف بزرع اسرائيل في قلب منطقتهم، ووسط بلادهم، لتشغلهم بالمشاكل التي تخلقها لهم دائماً وباستمرار، حتى أشاع في الأوساط الإسلامية وبتخطيط مدروس وماكر، ثقافة الانحلال والابتذال، والميوعة والفساد، يعني: على عكس ما يدعو الإسلام المسلمين إليه من ثقافة العفة والسداد والصلاح والرشاد، فان الإسلام يدعو باصرار إلى هذه الثقافة الانسانية والتقدمية، ويحذّر وبتأكيد من الثقافة الحيوانية والارتجاعية التي يروجها الغرب، ويسد كل الأبواب والمنافذ المؤدية اليها. ان الإسلام بتعاليمه الحكيمة، وقوانينه الراقية، يفرض الحجاب على النساء ويوجب غض البصر على الرجال، كخطوة أولى في الحفاظ على شخصية المرأة وعفتها، وصيانة اصلاح المجتمع وسداده، ثم يحرم المخالطة والمراودة، والمفاكهة والمصادقة، والنظر بخيانة على كل من المرأة والرجل الأجنبيين، كخطوة ثانية في حراسة حقوق المرأة وتقوية شخصيتها، ورعاية سلامة نظام الأسرة وتحكيم روابطها، فان نظام الأسرة الذي رسمه الإسلام وأطّره بإطار النزاهة والقداسة، لهو خير نظام عرفه التاريخ، وتوصل إليه البشر، واكتشفه العلم الحديث فان العلم الحديث أثبت بالأرقام: بأن أفضل طريقة، وأجمل نظام، استطاع ان يسعد كلاً من المرأة والرجل من حيث الروابط الجنسية والاستمتاعات الجسدية، والعلائق الودية والعاطفية، ومن حيث اشباع الرغبات النفسية والغرائز الجسمية وإرواء الروح والقلب بالحب والمودة، ومن حيث سلامة النسل وطيب الولادة، وإنجاب أولاد سالمين وموفقين، وناجحين وفائزين هو النظام الذي رسمه الإسلام للأسرة والاطار الذي أطرها به، حيث ان هذا النظام يجمع سلامة المجتمع وصلاحه وعفته وسداده، إلى جانب ارضاء كل فرد من أفراد المجتمع رجلاً وامرأة في عواطفه وأحاسيسه، واشباع غرائزه ورغباته، وارواء عطشه الجنسي والنفسي، والروحي والمعنوي إرضاءاً واملاءاً وكذلك إشباعاً وإرواءاً لا يتحقق مثله في أي نظام آخر. إضرارالغرب بنظام الأسرة لكن الغرب رغم اعترافه بهذه الحقيقة الانسانية، وتأييده لهذه التجربة العلمية التي أثبتت صلاحية نظام الأسرة في الإسلام لهذا العصر وأفضليته لكل العصور والأمصار المتحضـــرة، والبشرية المتقدمة، فإنه رغم كل ذلك، أشاع في أوساط المسلمين، وروج بينهم ـ للإضرار بهم ـ ثقافة الميوعة والانحلال، والفساد والابتذال، وذلك بشتى الوسائل، ولطائف الحيل، فحاربوا الحجاب، وشجعوا المرأة على التبرج، وحرضوا الرجل على محاربة الغيرة وتخليه عنها كخطوة أولى لإشاعة ثقافة الانحلال والابتذال. ثم شجعوا كلاً من المرأة والرجل على المصادقة والمفاكهة، وروّجوا بينهم التراود والاختلاط، وحملوهم على تبادل النظرات المريبة والاستمتاعات المحرمة، كخطوة ثانية لتحطيم كيان الأسرة، وتضييع حق المرأة وإفساد النسل، وإهلاك الحرث، وقد تمكنوا من تحقيق أهدافهم الشريرة وتنفيذ مخططاتهم الشيطانية في المسلمين. نعم لقد نجح الغرب من تنفيذ مخططه هذا، والحق أضراراً فادحة بالمسلمين، حيث ضعف أساس الأسرة، ووهن أركانها، عند المسلمين، فارتفع فيهم نسبة الطلاق(3)، وتقلص بينهم نسبة الزواج، وفشى بينهم الروابط غير المشروعة، وانتشر في أوساطهم الأمراض التناسلية والإيدز وما أشبه ذلك، وشقوا في حياتهم، وخسروا دنياهم حيث تقهقروا في كل شيء وتقدم الغرب عليهم، وفاتتهم آخرتهم، لأن (من لا معاش له لا معاد له). الوقفة كاملة
١٥ هو وعلى اختي يحسبوني غبية متجالتهم واناملاحظة تصرف اختي اول باول لين اجا يوم انهيت علاقتي معها رجعت لاختي صلة لله مو علشان وجهها وشكلها لو عليه ماابغى اشوفها حجزت نفسي عني ماابغى اشوف احد حتى اهلي ماابغى اشوفهم لان حجم الالم اللي في قلبي كبير واكتئاب حاد والحمدلله من عليه بالشفاء مهما اكتئبت الله موجود يخفف عني يسمعني ويراني ويعنيني على ماانا فيه الوقفة كاملة
١٦ ⇨ المقالات السفر للسياحة والنزهة والطاعة من مصنفات العلامة ابن عثيمين فهد بن عبدالعزيز الشويرخ 19K 9 دقائق التصنيف: وسائل ترفيه المصدر: مجموعة مواقع مداد 14 ذو القعدة 1439 ( 27-07-2018 ) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: السفر للسياحة والنزهة والطاعة من مصنفات العلامة ابن عثيمين - فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ من نعم الله عز وجل التي لا تعد ولا تحصى على عباده المسلمين، توفر الأموال الكثيرة عند أعداد ليست قليلة منهم، كان من طرق إنفاقها عند بعضهم إنفاقها في السفر للسياحة والنزهة والطاعة، مع اختلافهم في البلاد التي يقصدونها لذلك، فمنهم من يذهب إلى الحرمين الشرفيين, ومنهم من يسافر داخل بلاده، ومنهم من يسافر إلى بلاد إسلامية، ومنهم من يسافر إلى بلاد الكفار، والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له توجيهات ونصائح حول تلك الأسفار، وما يوجد فيها من أماكن وآثار يذهبُ إليها الناس ويزرونها، يسّر الله الكريم جمع تلك النصائح والتوجيهات من كتب الشيخ، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع. السفر إلى بلاد الكفار أو المتحللة للنزهة والسياحة قال الشيخ رحمه الله: أرى أن من أنعَمَ الله عليه بالمال ألا يسافر إلى البلاد الخارجية لأن في ذلك مفاسد: إن أهله سيتغيرون بما يشاهدونه، سواء تغيروا فجأة أو على المدى الطويل. وقال رحمه الله: عامة الذين يذهبون إلى بلاد الكفر إذا ذهبوا ضعف دينهم، لاسيما أولئك الذين يذهبون على سبيل النزهة والترف، فإنهم يرجعون بأفكار وعقائد وأخلاق وأعمال غير التي ذهبوا بها ويلحقهم من خسارة الدنيا والآخرة فيخسرون أموالاً طائلة مع ما يلحقهم من خُسران الآخرة نسأل الله تعالى العافية. وقال رحمه الله: أرى أن الذين يُسافرون إلى بلد الكفر من أجل السياحة فقط أرى أنهم آثمون, وأن كل قريش يصرفونه لهذا السفر فإنه حرام عليهم وإضاعة لمالهم وسيُحاسبون عنه يوم القيامة حين لا يجدون مكاناً يتفسَّحون فيه أو يتنزهون فيه، حين لا يجدون إلا أعمالهم لأن هؤلاء يُضيعون أوقاتهم ويتلفون أموالهم ويفسدون أخلاقهم وكذلك ربما يكون معهم عوائلهم ومن عجب أن هؤلاء يذهبون إلى بلاد الكفر التي لا يسمع فيها صوت مؤذن ولا ذكر ذاكر وإنما يسمع فيها أبواق اليهود ونواقيس النصارى ثم يبقون فيها مدة هم وأهلوهم وبنوهم وبناتهم فيحصل في هذا شر كثير نسأل الله العافية والسلامة وهذا من البلاء الذي يُحلُّ الله به النكبات. وقال رحمه الله: السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة، وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن والحمد لله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق فبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها. وقال رحمه الله: السفر إلى الكفر أو بلاد متحللة خطر على العقيدة، وخطر على الأخلاق، وخطر على العائلة، لأن الإنسان إذا رأى الكفر هناك فلن ينفر منه مثل نفوره لو لم يكن رآه، ومن الأمثال العامية: "كثرة الإمساس يُقلل الإحساس" فإذا رأى الكفر، وسمع أصوات النواقيس، وأبواق اليهود، خفّ الكفر في نفسه، وهذا إخلال بالعقيدة، كذلك يرى هناك بيوت الدعارة والزنا واللواط, ويري شرب الخمر، وهذا يؤثر في أخلاقه،كذلك العائلة الصغار، فالصغير لن ينسي الصورة التي رآها في صغره، سوف تتمثل هذه الصورة في رأسه ولو كبر وتباعد الزمان، فيكون هذا الرجل أساء إلى نفسه، وأساء إلى عائلته، ثم في هذا تنمية لأموال الكفار، وتقوية لاقتصادهم، وفيه أيضاً إخلال باقتصاد البلاد، لأن الدراهم التي تخرجُ منَّا إلى هناك نقصت هنا ووفرت الدراهم للبلاد الأخرى، ثم أن هؤلاء الكفرة يفرحون إذا رأوا الناس اتخذوا بلادهم موئلاً، يفرحون ويخسرون الخسائر الكبيرة لكون الناس يقصدونهم في بلادهم، فكل هذه المفاسد العاقل فضلاً عن المؤمن لا يفعلها، فأسأل سبحانه وتعالى أن يهدي شعبنا لما فيه خيرنا في ديننا ودُنيانا. وقال رحمه الله: الذين يخرجون إلى خارج البلاد للتمتع فهؤلاء على خطر عظيم، وهم واقعون في المحظور، لأنه لو لم يكن من هذا الخروج إلا مفسدة واحدة وهي: إضاعة المال، وهذا شيء محقق، ولا يمكن أن يختلف فيه اثنان، لأن نفقات التذاكر باهظة، ونفقات الفنادق هناك باهظة، هذا مع ما يحصل للقلب من البلاء، وما يحصل للنفس من الشرور، ولهذا نحذر إخواننا من السفر إلى الخارج، فإنه علة وبلاء، وإضاعة وقت، وإضاعة مال، وإفساد أخلاق، وربما إفساد عقيدة. أقول لكم: مما يُخلُّ بالعقيدة ونحن لا نشعر به، مسألة المودة والمحبة، فكراهة الناس اليوم لغير المسلم ليست ككراهتهم له بالأمس، كانوا بالأمس إذا ذَكر النصراني أو اليهودي اقشعر الجلد، أما اليوم فلا! بل إن من الناس والعياذ بالله من يتولى غير المسلمين أكثر من تولى المسلمين, وقد قال الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) (المائدة:51) والسفر إلى بلادهم سبب للمودة، وإثراء لأموالهم، وإعزاز لأوطانهم, مع ما فيه من الخطر على عقيدة الإنسان، وعلى خلقه. وقال رحمه الله: السفر إلى بلاد كافرة، أو بلاد منهمكة في المعاصي لا يجوز لأُمور عدة: أنه يخشي على عقيدة المرء...يُخشي على عقيدته أن يقول: كيف أنعم الله على هؤلاء بهذا الترف، وهذا النعيم، وهم كفار، وهو مؤمن؟ وقد قُدر عليه رزقه، فيشُكُّ: هل الإيمان خير أم الكفر خير؟ ولم يعلم المسكين أن هؤلاء عُجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، وهذا الترف بالنسبة لهم جنة، لأنهم ينتقلون بعده إلى عذاب وجحيم والعياذ بالله والفقر بالنسبة إليه إذا كان من المؤمنين يُعتبرُ ابتلاء من الله عز وجل يُؤجر عليه ويُثابُ عليه إذا صبر، قال تعالى: (إنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر:10) وقال رحمه الله: أصل السفر إلى البلاد الأُوربية أو البلاد غير الأوربية، لكنها كلها خلاعة، وفساد الخمر في الأسواق يُباع علنا والنساء يتبرجن ويعرضن أنفسهن ليس بالقول ولكن بالفعل، وما أشبه ذلك، أرى ألا يُسافر أحد لهذا، لأنه سيخسر وقتاً، وسيخسر مالاً، وسيخسر ديناً، وسيخسر خُلُقاً، فهذا لا يحلُّ له أن يسافر على هذا الوضع. السفر إلى بلاد إسلامية للسياحة والنزهة سئل: فضيلة الشيخ، أنا شاب أُريدُ أن أذهب إلى دولة إسلامية لغرض السياحة، وأُريدُ أن أخذ زوجتي معي، ومن المعلوم أن الجوازات تطلب صورة للزوجة، فهل يجوز لي ذلك، أرجو نصيحتك، بارك الله فيك؟ فأجاب رحمه الله: جزاه الله خيراً، ويجبُ علي أن أبدي له النصيحة وأُبدي له المشورة التي أدين الله بها، أقول: لا يذهب إلى بلاد أخرى لا إلى بلاد إسلامية ولا إلى بلاد غربية ولا شرقية، يبقى في بلده هذا أسلم لدينه وأحفظ لأهله، ومسألة النفقة زادت أو نقصت لا تهم، المُهمُّ أن يبقي في بلادنا والحمد لله محافظة، يحفظ دينه ويحفظُ أهله. هو إذا ذهب إلى هذه البلاد، يجد أشياء منكرة ظاهرة علناً في السوق: نساء متبرجات أشياء كثيرة لا أُحبُّ ذكرها الآن. فنصيحتي لهذا السائل، وأقول: جزاه الله خيراً، أنا قلتُ له ما يجبُ عليه، فأرجو أن يقبل منِّي المشورة، ألا يذهب إلى بلد غير بلادنا نفقات، وضياع وقتٍ، واتجاهات الله أعلمُ بها. وقال رحمه الله: لا نرى أن الإنسان يُسافر إلى بلاد خارج بلاده إلا لحاجة، أو مصلحة راجحة فالبلاد التي يسافرون إليها قد تكون بلاداً أثّر فيها الاستعمار من جهة الأخلاق والأفكار، فيحصل بذلك ضرر على الإنسان في أخلاقه وأفكاره، وهذا هو أشد الأمور التي يُخشي منها في السفر إلى الخارج، ولهذا أقول لهذا السائل وغيره: عندنا ولله الحمد من المصايف في بلادنا ما يُغني عن الخارج، مع قلة النفقات، ونفع المواطنين. وسئل الشيخ: السفر إلى البلاد الإسلامية هل يجوز السفر إليها بدون حاجة، يعني للنزهة؟ فأجاب رحمه الله: لا أرى هذا.. أولاً: إن النفقات ستكون باهظة. ثانياً: إن تلك المجتمعات فيما يُسمعُ عنها ليس بينها وبين المجتمعات الكافرة فرق، إلا بأنه يؤذن في المنائر، ويُصلي من يُصلي ويترك الصلاةُ من لا يريد الصلاة. ثم المظهر العام بالنسبة للنساء وتبرجهن لا فرق بينه وبين الدول الكافرة، هكذا نسمع، وإذا كان كذلك فثق أن أهلك الذين يذهبون إلى هناك سوف يتأثرون بهذا، والصغير تنطبع في ذاكرته الصورة فلا ينساها، وإذا كان لا بُدَّ من النزهة فعليك ببيت الله (الكعبة) ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحصل على خيرٍ وعلى أجرٍ، ولا تتكلف لا مالاً ولا تعباً بدنياً، ولا غير ذلك. السفر للمتعة المباحة قال رحمه الله: هناك صنف يسافر لمجرد المتعة لكنها متعة حلال، وهذا جائز، فله أن يسافر وإن كان سينفق أمواله، لكنه سيُنفقها في مباح, والنفوس تكلُّ وتسأمُ وتتعب من الدروس، فإذا انطلقت وذهبت لينفس الإنسان عن نفسه، فلا حرج, فالدين والحمد لله يُسر، لكن بشرط ألا يذهب إلى محرم، فمثلاً: لا يذهب إلى أماكن الأغاني والمطربين والملحنين، لأن شهود أهل الباطل باطل، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفرُ بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذاً مثلهم) (النساء:140) فلا تشهد باطلاً، لا أغاني ولا رقصاً، ولا شيئاً محرماً، لأنك إذا فعلت ذلك فقد استعنت بنعم الله على معصية الله، وهذا لا يليقُ بالعاقل، فضلاً عن المؤمن. الذهاب لمدائن صالح (ديار ثمود) قال الشيخ رحمه الله: ما يفعله كثير من الناس الآن من الذهاب إلى ديار ثمود والاطلاع على ما كانوا عليه من القوة بدون اتعاظ القلب، وأنهم على ما كانوا عليه من القوة هذه أُخذوا بصيحة واحدة فإنه منهي عنه وقوله صلى الله عليه وسلم: (أن يصيبكم ما أصابهم) يحتملُ معنيين: الأول أن يصيبكم ما أصابهم من العذاب لأنكم في مكان عذاب والمعنى الثاني: أن يصيبكم ما أصابهم من التكذيب فإن تكذيب الرسل من أعظم المصائب فيخشى أن يقسو القلب إذا ذهب للتفرُّج فقط على أماكن المعذَّبين. وقال رحمه الله: ديارهم معروفة الآن موجودة في مكان يسمي الحجر، وقد مرَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك لكنه علية الصلاة والسلام أسرع حين مرَّ بهذه الديار وقنع رأسه ونهى أمته أن يدخلوا إلى هذه الأماكن أماكن المعذبين إلا أن يكونوا باكين قال: (فإن لم تكونا باكين فلا تدخلوها أن يصيبكم ما أصابهم) وقوله (أن يصيبكم ما أصابهم) لا يلزم منه أن يراد به ما أصابهم من العذاب الجسمي قد يكون المراد ما أصابهم من العذاب الحسي، وما أصابهم من الإعراض والكفر. وقال رحمه الله: من ذهب إليها للتنزه والفرجة، فإن ذلك لا يجوز, كما يصنع كثير من الناس اليوم يذهبون إليها لا على سبيل العظة والاعتبار، ولا يدخلونها وهم باكون، بل على سبيل الاطلاع فقط على آثار السابقين، وعلى سبيل النزهة، وهذا حرام ولا يحلُّ، وقال في [تصب:2/394]: الذين يذهبون إلى مدائن صالح، من أجل الاطلاع عليها والتفرج هذا مخالف لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وقد مرّ هو صلى الله وعلى آله وسلم بديار ثمود، فقنع رأسه، ثم أسرع المشي، فإذا مرّ الإنسان بديار ثمود فالسنة أن يفعل كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام. وقال رحمه الله: إنني أحذر هؤلاء الذين يذهبون إلى ديار ثمود للفرجة من أن ينالهم ما نال هؤلاء، وليس المراد أن ينالهم رجفة أو صيحة تدمرهم لا، المراد هذا ومراد آخر وهو أن يبتلوا بتكذيب الرسول علية الصلاة والسلام أو الاستكبار عن طاعته، أو ما أشبه ذلك كما فعل قوم صالح. وقال رحمه الله: الأفضل ألا يدخل مدائن صالح، فإن دخل فلا يدخل إلا باكياً، وإنما قلنا: الأفضل ألا يدخل، لأن الإنسان قد يدخل على أنه واثق من نفسه أنه سوف يبكي ولكن لا يبكي. الأماكن التي تُزار في مكة والمدينة النبوية قال الشيخ رحمه الله: ليس هناك شيء يُزار في مكة إلا المسجد الحرام، والمقبرة، فالمقابر تُسنُّ زيارتها في كل بلد، ليتعظ الإنسان أما الآثار القديمة فلا يُتعبدُ بها ولا تُزارُ، ولا غار حراء، ولا غار ثور، ولا غيره. أما الأماكن التي تُزارُ في المدينة النبوية فهي: المسجد النبوي، وقبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه، والبقيع، وقباءً، وشهداء أُحد. الذهاب لجبل الرماة قال الشيخ رحمه الله: من أعجب ما رأينا أن الجبل الذي يُدعى أنه جبل الرماة في أُحُدٍ, يذهب أناس إليه ويصعدون، وربما يدعون هناك وما أشبه ذلك، وهذا من الغرائب، فمكان وقعت فيه المعصية من الصحابة رضوان الله عنه جدير بأن يُتخذ مكان قربة؟! أبداً بالعكس، فالإنسان ربما يكره أن يراه خوفاً من أن يقع في قلبه شيء بالنسبة للصحابة رضي الله عنهم الذين وقعت منهم المعصية في ذلك المكان، لكن الجهل داء قاتل نسألُ الله العافية. سفر الزوجين بعد الزواج للنزهة والسياحة سئل فضيلة الشيخ: ما حكم ما يفعله بعض المتزوجين من السفر للنزهة والسياحة إثر عقد الزواج سواء إلى بلد مسلم أو غير مسلم؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: الذي نرى أن هذا ليس فيه إلا التعب والعناء والمشقة وإضاعة المال والبعد عن الأهل، وهذا شيء حادث عند الناس وليس معروفاً فيما سبق، ولا معروفاً في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا عهد التابعين، ولا أظنه إلا أتى من بلاد الكفر أو من يقلد أهل الكفر، هذا بغض النظر عما يترتب على ذلك من أضرار في الخُلُق وفي الدين وتفويت المصالح فيما إذا كان السفر إلى بلاد كافرة أو بلاد مسلمة لكنها من حيث التمسك والالتزام تشبه البلاد الكافرة، وأرى إذا كان الإنسان لا بد أن يسافر فعليه أن يسافر إلى مكة والمدينة، فيحصل له بذلك عمرة وزيارة للمسجد النبوي، ثم إلى ما شاء من منتزهات المملكة, لأن هذا أقل مؤونة، وأريح للقلب وأشرح للصدر، وأبعد عن مواضع الفتنة، هذا إذا كان الأمر لا بد منه وإلا فالأولى والأحسن أن تبقى المسائل على طبيعتها، وأن يبقى في بلده ولا حاجة إلى السفر. المراجع: كتب الشيخ رحمه الله التي تم الرجوع إليها تفسير سورة غافر تفسير سورة الحجرات التعليق على صحيح البخاري التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم شرح رياض الصالحين شرح اقتضاء الصراط المستقيم شرح ثلاثة الأصول شرح حلية طالب العلم اللقاءات الشهرية لقاءات الباب المفتوح فتاوى في العقيدة الزواج ومجموعة أسئلة في أحكامه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين #السفر #السياحة والترفيه #العلامة ابن عثيمين #مقال #فهد بن عبد العزيز الشويرخ التعليقات مقالات ذات صلة فوائد مختصرة من تفسير سورة الحجرات للعثيمين فهد بن عبدالعزيز الشويرخ فوائد مختصرة من تفسير سورة الحجرات للعثيمين 5 دقائق 558 التضرع إلى الله عند نزول الشدة والبأساء فهد بن عبدالعزيز الشويرخ التضرع إلى الله عند نزول الشدة والبأساء 3 دقائق 1.1K من أقوال السلف في الدنيا فهد بن عبدالعزيز الشويرخ من أقوال السلف في الدنيا 11 دقيقة 1.2K فوائد مختصرة من تفسير سورة آل عمران للعثيمين فهد بن عبدالعزيز الشويرخ فوائد مختصرة من تفسير سورة آل عمران للعثيمين 20 دقيقة 1.6K التلاوات 159,483 المحاضرات 157,007 المقالات 26,166 المرئيات 16,556 الكتب المسموعة 1,270 التصنيفات 1,304 الصور 2,923 المصاحف الكاملة 1,047 السلاسل العلمية 4,420 سلاسل المقالات 713 سلاسل المرئيات 220 الكتب 6,916 العلماء والدعاة 10,064 اليوتيوب 3,716 التلاوات 159,483 المحاضرات 157,007 المقالات 26,166 المرئيات 16,556 الكتب المسموعة 1,270 التصنيفات 1,304 الصور 2,923 المصاحف الكاملة 1,047 السلاسل العلمية 4,420 سلاسل المقالات 713 سلاسل المرئيات 220 الكتب 6,916 العلماء والدعاة 10,064 اليوتيوب 3,716 شعار مجموعة مواقع مداد المؤسس والمشرف سعد بن زيد آل محمود موقع مداد كلمة المشرف من نحن اتصل بنا شارك معنا ألبومات الصور القرآن الكريم المصاحف السور القرّاء الروايات أنواع المصاحف السلاسل العلمية سلاسل العلمية سلاسل للمتخصصين المحاضرات العلماء والدعاة المقالات جديد المقالات سلاسل المقالات قائمة الكتّاب الكتب الكتب المقروءة سلاسل الكتب المقروءة الكتب المسموعة سلاسل الكتب المسموعة قائمة الكتّاب المرئيات يوتيوب مداد المقاطع المرئية سلاسل المرئيات العلماء والدعاة blogger tumblr instagram twitter facebook youtube midad موقع مـداد علمي شرعي ثقافي غير متابع للأخبار و المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر. الوقفة كاملة
١٧ ما زلنا مع السيدة مريم تلك الفتاه العذراء..الصدِّيقة..القدِّيسه التي وهبتها أمها وهي في بطنها لخدمة المعبد لا يعرف عنها احد الا الطهر و العفه ولا يعرف عن اسرتها الا الطيب والصلاح من قديم انه رجل مكتمل سويِ (فارسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا) أي بشرا من جنسها سويا في الخلقه والتكوين في غاية الروعة والجمال قد انسجمت أعضائه وتناسقت على اجمل ما يكون البشر وهنا ظهر عظيم عفة مريم عليها السلام وتقواها فانها لما رأت هذا الجمال والكمال لم تقطع يديها او يأخذ بلبها ويسحر فؤادها وانَا لها وقلبها مشغول القربى ولبها مأخوذ سلفا وعاطفتها تنساح من جوانبها حبا حب من يستحق الحب وحده سبحانه فلجأت الى ربها الذي لا يكشف الضر سواه ما ابدت لذلك الفتى اعجابا ولا تلطفت إليه في الحديث أنسا ولا نطقت بكلمه واحده يفهم منها ميل الى هذآ الرجل الغريب وها هي ذي تنتفض انتفاضه العذراء المذعورة يفاجئها رجل في خلوتها فتلجئ الى الله تستعيذ به وتستنجد وتستثير مشاعر التقوى في نفس ذلك الرجل الغريب والخوف من الله والتحرج من رقابته في هذا المكان الخالي قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا فالتقي ينتفض وجدانه عند ذكر الرحمن ويرجع عن دفعه الشهوة ونزغ الشيطان وهنا يتمثل الخيال تلك العذاء الطيبه البريئه ذات التربيه الصالحه التي نشأت في وسط صالح وكفَّلها زكريا وهذه هي الهزة الاولى وهنا نطق الرجل فقال انما انا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ويتمثل الخيال مقدار الفزع والخجل وهذا الرجل السوي الذي لم تثق بعد انه رسول ربها قد تكون حيلةُ فاسق يستغل طيبتها ليصارحها بما يخدش سمع الفتاه الخجول وهما في خلوة وهذه هي الهزة الثانيه لقد تعوذت السيده مريم بالرحمن جلَّ وعلا لان جبريل عليه السلام اتاها متمثلا في صورة بشر (فتمثل لها بشراً سوياً ) وعندما اخبرها بانهُ رسول من الله هدأ روعها فلم تناقشه في صفته وانما سألته عن غرابة ما سوف يحصل لها ان تحمل وهي عذراء طاهرة ثم نسأل لماذا تمثل لها الملك بشرا قال العلماء جاء التمثل لان مريم ليس لديها قدرةٌ على رؤية الملائكه كما هذه القدرةُ موجوده عند الانبياء والرسل ولو ظهر بصورتهِ الحقيقيه لما تمكنت من رؤيتهِ وهو ملك على صورته الحقيقيه لافتقادها القدرة التي تمكنها من ذلك ولبقي الصوت فقط دون صورة مما سيؤدي الى شكها في الامر (فتمثل لها بشرا سويا ) وهب الله تعالى الملائكه القدرة على التشكل في اشكال والتحول من صورتهم الملائكيه الى الصورة البشريه وعندما يتحولون الى الصورة البشريه يتمثلون في صورة رجال وليس في صورة نساء ليؤكدوا على كذب الكفار الذين زعموا ان الملائكه بنات الله (تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ) لم يُخلق المسيح عيسى في بطن مريم مباشره مع قدرته سبحانه وتعالى على ذلك لكنه ارسل لها من تسمعه وتراه لئلا يكثر التساؤل عند مريم عن سر حملها ايها الاخوة .. ان الذي يقف امام العذراء ليس رجلا وانما روح القدس نعم .. انه جبريل عليه السلام لقد اُرسل اليها روح الله بعد ما اتخذت مريم حجابا في ذلك المكان الشرقي والفعل الالهي ارسلنا يشير في دلالته إلى امرين بعث الرسول و طبيعه البعث وهي من الفاظ الاعجاز التي عبرت عن الفعل وطبيعته في آنٍ واحد فالرسول بُعث إلى مريم رسولا وارسالا والارسال في اللغه يشير إلى المراحل المتقطعة وليس دفعة واحده وهذا دليل آخر على أن مريم كانت على علمٍ مسبق بأمر ذلك الرسول وهو في ذات الوقت رحمة من الله العزيز الرحيم بمريم العذراء التي لم تكن بمقدورها ان تتلقى هذا الامر الالهي العظيم الذي تزمل منه خاتم الانبياء والمرسلين لو لم تكن مهيئة بالاخبار والاستعداد وروحنا هنا هو جبريل عليه السلام واضافه جبريل الى الله في قوله من روحنا من باب تكريمهِ وتعظيمه ووصف جبريل بانه روحٌ لانه ينزل بالوحي على انبياء الله ورسله من عند الله وهذا الوحي المتضمن شريعة الله تعالى واحكامه فيه حياةُ ارواح المؤمنين فكلام الله تعالى روح يحيي الله تعالى به القلوب والارواح وحامل هذه الروح هو روح الله جبريل عليه السلام ************************ بينما كانت السيده مريم تحت تأثير الهزة المفاجئه بتمثل بشر سوي امامها فاذا بهذا الرجل يهز مسآمعهآ هزة ثانيه أعنف عندما صارحها بهدفهِ منها قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاماً زكيا اخبرها انه رسول من الله ارسله الله اليها وهو مكلفٌ بمهمه محدده انه يريد ان يهبها غلاماً زكيا فوجئت مريم بهذه المصارحة لقد سبق ان جاءتها الملائكة ببشرى سارة وهي ان الله سيجعلها تحمل بولدٍ من غير بعل ولكن لعلها مع الخوف الشديد والخجل البالغ من رؤية ذلك الرجل الغريب نسيت ذلك وسيطر عليها الفزع والقلق والخجل والهبةُ في الاصطلاح عطاءٌ من غير مقابل ويفهم من هذا ان ما سيحدث لمريم هبةٌ من الله غير خاضعةٍ للاسباب التكوينيه والزكي هو الطاهر من الذنوب والنقائص والمطهر من المعاصي والخبائث ان استخدام لفظ الهبه يشير الى ان مريم عليها السلام لم تسهم في خلق عيسى عليه السلام باي شيء لم تشارك في خلقه سوى الحمل الذي نصت عليه الايه فهو مخلوق بكامل الخلق بامر كن تامٌ قبل مريم (وكان امراً مقضيا ) موهوب من الله (لاهب لك غلام زكيا جنسه غلام (لاهب لك غلاما) موصوف الخلق (زكيا) اي ان اخلاقه كانت زكيه حسنه قال روح القدس ل مريم العذراء انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا وهنا .. لابد ان تستعلي مريم على خجلها وهي العذراء العفيفه لابد ان تصارحه هذا الموقف لا ينفع معه الا المصارحه قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم اك بغيا انها تعلم حسب معلوماتها البشريه ان المراة لن تحمل بالجنين الا اذا تمت المعاشره بينها وبين رجل لكن روح القدس يخبرها انه سيهبها غلاما زكيا كيف !! قالت انَّى يكون لي غلام من اي وجهٍ يكون لي غلام ولم يمسسني بشر لم يعاشرها زوج في نكاح حلال ولم اكُ بغيا ..ولست بغيةً كالبغايا فمن اين سيأتي هذا الغلام وجاءها الجواب ليزيل مفاجئتها ويقضي على دهشتها جواب ايماني تذكرت به ما كانت قد بشرتها بهِ الملائكه سابقا ويكاد يكون سؤالها وجوابها واحدا عند ذلك اطمئنت ووثقت وعلمت ان هذا امر الله جل في علاه فاستسلمت ورضيت بحكمه قال لها روح القدس " كذلكِ اللهُ يخلقُ ما يشآء اذا قضى امرا فانَّما يقولُ له كن فيكون وحين يرد الامر الى هذه الحقيقة الاوليه يذهب العجب وتزول الحيرة ويطمئن القلب ويعود الانسان على نفسه يسألها في عجب كيف عجبت من هذا الامر الفطري الواضح القريب والتقدير كما ان الله قدَّر التكاثر البشري عن طريق الزواج بحيث اصبح هذا هو المألوف عندهم كذلك الله قادرٌ ان تحملي وتلدي بغير هذه الطريق المعروفه بل بطريقةٍ اخرى .. ليقدم الله للناسِ آيةً دالةً على قدرتهِ على كل شيء قالت ربي أنَّى يكونُ لي ولدٌ ولم يمسسني بشر قالَ كذلكِ الله يخلقُ ما يشاء إذا قضى أمراً فإنَّمآ يقولُ لهُ كن فيكون . وفي سورة مريم قال الله تعالى على لسان جبريل عليه السلام (قال كذلكِ قال ربُّكِ هو علي هيِّن ولنجعلهُ ايةً للنَّاس ورحمة منا وكان امراً مقضيا ) هو علي هيَّن . . اي سهل فَخلْقُ عيسى عليه السلام سهل عند الله لانه بالامر الالهي كن يقول الله سبحانه وتعالى ( إنَّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم )خلقهُ من ترابٍ ثم قال له كن فيكون بقي الحديث على من هو هيِّن الرسول جبريل أبلغ مريم بالنص الالهي بانَّهُ هيِّن فهو هيِّن على الله سبحانه وتعالى لا عناء ولا نصب ولا تعب وهو القوي الحكيم وليس الامر بهين على جبريل عليه السلام لان الرسول ليس له في هذا الامر كلهِ . اي خلق عيسى عليه السلام الا التبليغ فعليهِ نستنتج ان روح القدس جبريل عليه السلام لم يتدخل في خلق عيسى عليه السلام لا من قريب ولا من بعيد وانما هو رسول مبلغ لمريم بامر الله عز وجل هذا الامر الخارق الذي لا تتصور مريم وقوعه .. هين على الله فامام القدرة التي تقول للشيء كن فيكون كل شيء هين سواءً جرت به السُنَّة المعهوده ام جرت بغيره قال كذلك قال ربكِ هو علي هين ولنجعلهُ ايةً للناس ورحمةً منا وكان امرا مقضيا ويخبر روح القدس جبريل عليه السلام ان الله اراد ان يجعل هذا الحادث العجب ايةً للناس وعلامة على وجوده على قدرته على حرية ارادته ان يجعله رحمه لبني اسرائيل اولا وللبشريه جمعاء ثانيه بابراز هذا الحادث الذي يقودهم الى معرفه الله تعالى الى عبادته الى اتباع امره والانصياع لقدرته جل في علاه *********** الوقفة كاملة
١٨ الحمد لله. لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته . ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن . أولاً : الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية : 1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه . 2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض . أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه . هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه . 3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير . 4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله . 5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض . ثانياً : الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن : ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة . ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة . ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه : 1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 . 2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون . 3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه . 4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية . 5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي . 6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين . صور من اهتمام المسلمين بالسجناء : - الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا . - كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم . - كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول : انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى . - جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه . - لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة ، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا . وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله . - وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له : ( فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون - وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض ، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم ، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم ) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي . للمزيد يُراجع : أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379 ، والموسوعة الفقهية ج16 ص320-327 . الوقفة كاملة
١٩ لا يحدث في ملكه إلا مايشاء سبحانه و لو أجتمعت كل الأسباب ! لو -نزلت إليهم الملائكة -كلمهم الموتى -حشر عليهم كل شيء (حدث لهم كل ما طلبوه ليؤمنوا ) ما كانوا ليؤمنوا .. إلا أن يشاء الله ! الله يرزقنا حسن التوكل عليه وحسن الظن به والثبات على ما يرضاه حتى نلقاه ") الوقفة كاملة
٢٠ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ذِي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّد الأنام، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الدهور والأعوام. وبعــد: لقد كتب الله على نفسه الرحمة، ونشر رحمته بين العباد، وجعلها واسعة بفضله حتى وسعت كل شيء، يقول سبحانه: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، ومن رحمته جل وعلا بنا أن جعل لنا مواسم ونفحات تُضاعف فيها الحسنات، وتزداد فيها الدرجات، ويستدرك العبد بها ما فات، فالسعيد من تنبه لها، واستفاد منها. والشقي من غفل عنها، وضيّع نفسه. ومن هذه المواسم المباركة أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، فأيامها أفضل من أيام رمضان وليالي رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة على الصحيح من أقوال أهل العلم. إنها أيامٌ: أقسم الله بها ولا يقسم ربنا إلا بعظيم من المخلوقات أو الأوقات، قال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 2]، وهي عشر ذي الحجة كما قال أهل التفسير. إنها أيامٌ: فيها الأيام المعلومات التي أمرنا الله أن نذكره فيها، قال عز وجل: ) وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ( ]الحج: من الآية 28[. قال ابن عباس رضي الله عنه: "أيام العشر". إنها أيامٌ: تجتمع فيها العبادات ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها. إنها أيامٌ: فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة. وهو يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة». إنها أيامٌ: فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: «أفضل الأيام يوم النحر» [رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح]. ، وفي يوم النحر معظم أعمال النسك للحجاج من رمي الجمرة، وحلق الرأس، وذبح الهدي، والطواف والسعي، وصلاة العيد، وذبح الأضحية. إنها أيامٌ: يهتف فيها الناس من كل أجزاء الأرض "لبيك اللهم لبيك"، إنها أيام تلبية لله، أيام يقول كل العباد بسان حالهم : "أتينا يارب، مقبلين يارب، تائبين يارب، معظّمين لك يارب. إنها أيامٌ: العمل الصالح فيها أحب الى الله، فقد صح فيها حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء». [أخرجه البخاري ومسلم]. إنها أيامٌ: للعامل فيها ثواب المجاهدين يقول صلى الله عليه وسلم : «ما من عمل أزكي عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى، قيل يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء» [صحيح الترغيب والترهيب «1148»]. إنها أيامٌ: لمن يشعر أن الله غاضب عليه، فلو أن واحدًا منا كان مدير العمل عنده غضبان منه سيقول لنفسه: ما هو أكثر يوم مناسب لكي أُصالحه فيه؟!،وما هي أحبّ هدية هو يريدها؟ هذه هي عشر ذي الحجة. . . . أحب الأيام الي الله، فبادر إلى مصالحة ربك بأحب الأعمال إليه. في هذه الأيام فرصة عظيمة من أجل أن يبادر كل واحد منا لكي يصالح ربه ويسترضيه . يامن فاته اغتنام رمضان: الباب لم يُقفل !! فلا تيأس فإن أبواب رحمة الله لن تُغلق، الكنوز والحسنات لن تُغلق، أبواب خزائن الله لن تُغلق، أبواب السماء أمام دعائي ودعائك لن تُغلق، أتى موسم عظيم للعبادة مرة أخرى. إنها أيامٌ: كان سلفنا الصالح يعظمونها ويقدرونها حق قدرها، قال أبو عثمان النهدي كما في لطائف المعارف: «كان السلف ـ يعظّمون ثلاثَ عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم». وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم»، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي أنه قال: «بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة». يا له من موسم يُفتح للمتنافسين و يا له من غبنٍ يحق بالقاعدين والمعرضين، فاستبقوا الخيرات وسارعوا إلى مغفرة من الله وجنةٍ عرضها السماوات والأرض، وإياكم والتواني،وحذار من الدعة والكسل. إنها أفضل أيام الدنيا: أفضل أيام الدنيا، يعني أفضل صلاة فجر سوف تصليها طوال السنة، يعني أفضل جلسات ضُحى ستقعدها طوال السنة، يعني أفضل تلاوة قرآن وذكر لله ستذكره طوال السنة، أفضل أيام الدنيا يعني أفضل صيام نافلة ستصومه طوال السنة. هذه أحب الأيام إلى الله في العبادة يعني لن يأذن الله لأحد يعبده فيها إلا أحب العباد إليه سبحانه؛ بمعني لو أردت أن تعرف. . . هل ربنا يحبك أم لا؟ انظر. . . . هل سيفتح الله عليك في العبادة فيها أم لا؟ تريد أن تعرف كم يحبك الله؟ ؟ انظر لربك كم سيُفتح عليك في العبادة في هذه الأيام؟! أخي الحبيب أختي الحبيبة: لكي تفوزوا بهذه الأيام عليكم بعشر: 1- الحـج: من أجلِّ الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر أداء مناسك الحج الذي أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر تحققت فيه شروط وجوبه، قال صلى الله عليه وسلم : «من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه» [متفق عليه]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذنوبَ كما ينفي الكير خَبثَ الحديدِ والذّهب والفضَّة، وليس للحجّة المبرورةِ ثوابٌ إلاّ الجنّة» [رواه الترمذيّ والنسائي وسنده صحيح ]. أخي الحبيب: يا من حُرمت الحج هذا العام وكلنا شوق. . . . وشوقاه إلى البيت العتيق، وشوقاه إلى الطواف، وشوقاه إلى عرفات، وشوقاه إلى زمزم. إلى من يرغب في الحج ولم يقدر ليكون من وفد الحجاج هذا العام بين يديك ثلاث فُرص للحج: الفرصة الأولى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة »[أخرجه الترمذي وهو في صحيح الترغيب والترهيب (461)]. الفرصة الثانية: قال صلى الله عليه وسلم: « من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة »[حسنه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم(6556)]. الفرصة الثالثة: قال صلى الله عليه وسلم: « من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلّمه كان له كأجر حاج تاما حجته»[ رواه البخاري رقم ( 662 ) ، ومسلم رقم ( 669 )] 2-الصيـــــام: يستحب الإكثار من الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا، لأن الصيام من العمل الصالح، قال: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا» [أخرجه البخاري ومسلم]. ويزداد أجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام المباركة، قال النوويّ رحمه الله: «فليس في صومِ هذه التسعة ـ يعني تسع ذي الحجّة ـ كراهةٌ شديدة، بل هي مستحبّة استحبابًا شديدًا»[ شرح صحيح مسلم (8/71)]. ويكفيك من ثواب الصيام أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :«من خُتِم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة» [رواه الأصبهاني، وصححه الالباني في صحيح الجامع ،حديث رقم(6224)]. وفي هذه الأيام يوم عرفة، الذي صيامه يكفر ذنوب عامين ، لحديث أبي قتادةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن صيامه: « إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله»[ أخرجه مسلم في الصيام (1162)]. يا الله ما اكرم الله صيام (12) ساعة يساوي مغفرة (24) شهر يعني الساعة بشهرين والدقيقة في عرفة بيوم مما سواه فأين المشمرون. 3-القــرآن: القرآن التجارة التي لن تبور، حاول أن تختمه في هذه العشر، قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آية أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين وثلاث خير له من ثلاث وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل»[ صحيح مسلم (1336) ]. القرآن رسالة ربانية بعثها الله لك فأحسن استقبالها والـتأمل فيها، وصُحبتها. القرآن دواءٌ لما في قلبك من أمراض؛ فانهل من هذا الدواء لتنال الشفاء والهدى والنور. القران كلام الله لن تتقرب إلى الله بمثله تلاوةً وتدبرًا وتحكيمًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: » عليك بذكر الله وتلاوة القرآن؛ فإنه روحك في السماء، وذكرك في الأرض »[السلسلة الصحيحة ،حديث رقم(555)]. يامن بخل عن المصحف بدقائق يبذل أضعافها في مشاهدة مباراة، أو تصفح وسائل التواصل. أخي الحبيب: احرص ان استطعت على ختم القران في هذه العشر، يعني كل يوم ثلاثة أجزاء، يعني نصف مليون حسنة، ولا تنس بناء قصر في الجنة كل يوم بقراءة سورة الإخلاص عشر مرات كما جاء في الحديث الحسن قوله صلى الله عليه وسلم « من قرأ (قل هو الله أحد ) حتى يختمها عشر مرات بنى الله قصراً في الجنة »[السلسلة الصحيحة ،رقم الحديث(589)]. 4-الصــلاة: قال صلى الله عليه وسلم : «الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر» [صحيح الجامع (3870)]، وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين وخلق حسن». [ صحيح الجامع (3518)]. ولا تنس أخي بناء بيت في الجنة بصلاة اثنتي عشرة ركعةً تطوع من غير الفريضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى لله اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة » [صحيح مسلم (1164)]. وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، و قيام الليل ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم ذكر منهم الذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن يقوم من الليل فيقول الله: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد» [الطبراني بإسناد حسن]. المحافظة على النوافل سبب من أسباب محبة الله، ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه، لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل؛ فحافظ أخي على تكبيرة الإحرام والصف الأول فإن الله وملائكته يصلون على الصف الأول. 5- الذكـر: الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، به يُذكر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، قال يحيي بن معاذ: "يا غفول يا جهول لو سمعت صرير الأقلام وهي تكتب أسمك عند ذكرك لمولاك، لمت شوقًا إلا مولاك"، وقال أبو بكر رضي الله عنه: "ذهب الذاكرون لله بالخير كله "، وقال ابن القيم: " الذكر باب المحبة وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم". وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يُضاعف الله الأجر، ويُغفر الوزر، ويُثقل الميزان، يقول تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، روى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»، وكان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران فيكبِّر الناسُ بتكبيرهما. [ رواه البخاري]. والتكبيرُ عند أهلِ العلم مطلقٌ ومقيّد، فالمطلق يكونُ في جميع الأوقات في الليل والنهار من مدّة العشر، والمقيّد هو الذي يكون في أدبارِ الصّلواتِ فرضِها ونفلِها على الصّحيح، مِن صُبح يومِ عرفة إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق (الثالث عشر )وأمّا للحاجّ فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر. وصحّ عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما صيغة: «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. ومن الذكر الاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر من الاستغفار»[ أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (2299)] ، وقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم»: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة «[حسنه الالباني في صحيح الجامع]. 6-الصدقـة: الصدقة، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وتفريج المؤمن وإدخال السرور على نفسه وطرد الهم عنه مما يحبه الله تعالى، فبالصدقة ينال الإنسان البر ويضاعف له الأجر ويظله الله في ظله يوم القيامة، ويُفتح بها أبواب الخير ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها باب من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبه، ويتحرر من عبودية الدرهم والدينار، ويحفظه الله في نفسه وماله وولده ودنياه وآخرته. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إلى الله أي الأعمال أحب إلى الله فقال : «أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب العمل إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عن كربه أو تقضى عنه دينًا أو أتطرد عنه جوعًا» [رواه الطبراني وصححه الألباني]. تصدّق ثم أبشر بالمضاعفة اللامحدودة لثوابك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ما تصدّق أحد بصدقة من طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل »[ رواه البخاري ومسلم]. أيها الحبيب: القصص متواترة عن اقوام ابتلاهم بأمراض فطافوا المستشفيات فما استطاع الأطباء علاجهم فتصدقوا فشفاهم الشافي، القائل: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾[الشعراء: 80-78] 7-الأضحيـة: شُرعت الأضاحِيَّ تقرُّبًا إلَى اللهِ بدمائِهَا، وتصدقًًا علَى الفقراءِ بلحمِهَا، والأضحيةُ مِنْ شعائرِ الإسلامِ، وهِيَ رمزٌ للتضحيةِ والفداءِ، وسنةُ أبِي الأنبياءِ إبراهيمَ عليه السلام ، وهِيَ أحبُّ الأعمالِ إلَى اللهِ فِي يومِ العيدِ، فعَنِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِىٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ إلى أَحَبَّ اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» [رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه ]، و الأضحية سنة مؤكدة يُكره للقادر تركها. وتجنب في اختيار الأضحية العوراء والعرجاء والمريضة والهزيلة والعضباء والهتماء، وأفضلها أكرمها وأسمنها وأغلاها ثمناً وقم بذبحها بنفسك، وإذا وكلت أحداً غيرك فلا بأس بذلك، وأرفق بالأضحية عند ذبحها، فلا تحد السكين أمامها، ومكنها من الأكل والشرب قبل ذلك، وحدّ شفرتك قبل ذبحها، ولا تذبح واحدة بحضرة الأخرى. أخي الكريم :انوي بالأضحية البر والصلة، وتحقيق التكافل، واطعام الطعام، وادخال السرور على الفقراء، ومواساة الجائع. 8-الدعـاء: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» [أخرجه الترمذي في الدعوات] قال ابن عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب" [التمهيد (6/41)]. أيها المسلم: إذا جُمع مع الدعاء: حضور القلب وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم. وصادف: خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار،وألحّ على الله في المسألة، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وقدّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا. أخي المسلم : يوم عرفة يوم العتق من النار ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار»[ أخرجه مسلم]. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار، وليس يوم أكثر فيه عتقاً للرقاب من يوم عرفة، فأكثر فيه أن تقول: اللهم أعتق رقبتي من النار". خير الدعاء يوم عرفة فاجمع امورك أخي الحبيب، واكتب ما تريد ه من الله، وادع لدينك، ولنفسك، ولأهلك ولبلدك ولأمتك. 9- التوبة والبعد عن المعاصي: ومما يجب في هذه العشر وفي كل زمان التوبة النصوح والرجوع إلى الله والإقلاع عن المعاصي والذنوب، فالقرب من الله ليس بالطاعات فقط بل بترك المعاصي والمحرمات ففي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم : «اتق المحارم تكن أعبد الناس»[ أخرجه أحمد (2/310)، والترمذي في الزهد (2305)، وأبو يعلى (6240)، والطبراني في الأوسط (7054)] ، وإياك أن تنتهك محارم الله حين يُغلق عليك الباب؛ فتطلق بصرك ولسانك في ما لا يحل، فالمعاصي في الأيام المفضلة والأمكنة المفضلة تُغلَّظ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أهم المحارم والنواهي التي تُجتنب: النظر الى ما حرم الله، وآفات اللسان من كذب وغيبة ونميمة وشهادة زور وسباب ولعن، وآفات السمع وهي الاصغاء والاستماع إلى ما حرم الله، وآفات القلب من خيانة وعجب وكبر وغرور، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ [التحريم: 8]، فسارع إلى التوبة الصادقة بالكف عن المحرمات والتحلل من المظالم ورد الحقوق والبعد عن الفواحش. أخي الحبيب: سابق في هذه العشر بكل عمل صالح، وأكثر من الدعاء والاستغفار، وتقرب إلى الله بكل قُربة، عسى أن تفوز فوزًا عظيمًا. جعلنا الله وإياك من المسارعين في الخيرات والذين هم لها سابقون. 10- يوم النحر( يوم العيد): إنه يوم الثج والعج، يوم يؤدي الحجاج معظم المناسك يطوفون يرجمون يحلقون ينحرون .يوم الفرح بطاعة الله تعالى، يوم صلة الارحام، يوم الإخاء والمحبة، يوم ننسى فيه الشحناء . احرص أخي على شهود صلاة العيد مع المسلمين، والتكبير من فجر يوم التاسع إلى آخر أيام التشريق، ولتأتي من طريق وترجع من آخر وتتجمل بأفضل ما عندك وليس بأحسن ما في السوق . ولا تأكل شيئاً قبل الصلاة حتى ترجع بعد الصلاة والخطبة، فتذبح الأضحية وتأكل منها كما هي السنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والسنة في تقسيمها ثلاثاً، ثلث يؤكل، وآخر يهدى، وآخر يتصدق به على الفقراء، ووقت الذبح بعد صلاة العيد إلى آخر يوم الثالث عشر من ذي الحجة. أخي الكريم :لا تجعل العيد موسم معاصي، وتذكر أن الحكمة من العيد أنه يوم شكر وذكر وعمل بر ، واحذر الوقوع في المحرمات مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملتها في أيام العشر.. احرص على صلة الرحم ولو قطعوه، ووسع على أهلك ,ارحامك، وأدخل عليهم السرور، واحرص على سنن العيد. أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياك الى فعل كل خير واجتناب كل شر، وأن يكتب لنا وإياك في هذه الأيام المبارك خير ما كتبه لعباده الصالحين . وصلّ الله اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.???? الوقفة كاملة

التساؤلات

١١ س: "قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " هل معني ذلك أن الملائكه كلهم خلقوا من نار أم إبليس فقط !؟ ج: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)وهذا النور الذي خلقت منه الملائكة لادليل على أي نور هو؟و هذا النور مخلوق، ليس هو نور ذات الله سبحانه وتعالى وتقدس الوقفة كاملة
١٢ س: ما المقصد القرآني من تحريم كتمان الحق والاشتراء به؟ في هذه الآية: ﴿إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم﴾ ج: جاء القرءان بتغليظ وتحريم كتمان الحق ولبس الحق بالباطل واشتراء ثمن قليل بآيات الله (إِن الذِين يَكتمون ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتابِ وَ يشترون به ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يأْكلونَ فِي بطونِهِم إِلاَّ النّارَ وَ لا يكلمهم اللهُ يوم الْقيامة و لا يزكيهِم وَ لهم عذابٌ أليم) وكتمان ماأنزل الله إخفاءه وعدم إذاعته ونشره لاسيما مع الحاجة إليه وتحقق الداعي إلى إظهاره، الوقفة كاملة
١٣ س: قال تعالى ( ..وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن و استكبرتم ..) من المقصود في الآية الكريمة جزاكم الله خيرا؟ ج: اختلف المفسرون في المعني بهذه الآية وبقوله تعالى (ومن عنده علم الكتاب ) على أقوال أشهرها أنها في عبد الله بن سلام وورد فيه حديث في البخاري ولكن اختلف في رفع تفسيرها به وعلى هذا لقول فالآيتان مستثنيتان من جملة سورتين مكيتين أو هما مما تقدم نزوله على حكمه. وعلى هذا لقول فالآيتان مستثنيتان من جملة سورتين مكيتين وهذا خلاف الأصل أو هما مما تقدم نزوله على حكمه لأن إسلام عبد الله كان بالمدينة والقول الآخر وهو الأظهر أنها عامة وعليه فالايتان مكيتان كسائر آي سورتيهما الوقفة كاملة
١٤ أمي سمعها ضعيف ولا تسمعني إلا إذا رفعتُ صوتي، هل آثم برفع صوتي عليها؟ الأمور بمقاصدها، فمَن رفع صوته على أمه أو أبيه أو مَن له حق عليه لا شك أنه يأثم بذلك؛ لأنه خلاف الأدب وخلاف البر، وأما إذا كان رفع صوته لحاجة تقتضي ذلك وتستدعيه فإنه لا يأثم بذلك؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، وقد لا يَتحقق الغرض من الكلام إلا مع رفع الصوت، ولما نزل قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: ٢] كان ثَابِتُ بْنُ قَيْس بْنِ شَمَّاس خطيبًا للنبي -عليه الصلاة والسلام- من الخطباء، ومِن مقتضى الخطبة أن يَرفع الصوت، فلما نزلت هذه الآية قعد ثابتٌ في بيته، وقال: أنا رفعتُ صوتي بين يدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فأخشى أن يكون حبط عملي، فلما علم النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن افتقده وسأل عنه، قالوا: هذا شأنه، فقال لأحد الصحابة: «اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة» [البخاري: 3613]. فمثل هذا يجوز عند الحاجة، والخطبة تقتضي رفع الصوت، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرَّتْ عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صَبَّحَكُم ومَسَّاكُم [البخاري: 867]، فمن مقتضى الخطبة رفع الصوت، لكن يبقى أن رفع الصوت ينبغي أن يكون أيضًا بقدر الحاجة، وبقدر ما يحتاجه الحضور؛ لأن بعض الناس يكون عنده في المسجد نفر يسير ومسجده صغير والمكبرات مرفوعة على أعلى شيء، ويرفع صوته بحيث يُصدّع السامعين، مثل هذا لا يُطلَب، إنما يكون رفع الصوت بقدر الحاجة، والوضع يختلف عما كان قبل وجود هذه المكبرات وعما وُجد بعدها. فهذه البنت التي ترفع صوتها لإسماع أمها إذا كان هذا هو القصد وبقدر الحاجة لا إثم عليها ولا شيء عليها. وكما يوجد مثل هذه السائلة التي تتحسس مِن رفع الصوت مع حاجة أمها إلى رفعه، ويوجد مَن هو أشد منها في البر والتحسس لحاجة الوالدين ومعرفة النَّفَس بالنسبة للوالدين فيما يريدانه وما يحبانه وما يكرهانه، وهذا موجود في الأمة، والأمة فيها خير إلى قيام الساعة، يوجد بالمقابل أيضًا خلاف ذلك، فيوجد مَن يَعُق والديه، ويرفع صوته على والديه، بل وُجد من يَمُد يده على والديه، نسأل الله السلامة والعــــافية. فعلى كل حال كما قـــال الله –جــل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤]، فكما يوجد مثل هذه السائلة التي تسأل عن شيء مع أن الحاجة داعية إليه؛ خشيةَ أن تقع في الإثم، يوجد من لا مُبرر لرفع صوته، وإنما يدعوه إلى ذلك إما رِقّةٌ في الدين أو حمقٌ أو ضعفٌ في الرأي، فبعض الناس ظاهره الصلاح، لكن إذا أُكثر عليه: هات لنا كذا، هات لنا كذا، من قِبَلِ الأب أو الأم في أمور لا تشق عليه، تجده يرفع صوته، ويقول: أنا تعبتُ، وأنا مللتُ، وأنا عطَّلتُ مصالحي، وأنا كذا وأنا كذا! هذا يُسمع -مع الأسف- من بعض المنتسبين إلى الإسلام. مع أن النص جاء بمنع "أف" أقل كلمة ممنوعة: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣]، هذه لا تقال، فكيف بما فوقها؟! لا شك أن هذا أشد منعًا وتحريمًا، نسأل الله -جل وعلا- أن يهدي ضالّ المسلمين، وأن يُصلح النيات والذريات. الوقفة كاملة
١٥ س/ على ماذا يعود الضمير في اسم الإشارة (ذلكم) من قوله تعالى: (وإذ نجّيناكم... وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) [البقرة ٤٩] س/ هل يعود على نعمة التنجية فيكون معنى البلاء خيرًا، أم على تعذيب آل فرعون فيكون البلاء شرًا؟ وإذا ترجّح المعنى الأول، فكيف نقول بقاعدة عود الضمير إلى أقرب مذكور؟ ج/ كلا المعنيين صحيح، فالابتلاء بنجاتهم نعمة عظيمة وبه قال أكثر السلف، والابتلاء الثاني بتعذيبهم عظيم كذلك وقال به أكثر المفسرين. وليس ثمة مانع من عود الضمير على مجمل القصة خيراً وشراً. وليست قاعدة عود الضمير إلى أقرب مذكور مقدمةً مطلقاً. الوقفة كاملة
١٦ س/ الآية ١٠١ في المائدة: هل السؤال بمعنى الاستفسار عن الشيء ؟ أم طلب عمل أشياء قد يكون بها مشقة علينا؟ وهل تحتمل كلا المعنيين ؟ ج/ السؤال المنهي عنه هنا هو الذي لا يعنيكم في أمر دينكم فالسؤال عما لا يعني قد يكون الجواب عليه يحمل المشقة. الوقفة كاملة
١٧ السؤال ما حكم مس المُحْدِث للمصحف؟ الجواب جمهور أهل العلم -فيما نحفظ- على أنه لا يجوز مس المصحف بغير طهارة؛ استدلالًا بقوله -جل وعلا-: «وألَّا يمس القرآنَ إلا طاهر» [الموطأ: 1/199]، والآية -وإن قال أهل العلم: إنها بالنسبة للوح المحفوظ لا للمصحف، والمعنيّ بها الملائكة- استدل بها شيخ الإسلام على أن المحْدِث لا يمس المصحف؛ لأنه نُصَّ على أنه لا يَمسه إلا المطهرون، وهو لا يمسه إلا ملائكة ومن صفتهم وطبعهم الطهارة، فكيف بمن يحتمل منه الطهارة وعدمها في أخص ما في اللوح المحفوظ وهو القرآن؟! فهذا دليل على أن المصحف لا يمسه إلا طاهر، وهكذا استدل شيخ الإسلام، وهو استدلالٌ دقيقٌ جدًّا ومأخذٌ في غاية الدقة، وعائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن ورأسه في حَجْري وأنا حائض» [البخاري: 7549]، ولولا أن هذا الحَدَث له أثر في مسِّ المصحف لما نبَّهَتْ عليه؛ لأن ما في جوف القارئ لا يمكن الوصول إليه، فلو أمكن الوصول إليه لأثَّر فيه الحَدَث، فهذا أيضًا استدلالٌ دقيقٌ جدًّا، والمتَّجِه في هذه المسألة المنع، والله أعلم. إجابة الشيخ عبد الكريم الخضير الوقفة كاملة
١٨ س/ ﴿وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِحَفِیظࣲ﴾ [الأنعام ١٠٤] ﴿وَمَاۤ أَنَا۠ عَلَیۡكُم بِوَكِیلࣲ﴾ [يونس ١٠٨] ما الفرق بين المعنيين؟ ج/ قال أبو حيان -رحمه الله-: (وما أنا ‌عليكم ‌بحفيظ؛ أي: برقيب أحصر أعمالكم، أو بوكيل: آخذكم بالإيمان). الوقفة كاملة
١٩ س/ ما معنى قوله تعالى في سورة الشورى (ولولا كلمة سبقت من ربك..) الآية، وفي الموضع الآخر (ولولا كلمة الفصل)؟ وكيف أتخلص من اللبس بينهما في الحفظ؟ ج/ (ولولا كلمة سبقت من ربك) المقصود أن الله قد وعد عباده ألا يعذبهم حتى يبعث رسولاً ويقيم عليهم الحجة، و(كلمة الفصل) المقصود بها تأجيلهم للفصل بينهم يوم القيامة. فالمعنيان متقاربان، وضبطها في الحفظ بالتكرار والتنبيه لما قبلها وما بعدها لتمييزها. الوقفة كاملة
٢٠ س/ قال تعالى ﴿۞ قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ﴾ يموت أكثر من 100 شخص أو أقل في نفس اللحظة. هل ملك الموت يقبض أرواحهم مرة واحدة لوحده أم غير ذلك؟ ج/ الملائكة المعنيون بالموت كثر وليسوا ملكا واحدة، بدليل قوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم ...) الآية. والله أعلم. الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

١١ قوله {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} الآية في السورة على هذا النسق وفي آل عمران {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} لأن المنكر في هذه السورة أكثر فالمتوعد فيها أكثر وإن شئت قلت زاد في آل عمران {ولا ينظر إليهم} في مقابلة {ما يأكلون في بطونهم إلا النار}. الوقفة كاملة
١٢ قوله {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} وقال في الحج {والصابئين والنصارى} وقال في المائدة {والصابئون والنصارى} لأن النصارى مقدمون على الصابئين في الرتبة لأنهم أهل كتاب فقدمهم في البقرة والصابئون مقدمون على النصارى في الزمان لأنهم كانوا قبلهم فقدمهم في الحج وداعى في المائدة بين المعنين وقدمهم في اللفظ وأخرهم في التقدير لأن تقديره والصابئون في كذلك قال الشاعر : فإن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب أراد إني لغريب وقيار كذلك فتأمل فيها وفي أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن الوقفة كاملة
١٣ آية (٢٣) : (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) * التحدي كان بأكثر من صورة، السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) فكان أحياناً يطالبهم بحديث، يقول لهم: فأتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. في المدينة (في سورة البقرة) هنا القرآن إنتشر وصار أسلوبه معروفاً، الآن يقول لهم (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) (من) للتبعيض، هو لم يقل : فأتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله أو بعض ما تتخيلونه مماثلاً ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد أنه لو تخيلتم أن لهذا القرآن مثال فحاولوا أن تأتوا بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة. هذا إمعان في التحدي. * الفرق البياني بين قوله تعالى (مِّن مِّثْلِهِ) فى سورة البقرة و(مِثْلِهِ) فى سورة هود؟ أولًا: إذا افترضنا أن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء (مِّن مِّثْلِهِ)، أما عندما نقول : ائتني بشيء (مثله) فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون له مثيل فإن كان موجودًا ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. ثانيًا: قال تعالى في سورة البقرة (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ) وهي بلا شك أعم مما جاء في سورة هود (افْتَرَاهُ) لأن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب. ثالثًا: المفسرون وضعوا احتمالين لقوله تعالى (مِّن مِّثْلِهِ) أي من مثل القرآن أومن مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن (مِّن مِّثْلِهِ) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مِثْلِهِ) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. رابعًا: أنه حذف مفعولي الفعلين المتعديين في قوله (فَإِن لَمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا) والحذف قد يعني الإطلاق عموماً في اللغة. * هل يمكن أن نضيف كلمة مفتراة في سورة البقرة فيقول مثلاً فاتوا بسورة من مثله مفتراة كما قال (مفتريات) في هود؟ هذا التعبير لا يصح من عدة جهات: أولًا: هم لم يقولوا افتراه كما قالوا في سورة هود. ثانيًا: وهو المهم أنه لا يُحسن أن يأتي بعد (مِّن مِّثْلِهِ) بكلمة مفتراة لأنه عندما قال من مثله افترض وجود مثيل له فإذن هو ليس مفترى ولا يكون مفترى إذا كان له مثيل إذن تنتفي صفة الافتراء مع افتراض وجود مثل له. ثالثًا: لا يصح أن يقول في سورة هود أن يأتي بـ (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) لأن استخدام (مِّن مِّثْلِهِ) تفترض أن له مثل إذن هو ليس بمفترى ولا يصح بعد قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) أن يقول (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) لنفس السبب الذي ذكرناه سابقاً. إذن لا يمكن استبدال إحداهما بالأخرى. رابعًا: قال تعالى في آية سورة البقرة (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولم يقل ادعوا من استطعتم كما قال في هود (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) لأنه في آية سورة البقرة عندما قال (مِّن مِّثْلِهِ) افترض أن له مثل إذن هناك من استطاع أن يأتي بهذا المثل وليس المهم أن تأتي بمستطيع لكن المهم أن تأتي بما جاء به فلماذا تدعو المستطيع إلا ليأتي بالنصّ؟ فقال (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ) ليشهدوا إن كان هذا القول مثل هذا القول فالموقف إذن يحتاج إلى شاهد محكّم ليشهد بما جاءوا به وليحكم بين القولين. أما في آية سورة هود فالآية تقتضي أن يقول (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ليفتري مثله، هم قالوا افتراه فيقول تعالى ادعوا من يستطيع أن يفتري مثله كما يقولون، إذن في سورة البقرة أعمّ وأوسع لأنه تعالى طلب أمرين: دعوة الشهداء ودعوة المستطيع ضمناً أما في آية سورة هود فالدعوة للمستطيع فقط. ومما سبق نلاحظ أن الآية في سورة البقرة بُنيت على العموم أصلاً (لا ريب، من مثله، الحذف قد يكون للعموم، ادعوا شهداءكم). ثم إنه بعد هذه الآية في سورة البقرة هدّد تعالى بقوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)) والذي لا يؤمن قامت عليه الحجة ولم يستعمل عقله فيكون بمنزلة الحجارة. الوقفة كاملة
١٤ آية (٣٨) : (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) * (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (٣٦)) (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا (٣٨)) لماذا في المرة الأولى (وقلنا) وفي الثانية (قلنا)؟ عندما تأتي العقوبة تالية للجريمة أو الخطيئة مباشرة تأتي بالواو (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)) وهذه واو التهديد والوعيد أنت عصيت وأنا أعاقبك ، إذن (وقلنا) متعلقة بغضب الله عز وجل بعد المعصية مباشرة ، بالتهديد والعقوبة ، أما (قلنا) الثانية متعلقة بالمغفرة والتوبة والرضى ، هذا الاستغفار يطفئ غضب الرب (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)) فجاءت بعد التوبة ورضى الله عز وجل مباشرة . * أين جواب الشرط في الآية ؟ فإما يأتينكم : هي (إنّ وما) جمعتا معاً ، إنّ شرطية وما الزائدة بين أداة الشرط وفعل الشرط وجملة (فمن تبع هداي) هي جواب إنّ والفاء رابطة لجواب إنّ وجملة فلا خوف عليهم فهي جواب لـ(من تبع هداي). * الفرق بين قوله تعالى هنا (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ) و(فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) في طه : تَبِع زيدٌ عمراً مر به فمضى معه ، يعني مررت في طريقك فرأيت شخصاً واقفاً ما أن حاذيته حتى صار خلفك تماماً انقياد كامل ، التُبُع باللغة العربية الظل أنت حيث ما تسير صار ظلك معك يتْبعك- بتسكين التاء- تماماً ولا يتّبعك- بتشديد التاء- ما الفرق؟ يتْبعك تلقائياً محاذاة كظلِّك بشكل مباشر أما يتّبعك- بتشديد التاء- فيها جهود وفيها مراحل وفيها تلكؤ وفيها مشقات وفيها أشياء كثيرة تقول أنا تتبعت المسألة حتى حللتها أو وقفت على سرها ، تتبعت مرة مرتين ثلاث أربع ليل نهار هذا اتّبَع، معنى ذلك أن كلمة تَبِع إما التوحيد وإما الشرك ، فرب العالمين حين يقول (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) يعني التوحيد أرسلت لكم نبياً يقول اتركوا الأصنام لا إله إلا الله هذا تَبِع على طول لا يتردد . فلما قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ) هذه الشريعة أرسلت لكم شريعة حاولوا كل واحد يطبق منها ما يستطيع على قدر جهده وعلمه ونشاطه وهمته هذا إتّباع . تبِع كظل الشيء وأنت لا تكون ظل النبي إلا في التوحيد لا إله إلا الله لابد أن تكون مثل ظله ، لكن إتّباع لا أين أنت وأين هو؟! . * (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) من حيث التأليف والتركيبة البيانية : • (لا خوف عليهم) بالإسم و (ولا هم يحزنون) بالفعل ، ما قال لا يخافون كما قال ولا هم يحزنون : وذلك لأنهم يخافون في الواقع وخوفهم يوم الآخرة (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) هؤلاء مؤمنون يخافون، الخوف مدح لهم هنا ، كل المكّلفين يخافون حتى يؤمّن الله من يؤمّن ، ولما كان الخوف حقيقة عبّر عنه بالإسم. • لم يقل لا يخافون : معنى (لا خوف عليهم) يعني لا يُخشى عليهم خطر، أما هم فقد يكونوا خائفين أو غير خائفين، قد يكون هناك إنسان غير خائف لأنه لا يقدر الخطر لكن هنالك خطر عليه، الطفل مثلاً لا يخاف النار هو لا يعلم العواقب ولا يقدرها ونحن نخاف عليه ، إذن لم يقل لا يخافون لأن واقع الأمر أنهم يخافون فأمّنهم الله بقوله (لا خوف عليهم) وهذا هو المهم . • لم يقل لا خوف عليهم ولا حزن؟ هو قال (ولا هم يحزنون) جعل الحزن بالفعل وأسند إليه (ولا هم يحزنون) ، لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يصح المعنى لأن ذلك يعني لا يحزن عليهم أحد يعني نفى الحزن عن غيرهم ولم ينفه عنهم يعني هم قد يحزنون لكن لا يحزن عليهم أحد ، والمطلوب أن تنفي عنهم الحزن لا أن تنفيه عن غيرهم ، ثم قد يكون هذا ذم أن لا يحزن عليهم أحد كما قال ربنا (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) النحل) يعني لا يستحقون أن تحزن عليهم ، إذن لو قال لا خوف عليهم ولا حزن لا يستقيم المعنى قد يكون ذم وليس فيه فائدة ولا ينفعهم . • خصص الحزن بتقديم (هم) (ولا هم يحزنون) : التقديم أفاد الحصر ، أراد ربنا تبارك وتعالى أن ينفي عنهم الحزن ويثبته لغيرهم يعني ليس هم الذين يحزنون لكن الذي يحزن غيرهم من الكفرة هؤلاء أصحاب الحزن ، لو قال لا خوف عليهم ولا يحزنون يعني هم لا يحزنون لكن لم يثبت الحزن لغيرهم . • لم يخصص الخوف ما قال لا عليهم خوف بتقديم الجار والمجرور كما قال ولا هم يحزنون : وهذا أيضاً لا يصح ، عندما يقول لا عليهم خوف يعني ليس عليهم الخوف ولكن الخوف على غيرهم ، أنت نفيت الخوف عنه وأثبته على غيرهم أي الكفار، من يخاف على الكفار؟ وهم مغضوب عليهم؟ هذا المعنى يفهم إذا قدّم وقال لا عليهم خوف كان نفاه عنهم وأثبته على غيرهم . • (لا خوف عليهم) الإسم مرفوع وهنالك قراءة لا خوفَ بالفتح فلماذا فيها قراءتين؟ لا خوفَ عليهم بالنصب نص في نفي الجنس ولا النافية للجنس تعمل عمل (إنّ). لما تقول لا رجلَ بالبناء على الفتح هذا نفي نص الجنس يعني لا يوجد أيّ رجل مطلقاً ، لا رجلٌ نفي الجنس على الأرجح ويحتمل نفي الواحد لكن مع إحتمال وجود رجلين أو ثلاثة أو أربعة هذا احتمال واحتمال. لا خوفٌ عليهم في غير القرآن يمكن أن تجعله لا خوفٌ عليهم بل أكثر من خوف ، بينما لا خوفَ عليهم نفي جنس الخوف . لا شك السياق نفي الجنس تخصيصاً من أكثر من ناحية : من ناحية مقام مدح ، من ناحية قال (ولا هم يحزنون) فإذا كانوا لا يحزنون فإنه لا خوف عليهم لأن الحزن إذا كان هنالك شيء مخوف فتحزن لذلك ، إذن دلت القرائن على نفي الخوف تنصيصاً وجاء بـ (لا) النافية للجنس أيضاً في قراءة أخرى. فإذن القراءتان دلت على نفي الخوف تنصيصاً وبالقرينة. لكن هنالك مسألة إذا كان هو أفاد نفي الجنس تنصيصاً أو بالقرينة إذن لماذا يأت بنفي الجنس ولم يقل لا خوفَ عليهم؟ هو عندما يقول (لا خوفٌ عليهم) بالرفع هذا يفيد معنيين: ١- الأول كون حرف الجر (عليهم) متعلق بالخوف مثلاً (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) متعلق بـ(خاف) ، لو كان الجار والمجرور (عليهم) متعلقاً بالخوف يكون الخبر محذوفاً لأن لا خوفٌ عليهم الخبر يكون محذوفاً . ٢- يحتمل أن يكون الجار والمجرور (عليهم) ليس متعلقاً بالخوف وإنما متعلق بكان واستقر يعني لا خوف كائن عليك. مثل (عليكم أن تجلسوا في الصف) إذا تعلق الصف بالجلوس لا يكون هنالك خبر، الجلوس في الصف مطلوب نافع مفيد، لا خوفٌ عليك موجود . إذن فيها معنيين واحتمالين وليست هنالك قرينة سياقية تحدد معنى معينا ً، إذن هذا توسع في المعنى جمع معنيين : إذا أخذناها على أن (عليهم) متعلقة بالخوف يكون الخبر محذوف يعني لا خوف عليهم من أي مكروه أو لا خوف واقع عليهم إذن الرفع فيها احتمالين أن يكون (عليهم) متعلق بخوف فيكون الخبر محذوف تقديره كائن أو موجود أو (عليهم) هو الخبر، الخوفُ عليهم وكل واحدة لها دلالة . أما لا خوفَ عليهم ليس له إلا دلالة واحدة (عليهم) هو الخبر نصّاً لا يجوز أن يتعلق بالخوف نحوياً ، لأنه لو كان تعلق به سيكون شبيهاً بالمضاف فنقول لا خوفاً عليهم بالنصب ولا يصح البناء مطلقاً لأنه شبيه بالمضاف ولا يمكن أن نبني . لو اكتفى لا خوفَ عليهم سنفقد معنى (لا خوفَ) خوفَ نعربها إسم لا النافية للجنس، أما (لا خوفٌ) (لا) نعربها إما عاملة عمل ليس وقسم يجعلها مهملة فيكون خوف مبتدأ وعليهم خبر. • هو نفي الخوف الثابت والمتجدد ونفى الحزن الثابت والمتجدد : - قال (لا خوف عليهم) هذا ينفي الخوف الثابت . - نفي الحزن المتجدد من الفعل المضارع (ولا هم يحزنون) الذي فيه تجدد واستمرار وهذا يقتضي (لا خوف عليهم) لأن الحزن مرحلة تالية للخوف فإذا نفى ما يستجد من الحزن ينفي ما يستجد من الخوف. - نفي الحزن المتجدد ينفي الخوف المتجدد لأنك تخاف فتحزن، الخوف أولاً ثم الحزن بعدما يقع إذا وقع ما يخاف منه . - نفي الخوف الثابت ينفي الحزن الثابت ، فجاء أحدهما بالفعل والآخر بالإسم وأحدهما مرتبط بالآخر . • لم يقل لا خوفٌ عليهم ولا حزن لهم؟ - جملتان إسميتان تدلان على الثبوت؟ لو قال لا حزن لهم هو ينفي الحزن عنهم ولا يثبته لغيرهم، هو قال (ولا هم يحزنون) أثبت الحزن لغيرهم . - لو قال ولا لهم حزن هذا تنصيص على الجنس بمعنى ليس هنالك نص في نفي الجنس يعني لا لهم حزن لأن لا النافية للجنس لا يتقدم خبرها على إسمها فإذا تقدّم لا تعود نصاً في نفي الجنس ثم يجب رفع الحزن لا يجوز نصبه ولا بناءه (ولا لهم حزنٌ) ما دام تقدم الخبر تصير (لا) مهملة. - ثم سنخسر الثابت والمتجدد لأنها تصبح كلها إسماً إذن تنفي الثابت فقط ولا تنفي الثابت والمتجدد. هذا كله في (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون). الوقفة كاملة
١٥ آية (٧٤) : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) * دروس مستفادة من قصة البقرة : بقصة واحدة أخذنا حزمة من الأهداف العظيمة : أولاً : ذبح العجل من القلوب قبل أن يذبح على الأرض ، لأن قطعا العجل الذهبي الذي عبده بنو إسرائيل مُثل لهم فلما يذبحوا البقرة الصفراء فالمعني المعنوي والتربوي هاهو يحصل قطعا أو هكذا يفترض . ثانياً : بنو إسرائيل غلاظ الإيمان بالغيب وبالذات الإيمان بالآخرة فكان درس البقرة ليريهم قدرة الله على البعث كيف يحي الله الموتى ، ضرب ميت بقطعة من ميت فيحيا .. ما هذا؟ هذه قدرة الله هذه معجزة يسوقها الله عز وجل ، وتناسقت القصة مع جو سورة البقرة اللي كله جو الإحياء من بعد الموت . ثالثاً : الجريمة كانت مقيدة ضد مجهول والآن علم القاتل وانتهي التنازع ، أحياء أوشكت أن تقتتل وتقع دماء جديدة . رابعاً : تعليم بني إسرائيل تلقي الأمر للتنفيذ ، وأن الأمر للالتزام ، الشعب مع النبي جند في الميدان الأمر للتنفيذ العسكري ينفذ بلا اعتراض ، هذا نبي يوحى إليه . خامساً : قلوب بني إسرائيل لانت للحظات .. دقائق .. ساعات ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ) يا الله! يعني ما لبثت قلوبكم أن عادت إلى طبيعتها وعادتها وهيئتها رجعت القساوة والعمي النفسي رجع إلى قلوبكم من جديد ، ولكي أعطيك صورة مجسدة لقسوة القلب ما اكتفى بكلمة قست قلوبهم ، لا أعطاك إياه في مثل مجسد ( فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) قلوب من اللحم تكون أشد قسوة من الحجارة! الدليل (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء) كالحجر اللي كنتم منه تشربون منه يا بني إسرائيل ورأيتم كيف تخرج المياه من حجارة من قلب الصخر يخرج الماء (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ) ثلاث نماذج على الحجارة إما انفجار أنهار .. إما خروج مياه .. إما هبوط من خشية الله . أفيصيب قلوبكم مثل ما كان من هذه الحجارة؟ الجواب: لا .. إذن قلوبكم أقسى من الحجارة . * ختم الآية الكريمة (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بتاء الخطاب وما قال (عَمَّا يَعْمَلُونَ) الماضين لأن المقصود يا حاضرين نزول القرآن ويا شاهدين هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، الله تعالي ليس غافلا عما تعملون . * (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) هذا النص تكرر في القرآن مرات كثيرة لكن في البقرة وآل عمران (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) : السياق كان دائما يجيء عن بني إسرائيل ، كذلك في البقرة وآل عمران (وما الله) وفي باقي المواطن (وما ربك) لأنه في القرآن المكي كان يتنزل لمسح ألم النبي صلى الله على النبي وسلم فكان (وما ربك) كلمة المواساة ، لكن هنا (وَمَا اللّهُ) يربي المهابة في قلوب بني إسرائيل وغيرهم . الوقفة كاملة
١٦ (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) * (الْحَمْدُ للّهِ) جملة مؤلفة من كلمتين، هل كان من الممكن استعمال كلمات أخرى أو التغيير في وضعها ؟ في الظاهر . . نعم . . هناك كلمات و أساليب تحمل المعنى نفسه ، ولكن هل تفي بالمراد ؟ وماذا عن المعنى العام ؟ ١ـ المدح لله - المدح هو الثناء وذكر محاسـن الغير من الصـفات والأعمال أما الحمد فهو الثناء على الجميل من النعمة او غيرها وذكر المحاسـن مع التعظيم والمحبة فأيهما أقوى ؟ - المدح قد يكون للحي ولغير الحي ، وللعاقل وغير العاقل من جماد أو حيوان كالذهب والديك أما الحمد فيخلص للحي العاقل. - المدح قد يكون قبل الإحسان أو بعده أما الحمد فلا يكون إلا بعده ، فالحمد يكون لما هو حاصل من المحاسن في الصفات أو الفعل فلا يحمد من ليس في صفاته ما يستحق الحمد أما المدح فقد تمدح إنساناً ولم يفعل شيئاً من المحاسن ، ولذا كان المدح منهياً عنه. - المدح لم يرد في القرآن الكريم لا بالمصدر ولا بالمشتقات ولا أي صيغة من صيغ المدح لما في المدح من إحتمال الصدق والكذب. ** يظهر لنا مما تقدم أننا عندما نقول (الْحَمْدُ للّهِ) فإننا نحمد الله الحي الذي اتصـف بالصفات الحسنى والفعل الجميل فاسـتـحـق الحمد على صفاته وعلى فعله وإنعامه ، ونعترف له بالتفضل والتكرم فقدأسبغ علينا من إحسانه ظاهراً وباطناً ما لا يعد ولا يحصى، مع إظهار تعظيمنا وإجلالنا له وتأكيد توجه محبتنا إليه، ولو قال المدح لله لم يفد شيئاً من ذلك. ٢ـ الشكر لله ـ الحمد يقتضي المحبة والتعظيم والشكر ليس فيه ذلك فحينما تشكر إنساناً ليس شرطاً أن تعظّمه أو تحبه. ـ لا يكون الشكر إلا على ما وصل للشـخـص من النعم ، أما الحمد فعلى ما وصل إليه وإلى غيره، فالشكر إذن أضيق نطاقاً. ـ الشكر يختص بالنعم ولا يوجه للصـفات، فنحن لا نشكر فلاناً على علمه أو قدرته، أما الحمد فيكون على النعم وعلى الصفات الذاتية وإن لم يتعلق شيء منها بنا. ** مما تقدم يتضح لنا أن المدح أعم من الحمد ، وأن الحمد أعم من الشكر وفي الأول تعميم لا يناسب المقام ، وفي الأخير تخصيص غير مناسب أيضاً فهل يمكن استعمال واحدة من هذه العبارات؟ ٣- الثناء على الله الثناء لا يأتي إلا مع (على) وفيه نوع من الإستعلاء لا ينسجم مطلقاً مع بداية الفاتحة ولكن أنت تقول حمده وحمد له فعله والتعدي باللام تقرّبه، لا نجد أثنى على الله إبتداء إنما يقول حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله تأتي ملحقة لا تأتي منفردة لأن فيها نوع من الإستعلاء، ولم يرد الثناء بكل تصريفاته في كتاب الله عز وجل. ٤ـ أحمد الله أو نحمد الله أو احمدوا الله ـ هي جمل فعلية تدل على الحدوث وتجدد الفعل أما (الْحَمْدُ للّهِ) فجملة اسمية تدل على الدوام والثبوت لذا فمن القواعد المعروفة في اللغة أن الجملة الاسمية أقوى من الجملة الفعلية لأن : ــ الجملة الفعلية تختص بفاعل معين أو جماعة تؤمر بالحمد ، ولكن ماذا عن غيرهم من الناس ؟ أما الجملة الاسمية فلا تحدد فاعل معين فهو المحمود على وجه الاطلاق منك ومن غيرك. - الجملة الفعلية ترتبط بزمن معين مما يعني أن الحمد لا يحدث في غير هذا الزمن الذي يتم فيه الحمد وزمن الإنسان زمن محدد معين ، يرتبط أو يساوي عمره على أقصى تقدير ، فلا يتجاوزه إلى ما بعده ولا يبدأ قبله، فيكون الحمد أقل مما ينبغي بكثير أما في الجملة الاسمية فالحمد مطلق مستمر، فهو كان محمودا قبل حمد الحامدين وقبل شكر الشاكرين. ــ الجملة الفعلية لا تفيد أن المفعول مستحق للفعل، فقد نشكر من لا يستحق الشكر، أما الجملة الاسمية فتفيد استحقاقه للحمد تأكيداً فالحمد والثناء حق لله تعالى ثابت له يستحقه لذاته ولصفاته ولما أنعم من آلائه . ــ وإن كان الفعل للأمـر(احمد أو احمدوا) فإن المأمور قد يفعل ما أمر به دون اقتناع، وإنما خوفا من الآمر أو رغبة في شيء . ــ والحمد صفة قلبية، وهي اعتقاد كون المحمود متفضلاً منعماً مستحقا للتعظيم والإجلال، فإذا تلفظ الإنسان بالجملة الفعلية ذات الفاعل والزمن المحددين وكان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق كان كاذبا، أما إن تلفظ بالجملة الاسمية فإنه يكون صادقاً وإن كان قلبه غافلا لاهيا، لأنها تفيد أن الحمد حق لله ، وهذا حاصل سواء عقل أم غفل . ٥ـ الحمدَ لله (بالنصب) - جائزة على تقدير فعل محذوف، فتكون جملة فعلية والجملة الاسمية أقوى كما تقدم ، فقراءة الرفع (الحمدُ لله) تفيد ثبوت الشيء على جهة الاستحقاق ثباتاً دائماً، فهي أولى من قراءة النصب . ٦ـ حمدا لله - هي جملة فعلية نقدر لها فعلاً محذوفاً ، والجملة الاسمية (الحمدُ لله) أقوى . ـ (الحمدُ لله) معرّفة بأل، و (أل) تفيد العهد وتفيد استغراق الجنس، فإن أفادت العهد كان المعنى: الحمد المعروف بينكم هو لله، وإن أفادت الاستغراق كان المعنى: إن الحمد كله لله على سبيل الإحاطة والشمول. ويظهر أن المعنيين مرادان، أما (حمدا لله) فنكرة لا تفيد شيئا من المعاني المتقدمة . ٧ـ إن الحمد لله - (إن) تفيد التوكيد، وليس المقام مقام شك أو إنكار يقتضي توكيدا . - (إن الحمدَ لله ) جملة خبرية تحمل إلينا خبراً واضحاً محدداً (ثبوت الحمد لله تعالى) ولا تحتمل إنشاء ، أما (الحمدُ لله) فتفيد الإخبار بثبوت الحمد لله ، فهي خبرية ولكنها تفيد إنشاء التعظيم واستشعار نعم الله علينا، وفيها معنى الدعاء ، فهي ذات معان أكثر. ٨ـ لله الحمد ـ (لله الحمدُ) فيها تقديم الجار والمجرور ، وفي التقديم اختصاص وحصر أو إزالة شك، والمقام في سورة الفاتحة هو مقام مؤمنين يقرون بالعبادة ويطلبون الاستعانة والهداية ، فليس هناك من ادعى أن ذاتاً أخرى قد تشترك معه في الحمد فنزيل الظن عنده، أو أن الحمد لغير الله لنخصه به؟ ـ كما أن الحمد في الدنيا ليس مختصا لله وحده، وإن كان هو سببه كله، فالناس قد يحمد بعضهم بعضاً، وفي الحديث (من لم يحمد الناس لم يحمد الله)، فيجوز توجيه الحمد لغير الله في ظاهر الأمر، فلا حاجة للاختصاص بالتقديم. ٩ـ اختصاص الاسم العلَم (الله) بالذكر، دون سائر أسمائه االحسنى وصفاته - كان يمكن أن يقال الحمد للحي، الحمد للرحيم، الحمد للبارئ .. ، ولكن لو حدث ذلك لأفهم أن الحمد إنما استحقه لهذا الوصف دون غيره، فجاء بالاسم العلَم ليدل على أنه استحق الحمد لذاته هو لا لصفة من صفاته ـ ثم إن ذكر لفظ الجلالة (الله) يناسب سياق الآيات، فسيأتي بعدها بقليل "إياك نعبد وإياك نستعين" ولفظ الجلالة (الله) مناسب للعبودية، لأنه مأخوذ من لفظ الإله أي المعبود. ـ هذا والمجيء بوصف غير لفظ الجلالة ليس فيه تصريح بأن المقصود هو الله عز وجل. * كلمة الحمد لله وحدها بُدئ بها في أربع سور أخرى كأنما هذه البدايات تحاول أن تبيّن نماذجاً من الحمد، يُحمَد الله عز وجل هنا لرحمته وهنا لفضله وهنا لعلمه وهنا لإعطائه العلم للآخرين وهنا لخلقه السموات والأرض، فكأن بدايات السور متكاملة: - في الفاتحة الحمد لله هو جنس الحمد، نظام كليٌّ وهناك جزئيات في بدايات أربع سور أخرى بينها نوع من التلازم والتشابك. - في الأنعام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) الكلام على بدء الخلق وفيه معنى التقدير والتصوير، ومن رحمة الله سبحانه تعالى جعل الظلمات والنور. - في فاطر (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا) هذه المنشيء، ثم تكلم على جعل الملائكة. - في سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذا الذي في السموات والأرض  ملك لله سبحانه وتعالى. - في الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) الملائكة والرسل وإنزال الكتاب نماذج من آلآء الله ونعمه التي يُحمد عليها. *** *** *** *** *** (رَبِّ الْعَالَمِينَ) : * اختيار كلمة (رَبِّ) هي أنسب ما يمكن وضعه بعد (الْحَمْدُ للّهِ) فهو أولى بالحمد من غيره لأن الرب هو المالك والسيد والمربي والمنعم والقيّم فإذن رب العالمين هو ربهم ومالكهم وسيدهم ومربيهم والمنعم عليهم وقيُمهم، و تناسب ما بعدها (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) لأن من أولى مهام الرب الهداية لذا اقترنت الهداية كثيراً بلفظ الرب كما اقترنت العبادة بلفظ الله تعالى . *اختيار كلمة (الْعَالَمِينَ) : -- العالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله تعالى ويجمع على العوالم وعلى العالمين، رب العالمين يقتضي كل صفات الله تعالى ويشمل كل أسماء الله الحسنى. لكن اختيار العالمين على العوالم أمر بلاغي لأن العالمين خاص للمكلفين وأولي العقل والعلم فقط . -- لا تستعمل كلمة العالمين إلا إذا اجتمع العقلاء مع غيرهم وغلبوا عليهم، والعالمين جمع العالم بكل أصنافه لكن يغلُب العقلاء على غيرهم فيقال لهم العالمين لا يقال لعالم الحشرات أو الجماد أو البهائم العالمين، أما العوالم قد يطلق على أصناف من الموجودات ليس منهم المكلفون (تقال للحيوانات والحشرات والجمادات). -- العالمين تشمل جيلاً واحداً وقد تشمل كل المكلفين أو قسماً من جيل كما جاءت في قصة سيدنا لوط بمعنى قسم من الرجال (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَن الْعَالَمِينَ). -- السورة كلها في المكلفين وفيها طلب الهداية وإظهار العبودية لله وتقسيم الخلق كله خاص بأولي العقل والعلم لذا كان من المناسب اختيار العالمين على غيرها من المفردات او الكلمات لتشمل كل العالمين لا بعضهم. * الحمد لله رب العالمين جاءت في أكثر من موضع جاءت في أول الفاتحة تحميداً وتمجيداً لله سبحانه وتعالى وبها يختم العمل والدعاء وتأتي قي سور آخرى في سياق الحديث عن الآخرة أي الحمد لله رب العالمين في البدء وفي الختام: - الحمد لله رب العالمين في بداية الفاتحة بعد البسملة معناه بداية عمل. - في نهاية سورة الصافات بعد الحديث عن الكون وما يضم إلى قيام الساعة وإنتهاء الحياة (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢)). - في نهاية سورة الزمر(وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ... وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٧٥)). - في الأنعام (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٥)) هنا نهاية عمل في نهاية الحياة إنتهى أمرهم. - في يونس (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)) في آخر الدعاء في الجنة. - في غافر (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٥)) هنا يحتمل في أول الدعاء وآخره. الوقفة كاملة
١٧ آية (٨٦) : (أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) * الفرق بين استخدام كلمة (يُنصرون) في سورة البقرة وكلمة (يُنظرون) في سورة البقرة وآل عمران : قال تعالى في سورة البقرة (أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (٨٦)) وقال في سورة البقرة أيضاً (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (١٦٢)) وفي سورة آل عمران (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (٨٨)) . لو نظرنا في سياق الآيات في سورة البقرة التي سبقت آية ٨٦ لوجدنا الآيات تتكلم عن القتال والحرب والمحارب يريد النصر لذا ناسب أن تختم الآية ٨٦ بكلمة (ينصرون) أما في الآية الثانية في سورة البقرة وآية سورة آل عمران ففي الآيتين وردت نفس اللعنة واللعنة معناها الطرد من رحمة الله والإبعاد والمطرود كيف تنظر إليه؟ كلمة يُنظرون تحتمل معنيين لا يُمهلون في الوقت ولا يُنظر إليهم نظر رحمة فاستوجب ذكر (يُنظرون) . الوقفة كاملة
١٨ آية (۳) : (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) * دلالة البناء للمجهول (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) : السياق حسب الحاجة وحسب ما يريد المتكلم أن يتحدث عنه، هل الكلام عن الفاعل أو عن نائب الفاعل، هنا الكلام عن الكتاب ( كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ .. (۲)) لكن يذكر من المنزِل فيما بعد لتعظيم الكتاب، (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (۲) الزمر) الكلام عن الله وليس عن الكتاب. * (تَتَذَكَّرُونَ) لما تأتي تكون مساحة التأمل أوسع ففي الآية (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) الأنعام) كان الكلام قبلها عن النظر في آيات الله في الكون وهذا ربي ثم هذا ربي ثم هذا ربي أمور تحتاج إلى طول زمن. - تذكّرون مثل (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) المسألة منحصرة في أوامر من الله عز وجل يأمرهم بتنفيذها لا تحتاج إلى طول الوقت الذي احتاجته التأملات في قصة إبراهيم عليه السلام. - يذّكّرون بالتشديد على الذال فهو للتأكيد. آية (٤) : (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ) * ذكر هلاك القرية دون ذكر أهلها لقصد الإحاطة والشمول، تخيل مشهد القرية وهي تتدمر بأكلمها، وإذا كان هذا ما حل بالقرية وهي ثابتة مستقرة فكيف بأهلها؟ وستزداد دهشة إذا علمت أن ساعة الهلاك هي ساعة نومهم (بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ). * أتى البأس بعد الإهلاك فالفاء تأتي للترتيب الذِكري ولا تنحصر بالترتيب والتعقيب. وهي تعني التفصيل بعد الإجمال . أولاً يأتي بالموت بشكل إجمالي ثم يفصّل الإهلاك. الوقفة كاملة
١٩ آية (١٦٢) : (خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ) * خالدين فيها وخالدين فيها أبداً في القرآن الكريم سواء في أهل الجنة أو في أهل النار هناك أمران : إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب أو الشدة في العقاب يذكر (أبدا) لأن (خالدين فيها أبداً) أطول من (خالدين فيها) وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها ، أو كون العمل المذكور يستوجب الشدة فيستخدم (أبداً) . (أبداً) لا تحمل معنى التأبيد الدائم أو عدم الخروج لأن الخلود وحده يحمل هذا المعنى . والخلود لغوياً يعني البقاء وهم يقولون الزمن الطويل أحياناً والخلود عند العرب تعني المكث الطويل وليس بالضرورة المكث الأبدي . وقد وردت خالدين فيها أبداً في أهل الجنة ٨ مرات وفي أهل النار ٣ مرات وهذا من رحمته سبحانه لأن رحمته سبقت غضبه . ومسألة وجود وعدم وجود (أبداً) ليس لها علاقة بالخلود الدائم فهناك آيات كثيرة فيها خالدين وحدها وليس في العقيدة أنهم يغفر لهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ .. خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ) . (أبداً) ظرف زمان خاص بالمستقبل فقط وليس له دلالة زمنية معينة . نستعمل (قطّ) للماضي و(أبداً) للمستقبل وخطأ أن نقول ما رأيته أبداً وهذا خطأ لغوي شائع ، نقول لا أكلمه أبداً وما رأيته قطّ . * (وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ) الإنظار هو الإمهال ، والمعنى أنهم لا يؤخرون عن عذابهم أو بمعنى لا ينظر إليهم لأن النظر يعطي شيئا من الشفقة لأنك قد تتجه ناحيته فتنظره دون قصد بتلقائية ، وهو سبحانه لا ينظر إليهم أساسا فكأنهم أهملوا إهمالاً تاماً . الوقفة كاملة
٢٠ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) * الملاحظ أنه ذكر الفريضة أولاً (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) لم يحدد وقتاً ولا مدة ، ثم بعدها ذكر الأيام مبهمة قال (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) لم يُحّددها، ثم بيّن بقوله (شَهْرُ رَمَضَانَ) فيما بعد، الآن تعيّن الوقت للصيام وحدّد إذن أصبح الفريضة هي صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أي الذي ابتدأ فيه نزول القرآن من اللوح المحفوظ جملة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل منجماً فيما بعد على مدى ثلاث وعشرون سنة. * (أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فيها دلالتان إما ابتداء إنزال القرآن فيه أو أنزل في شأنه القرآن أي في تعظيمه. * (أُنزل فيه القرآن) بني الفعل للمجهول ولم يقل أنزلنا فيه القرآن فالفاعل مُضمر محذوف لأن سياق الكلام عن شهر رمضان تعظيماً له ولو قال أنزلنا يعود ضمير المتكلم على مُنزِل القرآن وهو الله سبحانه وتعالى. * جاءت (هُدًى) منصوبة : فيها احتمالان أن تكون حال أي (هادياً للناس) أو مفعول لأجله أي لأجل هداية الناس. الهداية غير موجودة لولا القرآن، فإذن هي ابتغاء علة لم تكن حاصلة إلا بالقرآن ، بهذه الطريقة يجمع معنيين. * في أول السورة قال (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وهنا قال (هُدًى لِّلنَّاسِ) فإذن القرآن فيه هداية عامة وفيه هداية خاصة ، هداية عامة (هُدًى لِّلنَّاسِ) فيه آيات بينات تستدل منها على أن هذا القرآن قطعاً من فوق سبع سموات ، (وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى) فيه دلائل آيات واضحة تحتج بها على أن هذا القرآن هو من عند الله وفيه آيات أحكام هادية للناس في معاملاتهم تفرق بين الحق والباطل ، واستخدم الكلمتين بالمعنيين هنا، (هُدًى لِّلنَّاسِ) هدى عام (وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى) هدى خاص . *( فَمَن شَهِدَ) أي من كان حاضراً مقيماً وليس مسافراً ، شهد الشهر ليس بمعنى شاهد الهلال. تقول أشهِدت معنا؟ أي هل كنت حاضراً معنا؟. لأنه ذكر المسافر فيما بعد. * في الآية الأولى قال (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا) بينما هنا لم يذكر (مِنكُم) قال (وَمَن كَانَ مَرِيضًا) لأن الآية الأولى تقدمها قوله (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) فلو لم يقل منكم كان يُظن أن هذا حكم الأولين وليس للمسلمين فكان لا بد أن يذكر (منكم) لئلا ينصرف المعنى للذين من قبلكم. بينما في الآية الأخرى بدأها بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) فذكر (مِنْكُمُ) لأن الخطاب للمسلمين فلا داعي لتكرارها. * لم يأت في هذه الآية بقوله (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) : - لأن المسألة قد انتقلت من الاختيار إلى الفرض . - لأنه في الآية نفسها (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ َ) قال يريد بكم اليسر فكيف يقول أن تصوموا خير لكم؟ وهذا من تمام رأفته ورحمته بنا سبحانه وتعالى. * قول الله عز وجل ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) تعقيب على أنه أعفى المريض والمسافر من الصيام ، فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسراً لا ميسراً والله لا يمكن أن يكون كذلك ، بل أنت الذي تكون معسراً على نفسك ، فإن كان الصوم له قداسة عندك، ولا تريد أن تكون أسوة سيئة فلا تفطر أمام الناس ، والتزم بقول الله (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لأنك لو جنحت إلى ذلك لجعلت الحكم في نطاق التعسير ، فهل أنت مع العبادة أم أنت مع المعبود؟ أنت مع المعبود بطبيعة الإيمان. * الفرق بين مشيئة الله وإرادة الله : أكثر المتكلمين يرون أن المشيئة والإرادة سوءا لكن قسم منهم يقول أن المشيئة تقتضي الوجود ولذلك قال (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) الإرادة لا تقتضي الوجود ربنا قد يريد شيئاً من الناس لكن الناس لا يفعلوه، ربنا يريد الناس أن يعبدوه ، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) لكن الإنسان قد يريد لنفسه العسر. * (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ) هذه اللام فيها احتمالان: - احتمال أن تكون اللام زائدة في مفعول فعل الإرادة يعني يريد لتكملوا العدة والقصد منها التوكيد . - والآخر يحتمل أن يكون للتعليل والعطف على علّة مقدرة وهذا كثير في القرآن الكريم وفي لغة العرب. * (عَلَى مَا هَدَاكُمْ) (ما) تحتمل معنيين بمعنى الذي أي على الذي هداكم ، والمصدرية بمعنى الهداية أي على هدايته لكم ونرجح المعنيين فهما مرادان. * قال (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولم يقل تفلحون : ذلك أن الصيام قد يُظن لأول وهلة أنها عبادة شاقة علينا فإذا ما انتهينا منها أدركنا لطف الله سبحانه وتعالى ونشعر بفضل الله تعالى وكيف أعاننا على القيام بهذه الفريضة فندرك عظمتها ونستشعر آثارها في أرواحنا فنتوجه إلى الله تعالى بالشكر على هذه العبادة العظيمة وعلى عونه لنا على أدائها. الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 11 إلى 20 من إجمالي 429 نتيجة.