التدبر

١٣١ (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أكثر من يقاوم دعوة الرسل هم أصحاب المصالح الشخصية والمتعلقين بالدنيا وزينتها الوقفة كاملة
١٣٢ (ليس بي ضلالة ولكني رسول رب العالمين) (ليس بي سفاهة ولكني رسول رب العالمين) عندما يكون الهدف واضحًا في قلب الداعية إلى الله لن تثنيه اتهامات المدعويين الشخصية فالرسالة أعظم من الثأر للنفس! الوقفة كاملة
١٣٣ (الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء) بقدر ظنونهم السيئة ساءت حياتهم فظن بربك الخير ! تجد الخير في حياتك الوقفة كاملة
١٣٤ (لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا) أي نعيماً وزينة فوق ما يستر العورة (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) فالتقوى ملازمة للمؤمن يستر بها ذنوبه وتقصيره ويتزين بها عند الله وحصنه من مداخل الشيطان وتتنوع في حياته كما يتنوع اللباس .. فتزين بها واحرص على نقائها كما تحرص على جمال لباسك. الوقفة كاملة
١٣٥ (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) عقد عظيم يرسخ للمؤمن تطلعه نحو الآخرة وأن حياته ونفسه وماله لله عسى أن ينال رضاه ويدخل جنته وهذا شعور عظيم يربطه بالملأ الأعلى يجعله يستبشر بالتوفيق لطاعة الله ومرضاته وتصبح الدنيا بحلوها ومرها رخصية ومرحلة عابرة وهذا ما لايفقهه المنافقون الوقفة كاملة
١٣٦ (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)كان سبقهم للإيمان سببًا لنيلهم الرضوان ربّنا نسألك اللحاق بركبهم الوقفة كاملة
١٣٧ (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)لحمة جامعة بولاية الإيمان مشعرة بالقرب والنصرة والتواد والتعاطف تتجدد بتجدد إيمانهم وبقائه مؤثرا في حياتهم تتخطى بهم المسافات وتسمو بهم فوق الأعراق وتذيب الفروق المادية والحسية يتذوقون طعمها وهم يشاهدون البشرية محرومة من لذة الأخوة في الله الوقفة كاملة
١٣٨ (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا) إذا كان هذا النداء للمؤمنين وصحابة الرسول عليهم رضوان الله ، لم تغن عنهم كثرتهم شيئاً - مع إيمانهم - ، فما بالنا نخشى كثرة أهل الطغيان ؟؟ لن تغني عنهم كثرتهم شيئاً بإذن الله . الوقفة كاملة
١٣٩ (وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ) بشرى من ربهم رحمة منه رضوان جنات من حظي بكل ذلك ، حري أن يكون من الفائزين . نسألك اللهم من فضلك الوقفة كاملة
١٤٠ في هداية الله ﷻ للنحلة في أدق التفاصيل من حياتها أعظم موعظة بألا تلتفت القلوب لغير خالقها اللطيف الخبير الذي لن تجد أحن منه ولاأرحم ولاألطف سبحانه وتعالى الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

١٣١ برنامج لمسات بيانية (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا) قال (قَالُوا يَا وَيْلَنَا ) ولم يقل (يقولون يا ويلنا) ذلك أنه لو قال (يقولون) لكان الفعل حالاً للنسلان أي (ينسلون قائلين يا ويلنا) كما نقول (هو يقبل يبكي) و(يدبر يسرع) فيكون القول عند النسلان في حين أن القول قبل النسلان فإنما قالوا ذلك في ابتداء بعثهم من القبور (1)، جاء في (التفسير الكبير): "لو قال قائل: لو قال الله تعالى (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون يقولون يا ويلنا) كان أليق. نقول معاذ الله، وذلك لأن قوله (فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) على ما ذكرنا إشارة إلى أنه تعالى في أسرع زمان يجمع أجزاء ويؤلفها ويحييها ويحركها ... فلو قال (يقولون) لكان ذلك مثل الحال لينسلون أي ينسلون قائلين يا ويلنا وليس كذلك فإن قولهم (يا ويلنا) قبل أن ينسلوا" (2) (يَا وَيْلَنَا) الويل هو الحزن والعذاب والهلاك ومعنى (يا ويلنا) أنهم ينادون هلاكهم وعذابهم أي احضر يا عذابنا ويا هلاكنا فهذا أوانك كما يقول الناس (يا مصيبتي) و(يا خراب بيتي) أي احضر فهذا وقتك وأوانك قال تعالى في أصحاب النار(وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ) الفرقان 13، 14 أي قالوا: يا ويلاه، يا ثبوراه. جاء في (لسان العرب): "الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة بالويل ومعنى النداء فيه يا حزني ويا هلاكي ويا عذابي احضر فهذا وقتك وأوانك فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع" (3). وقد تقول: ولم قال (يا ويلنا) ولم يقل (يا ويلتنا) بالتاء ؟ والجواب أن الويل هو ما ذكرناه أي العذاب والحزن أما الويلة فهي الفضيحة ويؤتى بها في مواطن الفضيحة وذلك نحو قوله تعالى (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) الكهف 49. فقالوا (يا ويلتنا) أي يا للفضيحة وهي فضيحة نشر الأعمال، فإن قسماً من الأعمال كان يتستر منها فاعلها فهو يفعلها في السر فإذا بالكتاب قد فضحها كلها. ولو تتبعنا مواطن استعمال الويلة بالتاء في القرآن الكريم لوجدناها كلها في مواطن الفضيحة بخلاف مواطن الويل. قال تعالى (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ) هود 72 فقالت (يا ويلتى) ذلك أن العجوز المسنة التي تلد وبعلها شيخ تشعر بأن ولادتها في مثل هذا السن فضيحة تخجل منها ولذا قال تعالى في موطن آخر (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) الذاريات 29. وقال في ابن آدم الذي قتل أخاه ولم يعلم ماذا يفعل به ولا كيف يتخلص من الجثة وقد أعيته الحيلة (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ) –المائدة31. وه و موطن عجز فاضح إذ كان أقل تفكيراً وحيلة من الغراب. وقال (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ) – الفرقان 27-29 وهذا موطن افتضاح في ضعف الشخصية وعجزها فإن صاحبه استطاع أن يخدعه ويضله ويلغي تفكيره ويعبث بعقله وذلك دليل نقص وعجز. ولم يرد الويل في مثل هذه المواطن. قال تعالى: (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) لأنبياء 12 -15 وقال: (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) – الأنبياء 46 وقال: (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) – الأنبياء97 وقال: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ) – يس 52 وقال: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ) – الصافات 19،20 وقال: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ) –القلم 30،31 جاء في (لسان العرب): "الويل حلول الشر والويلة الفضيحة والبلية، وقيل هو تفجع وإذا قال القائل واويلتاه فإنما يعني وافضيحتاه، وكذلك تفسير قوله تعالى (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ" ) و(المرقد) يحتمل المكان ويحتمل المصدر أي الرقاد، وهو بهذا المعنى أي بمعنى الرقاد تكون ضجعة القبر كالنوم بالنسبة إلى اليقظة فيكون البعث يقظة والرقاد في القبر كالنوم. وقال (مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) ولم يقل (من بعثنا من أجداثنا) ليشمل المعنيين: المكان والمصدر، فهم قد بعثوا من الأجداث وبعثوا من رقدة الموت، جاء في (الكشاف): "عن مجاهد للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا من بعثنا" (5) وجاء في (البحر المحيط): "المرقد استعارة عن مضجع الميت، واحتمل أن يكون مصدراً أي من رقادنا وهو أجود أو يكون مكاناً فيكون المفرد فيه يراد به الجمع أي من مراقدنا، وما روي عن أبي بن كعب ومجاهد وقتادة من أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر فقالوا هو غير صحيح الإسناد وقيل قالوا من مرقدنا لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم" (6). الوقفة كاملة
١٣٢ برنامج لمسات بيانية ( لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) معنى (يدعون) يطلبون، ومعناه أيضاً يتمنون، يقال: ادع عليِّ ما شئت أي تمنّه (1) فلهم ما يطلبون وما يتمنون. لقد قدم (لهم) على (فيها) وأخر الفاكهة وذلك أن الكلام عليهم فقد قال (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال) فناسب أن يقدم ما تعلق بهم، ثم قال (فيها) أي في الجنة، وهو نظير ما مر من قوله (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) وقوله (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) فقوله (لهم) يقابل (أصحاب الجنة) ويقابل (هم وأزواجهم) فإن الضمير في (لهم) يعود عليهم، وقوله (فيها) يقابل (في شغل) ويقابل (في ظلال) لأن ذلك فيها أي في الجنة. لقد وردت في القرآن الكريم تعبيرات مختلفة من نحو هذا التعبير اختلف فيها التقديم والتأخير وذلك نحو قوله تعالى.. ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) –النحل 31 وقوله: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ) – الفرقان 16 فقدم في الآيتين (فيها) على (ما يشاؤون). غير أنه قال في مكان آخر ( لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ق 35 فقدم (ما يشاؤون) وأخر (فيها)، وذلك بحسب ما يقتضيه المقام. أما قوله تعالى في سورتي النحل والفرقان (لهم فيها ما يشاؤون) بتقديم (فيها) على (ما يشاؤون) فلأن الكلام كان على الجنة. قال تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ) النحل 30،31 وقال: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا ) الفرقان 15،16 فالكلام كما ترى على الجنة في الموطنين فقدم ضمير الجنة (فيها) على (ما يشاؤون). أما آية (ق) التي فيها قدم (ما يشاؤون) على (فيها) فلأن الكلام على من سيدخل الجنة، قال تعالى (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُود لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) – ق 32-35. فقدم (ما يشاؤون) على ضمير الجنة. والضمير في (يشاؤون) كما هو معلوم يعود على من سيدخل الجنة، فناسب كل تعبير مكانه. وقد تقول: لقد قال في آية يس هذه: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) وقال في سورة فصلت: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) -31 . فكرر (فيها) ولم يكررها في يس فما الفرق؟ والجواب أن آية يس فيمن هم في الجنة يتنعمون فيها هم وأزواجهم، أما آية فصلت فالكلام فيها قبل دخول الجنة وهو عند الموت قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فالملائكة تتنزل عليهم تبشرهم بالجنة فقال (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) فكرر (فيها) ليعلمهم أن كلا الأمرين إنما هو في الجنة، ولو قال (ولكم ما تدعون) لاحتمل أن يكون ذلك قبل دخول الجنة عند الخطاب فأعلمهم أن ذلك إنما يكون في الجنة. أما آية يس فالكلام فيها على من في الجنة فقال (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) لأنهم فيها فلا يحتاج إلى ما كرر في آية فصلت والله أعلم. وقد تقول: ولم قال في آية يس ( لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ) ؟ وقال في فصلت ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ)؟ والجواب أن آية يس في أصحاب الجنة عموماً، أما آية فصلت فهي في صنف معين من أهل الجنة وهم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. ولاشك أن هؤلاء أعلى منزلة من عدد غير قليل من أهل الجنة، فإن الاستقامة هي الالتزام بالشرع عملاً وانتهاء والاستمرار على ذلك، وليس كل أهل الجنة كذلك فإن منهم من لم يستقم في حياته ولم يلتزم بحدود الشرع غير أن الله أدخله الجنة تفضلاً منه سبحانه. فقال في الذين استقاموا (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ) وقال في أصحاب الجنة عموماً (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ) فكان الجزاء للذين استقاموا أعلى فإن ذلك أعم من مجرد الفاكهة فالفاكهة ليست إلا جزءاً مما تشتهي النفس. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن هؤلاء الذين استقاموا على الشرع أبعدوا أنفسهم عن الشهوات وحرموها كثيراً مما كانت تطلب فأطلقها الله لهم في الآخرة بمقابل الحرمان في الدنيا فقال (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) . وقد تقول: وما الفرق بين ما تشتهي وما تدعي؟ والجواب أن ما تدعيه معناه ما تريده وما تطلبه بالقول، وما تشتهيه هو ما تريده النفس سواء طلبته أم لم تطلبه. فقد تشتهي النفس شيئاً ولا تطلبه لأسباب عدة، فذكر تعالى أن لهؤلاء الأمرين كليهما، فإذا اشتهت أنفسهم شيئاً كان لهم ذلك وإن لم يطلبوه، فإنه يكفي أن يخطر في أنفسهم خاطر رغبة في شيء فيحققه الله لهم وإن لم تجر ألسنتهم بذكره، ولهم أيضاً ما يطلبون فذكر ما يدور في النفس وما يطلبه اللسان والله أعلم. الوقفة كاملة
١٣٣ برنامج لمسات بيانية (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) والمعنى أن الذي يعمّر لابد أن ينتكس في خلقه إلى أسفل فبعد أن كان يرتقي في قواه العقلية والبدنية سيأخذ بالانتكاس إلى أسفل فيبدأ بالضعف والوهن في الجسم والعقل حتى يُردّ إلى أرذل العمر فلا يعلم من بعد علم شيئاً. إن ارتباط هذه الآية بما قبلها واضح فإن فيها دليلاً على قدرته تعالى أن يفعل ما ذكره من الطمس على الأعين والمسخ على المكانة فلا يستطيعون حراكاً. جاء في (الكشاف): " (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل ذلك أنا خلقناه على ضعف في جسد وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد ويتنقل من حال إلى حال ويترقى من درجة إلى درجة إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه فإذا انتهى نكسه في الخلق فجعلناه يتناقص حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عز وجل (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) وهذه دلالة على أن من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاجة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعدما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد... أفل يعقلون"(1). وقوله (أَفَلَا يَعْقِلُونَ) "أي أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وأن عدم إيقاعه لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما"(2). وقد قال (تعمره وننكسه) بالفعل المضارع ولم يقل (ومن عمرناه نكسناه) للدلالة على الاستمرار وأن هذا قانون الحياة ولو قال (ومن عمرناه نكسناه) لم يدل على الاستمرار بل دل ذلك على حالة ماضية. وقد أسند التعمير والتنكيس إلى ذاته سبحانه للدلالة على أن هذا من فعله وقدرته في البدء والختام وأنه قادر أن يطمس على الأعين وأن يمسخ على المكانة. ولو قال (ومن يعُمرَّ ينكَّس) بالبناء للمجهول لم يدل على أن ذلك من فعله سبحانه ولم يرتبط ذلك الارتباط بما قبله ولا يكون فيه دليل على ما تقدم لأنه لم يسنده ذلك إلى نفسه. وقال أَفَلَا يَعْقِلُونَ فجاء بالفاء الدالة على السبب أي أفلا يكون ذلك سبباً لأن يعقلوا ويتفكروا. وفيه تقريع لمن لا يعقل ويتفكر. وقال (يَعْقِلُونَ) ولم يقل (يعلمون) لأن العقل كاف لمعرفة ذلك والاستدلال به وإن لم يكن صاحبه ذا علم. فهو من الأمور الظاهرة التي لا تحتاج إلى غير عقل. وقد تقول: لقد قال في موطن سابق من السورة (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ )وقال ههنا (أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) فما الفرق؟ والجواب أن الآية السابقة تتكلم على أمور ماضية فإنه خطاب من رب العزة يوم القيامة عما فعله بنو آدم في الدنيا فقد قال (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ...). فناسب أن يقول (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) ولا يناسب أن يقول (أفلا تعقلون). أما هنا فالكلام على أمر مشاهد حاضر يرونه في حياتهم يعيشونه أو يعيشون معه فناسب قوله (أَفَلَا يَعْقِلُونَ ) ولا يناسب غيره. فلا يصح أن يوضع أحدهما مكان الآخر. الوقفة كاملة
١٣٤ برنامج لمسات بيانية (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ) بعد أن ذكر أن آيات الله المنزلة ليست بشعر وأن الرسول ليس بشاعر وإنما هي ذكر وقرآن مبين لفت نظرهم إلى آيات الله في خلقه فذكر أقرب شيء إليهم وألصقه بحياتهم وهي الأنعام فقال أو لم يروا إلى هذه الأنعام وإلى قدرة خالقها فيذكروا نعمة ربهم عليهم بها فيشكروه عليها ويفردوه بالعبادة؟ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (أَوَلَمْ يَرَوْا) يرد في القرآن الكريم التعبير (أوَلم يروا) بالواو بعد همزة الاستفهام وقد يرد (ألم يروا) من دون واو كما مر في هذه السورة في قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ (31).) وهذه الواو عند النحاة هي واو العطف وهي تعطف على مذكور وقد تعطف على مقدر. فالمعطوف على المذكور نحو قولنا (ألم تر إلى خالد ماذا فعل أوَلم تر إلى أخيه كيف أنكر عليه؟) فهذا عطف على مذكور. أما المعطوف على المقدر فهو قسمان: قسم جرى له ذكر من غيرك فتبني عليه كلامك. وقسم لم يجر له ذكر صريح ومع ذلك تأتي بالواو على التأويل وتقدير المعنى. فالأول كأن يقول محدثك: رجع خالد من الموصل. فتقول له: أوّ زرته بعد عودته؟ فتبني كلامك على ما ذكره المتكلم. جاء في (كتاب سيبويه): "(هذا باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام) وذلك قولك: هل وجدت فلاناً عند فلان؟ فيقول: أوّ هو ممن يكون عند فلان؟ فأدخلت ألف الاستفهام. وهذه الواو لا تدخل على ألف الاستفهام وتدخل عليها الألف (1)". وجاء في (النكت في تفسير كتاب سيبويه) للأعلم الشنتمري. فإذا قال القائل: هل وجدت فلاناً عند فلان؟ فقال المجيب: أو هو (2) ممن يكون عنده؟ كلام المخاطب عطف على كلام المتكلم باستفهام وغير استفهام" (3). والقسم الآخر كما في الآية هذه وكقوله تعالى في سورة الملك: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ) الملك (19). يبني ذلك على ما تقدم من الأمور المشاهدة المعلومة فيعطف عليها. وقد ذكروا في الفرق بين (أولم تر) و(ألم تر) في القرآن الكريم أن (أوّلم تر) بالواو إنما تكون لما هو مشاهد و(ألم تر) إنما تكون في الاستدلال بالنظر العقلي. وقالوا أيضاً: أن (أولم تر) يستعمل فيما كثر أمثاله في الحياة مما هو مشاهد. أما (ألم تر) من دون الواو فهو من باب ما لا يكثر مثله. جاء في (البرهان): وأعلم أنه قد وقع في القرآن (ألم يروا كم أهلكنا) في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام، وفي بعضها بالواو، وفي بعضها بالفاء (أفلم يروا). وهذه الكلمة تأتي على وجهين: أحدهما أن تتصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة فيذكر بالألف والواو ولتدل الألف على الاستفهام، والواو على عطف جملة على جملة قبلها، وكذلك الفاء لكنها أشد اتصالاً بما قبلها. والثاني أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ليجري مجرى الاستئناف. ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في النحل( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) لاتصالها بقوله( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) وسبيلها الاعتبار بالاستدلال فبُني عليه (ألم يروا إلى الطير)(4). وجاء في درة التنزيل: "وكل موضع فيه بعد ألف الإنكار واو ففيه تبكيت على ما يسهل الطريق إلى ما بعد الواو فالاعتبار لكثرة أمثاله كقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) كأن قائلاً قال: كذبوا الرسل وغفلوا عن الفكر والتدبر فقال: فعلوا ذلك ولم ينظروا إلى المشاهدات التي تنبه الفكر فيها من الغفلة. وكذلك قوله تعالى (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ) كأنه قال: كذبوا ولم ينظروا إلى ما يردع عن الغفلة من الفكر في المشاهدات... وكل ما فيه واو مثل (أولم يروا) فهو تنبيه على ما تقدمه في التقدير أمثال منبهة لكثرتها فالتبكيت فيه أعظم فهذا كله في المشاهد وما في حكمته. وما ليس فيه واو مثل (ألم يروا) فهو ما لم يقدر قبله ما يعطف عليه ما بعده لأنه من باب ما لا يكثر مثله وذلك مما يؤدي إلى علمه بالاستدلالات كقوله في سورة الأنعام أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا) إلى قوله (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) وهذا ما لم يشاهدوه ولكن علموه" (5). وقد قال في آية يس هذه (أولم) بالواو لأنه ذكر أمراً يقع الاستدلال فيه بالمشاهدة كأنه قال: إن ما ذكرناه من الآيات والدلائل لم يهدهم إلى الحق ويردعهم عن الشرك أو لم يروا إلى ما يشاهدونه كثيراً ويعيشون معه وينتفعون به وهو الأنعام كيف ذللها الله لهم وسخرها لمنفعتهم؟ وبذلك يوجه أنظارهم إلى ما هو كثير المشاهدة فيستدل به. ونحو ذلك أن تحاجٌ أحداً وتأتي له بالبراهين والأدلة فلم يقتنع فتأتي له ببرهان ظاهر الدلالة سهل المسلك كثير الوقوع. جاء في (روح المعاني): "(أولم يروا) الهمزة للإنكار والتعجيب والواو للعطف على جملة منفية مقدرة مستتبعة للمعطوف أي ألم يتفكروا أولم يلاحظوا أو ألم يعلموا علماً يقينياً مشابهاً للمعاينة. زعم بعضهم أن هذا عطف على قوله تعالى (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا)الخ. والأول للحث على التوحيد بالتحذير من النقم وهذا تذكير بالنعم المشار إليها بقوله (إنا خلقنا لهم) أي لأجلهم وانتفاعهم (6). أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ) أسند الخلق إلى نفسه فقال (أنا خلقنا) ولم يبني للمجهول فيقول (خُلق) كما قال في مواطن أخرى من نحو قوله (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)) النساء (28) وذلك أن هذا من باب التفضل والإنعام. والقرآن الكريم يسند النعمة والتفضل والخير إلى نفسه سبحانه. ثم إنه لو بناه للمجهول لم يدل على أن الخالق هو الله سبحانه. ولا يتناسب ذلك مع السياق الذي وردت فيه الآية والذي أراد الله فيه أن يظهر آياته ونعمه على خلقه ليعبدوه ويوحدوه فتكون الجهة مجهولة. ثم إنه قال (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) وإذا كان الفاعل مجهولاً كانت الجهة التي يوجه إليها الشكر مجهولة فلا يعرفون الجهة التي ينبغي أن يقدموا لها الشكر. وقد تقول: لقد أسند الخلق هنا إلى ضمير المتكلم وأسنده في سورة النحل إلى ضمير الغائب فقال(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) مع أن الموطنين متشابهين. فما الفرق؟ ولم ذاك؟ فنقول: إن كل تعبير مناسب لما ورد فيه من أكثر من وجه. من ذلك أن السياق في سورة النحل مبني على الإسناد إلى ضمير الغيبة بل إن جو السورة مبني على ذلك، قال تعالي: ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ ... خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ... خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ... وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ ... وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ... هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ ... يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ ... وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ... وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ ... وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) وغير ذلك. وأن السياق في سورة يس مبني على الإسناد إلى ضمير المتكلم وأن جو السورة كذلك. قال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا ... وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا... إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ ... إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ... وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ... أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا... وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا... وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ .. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ... الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ ... وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ... أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ ... وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ... أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ) إلى آخره. وغير ذلك وغيره. فناسب كل تعبير الموطن الذي ورد فيه. ثم إن ما ورد في يس أكثر تكريماً وتفضلاً مما ورد في النحل فأسنده إلى نفسه. وهذا هو الخط العام في إسناد النعمة والخير والتفضل. وإن الآيات التي ورد فيها كل تعبير يوضح ذاك. قال تعالى في يس: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) وقال في سورة النحل: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (5 - 7)) فقد ورد ضمير المتكلم الذي يعود على الله سبحانه أربع مرات في يس وهي: إنّا، خلقنا، أيدينا، ذللنا. ولم يرد ضمير الغيبة الذي يعود على الله سبحانه إلا مرة واحدة في النحل وهو الضمير المستتر في (خلقها). ثم لننظر إلى مواطن التكريم في الموضعين: ١- قال في يس (خَلَقْنَا لَهُمْ) فجعل الخلق لهم. في حين قال في النحل ( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ) ولم يقل (لكم) وإنما قال (لكم فيها دفء) (7). ۲- قال في يس( مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)للدلالة على الاهتمام والتكريم كما تقول: هذا صنعته لك بيدي. ولم يقل مثل ذلك في النحل. ٣- قال في يس (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ) فملكها لهم. ولم يذكر في النحل أنه ملكها لهم. 4- قال في يس إنه ذللها لهم فقال (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) ولم يقل مثل ذلك في النحل. 5- ذكر في يس أن منها ركوبهم. وذكر في النحل أنها تحمل أثقالهم في الأسفار. 6- ذكر في يس أن لها فيها مشارب. ولم يذكر مثل ذلك في النحل. 7- ذكر في يس والنحل أنهم منها يأكلون. ۸- ذكر في يس والنحل أن لهم فيها منافع. 9- ذكر في النحل أن لهم فيها دفئاً. ولم يذكر ذلك في يس. وهو يدخل في المنافع التي ذكرها في يس. 10 - ذكر في النحل أن لهم فيها جمالاً حين يريحون وحين يسرحون. ونلخص ما تفرد به كل موضع من الموضعين. ما تفردت به سورة يس: 1- أن الخلق لهم. 2- تمليكها لهم. 3- تذليلها لهم. 4- الركوب. 5- المشارب. ما تفردت به النحل: 1- الدفء. 2- حمل الأثقال. 3- الجمال. وأظن أن معرفة أي الموطنين أكثر تكريماً وتفضلاً مما لا يحتاج إلى بيان. هذا إضافة إلى أنه يحسن بنا أن نذكر أن ما تفردت به النحل يدخل في المنافع التي ذكرها في يس بقوله وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ. أما ما تفردت به يس فقد لا يدخل في المنافع كالتمليك والتذليل وأن الخلق لهم فناسب كل تعبير الموضع الذي ورد فيه من كل وجه. والله أعلم. وقد تقول: لقد استعمل في القرآن في يس الفعل (خلق) فقال (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ)، واستعمل في سورة غافر الفعل (جعل) فقال (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) (79. فلم ذاك؟ وما الفرق؟ والجواب أنه قال في يس (أَفَلَا يَشْكُرُونَ) وقال في غافر.( فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) فجاء في يس بما هو أدعى للشكر. فالقول (خلقته لك) أدل على الاهتمام والعناية من (جعلته لك) ذلك أن الخالق له إنما جعله له ابتداء قبل إيجاده فلا يشترط فيه ذاك. ونحو ذلك أن تقول (صنعت هذه السيارة لك) أو (جعلت هذه السيارة لك). فقولك (جعلتها لك) معناه (ملكتها إياك)، وجعلتها لتستفيد منها ومعلوم أنها لم تصنع لك ابتداء. أما قولك (صنعتها لك) فمعناه أنها صنعت لك ابتداء لا لغيرك. فقوله (خَلَقْنَا لَهُمْ) أدل على الاهتمام والعناية وأدعى إلى الشكر. ثم إن ما ورد في الآيتين يوضح ذلك. قال تعالى في سورة غافر: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) فالذي ذكره في يس أدعى إلى الشكر مما في غافر ذلك أنه قال في يس: (أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ)، (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)، (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)، و (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ)، (فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ)، (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ)، و (لَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ)، و (مَشَارِبُ)، في حين قال في غافر: (جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ) (لِتَرْكَبُوا مِنْهَا)، (وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)، (وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ). و(َلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ). فزاد في يس علة ما في غافر: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) و (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) و (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ) وزاد (المَشَارِبُ) على المنافع فكان ما في يس أدعى إلى الشكر. ومما حسن ذلك أيضاً أنه تكرر ذكر الجعل في غافر وتكرر ذكر الخلق في يس فقال في غافر: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ- (61). وقال: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا (64). فناسب قوله: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ) وقال في يس (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) وقال (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ.) (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) فناسب ذكر الخلق في يس وذكر الجعل في غافر من كل وجه والله أعلم. (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) معنى (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا( أي ما تولينا نحن إحداثه وعمله من غير واسطة ولا شركة ولا يمكن لغيرنا أن يعمله(8). وأسند العمل إلى اليد لأن الأشياء المصنوعة إنما تباشر باليد فيقال: هذا مما عملته يدي. فعبر عن ذلك بما يقرب من أفهامهم. جاء في (البحر المحيط): "لما كانت الأشياء المصنوعة لا يباشرها البشر إلا باليد عبر لهم بما يقرب من أفهامهم بقوله (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) أي مما تولينا عمله ولا يمكن لغيرنا أن يعمله. فبقدرتنا وإرادتنا برزت هذه الأشياء لم يشركنا فيها أحد"(9). وجاء في (فتح القدير): "(مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) أي مما أبدعناه وعملناه من غير واسطة ولا شركة. وإسناد العمل إلى الأيدي مبالغة في الاختصاص والتفرد بالخلق كما يقول الواحد منا: (عملته بيدي) للدلالة على تفرده بعمله"(10). و (مَا) تحتمل أن اكون اسماً موصولاً فيكون المعنى (خلقنا لهم من الذي عملته أيدينا) أي من الأشياء التي عملتها أيدينا. وتحتمل أن تكون مصدرية فيكون المعنى (خلقنا لهم من عمل أيدينا). وكلاهما مراد ولكل منهما دلالة. ولو عبر عن ذلك بـ (الذي) فقال (من الذي عملته أيدينا) لكان نصاً في الموصولية الاسمية ولم يحتمل المصدرية. وكذلك لو قال (مِمَّا عَمِلَتْه أَيْدِينَا) فذكر العائد. ولم يقل أياً منهما للتوسع في المعنى والله أعلم. ثم إنه قال (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) ولم يقل (ما عملت أيدينا) ليدل على أن هذا بعض ما عملته يد القدرة الإلهية ولو قال (ما عملت) لاقتصر العمل على الأنعام. فما قاله أدل على التنوع وأدل على القدرة والتكريم. وقال (أَيْدِينَا) بصيغة الجمع ذلك لأنه ذكر نفسه بصيغة الجمع (أَنَّا خَلَقْنَا). والملاحظ في القرآن أنه إذا ذكر الله نفسه بصيغة الإفراد أفرد الليل أو ثناها فيقول (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الفتح (10) ويقول (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) المائدة (64) ويقول (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ص (75) – وإذا ذكر نفسه بصيغة الجمع جمع اليد كقوله تعالى (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا) وهو المناسب. (أَنْعَامًا ) الأنعام جمع نَغّم وهي البقر والغنم والإبل(11). وهو مفعول (خَلَقْنَا) وقدم الجارين على المفعول للاهتمام بشأنهما فقال (خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) فقدم ما يتعلق بتكريمهم وهو (لَهُمْ) أي لأجلهم للدلالة على الاهتمام بالإنعام عليهم وتكريمهم ولأنهم العلة في خلق الأنعام فقدم العلة على المعلول. ووضع الأنعام بجنب ما عملته الأيدي لأنها بعض منه. (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) قدم الجار والمجرور (لَهَا) على (مَالِكُونَ) للاهتمام بشأن المملوك وذلك لأنها من أهم أموالهم وأكرمهم عليهم فقدمها للاهتمام بها. ولا يفيد هذا التقديم قصراً. ونحو هذا التقديم مما لا يفيد القصر قوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) يوسف (72) فقدم (بِهِ) على (زَعِيمٌ) لأهمية حمل البعير آنذاك وليس معناه أنا زعيم به دون غيره. ونحو هذا أن يقول شخص (من يتكفل بدّيني وأهلي وأنا أكفيكم أمر هذا الفاتك قاطع الطريق؟) فيقول له قائل: (أنا بذلك كفيل). فليس معناه أنا كفيل بذلك دون غيره وإنما قدمه للاهتمام فإن هذا الأمر هو ما أهمه وهو الذي يحول بينه وبين تولي أمر قاطع الطريق فيقدمه للاهتمام. هذا علاوة على رعاية الفاصلة. وقال (مَالِكُونَ) بالاسم ولم يقل (يملكون) للدلالة على ثبات الأمر واستقراره ولو قال (يملكون) لاحتمل عدم الثبوت والحصول وأنهم غير مالكيها الآن وأنهم سيملكونها في المستقبل. جاء في (روح المعاني) في قوله (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ): "وقدم لرعاية الفواصل مع الاهتمام، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرار مالكيتهم لها واستمرارها"(12). وتمليكها للإنسان من تمام النعمة عليهم فلو خلقها لهم من دون تمليك لما كان بها تمام الانتفاع. جاء في (التفسير الكبير): "وقوله تعالى (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ): إشارة إلى تمام الإنعام في خلق الأنعام فإنه تعالى لو خلقها ولم يملكها الإنسان ما كان ينتفع بها (13). وجاء في (الكشاف): "أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون, أو فهم لها ضابطون قاهرون" (14). الوقفة كاملة
١٣٥ برنامج لمسات بيانية المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده (لرادك إلى معاد) يعني لرادك إلى مكة، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد. الوقفة كاملة
١٣٦ برنامج لمسات بيانية آية (14) : * قول الله تبارك وتعالى (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)). تحديداً رسم (فإلم) وإذا قرأنا في القصص نجد أن (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)) واحدة منفصلة (فإن لم) وواحدة (فإلم) متصلة، لماذا هذا الاختلاف وما الدلالة؟ هذا الأمر الذي ذكرته هو من رسم المصحف ونحن عندنا قاعدة معلومة أن رسم المصحف لا يُقاس عليه أحياناً يمزج وأحياناً يفصل لكن أحياناً الرسم يمكن أن يعلل بناحية بيانية، ليس قاعدة مضطردة، الأصل أن رسم المصحف لا يقاس عليه مرة يفتح التاء في (رحمت) ومرة يجعلها على هيئة الهاء (مربوطة)، مرة (لكيلا) يصلها يجعلها كلمة واحدة ومرة يفصلها (لكي لا). * هم لماذا يكتبون بهذه الشاكلة؟ لماذا ليس هنالك نمط واحد؟ هذا رسمهم والقرآن لم يبتدع له رسم خاص به وإنما هذا الرسم الذي كان عندهم. ولكن أحياناً الخط وإن كنا نحن نرى أن هذا رسم المصحف لكن أحياناً يمكن تعليله بناحية بيانية والله أعلم في هذه الآية وفي آيات أخرى والله أعلم. هذه الآية التي نحن بصددها (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ (14)) رسمها (فإلم) متصلة ليس هنالك نون. في القصص قال (فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ (50)) حتى نتفهم الناحية البيانية إن كانت موجودة الناحية البيانية، (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) هذه فيها نون. هو من الظاهر أن التكذيب في آية هود هو لمحمد خاصة (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ، فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ، فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ) هذا القرآن، التكذيب لمحمد. في القصص التكذيب لمحمد وموسى (قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) ثم قال (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا) منهما يعني التوراة والقرآن. إذن الكلام في سورة هود على واحد وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وفي القصص الكلام على اثنين الرسول وموسى والتوراة والقرآن. فلما كان الكلام في هود على واحد وحّد الرسم وحذف النون (فإلم) وفي القصص كان الكلام على اثنين جعل الرسم على اثنين (فإن لم) وفصل بينهما لأنهما في زمانين منفصلين الرسول في زمان وموسى في زمان. كان هو متناسب الرسم مع هذه المسألة كونه واحد وحّد. * هل في كل رسم المصحف لنا هذه اللمسة البيانية أو اللفتة البلاغية الموجودة أم هي مصادفة؟ لا أدري هي موافقات لكن أحياناً يلفت نظري أموراً. والقدامى لاحظوا هذه المسألة وسأذكرها الآن، التفتوا في قوله تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص) مرسومة ياء واحدة، (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات) فيها يائين، ياء ساكنة لا تُنطق وياء ثانية تُنطق. الأيد في داوود واحدة، هي نفس الأيد ونفس النطق. (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) نفس النطق لكن فيها يائين ياء عليها سكون لا تُنطق. ذاك وصف بها داوود (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) وهذه وصف لله سبحانه وتعالى فأيد الله غير أيدي البشر فغيّر في الرسم وأضاف ياء أخرى.فأضاف الياء دلالة على أن القوة أكثر. نحن لاحظنا هذا الشيء لكن هل هي مقصودة لا أعلم. مثال آخر (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا (5) الحج) وصل بين (لكي) و(لا) (وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) النحل) نفس الآية لكن في واحدة فصل (لكي لا) والثانية (لكيلا). نحن عندنا قاعدة في اللغة أن (من) تفيد إبتداء الغاية مباشرة فوصل (لكيلا) ليس هناك فاصل لأن (من) ابتداء الغاية كما ذكرنا (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا (10) فصلت) لما قال (من بعد علم) اتصلت المسألة فوصل ولما قال (بعد علم) لم تتصل ففصل (لكي لا). مثال آخر (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا (37) الأحزاب) فصل (لكي) عن (لا)، هو إنفصل عنها ففصل. (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ (50) الأحزاب) الزواج متصل فوصل. لكن ملاحظة وقلنا أن عندنا قاعدة خطان لا يقاس عليهما خط المصحف وخط العروض لكن أحياناً تجد أموراً تلفت النظر. رسم المصحف لأنه هكذا لكنه ليس توقيفياً لكن رسم العروض لأنه يكتب ما يُنطق فقط . * هلا استقصيتها في القرآن كاملاً دكتور فاضل؟ هي ليست مضطردة لكن أحياناً يمكن تعليلها والله أعلم، تحتاج إلى دراسة كبيرة، تحتاج إلى جهد كبير للدراسة. * لكن رسم الأحاديث الصحيحة حتى السنة ليس مثل القرآن الكريم. لأن الحديث لم يأمر أن يكتب مثل القرآن، القرآن وحي، الحديث الصحابة كان منهم من يكتب لنفسه. * هل كانوا يكتبون الصلوة والزكوة وهم كانوا ينطقونها في حياتهم الدارجة الصلاة والزكاة فلم يكتبونها على هذا الشكل بالواو؟ هي كانت تفخّم أحياناً. * فيها إشمام بالواو؟ وعندما تكون بالياء يعني تمال إلى الياء. * (فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)) ماذا في هذه الآية؟ لما ذكر هذا الشيء ما يتعلق بقولهم افتراه قال (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ) يعني القرآن واعلموا (وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) العلم بهذا من مقتضيات ما مرّ من التحدي لو كان هناك إله لاستطاع أن يأتي بشيء. ثم أمرهم بالعلم فقال (فَاعْلَمُواْ) حتى يكون إيمانهم عن علم وبصيرة بعد إقامة الدليل وليس تصديقاً بلا حُجة، إذن الآن ذكر حُجة، أقام الحج عليهم إذن هذا الآن أصبح علماً ، الخطاب موجه للمسلمين على وجه العموم ، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) الفرقان) من دون تفكير من دون معرفة إنما يجب أن يكون على علم. ثم الملاحظ أنه قال فيما بعدها في نفس الاية (فهل أنتم مسلمون) إذن هو بعد أن ذكر هذه المقتضيات حفزهم إلى الإسلام وهو الانقياد لأمر الله. * ما غرض الاستفهام هنا؟ يعني أسلموا ولكن لم يقل أسلموا، وهذا أقوى من قوله أسلموا لأن ألا يدعوكم هذا للإسلام؟ ألا تنقادوا لأمر الله؟ ألا يدعوكم ذلك للإسلام؟ هو لم يكتفِ فاعلموا أنه لا إله إلا هو وإنما حفزهم للإسلام، (وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) لم يكتفِ بمجرد العلم، لم يكتف بقول فاعلموا أنه لا إله إلا هو لأنه لو صدّق المرء بقلبه وعلم الحق ولم يكن منقاداً لم ينفعه ذلك. فإذن بعد العلم طلب أن يدخلوا في الإسلام أن يحفزهم للإسلام للإنقياد لأمر الله إذا لم يكن مستجيباً لذلك ولو علِم لا ينفعه ذلك بشيء. * إذا كان الضمير في الخطاب موجه للمسلمين فكيف يقول (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ)؟ هو عام، هو إقامة حجة. ثم ما الفائدة في قوم عاد وثمود وكانوا مستبصرين، ما الفائدة إن لم يستجيبوا إلى الإسلام (فإنهم لا يكذبونك) ما فائدة هذا الأمر؟ وإنما لا بد الأمر بعد هذا العلم لا بد أن يسلموا وإلا يكون ممن أضلهم الله على علم. نلاحظ أمراً آخر (فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) هذا هو السبيل للدخول إلى الإسلام، لا إله إلا الله محمد رسول الله، كيف يدخل الإسلام؟ بالشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله. (فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ) هذه محمد رسول الله ، و(وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) هذه لا إله إلا الله. إذن هذه الآية هي الدخول في الإسلام فقال (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) . * إذن هناك توأمة بين (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) وما قبلها؟ قطعاً. هي السبيل للدخول للإسلام، كيف تدخل؟ بهذا الشيء. المصدر: فاضل السامرائي الوقفة كاملة
١٣٧ برنامج لمسات بيانية *(سبّح لله) بصيغة الماضي وفي بعض السور (يسبح) بصيغة المضارع فهل هذا مقصود بذاته؟ نلاحظ أنه كل سورة تبدأ بـ (سبّح) بالفعل الماصي لا بد أن يجري فيها ذكر للقتال في كل القرآن أي سورة تبدأ بـ (سبّح) فيها ذكر للقتال والمبدوءة بـ (يسبح) ليس فيها ذكر للقتال أبداً. سورة الصف (4) كل التي تبدأ بـ (سبّح) لا بد أن يجري فيها ذكر القتال. في سورة الحديد (10) ليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (سبح) إلا ويجري فيها ذكر للقتال وليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (يسبح) إلا لم يذكر فيها القتال. هذا توجيه للناس في الحاضر والمستقبل أن يتركوا القتال، أن لا يقاتلوا، الذي جرى جرى في تاريخ البشرية والله تعالى حكيم فعل ما فعل ودعا الناس يفعلون ما يشاؤون، هو التوجيه للخلق، للعقلاء، للناس، للمسلمين أنه في الحال والاستقبال عليهم أن يتركوا القتال ويعيشوا حياتهم، ينصرفوا إلى التعاون وما هو أنفع وما هو أجدى وما هو خير. هو توجيه لما يقول (يسبح) المضارع يدل على الحال والاستقبال لم يذكر القتال وكأنما هو توجيه - والله أعلم - للخلق في حاضرهم ومستقبلهم أن يتركوا القتال، أن لا يتقاتلوا فيما بينهم، أن يتفاهموا، أن يتحاوروا، أن يتحادثوا، أن تكون صدورهم رحبة، هذا أنفع لهم من القتال، الماضي ماضي ذهب لكن (يسبح) كأنه توجيه لعباده. الرابط بين القتال والتسبيح: التنزيه عما لا يليق والقتال لا يليق كما قالت الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة). * ما دلالة استعمال (ما) في قوله تعالى (يسبح لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (1)) في سورة الجمعة؟(د.فاضل السامرائى) توجد ظاهرة في آيات التسبيح في القرآن كله. إذا كرّر (ما) فالكلام بعدها يكون على أهل الأرض. وإذا لم يكرر (ما) فالكلام ليس على أهل الآرض وإنما على شيء آخر.في سورة الحشر وكذلك في سورة الصفّ وفي سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)) وفي سورة التغابن. هذه قاعدة عامة في القرآن والتعبير القرآني مقصود قصداً فنياً. وهذا في مقام التسبيح ولم أتحقق من هذه القاعدة في غير مقام. *لماذا قدم السموات على الأرض؟(د.فاضل السامرائى) أولاً من الذين كان يسبح سابقاً أهل السماء أو أهل الأرض؟ أهل السماء لأن أهل الأرض لم يكونوا موجودين أصلاً، قبل أن خلق آدم فبدأ بمن هو أسبق تسبيحاً، بمن هو أدوم تسبيحاً (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت) فبدأ بأهل السماء لأنهم أسبق في التسبيح قبل خلق آدم ولأنهم أدوم تسبيحاً، أدوم في هذه العبادة. * في الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) عندما يبدأ بـ سبح دائماً تنتهي بقوله العزيز الحكيم، ولما يأتي بصيغة الفعل المضارع (يسبح لله) تغيرت فصارت (الملك القدوس) في سورة الجمعة وفي التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)) تغيرت نهاية الاية ، ما الفرق ؟(د.فاضل السامرائى) ربنا يقول في آيات عدة في سور (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) التسبيح هو التنزيه، هل المستضعف هو الذي يحتاج إلى التنزيه أو العزيز؟، الحكيم من الحُكم هو الذي يحتاج إلى التنزيه والحكيم من الحكمة أم الخالي من الحكمة والحكم؟ إذن التسبيح أولى بالعزيز وبالحكيم بمعنييها الحكمة والحكم. في الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) ما هو القدوس؟ القدوس هو البالغ في التنزيه، في النزاهة وهو الكامل في صفاته كلها، هذا القدوس، البالغ في النزاهة. هذا المبالغة مع الكمال في الصفات الأخرى. المَلِك يحتاج إلى التنزيه أكثر، كلما علت منزلته يحتاج إلى تنزيه، العزيز ليس بالضرورة أن يكون ملكاً. ليس كل عزيز ملك، إذن الملك هو أعلى الأعزة وهو حتى يكون في تمام الثناء يحتاج أن يكون في أعلى التنزيه. لما ذكر الملِك ذكر القدوس. الوقفة كاملة
١٣٨ برنامج لمسات بيانية قال تعالى (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)) مرة يستخدم خُسر ومرة خسران ومرة خسار فما دلالة خسر هنا؟ أولاً لم يقل إن الإنسان خاسر قال إن الإنسان لفي خسر يعني ساقط في الخسر إلا من استثناهم ربنا. لفي خسر أي ساقط في الخُسر إلا من استثناهم ربنا. إذن هو في حياته ساقط في الخُسر لم يخسر في مسألة تجارة وإنما هو في حياته كلها ساقط في الخُسر إلا من استثناهم ربنا. الخُسر يستعمل لعموم الخسارة أو مطلق الخسارة فكل إنسان هو في خُسر قليل أو كثير إلا من اتصف بأربع صفات: من نقص من ذلك أصابه من الخُسر بمقدار ما نقص يعني من نقص من عمل صالح يصيبه من الخُسر بمقدار ما نقص لذلك يوم القيامة كل إنسان يلوم نفسه كان يمكن أن يستزيد من شيء ولم يفعل، كل مؤمن يرى أنه خسر شيئاً كان يمكن أن يستزيد منه ولم يستزيد. هذا الخُسر، أما الخسار فلم يستعمله القرآن إلا للزيادة في الخسارة، إذا كان واحد خاسر وزاد في الخسارة يسمى خسار لذلك لم يستعمل القرآن هذه الزيادة يسميها خسار يعني ما زاد من الخسر فوق الخسارة هذه الزيادة يسميها خسار (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) الإسراء) الظالمين خسارة فيزيدهم القرآن خساراً، الظالم خاسر ويزيده خساراً. (وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) فاطر) يزيد، هذه زيادة إذن يستعملها في الزيادة فقط (وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) نوح) يستعمل الخسار في الزيادة في الخسارة. أما الخرسان فهو أكبر الخسارة وأعظمها (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) الحج) لم يخسر شيئاً بسيطاً أو زيادة إنما خسر الدنيا والآخرة (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) الزمر) إذن الخسر مطلق الخسارة والخسار هو الزيادة في الخسارة والخسران أعظم الخسارة. الخسار زيادة الألف على الخُسر لما زاد في الخسار زاد الألف ولما زاد الخسران زاد الألف والنون. إذن الخسر هو البداية والخسار فوقها والخسران أعظم الخسارة، يزيد في المصدر للزيادة في الخسارة. هذا استعمال قرآني ولهذا تحداهم به. الوقفة كاملة
١٣٩ برنامج لمسات بيانية ة (195): * آيتان متتابعتين في خواتيم سورة آل عمران فيها ذكر الجنة واحدة فيها خلود (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ (198)) والأخرى من دون خلود (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)) فلماذا هذا الاختلاف؟(د.فاضل السامرائى) نقرأ الآيتين (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)) ليس فيها ذكر الخلود، وبعدها مباشرة (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ (198)). هاتان الآيتان الأولى لم يذكر فيها الخلود والثانية ذكر فيها الخلود. أولاً من حيث الوضع قبل الآية التي ذكر فيها الخلود قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ) عكس المتاع القليل الدائم لما قال متاع قليل قال بعدها (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) يجب أن يكون خلود حتى لا يكون متاع قليل، فقال (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) عكس المتاع القليل الذي ذُكر قبل هذه الآية. هذه مسألة والمسألة الأخرى قال في الآية الأولى (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) هؤلاء من الذين اتقوا ربهم إذن هم داخلين في زمرة الذين اتقوا، قال تعالى (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) فإذن الذين هاجروا هم هؤلاء فلما ذكر في المتقين أنهم خالدون دخل فيه أولئك، لما قال (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) دخل فيها أولئك الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم قطعاً. من ناحية أخرى أيها أشمل وأعم؟ الذين اتقوا ربهم أو الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي؟ الذين اتقوا ربهم، التقوى من جملته أمور كثيرة كما ذكر تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) أولئك هم جزء من هؤلاء، فأين نضع هذا الأجر الأعلى؟ نضعه هكذا كما ورد في القرآن. ليس هذا فقط وإنما هنالك أموراً أخرى، الذين اتقوا ربهم أعلى لأنه أولئك قسم من هؤلاء. في الآية الأولى قال تعالى (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) وفي الآية الأخرى قال (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) أن تكون لهم جنات أعلى من يدخلهم جنات فالادخال لا يقتضي أن تملك حديقة فإذن قال (لهم جنات) في الذين هم أعلى وأعم وأشمل وفي الجزء قال (لأدخلنهم جنات)، قال خالدين فيها وفي الثانية لم يقل خالدين فيها. وقال نزلاً من عند الله والأخرى ثواباً والنزل أعلى لأن النزل هو ما تعده للضيف من إكرام وإطعام وصلة وقد يأتي النزل بمعنى المنزل فهو في ضيافة الرحمن، النزل هو تجهيز المكان والإطعام والصلة أما الثواب إعطاء الأجر قد تعطي الأجر ولكن ليس بالضرورة أن تنزله ضيفاً. لم يقل في الآية الأولى فقط خالدين فيها وإنما أضاف شيئاً آخر فقال نزلاً من عند الله وقسم من التفاسير قال النزل ما يعد للضيف فقالوا إذا كانت هذه الجنة نزل فماذا بعد النزل؟ّ لأن الله تعالى قال (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة) وقسم فسر هذه الآية على رؤية الله لأن الرضوان ورؤية الله تعالى أعلى من الجنة فإذن ما ذكره في الآية الأخرى ليس فقط ذكر الخلود وعدمه وإنما هو أصلاً الثواب اختلف والأجور اختلفت فصار في الآية الأخرى التي هي أعم وأشمل فقال (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَار) والذين اتقوا من الأبرار لأن الله تعالى قال (وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى (189) البقرة) وقال (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة) فإذن هؤلاء المتقون هم أبرار فناسب من كل ناحية أن يذكر علو منزلته. ليس هذا فقط، هو قال (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) عكس الخروج الدخول وعكس الإخراج الإدخال أخرجوا مبني للمجهول وعكس المبين للمجهول مبني للمعلوم، قال (وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ) وربنا قال (لأدخلنهم) لم يقل يدخلون، ومن ديارهم مقابلها جنات، أخرجوا فعل ماضي مبني للمجهول وفي الثانية ربنا الذي يدخلهم (وَلأُدْخِلَنَّهُمْ)، هم أُخرجوا بأيدي كفرة من ديارهم والله تعالى يدخلهم جنات. ليس هذا فقط وإنما هذه الآيات في خواتيم آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)) السورة تنتهي بهذه الآية، صابروا أعلى من اصبروا درجة، الذين هاجروا هؤلاء أشدّ أو الذين أخرجوا من ديارهم وأوذوا؟ الذين أخرجوا من ديارهم فقال اصبروا بمقابل هاجروا وصابروا بمقابل أخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي، وقال ورابطوا لأنهم في الثغور المقاتلة في الحرب والمرابطة في الحرب، لما أمر تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هي مرتبة تماماً كالآية (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ) هاجروا مقابل اصبروا، الذين أخرجوا من ديارهم وأوذوا مقابل صابروا، قاتلوا وقتلوا مقابل رابطوا، نفس الترتيب، و(اتقوا الله لعلكم تفلحون) مقابل (لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات) فمرتبة بحسب الشدة وبحسب ما ذكر في الآية التي قبلها بالترتيب. آخر ما قال تعالى في آل عمران أمر بالتقوى (واتقوا الله) أمر الذين آمنوا بتقوى الله، أمرهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وفي ابتداء السورة التي بعدها في سورة النساء قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)) بدأت بالتقوى أيضاً، ختم آل عمران بالتقوى وبدأ سورة النساء بالتقوى، أمر المؤمنين ثم التفت إلى الناس فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) وأمرهم بالتقوى، الكافر ينبغي أن يدخل في الإسلام والمفروض أن يدخل في الإسلام، خصّ المؤمنين بالتقوى والناس يجب أن يتقوا لأن الله تعالى خلقهم للعبادة فهو أمر الأوّلين بالتقوى ثم التفت إلى الناس فقال (اتقوا ربكم) وقال اتقوا ربكم وقال اتقوا الله في آية واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ) وقبلها قال (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ) فذكر الله والرب مع المؤمنين وطالب عموم الناس بذلك. الوقفة كاملة
١٤٠ برنامج لمسات بيانية (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) يقولون إن هذه الآية الكريمة ذكرت مفاتح الغيب فبدأت بعلم الساعة وهذا أمر اختص الله تعالى به بنفسه لم يطلع عليه أحد قال تعالى (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) الأحزاب) في أكثر من موطن (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187) الأعراف) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) النازعات) فإذن الساعة ربنا اختص بها حتى تركيب الآية (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قدّم الخبر (عنده) على المبتدأ (علم الساعة) والجملة كلها خبر (إنّ) أصلها علم الساعة عنده، هذا التقديم يفيد الاختصاص أي عند الله فقط حصراً تقديم الخبر على المبتدأ إذا كان النبتدأ معرفة يفيد الحصر في الغالب، قدم الخبر على المبتدأ أفادت الإختصاص أي لا يعلمه إلا هو، و(إنما) أداة حصر وأكد الجملة بـ (إنّ) وهو يفيد تأكيد القصر، إذن التقديم والتأكيد يفيد القصر والحصر بأن علم الساعة منتهاه إلى الله تعالى حصراً. * ما دلالة العطف في الآية؟ ربنا سبحانه وتعالى استأثر بالعلم والقدرة لأنه أول مرة ذكر علم الساعة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ثم قال بعدها (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعني هو لم يذكر علة نزول الغيث ما قال ويعلم نزول الغيث لكن قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن تنزيل الغيث هو الذي يعني العباد وليس العلم به بمعنى تنزيل الغيث هو الذي فيه حياتهم ومعاشهم فإذن هو ذكر ما هو أمس بحياة الناس ونعمة الله عليهم الغيث تتم به مصالحهم وحياتهم فاختار ما هو أدل على النعم قال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ). علم الساعة بعد زوال هؤلاء وذهباهم بقرون، في حياتهم الحالية يعنيهم للتذكر وأخذ العبرة أما موعدها فلا يعنيهم، نزول الغيث يعنيهم هم لذلك ذكر ما هو أدل على النعمة فقال (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) قال ينزل بالمضارع لأن هذا يتكرر ويتجدد وكذلك قال (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن هذا متجدد أيضاً الأرحام مستمرة في كل لحظة يحصل ما في الأرحام. ثم إن هذا العلم البعض يقولون أن الناس قد يعلمون علم الأجنة بالسونار وغيره، ليس المقصود فقط علم الجنس ذكر أو أنثى وإنما هذا شيء من العلم، يعلم ما في الأرحام يعلم الجنس وغير ذلك كونه تام أو ناقص، ذكي أو بليغ شقي أو سعيد ما استعدادته البدنية هذه لا يمكن أن يعلم بها أحد فليس المقصود الجنس وإنما الاستعداد الجنسي والنفسي ولون العين أخرس أو غير أخرس وحتى علم الأجنة يعلم فقط عندما يستكمل الجنين ولا يعلمون جنسه عندما يكون علقة ولا يمكن أن يعلموا ما في الأرحام من الآية الأولى وإنما يعلمونه بعد التشكل بينما ربنا تعالى يعلم ما في الأرحام من بدايته والأرحام لا تعني الإنسان فقط وإنما تشمل كل شيئء (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد) ليس فقط ما يتعلق بالإنسان، ربنا يتكلم عنا يعلم في السموات والأرض (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (4) التغابن). (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) في كل الكرة الأرضية وهو مستمر وليس الجنس فقط وإنما العلم بهذه السعة والشمول والدقة في كل الأحوال على مدى الزمن وفي كل لحظة يحصل فيها الله تعالى فقط يعلم بها. *(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) قصر وحصر أن علم الساعة لله تعالى دون غيره فهل باقي الآية تفيد القصر والحصر أيضاً؟ قسم يقول إذا دخلت (إنّ) ليس بالضرورة تفيد القصر لأنها معطوفة على خبر (إن) وقسم قال كما أنه أفاد القصر في الأول فالمعطوف عليه يفيد القصر أيضاً وقسم قال ليس بالضرورة المعطوف يكون نفس المعطوف عليه، نقول محمد حضر وحضر فلان معه عطف جملة فعلية على جملة إسمية وقد تعطف جملة مؤكدة على جملة غير مؤكدة أو جملة مثبتة على جملة منفية أو العكس: حضر فلان ولم يحضر أخوه، هذا ممكن. ربنا قال تعالى عن نفسه (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لكن ليس فيها قصر على نفسه فإذن لا غرابة في أن يتحدث أحد يقول نعلم ذكراً أو أنثى لكنه علم ناقص وفي وقت محدد عند الاستكمال. نحن نفهم الآية عامة بهذه الدلالة أن ما في الأرحام في كل لحظة وفي كل الأحوال وهذا لا يمكن أن يكون إلا لله تعالى. ذكر الرسول  " أجله ورزقه، شقي أو سعيد" هذا لا يعلمه إلا الله تعالى. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) تأتي إلى نفس الإشكال إذا كانت تفيد القصر لغة قسم قالوا تفيد وقسم قالوا لا. هل يستطيع الإنسان أن ينزل الغيث الآن؟ ربنا ينزل الغيث، يسوق السحاب وينزل الغيث، الناس تصلي صلاة الاستسقاء والبلاد الأخرى التي فيها جفاف من ينزل الغيث؟ فلينزلوا غيثهم إذا استطاعوا، الجفاف يأكل الأرض فمن ينزل الغيث إلا الله تعالى فإذن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي ينزل الغيث ربنا سبحانه وتعالى هو القادر على ذلك وهو الذي يفعل ذلك إن شاء. *ما دلالة الترتيب في الآية؟ قبل الترتيب، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا) قسم كان يقول أنا موظف وراتبي محدود فيقول أنا أعلم ما أكسبه اليوم وغداً، أولاً الكسب لا يتعلق بأمور المعاش فقط، المعاش كسب لكن ربنا تعالى ذكر الكسب في الأعمال من الحسنات والسيئات قال (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ (81) البقرة) الكسب قد يكون للقلب (وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ (225) البقرة) والكسب لليد (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) الشورى) فالكسب عام وحتى أصحاب الأجور الثابتة قد يأتيهم ما ليس في البال، بهذا المعنى المطلق لا يمكن أن يعلم أحد ماذا سيكسب غداً لأن الكسب متعلق بالأعمال من حسنات وسيئات وكسب القلب وما إلى ذلك والذي يأتيه من مال. الرزق واحد من معاني الكسب فالكسب عام فلماذا يحدد بشيء واحد؟ ومن يعلم ذلك؟ لا يستطيع أحد أن يعلم ماذا سيكسب غداً وماذا لو توفاه الله؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) هذا مكان الأجل. حكمة الترتيب في الآية: هو أولاً بدأ بالساعة وهي رأس المغيبات وجعلها بعد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا) هذه الساعة فناسب ذكر ما تقدّم قبلها (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ) هذه الساعة فلما قال عنده علم الساعة ناسب ما قبلها هذا اليوم الذي طلب منا أن نخشاه. هذا أمر ثم ذكر بعد ذكر الساعة تنزيل الغيث (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) وهو أسبق المذكورات بعده وجوداً، بعده ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب أسبقها نزول الغيث، المطر أسبق لأن الإنسان لا يعيش من دون زرع. المطر أسبق المذكورات بعده وجوداً فإذن بدأ بالأسبق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ربنا تعالى كثيراً ما يستدل في القرآن بنزول الغيث على الساعة (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق) إذن صارت مرتبطة بما قبلها، إذن تنزيل الغيث ارتبط بما قبلها وهي الساعة وارتبط بما بعده وهو ما في الأرحام لأن ما في الأرحام يعيشون على الزروع إذن ينزل الغيث له ارتباط بما قبله وما بعده، ارتبط بعلم الساعة أنه تعالى يستدل به على علم الساعة ويستدل به على اليوم الآخر ومرتبط بما بعدها (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) لأن ما في الأرحام كثيراً ما يعيشون على الزروع وما تنبت الأرض سواء كان إنسان أو حيوان ثم ذكر ماذا تكسب غداً هذا بعد الولادة وبعد ما في الأرحام ثم ذكر الموت في الآخر، فإذن رتبها ترتيب أسبقية الوجود والارتباط، فيها إثبات لعلم الله ونفي لما عداه، إثبات لعلم الله (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ونفي ما عداه (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ). ثم ختمها ختمها بقوله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فأثبت له العلم والخبرة على صفة المبالغة وهذا من اجتماع العلم والخبرة، عليم بالأمور خبير ببواطنها. خبير تضيف إلى عليم. ****عندنا في مزايا اللغة العربية التي لا يمكن التعبير عنها في اللغات الأخرى تعدد أدوات النفي. تقول أنا ما أذهب، أنا لا أذهب، أنا إن أذهب، أنا لست أذهب، كلها تقولها في الإنجليزية I don’t go. (إن أذهب) وردت مثلها في القرآن في قوله (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) الأنبياء) بمعنى نفي (ما). في القرآن قال (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ (9) الأحقاف) نفاها بـ (ما)، (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (34) لقمان) قال (لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق) قال ما أدري وقال إن أدري وقال لا أدري، نفاها كلها. الفرق من حيث الدلالة المعلوم المشهور أنه إذا نفيت الفعل المضارع بـ (ما) دلّ على الحال يعني ما أدري الآن، لا أدري أكثر النحاة يخصصوها للإستقبال لكن قسم من النحاة يقول هي للحال والاستقبال مطلقة وأكثرهم يخصصوها بالإستقبال والزمخشري يقول لا ولن أختان في نفي المستقبل وهذا عليه أكثر النحاة وأنا أميل أنها تكون للحال والاستقبال وأستدل بما استدل به بعض النحاة في القرآن (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) حال، (أنا لا أفهم ما تقول) حال، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) للإستقبال فهي إذن مطلقة. خاصة هي منتهية بالألأف والألف حرف مطلق لا يمتد به الصوت فهي ممتدة. (إن أذهب) إن أقوى كما يقول النحاة. (لست أذهب) ليس فيها الكثير أنها تنفي الحال لكن فيها جملة إسمية وفعلية فهي مركبة. (لم أذهب) هذا المضارع، ما ذهبت، لمّا أذهب، إن ذهبت، لست قد ذهبت، كلها نقولها بالانجليزية I didn’t do صيغة واحدة، (ما) جواب القسم أصلاً، (لمّا) اللام كما بدأ بها سيبويه في باب نفي الفعل قال فعلت نفيه لم أفعل، والله لقد فعل نفيه ما فعل، قد فعل نفيه لمّا يفعل، ليفعلنّ نفيه لا يفعل، سوف يفعل نفيه لن يفعل، هذه النصوص موجودة وكل واحدة لها دلالة. * هل الله سبحانه وتعالى في حاجة إلى كل هذا التأكيد ونحن نقرّ له بالعلم؟ لأنه قسم يقر له بالعلم وهناك من من لم يقر له بالعلم وإنما هناك من يعبد الحجر وهناك من يعبد الشجر وهناك من يعبد الحيوان وهناك وهناك. فهذا الكلام للجميع. أنت علمت بعد أن علمت من القرآن بعدما أعلمك الله تعالى ولم يكن هناك اختلاف في شيء إلا اختلاف على الله سبحانه وتعالى قسم قالوا (أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) الصافات) وربنا قال تعالى (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) الصافات) يصفونه بأشياء لا ينبغي أن يوصف بها فمن أهمّ الأشياء ينبغي أن نعلم أن ربنا عليم وخبير وقدير وحليم والأسماء الحسنى. *لماذا حُدد المكان ولم يُحدد الزمان في الآية الأخيرة من سورة لقمان؟ قال تعالى في آخر سورة لقمان (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {34}‏) وإذا نظرنا إلى سياق الآيات نجد أن الإنتقال من أرض إلى أرض والإنتقال في الفلك هو السياق ثم بعدها قال تعالى ماذا غشيهم (موج) في قوله (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ {32}) فلما نجاهم إلى البر أي أن كل سياق الآيات تفيد الإنتقال من مكان إلى مكان لذا ناسب ذكر المكان في الآية وجاءت بأي أرض تكوت هل في البحر أم في الأرض. الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 131 إلى 140 من إجمالي 314 نتيجة.