من لطائف القرآن الكريم (الفرق بين القرية والمدينة في القرآن الكريم) ــــ ˮمن لطائف القرآن / صالح التركي“ ☍... |
آية (13): (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)) (واضرب لهم مثلاً): يحتمل هذا التعبير معنيين: المعنى الأول أن المقصود اضرب لأجلهم مثلاً أي بيّنه لهم واذكره لهم وقصّ عليهم قصة أصحاب القرية ليتعظوا وليعلموا أنك لست بدعاً من الرسل وإنما أرسل قبلك رسل وأنذروا قومهم وأن موقفهم من رسلهم كان التكذيب وإنكار الرسالات وأنهم آذوا رسلهم وعذبوهم فأهلكهم الله لعل قومك يتعظون. والمعنى الآخر أن المقصود مثِّل لنفسك حال قومك بأصحاب القرية واجعلهم مثلاً لهم أي شبِّه حالهم بحال أصحاب القرية فإن حال قومك شبيه بحال أصحاب القرية وأن مَثَلهم كمثلهم كما تقول مخاطباً شخصاً: أنا أشبّه حالك بفلان إذ فعل كذا وكذا. وتقول لشخص: أنا أضرب لزيد مثلاً خالداً فإن كليهما قد خسر في تجارته أي اجعله شبيهاً به. وعلى كلا هذين المعنيين يرتبط المثل بما قبله أحسن ارتباط. فإنه على المعنى الأول أي أن تضرب لهم المثل وتبيّنه لهم فإنه يقول له: بيّن لهم شأن أصحاب القرية وموقفهم من رسلهم فإنهم مثلهم في الاعتقاد والتكذيب وستكون عاقبتهم مثلهم إن أصروا على كفرهم وعنادهم لعلهم يتعظون ويرعوون. وعلى المعنى الثاني يكون المقصود أن قومك ليسوا بدعاً من الأقوام فهناك أقوام مثلهم في التعنت والكفر وأنه سواء عليهم الإنذار وعدمه وأنه حق القول على أكثرهم فهو لا يؤمنون وأنت لست وحدك تلاقي من العنت والإيذاء والتكذيب ما تلاقي فهؤلاء أصحاب القرية مثل قومك في موقفهم وعنادهم وإيذائهم رسلهم فقد أرسل إليهم ثلاثة رسل فكذبوهم وآذوهم فتصبّر وتأسّ بهم. وفي ذلك تصبير له وتأسية فيكون ضرب المثل له صلى الله عليه وسلم. والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في التفسير الكبير في قوله (واضرب لهم مثلاً) "وفيه وجهان والترتيب ظاهر على الوجهين: الوجه الأول هو أن يكون المعنى واضرب لأجلهم مثلاً والثاني أن يكون المعنى واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلاً أي مثّلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول لما قال الله (إنك لمن المرسلين) وقال (لتنذر) قال: قل لهم (ما كنت بدعاً من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسولن وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضلّه الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة السلام فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلاً أي مثّل لهم عند نفسك مثلاً حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحداً وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاؤوا قرية وأنت بُعثت إلى العالم". جاء في روح المعاني: "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلاً لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلا) مفعول ثان لا ضرب و (أصحاب القرية) مفعوله الأول أُخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني اذكر وبيّن لهم قصة هي في الغرابة كالمثل وقوله سبحانه وتعالى (أصحاب القرية) بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية". * في قوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يس) لم يقل جاءهم مع أن الكلام عن أصحاب القرية؟ قال (إذ جاءها المرسلون) ولم يقل إذ جاءهم لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم اينذروهم ولو قال (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم بل يحتمل أنهم كانوا في مكان فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال جاء أهل القرية فلان وكلّمهم ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم بخلاف قوله (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذرونهم وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في روح المعاني "وقيل (إذ جاءها) دون (إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم". * قد يقول قائل ما الحكمة التقوا، تقابلوا، خرجوا هنا أو هناك المهم أن الرسل ذهبت إليهم؟ هذه فيها اهتمام أن يذهبوا إليهم يعني متفرغون للسماع والتبليغ، التبيلغ تقتضي البقاء عندهم حتى يبلغوهم أما أن يأتوا إلى مكان لحاجة عارضة، هناك فرق في الاهتمام. * هل هذا من قبيل المجاز؟ قال أصحاب القرية والقرية لا يجاء إليها؟ مثل (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا (82) يوسف) كيف يسأل القرية أو كيف يأتون للقرية؟ لماذا؟ القرية تقال للقوم (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) القرية تستعمل للساكن وغير الساكن فيها (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) يعني على الأبنية التي فيها. القرية تستعمل لهذا ولهذا. * ربما يطلق القرية ويقصد أصحاب القرية الناس الذين يسكنون فيها؟ يمكن أن تمر عليها وهي خاوية على عروشها (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا (259) البقرة). * لماذا قال (جاءها) ولم يقل أتاها مع أن القرآن يستخدم أتاها ايضاً؟ قال (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقى وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان ولذا قال تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء (40) الفرقان) لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها (77) الكهف) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا). * لغة هل هناك فرق بينهما؟ نعم في اللغة كأنهم قالوا أن الميتاء هي السهلة والأتيّ السيل المار كأنما يشعرون أن فيها سهولة. * في فرعون قال (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (47) طه) مع أن فرعون كان باطشاً وجباراً ومتكبراً؟ لكن الذهاب إليه سهل في الطريق. هما في الطريق ذاهبين إليه. وهناك أمر أضيفه (فَأْتِيَاهُ) في القرآن الكريم لم يأت فعل مضارع لفعل جاء ولا فعل أمر ولا إسم فاعل ولا إسم فاعل وإنما كله ماضي (فَأْتِيَاهُ) هذا ماضي. بينما من أتى يأتي الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل والمصدر. ليس في القرآن مجيء ولا يجيء ولا غيرها بينما من أتى يأتي الأمر والمضارع وإسم الفاعل والمصدر، هذه تعود أيضاً للصعوبة واليسر. * إذن القرآن الكريم يكسو بعض الكلمات بعض الدلالات الخاصة به وهناك خصوصية الاستعمال داخل القرآن؟ نعم. ــــ ˮفاضل السامرائي“ ☍... |
تفسير الايات من 13 حتى 29 من سورة يس ــــ ˮمحمد القحطاني“ ☍... |
- ( ودخل المدينة ...) : هي مصر ، جاء ذكرها في القرآن الكريم أربع مرات - والخامسة على قراءة ما لا ينصرف ( اهبطوا مصرَ...) وقرئت ( اهبطوا مصرًا ) أي مصر. - ( ودخل المدينة ...) ، ( واسأل القرية ...) هي مصر في كلتا الآيتين ! : المسمى واحد ، والتسمية اختلفت بحسب اختلاف السياق القرآني : المدينة : من مَدَن أي أقام ، أو المدينة هي الحصن ، أو من الاتساع والانتشار لها وكل هذا يصدق على سياق اللفظ - وأما القرية : فهي من الاجتماع ، من قريت الشيء أي جمعت - وقيل من القِرى وهو الكرم ويوسف أكرم إخوته بدلالة ( وأنا خير المنزلين ) ونظير هذا قوله تعالى في يس ( أصحاب القرية إذ جاءها...) ثم قال في نهاية القصة ( وجاء من أقصا المدينة ) فاختلاف اللفظ بحسب السياق - ومثله ( وقال نسوة في المدينة... ) وقال فيها أيضا ( واسأل القرية...) فاختلاف اللفظ بحسب السياق والمعنى. ــــ ˮمن لطائف القرآن / صالح التركي“ ☍... |
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا) يحتمل هذا التعبير معنيين: المعنى الأول أن المقصود اضربْ لأجلهم مثلاً أي بينه لهم واذكره لهم وقصّ عليهم قصة أصحاب القرية ليتعظوا وليعلموا أنك لست بدعا من الرسل وإنما أُرسل قبلك رسل وأنذروا قومهم وأن موقفهم من رسلهم كان التكذيب وإنكار الرسالات وأنهم أذوا رسلهم وعذبوهم فأهلكهم الله لعل قومك يتعظون. والمعنى الآخر أن المقصود مثّل لنفسك حال قومك بأصحاب القرية واجعلهم مثلًا لهم أي شبّه حالهم بحال أصحاب القرية فإن حال قومك شبيه بحال أصحاب القرية وأن مثلّهم كمثلهم كما تقول مخاطبًا شخصًا: أنا أشبّه حالك بحال فلان إذ فعل كذا وكذا. وتقول لشخص: أنا أضرب لزيد مثلًا خالداً فإن كليهما قد خسر في تجارته، أي أجعله شبيهاً به. وعلى كلا هذين المعنيين يرتبط المثل بما قبله أحسن ارتباط. فإنه على المعنى الأول أي أن تضرب لهم المثل وتبينه لهم فإنه يقول له: بيّن لهم شأن أصحاب القرية وموقفهم من رسلهم فإنهم مثلهم في الاعتقاد والتكذيب. وستكون عاقبتهم مثلهم إن أصرّوا على كفرهم وعنادهم لعلهم يتعظون ويرعوون. وعلى المعنى الثاني يكون المقصود أن قومك ليسوا بدعاً من الأقوام فهماك أقوام مثلهم في التعنت والكفر وأنه سواء عليهم الإنذار وعدمه وأنه حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون وأنت لست وحدك تلاقي من العنت والإيذاء والتكذيب ما تلاقي فهؤلاء أصحاب القرية مثل قومك في موقفهم وعنادهم وإيذائهم رسلهم فقد أرسل إليهم ثلاثة رسل فكذبوهم وآذوهم فتصبّر وتأسّ بهم. وفي ذلك تصبي له وتأسية فيكون ضرب المثل له . والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في (التفسير الكبير) في قوله (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا) وفيه وجهان. والترتيب ظاهر على الوجهين. الوجه الأول: هو أن يكون المعنى وأضرب لأجلهم مثلًا. والثاني: أن يكون المعنى وأضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلًا. أي مثَلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول: لما قال الله (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) وقال (لِتُنْذِرَ) قال: قل لهم (ما كنت بدعا من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال النبي عليه الصلاة والسلام فلا تأس واضرب لنفسك وقومك مثلًا، أي مثّل لهم عند نفسك مثلًا حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على القتل والإيذاء وأنت جئتهم واحدًا وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاءوا قرية وأنت بعثت إلى العالم"(1). وجاء في (روح المعاني): "فالمعنى على الأول: أجعل أصحاب القرية مثلًا لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلًا) مفعول ثان لا ضرب و (أصحاب القرية) مفعول الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني اذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل. وقوله سبحانه (أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) بتقدير مضاف أي مثل أصحاب القرية"(2). وقال (إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) ولم يقل (إذ جاءهم) لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم لينذروهم. ولو قال (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم بل يحتمل أنهم كانوا في مكان ما فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال (جاء أهل القرية فلان وكلمهم) ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم بخلاف قوله (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذروهم وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في (روح المعاني): وقيل (إذ جاءها) دون (إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم"(3). وقال (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان(4). ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقة وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان. ولذا قال تعالى (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا) - الفرقان () لأنه كان إتياناً سهلاً وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا) لأن إتيانها ودخولها كان ميسراً ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيا) دون (جاءا).
**من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 50 إلى ص 52: 1- التفسير الكبير 26/50. 2- روح المعاني 22/22. 3- روح المعاني 22/220. 4- انظر المفردات في غريب القرآن 6 و102 وأنظر كتاب لمسات بيانية (قصة موسى في سورتي النمل والقصص). ــــ ˮفاضل السامرائي“ ☍... |
الأمثال في القران الكريم أصحاب القرية سورة يس آية 13 ــــ ˮعبدالله الشثري“ ☍... |
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا} يحتمل هذا التعبير معنيين: المعنى الأول: أن المقصود اضرب لأجلهم مثلاً، أي بينه لهم واذكره لهم، وقص عليهم قصة أصحاب القرية ليتعظوا وليعلموا أنك لست بدعًا من الرسل، وإنما أرسل قبلك رسل وأنذروا قومهم وأن موقفهم من رسلهم كان التكذيب وإنكار الرسالات وأنهم آذوا رسلهم وعذبوهم فأهلكهم الله لعل قومك يتعظون. والمعنى الآخر: أن المقصود مثل لنفسك حال قومك بأصحاب القرية واجعلهم مثلًا لهم، أي شبه حالهم بحال أصحاب القرية، فإن حال قومك شبيه بحال أصحاب القرية، وإن مثلهم كمثلهم، كما تقول مخاطبًا شخصًا: أنا أشبه حالك بحال فلان إذ فعل كذا وكذا. أو تقول لشخص: أنا أضرب لزيد مثلًا خالدًا فإن كليهما قد خسر في تجارته، أي اجعله شبيهًا به. وعلى كلا هذين المعنيين يرتبط المثل بما قبله أحسن ارتباط. فإنه على المعنى الأول: أي أن تضرب لهم المثل وتبينه لهم، فإنه يقول له: بين لهم شأن أصحاب القرية وموقفهم من رسلهم فإنهم مثلهم في الاعتقاد والتكذيب، وستكون عاقبتهم مثلهم إن أصروا على كفرهم وعنادهم لعلهم يتعظون ويرعوون. وعلى المعنى الثاني: يكون المقصود أن قومك ليسوا بدعًا من الأقوام، فهناك أقوام مثلهم في التعنت والكفر، وأنه سواء عليهم الإنذار وعدمه، وأنه حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، وأنت لست وحدك تلاقي من العنت والإيذاء والتكذيب ما تلاقي، فهؤلاء أصحاب القرية مثل قومك في موقفهم وعنادهم وإيذائهم رسلهم، فقد أرسل إليهم ثلاثة رسل فكذبوهم وآذوهم فتصبر وتأس بهم. وفي ذلك تصبير له وتأسية فيكون ضرب المثل له . والمعنيان مرادان مرتبطان بما قبلهما أجل ارتباط وأحسنه. جاء في (التفسير الكبير) في قوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا}: "وفيه وجهان. والترتيب ظاهر على الوجهين. الوجه الأول: هو أن يكون المعنى: واضرب لأجلهم مثلًا. والثاني: أن يكون المعنى: واضرب لأجل نفسك أصحاب القرية لهم مثلًا. أي مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية. وعلى الأول نقول: لما قال الله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، وقال: (لتنذر)، قال: قل لهم (ما كنت بدعًا من الرسل) بل قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة. وعلى الثاني نقول: لما قال الله تعالى إن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال للنبي عليه الصلاة والسلام: فلا تأس واضرب لنفسك ولقومك مثلًا، أي مثل لهم عند نفسك مثلًا حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا، وصبر الرسل على القتل والإيذاء، وأنت جئتهم واحدًا وقومك أكثر من قوم الثلاثة، فإنهم جاءوا قرية وأنت بعثت إلى العالم" (1). وجاء في (روح المعاني): "فالمعنى على الأول: اجعل أصحاب القرية مثلًا لهؤلاء في الغلو في الكفر والإصرار على التكذيب، أي طبق حالهم بحالهم على أن (مثلًا) مفعول ثان لـ (اضرب)، و(أصحاب القرية) مفعوله الأول أخر عنه ليتصل به ما هو شرحه وبيانه. وعلى الثاني: أذكر وبين لهم قصة هي في الغرابة كالمثل. وقوله سبحانه: {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} بتقدير مضاف، أي مثل أصحاب القرية" (2). وقال: {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} ولم يقل: (إذ جاءهم) لأنه أراد أنهم أتوهم في مكانهم لينذروهم. ولو قال: (إذ جاءهم) لم يفد أنهم أتوهم إلى مكانهم، بل يحتمل أنهم كانوا في مكان ما فأتاهم الرسل إليه. فقد يجتمع أهل قرية في مدينة ما ويأتيهم شخص إلى مكان اجتماعهم فيقال: (جاء أهل القرية فلان وكلمهم) ولم يفد ذلك أنه ذهب إلى قريتهم. بخلاف قوله: (جاءها) فإنه يفيد أنهم ذهبوا إليهم في دارهم ليبلغوهم دعوة ربهم وينذروهم، وفي هذا من الاهتمام بأمر التبليغ ما فيه. جاء في (روح المعاني): "وقيل: {إِذْ جَاءَهَا} دون ( إذ جاءهم) إشارة إلى أن المرسلين أتوهم في مقرهم" (3). وقال: (جاءها) دون (أتاها) ذلك أن المجيء يكون لما فيه مشقة ولما هو أصعب من الإتيان (4). ويبدو أنه كان في المجيء إلى أهل القرية وتبليغهم مشقة وإيذاء وتهديد فاختار المجيء على الإتيان. ولذا قال تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} {الفرقان: 40}، لأنه كان إتيانًا سهلًا وذلك أنهم مروا بها وهم في طريقهم. وقال: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} {الكهف: 77}، لأن إتيانها ودخولها كان ميسرًا ولم يجدوا من أهلها مساءة أو مشقة فاستعمل (أتيًا) دون (جاءًا). (1) التفسير الكبير 26/50. (2) روح المعاني 22/220. (3) روح المعاني 22/220. (4) انظر المفردات في غريب القرآن 6 و102 وانظر كتاب "لمسات بيانية" (قصة موسى في سورتي النمل والقصص). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 67 إلى ص 70 ــــ ˮفاضل السامرائي“ ☍... |