التدبر

٣١ "وجعلني مباركا" من بركته أنه من أطول أبناء آدم عمرا .. ومن بركته أنه ممن اختصه الله بسكنى السماء في حياته. الوقفة كاملة
٣٢ "وجعلني مباركا" من بركته أنه من أطول أبناء آدم عمرا .. ومن بركته أنه ممن اختصه الله بسكنى السماء في حياته . الوقفة كاملة
٣٣ (ونزعنا مافي صدورهم من غل) (ونزعنا) يدل على أنهم يخفون (غلهم) إخفاء شديدا عميقا داخل نفوسهم(فليس له أثر في حياتهم)رحم الله أهل الأيمان الوقفة كاملة
٣٤ "لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" يقسم الله تعالى بحياته .. تشريفا لها .. أفلا ينصره بعد مماته ؟ بلى والله الوقفة كاملة
٣٥ السعادة قرينة الإيمان؛ (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأمن في قلوبهم وحياتهم ودنياهم وآخرتهم.. . الوقفة كاملة
٣٦ (ماأنزلنا عليك القرآن لتشقى) كيف يشقى من كان القرآنُ أنيسه رفيقه ! حياته ، وقومته ، ونومته وهو بين يديه ! لا والله لن يشقى . الوقفة كاملة
٣٧ (آنست..بقبس...هدى) مستوحش وليس معه ما يوقد به بليلة باردة وتائه للطريق (فكانت آخر ليلة بؤس في حياته) الوقفة كاملة
٣٨ من أسماهُ بالقرآن هو الله وحده ، وليس النبي ﷺ ولا الصحابة رضوان الله عليهم؛ ﴿ وقُرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مُكْث ونزّلناه تنزيلاً ﴾ الوقفة كاملة
٣٩ ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) يبكون ثم يعيشون حياتهم خُشّعاً ؛ فالخشوع حياة لا بكاءا فقط. الوقفة كاملة
٤٠ {وهدوا إلى الطيب من القول} كيف لو تمثلها الحاج وغيره في حجه وحياته. الوقفة كاملة

تذكر واعتبار

٣١ الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. عباد الله، وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي لها جانب مظلم وسيء في المجتمع فإن لها في المقابل جانبا مشرقا وحسنا في المجتمع إذا أحسن الإفادة منها، فيمكن أن تكون من أعظم وسائل الدعوة إلى الله – عز وجل – لما فيها من قوة التأثير مع سهولة الانتشار وسعته، فعلى الدعاة إلى الله تعالى أن يغتنموا هذه الوسائل في الدعوة إلى الله، وفي نشر العلم النافع، وفي توعية الناس فيما ينفعهم في أمور دينهم. لقد أصبحت أجهزة هذه الوسائل في أيدي معظم شرائح المجتمع، فيمكن تذكير الناس ودعوتهم إلى الله تعالى عبرها، والله – عز وجل – يقول: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الذاريات: 55] فالمؤمنون ينتفعون بالذكرى والموعظة، وقد أصبح في وقتنا الحاضر يمكن أن تصل الذكرى والموعظة، والمقاطع الدعوية والعلمية المفيدة يمكن أن تصل للناس وهم في بيوتهم، وفي أي مكان ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[فصلت: 33]. ومن الصور المشرقة في وسائل التواصل الاجتماعي إنشاء مجموعات عبر هذه الوسائل لتعزيز صلة الرحم بين الأرحام، وتعزيز التواصل بين الجيران والزملاء ونحوهم، والمشاركة في هذه المجموعات نوع جديد من التواصل، وعلى هذا فمن دخل عبر هذه الوسائل من دخل في مجموعة تجمع بعض أرحامه بهدف صلة الرحم، وتواصل مع أرحامه عبر هذه المجموعة، وأتحفهم بالمقاطع النافعة المفيدة التي تدخل الأنس والسرور عليهم فهذا داخل في صلة الرحم، فإن صلة الرحم تحقق بكل أمر مباح أدخل الأنس والسرور على ذوي الأرحام، وهكذا يقال بالنسبة للجيران المطلوب الإحسان إليهم، ومن الإحسان إليهم إدخال السرور والأنس لهم بالأمور المباحة، أو بالمقاطع والكتابات المفيدة النافعة، وهكذا بالنسبة لكل ما على الإنسان لهم حق متأكد إذا دخل معهم في هذه المجموعات بهذا الهدف، وبهذه النية، وأحسن الإفادة من هذه الوسائل فربما يؤجر الإنسان على ذلك. عباد الله، وكما أنه مطلوب من الإنسان في منطقه أن يختار الطيب من القول، وأن يقول التي هي أحسن فكذلك في تعامله عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي له ألا يكتب وألا ينقل إلا الطيب من القول، وأن يستشعر مسئولية الكتابة والنقل كما يستشعر مسئولية النطق ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾[الإسراء: 53]. ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.[الأحزاب: 56]. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك، يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين. اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك محمد – صلى الله عليه وسلم –. ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم. الوقفة كاملة
٣٢ دخول الحاسوب والانترنيت الى مجتمعنا واختراقه كافة جوانب حياتنا اليومية ، فهذا الاختراق قد أدى الى ظهور نوع جديد من العنف يسمى العنف الالكتروني الممارس عبر الوسائط الالكترونية وبالتالي كان من الضرورة معرفة هذا العنف ومتابعة من اجل سن القوانين والتشريعات والعقوبات اللازمة لحد منه نظرا لما يسببه من خسائر مادية ومعنوية كبيرة للأفراد ، فظاهرة العولمة الإلكترونية التي اصحبت سمة من سمات العصر الحالي وعلى الرغم بما تمتاز به هذه العولمة من صفات منها على سبيل المثال، سرعة نشر المعلومة وارسالها وكذلك اختصار الوقت، الا ان العنف الالكتروني أصبح يعد مشكلة تهدد امن مجتمعنا نظراً لغياب الحريات الفكرية والديمقراطية وغياب القانون الا انه لا بد من وضع آليات تربوية واخلاقية ودينية للحد من انتشار هذه المشكلة بين الافراد، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاعلامية ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، الا ان هذا الجهود تواجه عقبات اجتماعية واسرية وكذلك افتقارها الى مراكز أبحاث تهتم بهذه المشكلة وأيضا عدم توفـر الغطاء القانوني لها. أولا: ما المقصود بالعنف الالكتروني العنف الالكتروني هو كل فعل ضار بالأخرين عبر استخدام الوسائل الالكترونية مثل الحواسيب والهاتف النقال وشبكات الاتصال الهاتفية، شبكات نقل المعلومات، شبكة الانترنيت (مواقع التواصل الاجتماعي) متمثلاً بألفاظ القذف والسب والشتم بين الافراد وكذلك الترويج والتحقير الفرد، كما يمكن وصفه ايضا بانه كل سلوك غير أخلاقي وغير مسموح به يرتبط بوسائط الالكترونية وانطلاقاً من هذان التعريفان يمكن ان نعد العنف الالكتروني من أخطر أنواع العنف اذ انه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد فهذا قد يؤدي بهم الى ارتكابهم جرائم تهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي مروراً بالأسرة وانتهاءاً بالمجتمع. ثانياً: أنواع العنف الالكتروني  هناك أنواع كثيرة من العنف الا اننا سوف نركز على اهم الأنواع التي يمكن ان تؤدي الى ممارسة هذا النوع من العنف الالكتروني ويكمن تفسيرها بنوعان من العنف هما: 1-العنف اللفظي عن قصد ومتعمد: يهدف هذا العنف الى التعدي على حقوق وحريات الآخرين بإيذائهم عن طريق الكلام او الالفاظ الغير مسموح بها ويتجلى هذا النوع من العنف في رفع الصوت عند المخاطبة والاهانة والشتم والسب والتحقير المتمثل بنعت الشخص بألفاظ غير مقبولة اذ يرتكز العنف اللفظي عند الكلام عبر شبكات الاتصال وذلك من اجل إيذاء وخلق جوء من القلق النفسي والاجتماعي. 2-العنف الجسدي(البدني): يختلف هذا النوع من العنف عن العنف اللفظي اذ انه يستخدم فيه الضرب والركل باليد للأجهزة الحواسيب والهاتف فهذا النوع من العنف غالبا ما يصاحبه حالة من الغضب والعدوان. ثالثاً: خصائص العنف الالكتروني  1- لا يحتاج الى استعمال القوة والضرب باليد بل يحتاج الى وجود حاسوب وهاتف متصل بالأنترنيت يستعمل به الشخص الفاظ تمس الطرف المقابل متمثلا بالقذف والسب والشتم والترويج له. 2- يعد العنف الالكتروني جريمة متعدد الحدود ومنتشرة في كافة جوانب الحياة وغير خاضه لنطاق قانوني. 3- صعوبة معرفة الأشخاص الذين يمارسون العنف نتيجة لنقص الخبرة لدى الأجهزة الأمنية والقضائية في التعامل مع مثل هذا النوع من العنف. 4- يساهم العنف الالكتروني في قيام بعض الأشخاص باختراق المواقع الرسمية او الشخصية او الاستيلاء عليها ما اجل الحصول على الأموال. 5- ان مرتكبي العنف يكونون في العادة من ذوي الاختصاص في مجال الأنترنيت او على الأقل الأشخاص الذين لديهم معرفة قليلة في التعامل مع الحاسوب وشبكات الاتصال. رابعاً: اهداف العنف الالكتروني يهدف العنف الالكتروني الى تحقيق جملة من الأهداف ويمكننا بيان أبرز تلك الأهداف: 1- نشر القلق الاجتماعي والنفسي بين الافراد الذين يمارسون الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي. 2- تعرض سلامة الاسرة والمجتمع وامنه للخطر والانتقام من الخصوم. 3- الدعاية والاعلان وجذب الانتباه واثارة الراي العام وجمع الأموال والاستيلاء عليها. 4- الاخلال بالنظام العام لشبكات الانترنيت مما قد يؤدي الى ممارسة العنف ضد الافراد. 5- التشهير وتشويه السمعة لدى بعض الافراد المعرضون للخطر.  خامساً: المخاطر الاجتماعية للعنف الالكتروني  ان فهم المخاطر الاجتماعية للعنف الالكتروني ومعرفة اثارها على الحياة الاجتماعية للأسرة والمجتمع يستدعي الوقوف عليها، فهذا لا يتم الا من خلال التغيرات التي يشهدها العالم اليوم ومن بين اهم هذه التغيرات ما يتعلق بعلاقتها بشبكة الانترنيت وما تحمله من برامج ومواقع وخدمات ثقافية غربية تتناقض مع قيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية والتي قد تؤدي بالأفراد الى سلك سلوكيات شاذة ومنحرفة كالانحرافات اللفظية والضرب والسب والتحقير الشخص بألفاظ غليظة تمس حياته الخاصة والتي لا تلقي قبولا اجتماعياً. ولعل من اهم مخاطر العنف الالكتروني منها تصدع التنشئة الاسرية اذ انه يعمل على اظهار ظاهرة التفكك الاسرية وهذا ما قد يعمل على إشاعة القلق والتوتر والصراع بين الافراد وبالتالي قد يؤدي بهم الى ارتكاب جرائم مخلة بالأدب الإنساني والاجتماعي فضلا عن احداث مشاعر عدوانية وعدائية التي تظهر في قسمات الوجه كالتهجم باللفاظ والعبوس واحمرار الوجه وكذلك بالنظرات الغاضبة عن طريق العيون او باستخدام الفم عن طريق البصق او اصدار أصوات الاحتقار والاستنكار فيلوح الغاضب بالثأر والتهديد والانتقام فضلا عن استخدامها بالفعل في الايذاء بالشتم والقذف عبر الوسائط الالكترونية، وزيادة على ذلك فان تصدع عملية التنشئة الاسرية على مستوى البيت او المدرسة قد تودي دوراً مهما في ممارسة العنف الإلكتروني وهذا راجع الى القلق وانعدام الدفء وعدم الشعور بالأمام والاطمئنان النفسي للفرد، فالفرد الذي يعيش في بيئة تتسم بالعدوان والإحباط تؤدي به الى قيام بأفعال غير مسبوقة من قبله وهذا ما قد تترك اثارها على الاسرة وعلى حياته الاجتماعية. ولا شك فيه ان العنف الالكتروني الصادر من خلال الوسائل الإلكترونية الحديثة سواء كان في الفيس بوك او تويتر وغيرها من مواقع التواصل الالكتروني يعد جريمة لما فيه من اعتداء على سمعة الفرد كما ويعد من الامراض الخطيرة التي يتعدى شرها الى كل فئات المجتمع فهو يطال اعراض الناس وحرماتهم خاصة في ظل التطور الالكتروني الذي يشهده العالم اليوم وقد عده العنف الالكتروني عبر وسائل الإلكترونية من قبل المختصين في الحقوق القانونية جريمة بل من اشنع الجرائم لسعة انتشاره بين الافراد اعتمادا على التقديم الرهيب في وسائل الاتصال الحديثة فمرتكبها يتخذ من التقنية سبيلا للتشهير الناس والنيل من اعراضهم حيث يجد ضعفاء النفوس في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مكاناً ومتنفسا لهم مع موت الضمير وغياب الرقيب الدين فيلحقون الضرر بالأفراد والمجتمع. ويتطلب مواجهة هذا النوع من العنف جملة إجراءات منها الآتي: 1- قيام الأجهزة الأمنية بوضع رقابة قانونية تساهم في الحد من تلك الظاهرة واثارها الاجتماعية للأسرة والمجتمع. 2- توعية الشباب بماهية الانترنيت من خلال الخدمات التي يقدمها لهم وعدم الانجراف الى ممارسة كهذا نوع من العنف. 3- مساهمة الاسرة في مراقبة سلوك وتصرفات ابناءها من اجل الوقوف على الحلول والعلاج كهذا نوع من العنف. 4- تعميم مبدأ الديمقراطية من خلال حرية تبادل الرأي والتعبير وإشاعة ثقافة التسامح والحوار وتأمين حق الفرد والمجتمع فضلا عن احترام حقوق الإنسان. ا الوقفة كاملة
٣٣ الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أحمده على نعمه الوفيرة، وآلائه الغزيرة، وأشهد أن لا إله إلا هو المعبود الحق في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد أوليائه، وخيرة أصفيائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102], (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء1], (يَآ أَيَّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَ قُولُواْ قَولاً سَدِيداً * يُصلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُم وَ يَغْفِرْ لِكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً)[الأحزاب70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس: إن نعم الله -تعالى- تتواتر على عباده في كل حين، ولكن القليل منهم من يشكرها، والكثير من يجحدها أو يغفل أو يتغافل عن شكرها، وقد لا يذكرونها إلا حينما تولّي عنهم، فالموجود منسي، والمفقود مذكور، كما قيل. فبعد أن كان الشتاء جاثمًا على الصدور بجفافه وقسوته وعبوسه أطلّ علينا الصيف بروائه وجماله وإشراقه، فقد انتظر الصيفَ منتظرون في هذه المناطق الجبلية؛ لطيب الأحوال فيه بحسن هوائه، وجمال منظر الحياة بحلوله، حينما يكسو السماء صفاء وبهاء، والأرض اخضراراً ورُواء، فتبتهج النفوس، وتنفسح الصدور، وتخصب العقول، وتستنير العيون, فلله الحمد والشكر على هذه النعمة. أيها المسلمون: إن من نعم الله الجليلة في هذا الفصل -فصل الصيف- هطولَ الأمطار، وانصباب الغيث المدرار، الذي يرحم الله به العباد والبلاد والشجر والدواب؛ فتبتسم الأرض ببكاء السماء، وتسعد بهذه النعمة بعد شقاء الشتاء, قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[الحج: 63]. إن المطر نعمة عظيمة من نعم الله الكثيرة، تنتج عن هذه النعمة نعمٌ أخرى تصلح بها الحياة الدنيا، مما يوجب ذلك توحيد الله -تعالى- وعبادته؛ شكراً لله -تعالى-, قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 21 - 22]. وهذه النعمة ليس للإنسان يد في حصولها، بل هي محض تفضل من الرب الكريم، ولو شاء الله -تعالى- لجعل الماء مالحًا غير صالح للحياة، قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68 - 70]. والمطر مظهر من مظاهر رحمة الله -تعالى- بعباده ورأفته بهم مع كثرة ذنوبهم التي هي سبب لحجب هذه الرحمة عنهم، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)[الفرقان: 48]. وقال: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى: 28], وقال: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96]. عباد الله: إن الله -تعالى- قد وصف هذه النعمة في كتابه بالبركة والطهارة والحياة؛ لحصول ذلك في واقع الخلق، قال -تعالى-: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ)[ق: 9]، وقال: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الفرقان: 48 - 50], وقال: (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[النحل: 65], وقال: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)[الأنبياء: 30]. أيها الأحبة الكرام: إن الله -تعالى- بلطفه ورحمته قد أنزل هذه النعمة على عباده ما استقاموا على طاعته بقدر حاجتهم، فلم يجعلها -تعالى- دائمة الهطول فتفسد عليهم حياتهم، بل إنه -تعالى- جعل لها مخزنًا تخزن فيه إلى وقت الحاجة وهو باطن الأرض؛ لتستخرج وقت العوز إليها، وذلك حينما تزيد على حاجة الإنسان, قال -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)[المؤمنون: 18 - 19], وقال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[الزمر: 21]. أيها الفضلاء: إن هذه النعمة تستحق منا التأمل والنظر المتدبر في أسبابها وآثارها ونزولها, وما يحتف بها من آيات الله -تعالى-؛ حتى يعظم شكرنا لله -تعالى- عليها، ويزداد إيماننا به -عز وجل- حتى لا يحرمنا هذه النعمة, ولهذا أمر الله -تعالى- بهذه العبادة وهي عبادة النظر والتأمل إلى هذه النعمة وآثارها, فقال -تعالى-: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)[عبس: 24 - 32]. لو فكّر الإنسان -أيها الأحبة- في انقطاع هذه النعمة عنه هل سيعيش بدونها، وهل سيدوم بقاؤه بفقدها؟, قال -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)[الملك: 30], فلا حياة في الدنيا إلا بهذه النعمة. عباد الله: إن المطر آية من آيات الله -تعالى- التي تدل على قدرته العظيمة التي لا حدّ لها، فمن الذي يستطيع أن يغيث الناس بالمطر فيذهب ظمأهم، ويلطّف الجو الشديد الحرارة الذي يَصليهم؟ لا أحد سوى الله -جلّ جلاله-، قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68 - 70]. وحينما ينزل الغيث على الأرض القاحلة الممحلة فيحييها بالنبات والمنظر المشرق، فتصير حية بعد موتها يكون ذلك آية على قدرة الله على إحياء الموتى، فهو آية صغرى تدل على آية كبرى، قال -تعالى-: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فصلت: 39]. وهو دليل على عجز الإنسان وحاجته التي لا يجبرها إلا الله -تعالى-، فلا ساقي للناس ولا مغيث لهم من شبح الجدب إلا الله، قال -تعالى-: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)[الحجر: 22]، يعني: ليست خزائنه عندكم، بل الله هو الخازن له ينزله متى يشاء. والمطر ذكرى تذكِّر من سُقوا بالشكر، وتذكر من مُنِعوها بالتوبة ليستحقوها، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا)[الفرقان: 50]. فيا أيها الناس: شكراً لله شكراً على هذه النعمة، فاللهم لك الحمد على هذه النعمة الجزيلة، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7]. وتذكروا -معشر المسلمين- بهذه الرحمة رحمةَ الله -تعالى- بنا إذ أغاثنا مع كثرة معاصينا، ولو سُقينا بقدر أعمالنا لما سُقينا، ولكننا قد نُرحم بغيرنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولولا البهائم لم يمطروا"( رواه ابن ماجه والبيهقي والحاكم) وتفكروا في حصول هذه الآية؛ كم فيها من عظات وعبر، وبراهين وحجج على فضل الله وكرمه وغناه ورزقه، وقدرته ورحمته، وجود وحياته؛ حنى نعبده ونطيعه، ونصرف حياتنا في مرضاته، ونبتعد عن كل ما يغضبه ويوجب سخطه علينا، إن في ذلك لآية لأولي الألباب. الوقفة كاملة
٣٤ المحبة كلمة صغيرة، لكنها تملأ القلوب رحمةً، وتُعطي للحياة معنى، فالمحبة غابة كبيرة تجمع كل زهور الأمل والخير؛ لأنها تُخرج الكراهية من القلوب، وتجعلها صافية متدفقة بالعطاء، فهي مثل نبع الماء الصافي الذي يروي القلوب، وهي مثل نسمة الربيع الهادئة التي تمرّ على الحزن فتُحوّله إلى فرح، وتمرّ بالحسد فتجعله إيثارًا وغبطة، ولهذا فإنّها رسولٌ بين القلوب، وغاية من غايات الفضيلة، ووجودها يجعل من كلّ شيءٍ أجمل، ويكفي أنّها تُشعل الشغف لاستمرار الحياة، لهذا فإنّ كل شيءٌ تسوده المحبة يكون مغلفًا بالجمال. المحبة تجعل القلب متسعًا، كما أنها تمدّ جسرًا بين الأرض والسماء؛ لأن الله أمر عباده بها، ونهاهم عن التشاحن والتباغض، كما حثّ عليها الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لهذا جعلها الله في قلوب مخلوقاته بالفطرة، فالأم تُحبّ أبناءها وترعاهم بمحبّتها التي أودعها الله فيها، وكذلك الأب والمربي والصديق الذي يمنحها لصديقه، وحتى الحيوانات تعرف المحبة فيما بينها، ولهذا فإنّها ليست محصورة على أحدٍ دون غيره، بل هي باتساع الأفق، وتستطيع أن تحتوي الكون في المحبة عندما تكون حقيقيّة فإنها تأتي دون أيّ مقدمات، لأنها شيءٌ لا يُطلب ولا يُمكن تصنّعه، بل تحدث من تلقاء نفسها، كما أنّها لا تجتمع إلا في قلب إنسانٍ صادق غير منافق، فالمحبة والنفاق مسألتان لا يمكن أن تجتمعا في آن، كما أنها لا تجتمع مع الحسد ولا مع الغيرة المؤذية، وغالبًا فإن الكفّة تميل إليها، فمن قابل الكراهية فيها لا بدّ ستنتصر، ومن أخذها دستورًا في حياته فإنه سيكون الأقوى، لأنها تقوي القلب بطاقتها الكبيرة، على عكس الكراهية التي تُضعف القلب وتشدّه إلى الخلف. ثمار المحبّة ليس لها موسمٌ محدد، بل تُقطف قي جميع الفصول، وحلاوتها تطغى على كل المرار الذي تُسببه الكراهية، والفرق بين الإنسان الذي يعمر قلبه فيها وبين الإنسان الذي لا يعرفها، كالفرق بين الحي والميّت، فالقلوب دون محبّة ما هي إلا دمى سيئة الصنع، ولهذا فإنّها تُعطي للجميع دروسًا كي يكونوا أكثر رقة، وتُقرّب البعيد، وتنشر الطاقة الإيجابية في كلّ مكان، وتنشر الألفة بين الناس، وتجعل من صحراء العمر جنةً خضراء، كما أنّها تمنع الظلم والقهر، وتُضفي على الأرواح طمأنينة وسكونًا، وهي الطريق الأمثل للوصول إلى قلوب الناس دون عناء، فالمحبة مفاتيحُ للقلوبِ المغلقة، ومِعْوَلٌ يهدم كلّ الجليد الذي يقف بين القلوب والسعادة، ومن أراد أن يعيش بسلام، فما عليه إلا أن يعتنقها وينشرها في كلّ مكان الوقفة كاملة
٣٥ المحبة كلمة صغيرة، لكنها تملأ القلوب رحمةً، وتُعطي للحياة معنى، فالمحبة غاية كبيرة تجمع كل زهور الأمل والخير؛ لأنها تُخرج الكراهية من القلوب، وتجعلها صافية متدفقة بالعطاء، فهي مثل نبع الماء الصافي الذي يروي القلوب، وهي مثل نسمة الربيع الهادئة التي تمرّ على الحزن فتُحوّله إلى فرح، وتمرّ بالحسد فتجعله إيثارًا وغبطة، ولهذا فإنّها رسولٌ بين القلوب، وغاية من غايات القضيلة، ووجودها يجعل من كلّ شيءٍ أجمل، ويكفي أنّها تُشعل الشغف لاستمرار الحياة، لهذا فإنّ كل شيءٌ تسوده المحبة يكون مغلفًا بالجمال. المحبة تجعل القلب متسعًا، كما أنها تمدّ جسرًا بين الأرض والسماء؛ لأن الله أمر عباده بها، ونهاهم عن التشاحن والتباغض، كما حثّ عليها الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لهذا جعلها الله في قلوب مخلوقاته بالفطرة، فالأم تُحبّ أبناءها وترعاهم بمحبّتها التي أودعها الله فيها، وكذلك الأب والمربي والصديق الذي يمنحها لصديقه، وحتى الحيوانات تعرف المحبة فيما بينها، ولهذا فإنّها ليست محصورة على أحدٍ دون غيره، بل هي باتساع الأفق، وتستطيع أن تحتوي الكون في المحبة عندما تكون حقيقيّة فإنها تأتي دون أيّ مقدمات، لأنها شيءٌ لا يُطلب ولا يُمكن تصنّعه، بل تحدث من تلقاء نفسها، كما أنّها لا تجتمع إلا في قلب إنسانٍ صادق غير منافق، فالمحبة والنفاق مسألتان لا يمكن أن تجتمعا في آن، كما أنها لا تجتمع مع الحسد ولا مع الغيرة المؤذية، وغالبًا فإن الكفّة تميل إليها، فمن قابل الكراهية فيها لا بدّ ستنتصر، ومن أخذها دستورًا في حياته فإنه سيكون الأقوى، لأنها تقوي القلب بطاقتها الكبيرة، على عكس الكراهية التي تُضعف القلب وتشدّه إلى الخلف. ثمار المحبّة ليس لها موسمٌ محدد، بل تُقطف قي جميع الفصول، وحلاوتها تطغى على كل المرار الذي تُسببه الكراهية، والفرق بين الإنسان الذي يعمر قلبه فيها وبين الإنسان الذي لا يعرفها، كالفرق بين الحي والميّت، فالقلوب دون محبّة ما هي إلا دمى سيئة الصنع، ولهذا فإنّها تُعطي للجميع دروسًا كي يكونوا أكثر رقة، وتُقرّب البعيد، وتنشر الطاقة الإيجابية في كلّ مكان، وتنشر الألفة بين الناس، وتجعل من صحراء العمر جنةً خضراء، كما أنّها تمنع الظلم والقهر، وتُضفي على الأرواح طمأنينة وسكونًا، وهي الطريق الأمثل للوصول إلى قلوب الناس دون عناء، فالمحبة مفاتيحُ للقلوبِ المغلقة، ومِعْوَلٌ يهدم كلّ الجليد الذي يقف بين القلوب والسعادة، ومن أراد أن يعيش بسلام، فما عليه إلا أن يعتنقها وينشرها في كلّ مكان الوقفة كاملة
٣٦ أحيانًا يشعر المسلم في بعض فترات حياته أن الطاعة ثقيلة عليه، وأنه لا يشعر بهذا النشاط الذي يدفعه لأداء العبادات، ثم يبدأ الشيطان يوسوس له أن طاعاتك غير مقبولة، وأنك كنت تفعلها رياءً، ثم قد يصل به الأمر إلى أن يثبطه عن أداء الطاعات، وهذه معضلة كبيرة. اعلم أن الشيطان ود لو فاز منك بهذه!! فهي سبيله ليبعدك عن طاعة الله، وهي غايته ليصدك عن ذكرك الله، فلا تستلم له أبدًا، وقل لشيطانك: لن تهزمني، فقد وعدني الله انشراحاً في الصدر وطمأنينة في القلب إن أقبلت عليه وأكثرت من ذكره، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" وحذرني إن ابتعدت عنه أن تضيق بي الحياة، "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً"... أخي الكريم، إلزم باب ربك، ولازم ذكره وأكثر من استغفاره، فليس أيسر من الذكر، فلئن استثقلت عليك الطاعات، فلازم أيسرها وداوم عليها، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل... ومن لازم طرق الباب يوشك أن يفتح له، فأكثر من ذكر الله حتى يلين قلبك، ويقبل على طاعة ربه... واعلم أن ما تمر به أمر جعله الله في خلقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ " رواه الترمذي 2453 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (1995) . ومعنى ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً ) أَيْ حِرْصًا عَلَى الشَّيْءِ وَنَشَاطًا وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ ... ( وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ) أَيْ وَهَنًا وَضَعْفًا وَسُكُونًا، و هو ما تمر به الآن. ( فَإِنْ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ . ( فَاَرْجُوهُ ) أَيْ ارْجُوا الْفَلاحَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا . أكثر من الدعاء أن يلين الله قلبك، ويأخذ بيدك إليه، وأن يردك إلى دينك رداً جميلاً. لازم ذكر الله وأكثر من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. اجعل لك صحبة صالحة تعينك على الخير، فالمرء على دين خليله املأ وقتك بما ينفعك ويقربك من ربك... ثم أخيراً، اعلم أنك إن كنت حزينًا لأن الطاعة ثقيلة عليك، وأنك تؤدي الطاعة على غير مراد الله، فهذا دليل على جذوة الإيمان في قلبك، وأنها ثمرة تريد أن تزهر، ولكن الشيطان يحاول أن يطفىء جذوتها، فلا يغلبنك الشيطان على نفسك، واستعن عليه بذكر الله... ردنا الله وإياكم إلى دينه رداً جميلاً... شارك الفائدة مع أحبابك، ودلهم على الخير... الوقفة كاملة
٣٧ القيادة يحيا الإنسان في عالمٍ متسارعٍ فيه كثير من الصعوبات التي تعترض طريق التقدّم والنجاح؛ لذلك لا يستطيع أحدٌ المضي فيه، إلّا إن تميّز بالقوّة التي تساعده على ذلك؛ فهذا العالم لا يعترف بالضعفاء الهزيلين، وإنّما يعترف بالأقوياء النابهين، وعلى الإنسان أن يُنمّي مهاراته، ويهتمّ بذاته، ويتحلّى بالصّفات التي تجعله قائداً ناجحاً في حياته؛ حتّى يمضي بطريقه نحو القمّة بهمّةٍ عاليةٍ. تعريف القائد القائد هو الإنسان المبدع الذي يأتي بالطُرق الجديدة؛ ليعمل على تحسين العمل وتغيير مسار النتائج إلى الأفضل، والقائد الناجح هو الذي تظهر مهاراته في وضع وإعداد الخطة، وفي طريقة تنفيذها، وهو مُتميزٌ في بثّ روح الحماسة والمثابرة عند الآخرين.[١] صفات القائد الناجح يُمكن معرفة القائد الناجح من خلال الصفات التي يتّصف بها، وهي:[٢] الدقّة والتنظيم: فكلّ أعمال القائد مُنظّمة، كما أنّ وقته وأوراقه وأهدافه مُنظّمة. صناعة الحدث والقدرة على اتّخاذ القرار المُهم: فالقائد الناجح لا ينتظر الأحداث بل يصنعها. التأثير في الآخرين: فالقائد الناجح يؤثّر في الآخرين، ويتواصل معهم بمهارة، ويوجّههم لتحقيق الأهداف المطلوبة. الرّؤية الثاقبة: فالقائد الناجح يستطيع أن يرى ما لا يراه الآخرون، ولكنّه يتقبّل النقد الذي يُوجّه إليه وإلى أفكارهِ المقترحة. التحفيز: فالقائد الناجح يعتمد التحفيز عُنصراً أساسيّاً في عمله؛ لبثّ روح الحماسة لدى العاملين معه. الثّقة الكبيرة بما لديه من قدرات وإمكانيّات ومبادئ: فالقائد الناجح يعرف ما لديه من نقاط القوّة، وتكون حافزاً وداعماً له في قيادته. التّخطيط: فالقائد الناجح هو الذي يضع الخطط الصّحيحة والمدروسة للعمل، ولا يترك مجالاً للصدفة في عمله وطريق نجاحه. الذكاء الاجتماعي: فالقائد الناجح لديه المهارة الاجتماعيّة التي تُعطيه القدرة على التواصل مع الآخرين وإيصال ما لديه من أفكار، فهو مستمعٌ جيد، ومحاورٌ ماهر. التّفويض: يستخدم آلية التّفويض في عمله، فيعرف متى يُفوض الأشخاص، ومن يُفوض، ويُحدّد المهام التي يُمكن تفويضها. الثّقافة: القائد إنسانٌ مثقف، على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والثّقافة، يُطور من نفسه، ومن قُدراته، وإمكانيّاته، ومهاراته، بالقراءة والدورات التدريبيّة. الالتزام بالخطط: يضع القائد الخطط ويعرف أنّ نجاحها يحتاج منه أن يُطبقها، ويلتزم بما جاءت به، ويعرف أنّها تحتاج إلى الوقت والجهد حتّى يُكتب لها النجاح. الالتزام الخُلقي: يُراعي القائد الناجح المبادئ والقيم أثناء عمله ومسيرته نحو النجاح، فلا يُقدّم سرعة النجاح الدنيويّ على قيمهِ وأخلاقه. الذّكاء العقلي: وهذا لا يعني أنّ القائد يجب أن يكون عبقريّاً، بل أن يتمتع بذكاءٍ متوسط، يُعطيه القدرة على حلّ المشكلات التي تعترضه، واتخاذ القرار المُناسب في الوقت المُناسب. صفات القائد الناجح في الإسلام للقائد الناجح صفاتٌ عديدة في الإسلام، ويجب على من يُريد أن يكون قائداً ناجحاً أن يتّصف بها، وهذه الصفات تنطلق من قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين)،[٣] وتُعتبر هذه الآية المعيار الأساسيّ في القيادة، فهي تُحدّد صفتي القوّة والأمانة، ففيهما كلّ معاني القيادة.[٤] القوة تجمع صفة القوّة العديد من الصّفات في لفظها؛ ففيها الكفاءة في الأمور كلّها، والذّكاء الواضح، وقدرة الشخص على أداء المهام التي تُوكل إليه، وصفة القوّة تختلف باختلاف مكان الشخص وموقعه؛ فالقوّة في الحرب تظهر في الشّجاعة، والخبرة، وقدرة الشخص على القتال، أمّا القوّة في الحُكم بين الناس، فتظهر في علم الفرد ومعرفته بالعدل بين الناس، وقدرتهِ على تنفيذ الأحكام التي حكم بها.[٤] الأمانة وهي تجمع الصّفات الآتية: مصداقيّة الشخص، واستحقاقه للثقة، ومبادرته في عمل المهام، وإنجازها بالشّكل المناسب، والرقابة الذاتيّة، وتأتي كلمة الأمانة بمعانٍ كثيرةٍ منها:[٤] التّكليف: مأخوذة من قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [٥] الأمانة المعنويّة: التي تتمثّل في القول الحسن، والثّناء على الآخرين وتقدير جهودهم، وتقديم العون والمساعدة قدر المستطاع. الضمير اليقظ: وبه يتمّ صيانة الحقوق من الضّياع، والمحافظة عليها، والتي تشمل حقوق الله في تأدية ما على الشخص من عبادةٍ وطاعةٍ، وحقوق الناس، بصونها، وحمايتها. الإتقان: هو أن يحرص الإنسان على أداء الأعمال التي كُلّف بها بشكلٍ متقنٍ ودون تقصيرٍ، وأن يبذل قُصارى جهده في إتمام هذه الأعمال، والقيام بها بشكلٍ صحيحٍ، فإذا استهان الإنسان وفرّط بالأعمال الصغيرة التي يقوم بها، فسيأتي يومٌ ويفرّط بما هو أكبر من ذلك. عدم الاستغلال: يستغلّ كثير من الأشخاص مناصبهم أو مواقع عملهم لتحقيق مصالحهم الشخصيّة، أمّا القائد الناجح فعليه عدم استغلال ظروف العمل لصالحهِ، أو لمكاسب دنيويّة زائلة، أو أن يُعيق مصالح العباد، ويُضيع الحقوق. استعمال الأصلح: فقد نبّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ من علامات ضياع الأمانة توكيل الأمر إلى غير أهله، فعلى الإنسان إذا وُضع في موضع قيادةٍ أن يختار الأنسب والأصلح للوظيفة، ويترك الاعتبارات الأُخرى التي تُضيع الحقوق وتنتهك الأمانات. صفات أخرى من صفات القائد الناجح في الإسلام أيضاً ما يأتي:[٦] الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فيُطيع أوامره ويجتنب نواهيه. علو الهمّة؛ فللقائد الناجح أهدافٌ واضحةٌ يسعى لتحقيقها، ومنهجه واضحٌ، ومقصده سليم، ومُعتقده طاهرٌ. تجنّب النقد باستمرار، والتّقليل من العتاب؛ فالنفس البشريّة تنفر وتبتعد ممّن يُكثر انتقادها، ويجرح كبرياءها. الصّدق في تقديم النّصيحة للآخرين، وهذا من شدّة حرصه عليهم، وشدّة محبته لهم. طهارة القلب وسلامته من الأحقاد، والبعد عن الخُصومات والنزاعات مع الآخرين. الصبر، وهذه أهمّ صفةٍ يجب أن يتّصف بها القائد إن أراد بلوغ الأهداف التي رسمها. الاستماع الجيّد للآخرين، وإتقان فن الحوار والإقناع. الخوف من الله سُبحانه وتعالى، واستشعار مُراقبة الله له، في السّر والعلن. حقائق مهمة للقيادة الناجحة للقيادة الناجحة سبع حقائق لا بدّ من معرفتها، وهي: باستطاعة أيّ شخصٍ أن يُصبح قائداً، وأن يكون سبب التّغيير من الفشل إلى النجاح في حياته وفي حياة الآخرين، وذلك بتعلّم المهارات اللازمة لذلك، فالقادة يُصنعون ولا يولدون. النجاح والتميّز في القيادة لا يتحقّق دون مُساعدة الآخرين؛ فالآخرون سببٌ لمساعدة القائد في الوصول إلى النجاح. لا تحتاج القيادة إلى التّرقية أو المناصب العالية، بل يستطيع الإنسان أن يُصبح قائداً على الفور. إذا استطاع الإنسان تعلّم عناصر المعركة القياديّة، فإنّ بإمكانه التغلّب على المشكلات الكبيرة التي تعترض حياته. جوهر القيادة هو إثارة همم الأفراد؛ لتشجيعهم وبذل أقصى ما لديهم من جهد؛ لتحقيق الأهداف المطلوبة. القيادة الناجحة لا تعتمد على الإغراء المادي كالرواتب المرتفعة، ولا تعتمد على الظّروف الجيّدة في العمل، بل تعتمد على مدى تحفيز القائد للأفراد على العمل؛ لبذل أقصى ما لديهم من طاقات. الوقفة كاملة
٣٨ الحديث عن أوصاف وأحوال فتن آخر الزمان ، وعن الموقف الأمثل للمسلم لاتقائها والسلامة منها ، حديث مهم ، وضروري للنجاة منها ، والسلامة من شرها ، خاصة في هذه الأيام العصيبة ، التي توالت فيها الفتن وتنوعت ، وعمت وطمت ، عافانا الله جميعا من شرورها . لقد حذرنا الشرع المطهر من الفتن التي تقع في آخر الزمان ، كما جاء ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : « يتقارب الزمان ، ويقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويُلقى الشّح ، ويَكثر الهَرج ، قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل » متفق عليه . ونظرا لكثرة الفتن ، وشدة خطرها على العبد ، وردت نصوص عديدة تحذر من الوقوع فيها ، وأفرد لها العلماء والمحدثون فصولاً وأبوابا في كتبهم ومصنفاتهم ، للحديث عنها ، وعرض سبل النجاة منها . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن عظمَ الجَزاء مع عظم البلاء ، وإنّ الله إذا أحبّ قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السُّخط » رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه . ما الحكمة من الفتن والبلايا خاصة فتن الدين ؟ لقد خلق الله تعالى الخلق لحكمٍ بالغة ، وغايات سامية ، كما قال سبحانه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (الذاريات : 56) . فخلق الثقلين الجن والإنس لعبادته ، وحده لا شريك له ، والعبادة هي : اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال ، الظاهرة والباطنة ، فيجب تعلمها وأداؤها على وجهها والإخلاص فيها لله تعالى. ومن سنن الله تعالى في خلقه ابتلائهم وامتحانهم ، حتى يتبين الصادق في إيمانه ، الصابر على بلائه ، من ضده وهو الكاذب أو الضعيف في إيمانه ، ومن يجزع عند بلائه ، قال تعالى: { أحسبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } (العنكبوت:2-3 ) . أي : فليعلمن الله ذلك ظاهرا يظهر للوجود ، ليترتب عليه الجزاء ، ويظهر فيهم ما علمه الله منهم في الأزل بعلمه السابق ، إذ أن الله تعالى من رحمته : أن لا يعاقب عباده على ما علم أنه سيكون منهم ، قبل أن يعملوه ، وقال سبحانه {ونبلونكم بالشرّ والخير فتنةً وإلينا ترجعون} (الأنبياء:35) . وكما قال نبيه صلى الله عليه وسلم : « إن عِظمَ الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السُّخط » أخرجه الترمذي وابن ماجة . ومعنى الفتنة في اللغة : الابتلاء والاختبار والامتحان . وأما في الاصطلاح : « فالفتنة ما يَعرض للعباد من بلايا ومحن ، في أمور دينهم أو دنياهم ، فتظهر سرائرهم ، وتنكشف حقائقهم ». وقد وردت الاخبار عن وقوع فتن آخر الزمان وكثرتها وشدتها آخر الزمان ، وإن من رحمة الله بنا أن أرسل إلينا نبيا كريما رؤوفا رحيما ، حذرنا من كثرة الفتن وشدتها ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ” يتقارب الزمان ، ويقبض العلم ، وتظهر الفتن ، ويلقى الشح ، ويكثر الهرج ” . قالوا: وما الهرج ؟ قال : ” القتل ” متفق عليه . وعن فتن آخر الزمان قال صلى الله عليه وسلم :« بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل» رواه مسلم . ونظرا لكثرة الفتن وشدة خطرها على العبد ، وما ورد من النصوص المبينة لها المحذرة من الوقوع فيها ، أفردها العلماء بفصول وأبواب في كتبهم كأصحاب الصحيح والسنن كما سبق . ما أحوال فتن آخر الزمان وأوصافها والتي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لقد جاء في الأحاديث المتنوعة وصف الفتن بصفات كثيرة ، نظرا لتنوعها واختلافها وأحوالها . فمما وصفت به الفتن ما يلي : أولا : وصف الفتن بأنها كقطع الليل المظلم ، أي : أجزاء الليل ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: « بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم » رواه مسلم ، فشبهت الفتن في ظلمتها ولبسها على العباد ، بقطع الليل المظلم . ثانيا : وقوع الفتن كرياح الصيف ، أي : في تتابعها ، وسرعة مجيئها ، وتنوعها كما في حديث حذيفة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم – أنه قال وهو يعد الفتن – « منهن ثلاثٌ لا يكدن يذرن شيئا ، ومنهن فتنٌ كرياح الصيف ، منها صغار ومنها كبار » رواه مسلم . ثالثا : أنها يرقّق بعضها بعضاً ، أي : تتعاظم الفتن مع مرور الزمن ، حتى تكون الفتنة السابقة كأنها رقيقة ، أي : هينة قليلة ، لشدة ما بعدها ، وهكذا الأمر بازدياد ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : « إنه لم يكن نبيٌ قبلي ، إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ».. الحديث رواه مسلم ، وفيه : «وتجيء فتنة فيرقّق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه » أي : هذه التي ستهلكني . رابعا : أنها تموج كموج البحر : كما ثبت في الحديث : أن عمر رضي الله عنه قال : أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ كما قال ، قال : هات، إنك لجريء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة ، والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » قال عمر : ليست هذه ، ولكن التي تموج كموج البحر»… متفق عليه . وقد شبهت بذلك لشدة اضطرابها ، واضطراب الناس فيها ، واختلال أحوالهم معها. خامسا : أنها تُعرض على قلوب العباد فتنة فتنة وشيئا فشيئا : وتختلف فيها أحوال العباد تجاهها ، فمن تقبلها ضلّ وهلك ، ومن ردّها ونفاها اهتدى ونجا ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : « تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا ، فأي قلب أشربها نكت فيه نكته سوداء ، وأي قلبٍ أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين : على أبيض مثل الصّفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربادا ، كالكوز مُجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا ، إلا ما أُشرب من هواه » الحديث متفق عليه. ما أسباب الوقوع في الفتن حتى يجتنبها المسلم فينجو؟ أسباب الوقوع في الفتن كثيرة متنوعة ، فمن أسباب الوقوع فيها : 1- الجهل : والجهل آفة عظيمة ، وداء عضال ، وهو مع الظلم أصل كل شر وبلية ، كما قال تعالى : { وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا } الأحزاب: 72 . والمراد به الجهل بالله وبدينه وشرعه وبنبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه ، وعدم معرفة ذلك على الحقيقة ، وعدم فهم الدين كما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم ، أهل العلم والتقى والاستقامة على الصراط المستقيم ، فمن لم يعرف الحق كيف يتبعه ؟ ومن لم يعلم السنن كيف يطبقها ويعمل بها ؟ وكيف تكون له نية المتابعة وهو لا يعرف ما يتابع فيه ؟ فالجاهل يسير على غير هدى ولا منهاج . 2- الهوى : فاتباع الهوى يهوي بصاحبه في نار جهنم ، إذ ليس له إمام يتبعه بحق ، بل يتبع ما تهواه نفسه بدون ضابط ، والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، قال تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم )، وقال سبحانه : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } النجم:24 . فالمؤمن متبع الهدى ، لا متبع الهوى، وقال تعالى : ( ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ). 3- التشدد والتنطع في الدين : وذلك من أعظم أسباب الوقوع في البدع والفتن ، فالتشدد وتضييق الشريعة الواسعة السمحة الميسرة ، يوقع صاحبه في الحرج والعسر ، وهو مضادة للشريعة الحقة ، ومخالفة لها ، فقد قال الله تعالى عنها {وما جعل عليكم في الدين من حرج } الحج :78 ، وقال ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )، البقرة: 185 وقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة :286، وقال ( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ) الطلاق:7 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنّ الدين يسرٌ ، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشيء من الدلجة » رواه البخاري . وقال صلى الله عليه وسلم : «يسّروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا » متفق عليه . وقال :« أرسلت بالحنيفية السمحة» رواه الإمام أحمد وغيره . والتنطع في الدين سبب للهلاك ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا. رواه مسلم . فمن التشدد التسرع في التكفير والتفسيق والتبديع للمخالف دون بينة ولا برهان ، ودون النظر في تحقق شروط الحكم ، وانتفاء موانعه ، وكذا التسرع في تغيير المنكر ، ولو كان في غير استطاعته ، أو حدود مسؤوليته ، ولو ترتب عليه منكر أعظم منه ؟! وكذا المبالغة برفع بعض المستحبات إلى درجة الواجبات ؟ أو بعض المكروهات إلى مقام المحرمات ؟! 4 – كيد أعداء الله لهذه الأمة على اختلاف أصنافهم من يهود ونصارى، ومنافقين، ومرجفين، وأهل أهواء وغيرهم ، قال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ، وقال سبحانه ( ود كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم ) ، وقال تعالى ( وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون * ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم…) . فأهل الباطل يبغون للحق وأهله الغوائل ، ويكيدون لهم المكائد ، ظاهرا وباطنا ، بالطعن في الدين والتشكيك فيه وفي معتقداته وشرائعه وأحكامه وسننه ، وبث الشبهات ، والدعايات المضللة ، ليصدوا المسلمين عن دينهم ، ويزينوا لهم الأديان الباطلة ، والمذاهب الفاسدة ، فهم أعوان إبليس الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير . إذن ما أسباب النجاة مما ذكرتم من فتن عظيمة ؟ لقد تركنا نبينا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها ونهارها سواء ، لا يضل عنها إلا هالك ، وكان من بيانه لنا أن بين لنا أسباب النجاة والوقاية من الفتن ، فمن أسباب النجاة من الفتن ما يلي : أولا : الاعتصام بالكتاب والسنة ، وفهمهما على ضوء فهم السلف الصالح ، وذلك يعنى العلم بدين الله تعالى ، والعمل بذلك العلم والتمسك به ، بعد فهمه على ضوء فهم السلف الصالح رضي الله عنهم ، وذلك ليبقى الفهم منضبطا صحيحا ، والمنهج قويما ، والتمسك بالكتاب والسنة النبوية هو أعظم أسباب العصمة والنجاة من الفتن ، قال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حُفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آيته لعلكم تهتدون } آل عمران: 103 . وقال { فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} النساء :175. وقال نبيه صلى الله عليه وسلم : « تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تهلكوا ولن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي». وقال : « إنّ هذا القرآن طَرفه بيد الله ، وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ، ولن تهلكوا بعده أبداً » رواه ابن حبان ، وصححه الألباني. ثانيا : الأخذ عن العلماء الربانين ، المشهورين بالاتباع ، والصلاح والاستقامة ، والرجوع إليهم ، والأخذ عنهم ، والالتفاف حولهم وتوقيرهم ، فقد أمرنا الله تعالى بذلك ، فأمرنا بسؤال أهل العلم بالكتاب والسنة ، فقال { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } النحل :43. وقال مؤدبا لهم { وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم } النساء: 83. وقوله صلى الله عليه وسلم : « ليس منّا من لم يَرحم صغيرنا ، ويُوقر كبيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه » رواه أحمد وغيره . فالواجب الأخذ عن العلماء الراسخين في العلم ، الذين يعظّمون السنة النبوية ويظهرونها ، ويدعون إليها ، ويحرصون على جمع الكلمة ولم الشمل ، فطاعتهم سداد ، والأخذ عنهم هدى ورشاد ، كما أمر الله تعالى بذلك فقال : (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء . وأولوا الأمر على التحقيق هم : العلماء والأمراء ، كما نص على هذا غير واحد من الصحابة وغيرهم ، فالعلماء يلون أمر الدّين ، والأمراء يلون أمر الدنيا ، وبهذا تستقيم الأمور ، وقد تقدم الحديث : « إنّ الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الناس ، ولكنه يقبضه بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس ُرؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا». ثالثا : لزوم الجماعة ، وطاعة أولى الأمر : فإن الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ، ويد الله على الجماعة ، ومن شد شذ في النار ، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ومن خرج على الطاعة وفارق الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية ، دل على كل هذا أحاديث نبوية صحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم . وفي الحديث أيضا : « ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاصُ العمل لله ، ومناصحة أولياء الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم » . فهذه الثلاث تنقي القلب، ولا يبقى فيه مع وجودها غشٌ ولا دغل فيه ، فيسلم من الفتن. رابعا : تقوى الله تعالى وطاعته ، فهي من أعظم أسباب الوقاية والنجاة من الفتن ، كما قال ربنا تبارك تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } الطلاق:2 . وقال : { ومن يتقّ الله يجعل له من أمره يسراً } الطلاق:4 . وقال : { يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } الأنفال . أي: بصيرة وقدرة على التفريق والتمييز بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والهدى والضلال . وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه : في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة ، كان أول ما أوصاهم به التقوى ، فقال : « أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة » . فالتقوى أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية ، باتباع أوامره ، واجتناب نواهيه . نسأل الله تعالى أن يعصمنا جميعا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميع مجيب . شارك # السنة النبوية اقرأ المزيد في إسلام أون لاين : https://islamonline.net/%D8%A3%D8%AD%D9%88%D8%A7%D9%84-%D9%81%D8%AA%D9%86-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86/ الوقفة كاملة
٣٩ انطلاقا من وصفه بالعيب الأسود، ومرورا بالنصوص الدينية التي تحرمه جملة وتفصيلا، وختاما بالقوانين والأنظمة التي أقرتها الأمم بخصوصه، فإن العنف ضد المرأة- أيا كان شكله ونوعه – لا مبرر له، وهو عمل وحشي خالص لا يمت للإنسانية بصلة، ولا يمثل المجتمعات بصفة عامة. إنما هو سلوك فردي شاذ يعبر عن نفس غير سوية ترتكبه في أخرى ضعيفة تحتاج الحماية محتمية بالجهل والمعتقدات غير السليمة. والمؤسسة الدولية المعروفة بالأمم المتحدة تعرف العنف ضد المرأة على أنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”. ويجعل هذا التعريف، العنف ضد المرأة مظلة واسعة تضم تحتها أشكالا مختلفة متنوعة من الممارسات، تتجدد وتستحدث بتطور وسائط التعامل مع المرأة ومن هذه الأنواع والتي انتشرت مواكبة للتطور التكنولوجي المتسارع العنف الرقمي(الإلكتروني). ويرتبط تعريف العنف الإلكتروني باستخدام الأجهزة التكنولوجية ويقصد به كل السلوكيات المتعمدة والمتكررة التي تكون على شكل مضايقات أو إهانة شخص أو تهديده من الأجهزة الإلكترونية وقد يكون المعتدي مجهول الهوية في المدرسة أو خارجها، ويرتكبها فرد أو جماعة، كما يتميز أن الضحايا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم بسهولة. ويعرف أيضا “بأنه العنف الذي يمارس من خلال مواقع الصحف الإلكترونية، واستخدام كاميرات الموبايل والبلوتوث والتسجيلات الصوتية، بالإضافة لاختراق الخصوصيات عبر مواقع الانترنت، بهدف إيقاع الأذى بالآخرين. وهو أيضا شكل من أشكال العنف التي يستخدم فيها الأقران المواقع الإلكترونية مثل البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف التهديد والإهانة والتحرش أو تخويف النظير، بخلاف عنف الأقران فإن المعتدي في العنف الإلكتروني لديه القدرة على إلغاء هويته. وفي ذات السياق أكد Slonje و Smith أن العنف الإلكتروني أكثر خطورة من العنف التقليدي بسبب ثلاثة عوامل متمثلة في صعوبة الابتعاد عنه، اتساع الجمهور المحتمل، وعدم مرئية أولئك الذين يقومون بالعنف (P23 ,2013 ,Smith, Slonje). وهو فعل ضار بالآخرين عبر استخدام الوسائل الإلكترونية مثل الحواسيب والهاتف النقال وشبكات الاتصال الهاتفية، شبكات نقل المعلومات، شبكة الإنترنت (مواقع التواصل الاجتماعي) متمثل بألفاظ القذف والسب والشتم بين الأفراد وكذلك الترويج والتحقير الفرد. وانطلاقا مما ذكر يمكن أن نعد العنف الإلكتروني من أكثر أنواع العنف صعوبة وخطورة، وتهديدا للمجتمع وقيمه، إذ أنه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد ما قد يؤدي بهم إلى ارتكابهم جرائم تهدد الاستقرار الأمني والاجتماعي مرورا بالأسرة وانتهاءً بالمجتمع. وعليه فإن العنف الرقمي ضد المرأة هو عنف إلكتروني موجة للمرأة على وجه الخصوص وله عدة أشكال منها التهديدات المباشرة وغير المباشرة باستخدام العنف الجسدي أو الجنسي؛ والإساءة التي تستهدف جانبا أو أكثر من جوانب هوية المرأة من قبيل العنصرية، والمضايقات المستهدفة وانتهاكات الخصوصية، من قبيل نبش معلومات خاصة عن شخص ما ونشرها على الإنترنت بقصد إلحاق الأذى به؛ وتبادل صور جنسية أو حميمية للمرأة بدون موافقتها كما ذكرت منظمة العفو الدولية. في العام 2015 أصدرت لجنة الأمم المتحدة للنطاق العريض تقريرا زعمت فيه أن 75% من النساء المستخدمات للأنترنت تعرضن للعنف الرقمي وهذا مؤشر سيء للغاية ومتفاقم يتطلب وعي تام بمخاطره وطرق تجنبه وإيقافه، وقد أدى هذا لمطالبة أنظمة سياسية ومنصات تواصل اجتماعي كتويتر وفيس بوك للتدخل باستجابة أفضل. ويمكن حصر اشكال هذا العنف -كما ذكرتهم نوال وسار- في دراستها العنف الرقمي ضد المرأة كتالي : الوصول غير المسموح/ السيطرة غير المسموحة: هو الهجوم على حساباِت الشخص الإلكترونية أو أجهزته الشخصية، ما يعني الحصول على المعلومات والبيانات الخاصة به أو حجب وصول الشخص إلى حساباته الشخصية. السيطرة والتلاعب بالمعلومات: المعلومات المجموعة أو المسروقة تعني فقدان السيطرة عليها من قبل أصحابها أو إمكانية تغييرها والعبث بها. تقليد أو سرقة الهوية: استخدام أو انتحال شخصية المستخدم بغير رضاه. المراقبة والتتبع: المراقبة اليومية الإلكترونية المستمرة لأنشطة الشخص، وحياته اليومية بشكل دائم. خطاب التفرقة العنصري: خطاب يكرس النظرة السائدة عن النساء، وحصرهن في أشكال جنسية وأدوار إنجابية صارمة، وقد يحرض مثل هذا الخطاب على العنف. التحرش: أو تكرار الأفعال غير المرغوب بها، بشكل تطفلي محسوس بحيث يسبب إزعاجا أو تهديدا بعَض الأحيان، وقد يصاحب هذا الأداء أفعالا جنسية. التهديد: هو الخطاب أو المحتوى العنيف سواء كان كتابة، صورة، شفويا) ، أو أي شكل آخر للتهديد بالعنف أو الاعتداء الجنسي بحيث يعبر عن نوايا صاحب التهديد على إيقاع الضرر بالشخص نفسه أو عائلته أو أصدقائه أو ممتلكاته. المشاركة غير الرضائية للمعلومات الخاصة: نشر أو مشاركة أي نوع من المعلومات الخاصة بالشخص، أو بياناته الخاصة دون رضاه. الابتزاز: عن طريق التهديد والتخويف إجبار الشخص على القيام بتصرفاتٍ ضد رغبته. الذم: السبّ والقذف والتشهير في مصداقيٍة أو مهنيٍة أو عمل أو في الصورة العامة للشخص عن طريق نشر أخبار كاذبة عنه، أو التلاعب بالحقائق. الانتهاك والاستغلال الجنسي المرتبط بالتقنية: هو ممارسة القوة على شخص تقوم على استغلاله جنسيا عن طريق صوره الشخصية على غير إرادته، بحيث تكون التكنولوجيا هي الأداة الأساسية في هذا الاستغلال. الهجوم على قنوات الاتصال: الهجوم الدائم على قنوات التواصل، بحيث يبقى الشخص المستهدف خارج دائرة التواصل. تجاهل أو إغفال الجهات المنظمة للانتهاك: تجاهل أو عدم اهتمام أو قلة معرفة الأشخاص الفاعلين كالسلطات، ومقدمو الخدمة الذين لديهم/لديها القدرة على التنظيم أو حل المشكلة ورفع الانتهاك، أو معاقبة المنتهك. والعنف الرقمي بجميع أنواعه وأشكاله له آثار سيئة ومتنوعة على المرأة قد تصل بها للانتحار. وفي ضوء ما سبق يبقى السؤال الأهم، هل ستتفاقم جرائم العنف الإلكتروني في شبكات التواصل الاجتماعي الوقفة كاملة
٤٠ عبارات عن كلام الناس الجارح احذر كلماتك التي تؤذي الآخرين، لأنك عندما ترحل ستظل تلك الكلمات تدمي القلوب إلى الأبد. الكلام الجارح لا يخرج من اللسان فقط، بل يخرج من القلب ويُظهر حقيقة قائله. الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالكلمات الطيبة، فاتقوا الله في الناس واكفوهم شر الكلام الخبيث المؤذي. إذا قيل لك كلام يؤذيك فلا ترد بمثله وعامل الناس بالحسنى كما أوصاكم رسولنا الكريم. قد تقول كلامًا جارحًا وتنساه، ولكن من جرحته بكلامك لن ينساه أبد الدهر. إذا كنت على حق فعلًا فلا داعي لاستخدام كلامًا يؤذي الآخرين، بل اتبع أسلوبًا أفضل حتى تنال حقك. كلامك الطيب هو الذي سيذكر الناس بك إلى الأبد. لن تسلم من كلام الناس سواء كان طيبًا أو جارحًا، فاسمع الطيب واسعد به، وتجاوز المؤذي منه وكأنك لم تسمعه. الكلام المؤذي يخلق جرحًا في القلوب لا يُشفى أبدًا مهما مرت عليه السنين، لذلك فلتقل خيرًا أو لتصمت. حتى وإن أردت أن تنتقد غيرك فاتبع الحسنى، وإياك وإيذاء غيرك بالكلام فقد تتسبب دون أن تدري في جرح لا يندمل. الكلمة قد تقتل وقد تحيي، فانتقي كلامك وقل للناس ما تقبل أن يُقال لك. الكلام الطيب قد يعيد الأمل لشخص يأس من الحياة، والكلام المؤذي قد يدفع البعض للانتحار. عندما يموت الإنسان لا يبقى من ذكراه سوى كلامه مع الناس، فاختر ما تريد أن يتذكرك الناس به. لا تهتم بكلام جارح يريد صاحبه أن ينال منك ومن عزيمتك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده” فانتقي كلماتك. أثر الكلام الجارح في النفوس قد تقول لغيرك كلامًا يدمي قلبه ويجعله حزينًا تعيسًا، فاتقي الله فيما تقول وتفعل. إذا أردت أن تكون عال المقام بين الناس فلا تقول لهم إلا الكلام الطيب. لا تظن أن كلامك المؤذي يُنسى، بل هو كالرصاص يخترق القلوب ويجعلها تنزف إلى الأبد. قل للناس قولًا حسنًا وابتسم في وجوههم فتبسمك صدقة، ولا تؤذي غيرك بأي كلام قد ينال منهم. الكلام المؤذي قد يسبب المرض ويشغل البال ويُحزن القلب، فلا تدري ماذا يمكن أن تفعل كلماتك في الناس. لا تظن أن الله لن يحاسبك على إيذاءك للناس بالكلام، فجرح النفوس ذنبًا عظيمًا ستُحاسب عليه. بكلماتك الجارحة قد تتسبب في أن ينام شخصًا ودموعه تغرق وجهه حزنًا على ما سمعه منك. ستدفع الثمن غاليًا على كل كلمة جارحة وجهتها إلى أحد في يوم من الأيام، فاتقي الله. الكلام المؤذي مثل الحجارة التي تُقذف فيتلقاها القلب ويُجرح حرجًا لا تبرؤه الأيام أبدًا. الكلام المؤذي قد يجعل صاحبه يخرج من قلوب وحياة الناس إلى الأبد. كلامك يعبر عن شخصيتك وعن أخلاقك، فانتقي كلماتك التي تعبر عنك حتى يعرفك الناس. إذا غضبت فامسك لسانك وأصمت، فقد تقول كلامًا جارحًا قد تندم عليه فيما بعد. عليك أن تعلم أن جميع ما تقوله سيُرد إليك، فاختر من الآن ما تريد أن تسمعه مستقبلًا. صدى الكلمة التي تخرج من لسانك يمكن أن يُسعد قلوب ويمكن أن يشقيها. فكر في كلامك قبل أن ينطقه لسانك، فقد ترتكب ذنبًا كبيرًا بكلمة جارحة وجهتها لأحد وأحزنت بها قلبه. الكلام الجارح كالمسمار الكلمة الجارحة إحدى صور القتل، فاحذر أن تقتل نفسًا بكلمة أحزنت نفسه وملّكت الهم من قلبه. احذر أن تؤذي الناس بقولك المؤذي، فسيحاسبك الله على ما قولت حسابًا عظيمًا. إذا أذيت أحد بكلامك يومًا ما فتأكد أنك ستؤذى بقدر ما أذيت، فكما تدين تُدان. انتقي كلماتك قبل أن تنطقها، فكلمة منك قد ترفع بأحد إلى السماء السابعة، وكلمة قد تنزل به إلى أعماق الحزن. الكلام المؤذي يعبر عن القسوة التي يحملها قلب صاحبها دون أن يدري. الكلمات الجارحة التي تُقال في أوقات الغضب تكشف ما تواريه القلوب والنفوس. إذا سمعت كلمة جارحة من أحد فلا ترد بمثلها، فكن انت الأفضل والأرقى في التفكير. الأرواح التي تُقهر من الكلام المؤذي لا يجبرها إلا الله سبحانه وتعالى، فاتقي الله فيما تقول قبل أن تقوله. إذا فاجأك أحدهم بكلام يجرح قلبك فتأكد أن هذا هو ما كان يُكنه لك من زمن. الكلام المؤذي ينم عن نفوس مريضة تتلذذ في رؤية الآخرين تعساء. إذا تلقيت كلامًا يؤذيك فتمهل قليلًا قبل أن ترد عليه بالمثل حتى لا تندم وتصبح مثل صاحبه. إذا أردت أن تستفز شخصًا يجرحك بالكلام فتجاهله ولا ترد عليه واجعله يشعر بأنه غير موجود. لا تتبع مبدأ معاملة الناس بالمثل، فقد يقول أحدهم لك قولًا تترفع عن أن ترد بمثله. قد تظن أنك بكلامك المؤذي تريد أن تهدم شخصًا، ولكنه قد يتخذ كلامك دافعًا ليصبح أفضل في حياته. الكلام الجارح واثره الكلام المؤذي الذي تتفوه به قد يجعل شخصًا ينام ولا يستيقظ أبدًا، فاحذر ما تقول. الألسنة هي أشد وأفتك الأسلحة، فبلسانك قد تُحيي الأمل في إنسان، وبلسانك أيضًا قد تجعله يكره الدنيا وما فيها. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم “إن أشر الناس منزلة يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة لسانه”، فلا تتباهى بطول لسانك. إذا أردت أن تعيش سعيدًا فلا تلقي بالًا بكلام الناس. الصواعق تضرب القمم فقط، لذلك لا تندهش من الكلام الجارح الذي يوجهه إليك البعض. لا تتأثر بما يُقال لك، فربما يجرحك أحدهم بكلامه لأنه يريد أن ينال منك ويجرح قلبك. كلامك المؤذي ينتهي ويظل جرحًا يجعل الروح والقلب ينزفا طويلًا. كلماتك السيئة لن تُنسى ولن يُنسى الشعور الذي تسببت فيه، فاختر كلماتك قبل أن تتفوه بها. أصعب الكلام الجارح هو الذي تسمعه من أشخاص لم تتوقع أن تسمعه منهم يومًا. تميل النفس لمن يقدرها ويكون لينًا معها، وتنفر وتبغض كل من يجرحها ويؤذيها بالقول أو بالفعل. اعلم أن كلماتك مثل السهام، إذا انطلقت فهي لن تعود أبدًا، فانتقي الكلام الذي يخترق النفوس والقلوب. الكلمة المؤذية مثل الرصاصة إذا اخترقت القلب فستظل بداخله إلى الأبد. للأسف لا يدرك أغلب الناس أن الكلام السيئ يؤذي النفوس ويميت القلوب ويكسر الخواطر. كلماتك المؤذية ليست شيئًا يدعوك للفخر، فلن يسامحك الله على قلبًا أوجعته ونفسًا أذيتها. الوقفة كاملة

التساؤلات

٣١ س/ هل من دليل على مدة مكث عيسى عليه عند نزول آخر الزمان إلى الأرض؟ ج/ ورد في القرآن الكريم أن عيسى بن مريم عليه السلام رفعه الله إليه ، وأنه لم يُصلب كما يدعي النصارى، وأنه سينزل آخر الزمان، وحينئذ يؤمن به كثير من أهل الكتاب (سورة النساء: ﴿١٥٧﴾ - ﴿١٥٩﴾)، وثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما، أما مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض، فقد صح أنه يمكث أربعين سنة. وأخرج مسلم في صحيحه (2940) أنه يمكث سبع سنين، وجمع بينهما أن مدة حياته في الأرض منذ أن ولد إلى أن يموت: أربعون سنة عاش منها قبل أن يرفع إلى السماء ثلاثا وثلاثين ثم يعيش بعد أن ينزل إلى الأرض سبع سنين فتكون الأربعين المقصود بها مدة حياته كلها والسبع المقصود بها مدة بقائه بعد نزوله. وجمع بأن مدة بقائه بعد نزوله الأرض أربعون سنة؛ وأما السبع سنوات المذكورة في حديث مسلم؛ فهي مدة مكث الناس في الأرض بعد موت عيسى عليه السلام. وجمع بأنه يمكث أربعين سنة وهذه السبع منها ولكنها فترة بقاء عيسى مع المهدي، ثم يموت المهدي، ويبقى عيسى بعده ثلاثة وثلاثين سنة تمام الأربعين. الوقفة كاملة
٣٢ س/ لم جاءت (هَلَكَ) مع يوسف وهو نبي؟ ج/ "هلك" أي مات، وللعلماء فيها وجهان: • أنها على الأصل اللغوي، واستعمالها فيمن تُكره حياته تخصيص عرفي. • تبكيتا لهم على فرحهم بموته. الوقفة كاملة
٣٣ س/ ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ كيف نجمع بين المعنيين في هاتين الآيتين التكذيب بالبعث في الآية الأولى، ثم قولهم نموت ونحيا في الثانية؟ ج/ لاشك أنهم ينكرون البعث والآيتان صريحتان فيه وليس معنى نحيا للبعث بل هي حياتهم الدنيا التي يقر بها كل أحد، والظاهر أن يكون الذكر على غير الترتيب في الزمن مثل؛ (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي)، وقيل: هي على الترتيب والموت هو كونهم مواتا أي نطفا. مثل؛ الموت في (وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا) (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ). الوقفة كاملة
٣٤ س/ كيف نجمع بين قوله تعالى عن عيسى ﴿بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ وبين قوله (ﷺ): (لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي)؟ ج/ لا تعارض بين الأمرين: فرفع الله لعيسى وحياته حياة خاصة لا نعلم طبيعتها. والنبي يقصد بالحياة الحياة الطبيعية مع الناس في زمانه، لا الحياة التي لا نعلم طبيعتها مثل حياة عيسى عليه الصلاة والسلام، علماً أن عيسى ينزل في آخر الزمان فرداً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. الوقفة كاملة
٣٥ س/ ما الفرق بين سنة وعام في الآية: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾؟ ج/ العام والسنة والحول: ألفاظ تدل على الوحدة الزمنية المعروفة؛ والظاهر في كل ما ادعي ترادفه أنه من المتقارب؛ فبينها فروق؛ والظاهر أن العام أعم من السنة؛ وأما السنة فتغلب في الشدة والجدب، ومنه قول العرب: أصابتنا سنة، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)، أما العام: فيغلب في الخير والرخاء ومنه قوله تعالى: (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ )؛ وعليه فالذي في الآية إشارة إلى أن زمان حياته عليه السلام بعد إغراقهم كان رغداً واسعاً حسناً يإيمان المؤمنين وخصب الأرض. وقيل: السنة من أي يوم عددته إلى مثله. والعام: لا يكون إلا شتاء وصيفا. وهناك جواب عام عن مجيء المميز أوّلاً بالسنة وثانياً بالعام ونظائره وهو أن تكرير اللفظ الواحد في الكلام الواحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، إلا إذا وقع ذلك لأجل غرض ينتحيه المتكلم من تفخيم أو تهويل أو تنويه أو نحو ذلك كما في تفسير الزمخشري لهذه الآية. فالسنة تتقيد بقيود ثلاثة (العدد / الحضور / الشدة) إذا نقص منها واحد كانت عاماً. فالسنة: تطلق إذا كانت معلومة المبدأ والمنتهى حساباً ولابد لانطباق السنة على العدد الذي تميزه أن يكون الفاعل الذي كانت السنة ظرفاً له حاضراً لظرفها حضوراً ما، معانياً فيها شدة ما وإذا عرف يوم المبدأ ويوم المنتهى من شهر من سنة إلى ما يقابله من نظيره في السنة التالية فهو حول؛ ومنه حول زكاة المال والنعم وحول المرضع والأرملة. فالحول أخص من السنة باعتبار أن له بدءاً خاصاً من السنة المتعارفة عند الناس ومنتهىً خاصاً يناظره في القابل، والسنة أخص من العام. راجع فضلًا: https://vb.tafsir.net/tafsir18108/ الوقفة كاملة
٣٦ س/ قال تعالى في سورة الحديد: ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ قدم الله هنا المغفرة على الرضوان، فما السبب؟ ج/ السبب والله أعلم؛ الرضوان لا يكون إلا بعد المغفرة. الوقفة كاملة
٣٧ س/ ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ هل المقصود بالآية النبي داوود؟ وهل كان النبي داوود بعد النبي موسى عليهما السلام؟ ج/ نعم النبي داوود صلى الله عليه وسلم هو المقصود في هذه الآية وكان شابا في بدء حياته، وقد كان بعد موسى بمدة طويلة. الوقفة كاملة
٣٨ س/ ما رأيكم في من يستعمل آيات من القرآن في أحواله الشخصية، كمن يذكر مثلا قوله تعالى: ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ يذكرها للشخص الذي التقى مع أمه بعد غياب أو سجن أو ما شابه، ما قولكم؟ ج/ حكم التمثل بالقرآن والاقتباس منه دائر بين ثلاثة أحوال: ١- جائز : إذا استعمل المثل في مضربه كقوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم). ٢- مكروه: إذا استعمل المثل في أمر ليس هو مورده ولكن في مقام الجد لا الاستهزاء، كقوله عندما يُخاصم: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم). ٣- محرم: بأن يستخدم آيات المثل في الاستهزاء والسخرية وبغرض الإضحاك، فهذا يكون حراماً وقد يكون كفراً. الوقفة كاملة
٣٩ س/ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ إذا كانت الرهبانية بدعة فكيف يطلب منهم الله عز وجل رعايتها؟ ج/ لم يطلب منهم رعايتها وإنما ذمهم لأنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فلم يقوموا بما ألزموا أنفسهم به. الوقفة كاملة
٤٠ س/ نسأل عن تفسير هذه الآية الكريمة، إذا تكرمتم: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. ج/ معنى الآية: أن أتباع عيسى عليه السلام ابتدعوا رهبانية من عند أنفسهم، لم يوجبها الله عليهم، وإنما أمرهم بطاعة الله واتباع رضوانه ولكنهم لم يرعوا ذلك ولم يلتزموا به. والله أعلم. الوقفة كاملة

أسرار بلاغية

٣١ * تقديم شبه الجملة (لله) مع أن المبتدأ معرفة (ما) إسم موصول، لله ما في السموات والأرض أي له وحده قصراً وحصراً، أسلوب قصر أفاد الحصر والتخصيص والتوكيد فلا شيء في هذا إلا لله، * قال تعالى (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) مرتين في سورة النساء فقد ختمت الآية (١٧١) بنفس الختام: في الآية (١٣٢) قال قبلها (وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) هذه الفاء ليست الفاء الواقعة في جواب الشرط وإنما هي تعليلية وجواب الشرط محذوف تقديره وإن تكفروا فإن الله لا ينقصه كفركم وكفركم لا يضره فهو سبحانه يملك السموات والأرض ويملك ما بينهما، من كفر فإن كفره لا يضر الله ومن آمن فإن إيمانه لن يزيد الله شيئاً، لأنهم استغنوا عن الله بالكفر فإن الله غني عنهم، ثم قال (وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) للتأكيد على نفس المعنى السابق، فما دام هو يمتلك ما في السموات والأرض فبالتأكيد هو وكيل حافظ لهذا المُلك. في الآية (١٧١) عندما جاء الكلام عن النصارى الذين ادعوا أن المسيح هو الله أو ابن الله فبين لهم الله في نهاية سورة النساء (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ) يبين لهم أن المسيح ليس إلا رسول إنسان ثم يبين لهم أنه سبحانه لا يتخذ ولداً (إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). وختمت الآية (وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً) فالله ليس في حاجة إلى ولد ليدبر معه الكون فمن احتاج الولد فهو عاجز يريد ولداً يمد حياته ويسانده، فالله يبين لهم أنه ليس في حاجة إلى الولد وأنه يملك السموات والأرض ملكاً تاماً ولا ينازعه أحد في ملكه. الوقفة كاملة
٣٢ *ما الفرق بين(أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) - (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32) آل عمران) - (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (92) المائدة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (59) النساء) - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور) ؟(د.أحمد الكبيسى) أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىًً يختلف عن المعنى الآخر : الأسلوب الأول: صيغة الأنفال طاعة واحدة لله ورسوله الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى إسم الجلالة. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب هذا الأمر بالطاعة طاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط لماذا؟ لأن الرسول جاءك مبلغاً ينقل لكم هذا الكتاب فأطيعوه ولهذا قال وأنتم تسمعون (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الأنفال) يعني قضية سماع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) المائدة) فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد صلى الله عليه وسلم يقول لك هذه آية في سورة كذا هذا القرآن من عند الله هذا كلام الله إنما أنا رسول مبلِّغ عليك أن تطيع (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الرسول إليه (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله إعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم. هذا الأسلوب الأول. الأسلوب الثاني: في آل عمران أطيعوا الله والرسول هذا أسلوب جديد. يقول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) ما أضاف الرسول إلى نفسه بل عرّفه بالألف واللام هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مجمله ويفصِّل ما خفي منه والخ حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم. وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أوتيت القرآن ومثله معه) الذي هو هذا الذي بلغنا هو من أين يعرف النبي أن الصلاة خمس اوقات والصبح اثنين والظهر أربعة من أين يعرف؟ كما نزل القرآن الكريم بلفظه للمصطفى جاء بيانه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة) هذا الرسول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فقط مبلّغ يا مسلمون هذا أوحي إلي ، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)لا الآن النبي صلى الله عليه وسلم هو يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (110) المائدة) وهكذا. الأسلوب الثالث: في المائدة طاعتين مستقلة طاعة خاصة لله وطاعة خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم و فيها كلمة زيادة ما جاءت إلا هنا هي واحذروا هذا الأمر المهم إلا في هذا المكان في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أضاف كلمة واحذروا ، قلنا الأولى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما يبلغ به عن القرآن الكريم مجرد تبليغ هذا واحد (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بإضافات النبي صلى الله عليه وسلم شرحاً وبياناً وإجمالاً وما إلى ذلك، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لا هنا طاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه عليه من سنن يعني النبي صلى الله عليه وسلم كما تعرفون له صلاحيات التحليل والتحريم وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة وحينئذٍ كما أن الله أمر النبي أن يبلغكم بكلامه حرفياً ثم سمح له أن يشرح بعض أو يبين بعض معضلاته ثم في هذه الآية الثالثة النبي صلى الله عليه وسلم له تصريف تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته وهذا علم أصول التفسير مليء في هذا الباب هذه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال (واحذروا) لأن هذه قمة الجهد المبيَّن والمبيِّن في هذه الفقرة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحده أطيعوا الله فيما أمركم به من كتابه وأطيعوا الرسول باعتباره مشرعاً مشرعاً للسُنّة نحن من أين أتى علمنا؟ كتاب وسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) هنا أضاف (واحذروا) هناك (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) نفس المعنى أيضاً فيها سنة هناك لكن هنا أضاف (واحذروا) لماذا أضافها؟ هنا القرآن الكريم بكلمة احذروا يلفت أنظارنا إلى أهمية الانتباه إلى منظومة الشهوات التي ينزلق إليها الإنسان متى ما غفل عن ذكر الله. هناك شهوات آسرة فأنت عندما تسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبايعها والمحمولة إليه وووالخ) (لعن الله من نظر إلى المرأة ومن اختلى بها ومن لمسها وووالخ) هذه المنظومة الهائلة من الشهوات الآسرة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) آل عمران) قال (احذروا) تنزلقون بسرعة فكُن مع السُنة ما الذي يقوله لك النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلي لا تهمس لا تكلم لا تلمس لا تخضعي بالقول انظر ماذا احتاط النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لمنظومة الشهوات الآسرة والآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة) إذاً (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فيما أمر فيما شرع فيما نهى واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة. الأسلوب الرابع: في النساء أيضاً 59 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لكن ليس وحده وأولي الأمر منكم أيضاً المرة الوحيدة رب العالمين جعل طاعتين طاعة لله وطاعة للرسول لكن طاعة الرسول مشترك هو وأولي الأمر. أطيعوا الله انتهينا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي بالضبط من حيث أن طاعة هؤلاء أولي الأمر هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .فهمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فهمناها أيضاً فيما شرّع فيما أمر ونهى فرب العالمين كما جعل أن طاعة الرسول من طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) هنا من يطع أولي الأمر فقد أطاع الرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام يتكلم عن الشرع حلال وحرام (العلماء ورثة الأنبياء) ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة وأنتم تعرفون (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) فاطر) والكلام طويل في هذا فرب العالمين يقول أطيعوا الله هذا انتهينا هنا طاعة جديدة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ طبعاً التفاصيل كثيرة موجزها أصحاب الدليل (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (108) يوسف) يعني أرني دليلك وإلا كل واحد تعلّم آيتين وصار شيخاً ويُلحن كل وقت إن تلاها لا للعلم. العلم هو الذي يجعلك أنت أهلاً للفتوى من أولي الأمر الذين أنت من ورثة النبي تحلل وتحرم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) العلم وحينئذٍ أصحاب العلم هم الذين يملكون الدليل ويملكون البصيرة (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ (104) الأنعام) أدلة على التوحيد والفقه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) وحينئذٍ العلماء الذين لهم حق الفتوى هو الذي يملك الدليل والفتوى مصيبة المصائب النبي صلى الله عليه وسلم أول مفتي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (127) النساء) الخ فمن يملك الدليل حجة على من لا يملك الدليل ولهذا إذا شاعت الفوضى وتصدى الجهلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم وينزل الجهل) كل واحد تكلم كلمتين حلوين صار مفتي ويحلل ويحرم على أن الفتوى خطيرة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (أجرأكم على النار أجرأكم على الإفتاء) أصحاب النبي رضوان الله عليهم كنت تسأل الواحد عن سؤال يقول لك اذهب إلى فلان وفلان يقول لك اذهب إلى فلان وهكذا إلى أن تعود على الأول كانوا يتدافعونها لأنها المسؤولية الكبيرة من أفتاه فإنما اثمه على من أفتاه إذا أفتيت فتوى وعمل بها الناس وكانت خطأ بلا دليل ولا علم ولا أصول فقه ما عندك حجة على الله هوى اتبع الهوى كما فعل بلعم (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فكلهم يعملون هم في السليم وأنت الذي تذهب في النار لأن إثم هؤلاء في النهاية عليك. الأسلوب الأخير: آخر أسلوب طاعة الرسول وحده في النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هنا باعتباره حاكماً رئيس دولة قائد للجيوش في الحروب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) ما عصوا حكماً شرعياً عصوا أن محمداً كان قائد عصوا قائدهم العسكري محمد صلى الله عليه وسلم قال أنتم الرماة ابقوا جالسين لا تتحركوا أمر عسكري (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)والله قال وقد عفا عنهم لأنه ما هو حكم شرعي وإنما خلل تكتيكي عسكري عصوا القائد وأعظم أسباب الإنكسارات العسكرية هو عصيان القائد أنت نفِّذ ثم ناقش هذه قاعدة معروفة .فهذه آخر أسلوب الرسول وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هذه في سورة النور 56 فقط من حيث كونه قائداً (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) يعني فيها شيء من المرونة هكذا هذا هو أسلوب الأمر بالطاعة خمس أساليب كل أسلوب له معنى. الوقفة كاملة
٣٣ ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)الأنفال و (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ )آل عمران؟وذكر (لكم) وحذفها؟ د.أحمد الكبيسى : فى آل عمران أيضاً تقول الآية (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ آل عمران) آية أخرى (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ آل عمران) وفي آية الأنفال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ الأنفال) إذاً هي نفس القضية ملائكة نازلين من السماء مرة منزلين مرة مسومين مرة مردفين هذا أولاً في هذه الآيتين أشياء كثيرة. الخلاف الثاني هي نفس الموضوع مرة يقول (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿126﴾ آل عمران) في آية الأنفال لم يقل (لكم) (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾ الأنفال) ليش مرة بشرى لكم ومرة بشرى مطلقة؟ هذا خلاف ثاني، ثالثاً مرة قال (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) في الأنفال وفي آل عمران قال (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) ما في عبث ليش قال به قلوبكم ومرة قال قلوبكم به؟ هذا رسم للمعنى الهائل أخيراً مرة قال (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) في آل عمران وفي الأنفال قال (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) معنى آخر تماماً. نبدأ واحدة واحدة طبعاً الملائكة الذين نزلوا في بدر تعرفونهم أول مرة لما أنزلهم الله تعالى وحاربوا مع المسلمين أنزلهم فهم منزَلين. لما قال مسومين هل تعرفون بأن ملائكة السماء الذين اشتركوا في بدر لهم علامات تعرفهم جميع الملائكة بأنها هؤلاء هم الملائكة البدريون كالبدريين من البشر أنتم تعرفون أن الذين اشتركوا في بدر رب العالمين كرمهم تكريماً (اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم) وكل التاريخ تاريخ الصحابة فلان ابن فلان وهو من البدريين تاج وسام مسومين كما أن الذين قاتلوا في بدر وسِموا بأنهم بدريون فإن الملائكة الذين اشتركوا في بدرٍ أيضاً يسمون في السماء الملائكة البدريون ومعروفون عند كل الملائكة بوسام أو لون أو إشارة أن هذا من الخمسة آلاف ملك الذي نزل يقاتلون مع المسلمين في بدر الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله. كان ممكن في تلك المعركة الكبرى التي غيرت تاريخ العالم كله أن ينتهي الإسلام لو انتصر المشركون وهم كثرة والمسلمون قلة (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴿26﴾ الأنفال) نزل ملائكة. لاحظ إذاً كلمة منزَلين فهم لم ينزلوا من أنفسهم الله أنزلهم قال أنزلوا فقد جاءوا مأمورين ويقودهم جبريل، هذا أمر. الأمر الآخر كونهم مسومين بهم علامات عنده علامة يعرف بها أنه هذا بدري، ثالثاً مردفين طبعاً الألفين الآخرين هؤلاء رديف فأنت عندما تقاتل تقاتل بالجيش الأصلي بالجيش الرئيسي لما المعركة تشتد تبعث مدد يعني ألف ألفين هذا يسمونه رديف الرديف الذي يأتي بعدك لكي يساعدك. الله يتكلم في آية الأنفال لما قال مردفين لأنه بعثهم بعد ما اشتدت المعركة تحتاج إلى مدد بعث الله مدداً آخر فرب العالمين بالأنفال يتكلم على ألف من الملائكة هؤلاء الذين آتوا في الآخر جاءوا رديف أي جاءوا مدداً هكذا هو الفرق بين منزلين ومسومين ومردفين الخ. المسألة الثانية بآل عمران انظر إلى النص الدقيق لما الله قال سيبعث معكم خمسة آلاف (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ) يا أهل بدر. في الأنفال نفس الموضوع قال (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى) ما في لكم ليس هذا عبثاً . لماذا في آية يا أهل بدر (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ) هذا في آل عمران قصة بدر كاملة لما تكلم رب العالمين عنها وفي الأنفال (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) إلى أن قال (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى) وكيف تعرف أنت الفرق؟ اقرأ الآية شوف ظروفها ونسقها تسلسلها كيف جاءت قبلها الأحداث تصل بسهولة مع توفيق الله عز وجل إلى اكتشاف هذا الذوق الحسي الإعجازي اللغوي العالي. هناك رب العالمين يتكلم أن محمد صلى الله عليه وسلم يكلمهم محمد يقول لجماعته لما خافوا وكذا طبعاً كانوا خائفين وهذا من حقهم ثلاثمائة واحد يعني ناس راحوا حتى يعترضون قافلة أبو سفيان فيها كم بعير وكم حصان وأخذوا أموالنا هؤلاء جماعة أبو سفيان أخذوا أموال المسلمين في مكة قالوا خذوا هذه مكانها غنيمة شوية حنطة شوية شعير شوية سمن لا يوجد شيء فراحوا يأتون بها فلما ذهبوا ليأتون بها وإذا كل أمم الشرك أمامهم كل مكة جاءتهم فقالوا ماذا نفعل الآن؟ حتى قال صلى الله عليه وسلم نرجع؟ حتى النبي قال ما رأيكم؟ ماذا تقولون نرجع إلى مكة ولا نقاتل؟ فكلهم موجودون فلما الله أخبره هذا الذي سوف يحصل (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ ﴿126﴾ آل عمران) فقط أنتم يا أهل بدر. بهذا العسر بهذا الخوف وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنون الخ قال لا أنا سأنزل عليكم ملائكة هذا خاص بكم يا أهل بدر لن يتكرر مع غيركم إلا أنتم فقط في هذه الصورة وهذه الحالة وهذه العلنية علناً فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم. إذاً هذه البشارة الأولى التي في آل عمران آية 126 الكلام خاص لأهل بدر فقط لظروفهم الخاصة. الآية الثانية رب العالمين تكلم من ناحية ثانية تكلم عنهم ليس لكونهم قلة لا، تكلم عنهم في الظاهر أن هؤلاء أهل بدر جلسوا يستغيثون استغاثة يعني أحسن استغاثة بالله فرب العالمين تكلم عن موقفه مع كل من يستغيث به فآية الأنفال ليست خطاباً لأهل بدر خطاب لكن لكل من يقع في مصيبة في ضنك في شدة في كرب إذا أحسن الاستغاثة. لو تقرأون التاريخ الإنساني كله من آدم إلى يومنا هذا قصص رواها التاريخ عجائب، واحد في بحر وكان سيغرق فاستغاث استغاثة يا الله وإذا هذا المركب يوصله بأمان إلى البر، كان مرة أحد الناس ذاهب إلى خراسان من العراق وبالطريق جاءه قطاع طرق كالعادة وأخذوا بضاعته ولكنهم كانوا مصرين على قتله فقال لهم دعوني أصلي ركعتين فصلى ركعتين وهم كانوا خمسة ويبدو أنه في السجود استغاث بالله استغاثة في غاية الروعة وأثناء سجوده وقد أطال السجود سمع أقدام فرس جامح يغير، طبعاً الفرس إذا جاء من بعيد يركض فالأرض تهتز وهو ساجد شعر بأن الأرض تهتز وفعلاً ما أن سلّم إلا فارس وصل وما أن وصل الفارس حتى قطع رؤوس الأربعة بضربة واحدة قتلهم جميعاً طبعاً هذا الرجل لا يعرف هذا الفارس من هو، فهذا الفارس يحدث هذا الرجل الذي أحسن الاستغاثة قال له يا فلان يا عبد الله والله عندما استغثت بالله تجاوبت أصداء استغاثتك بالسماء فكلنا كنا نتنافس من الذي ينزل لكي يلبي هذه الاستغاثة. وطبعاً كل واحد منكم فليسمعني الآن فليتذكر حياته السابقة هل وقع في يوم من الأيام في شدة عظيمة مرض أو أحد أولاده أو عدو أو غرق أو طائرة تعطلت أو سيارة في صحراء وقع بشدة وجلس بينه وبين نفسه في ساعة من ساعات الصفاء مع الله لا يوجد أحد ودعا الله وبكى واستغاث بالله وكيف جاء الغيث والغوث من حيث لا يشعر هذه الاستغاثة تجاوبت أصداؤها في السماء فبعث الله بها الفرج. رب العالمين يقول صح محمد معكم نعم وقال لكم هذا الكلام نحن بلّغناه هذا لكن في جانب آخر هذا جانب محمد صلى الله عليه وسلم، في جانب آخر وهو أنكم أنتم استغثتم استغاثات كل واحد جالس مع نفسه يا أرحم الراحمين يا مغيث الغائثين يا مجيب يا أرحم الراحمين من القلب والأعماق كل واحد يتذكر مع أهله وهو جاء بدون سلاح أصلاً ما عندهم سلاح كل واحد معه عصى جاؤوا لكي يأسروا قافلة فهم لم يخرجوا لحرب فوجدوا أنفسهم في ورطة كبيرة هذه الاستغاثة جحفلت الملائكة (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴿9﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى ﴿10﴾ الأنفال) لم يقل  لكم، هذه عامة. هناك في الأولى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هنا عموم السبب وعموم اللفظ ولذلك (لكم) هذه حذفها من سورة الأنفال افهمها أنها لك وليست فقط لأهل بدر أنت تستطيع أن تكون بدرياً إذا أحسنت الاستغاثة إذا وقع بك كرب. إذاً فهمنا الفرق بين ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين ومنزلين ومردفين وفهمنا الفرق بين إلا بشرى لكم وبشرى بدون لكم ننتقل إلى أيضاً جزء آخر في نفس الآية. يقول بآية آل عمران (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بالأنفال نفس الآية ولكن قال (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) لماذا هناك قلوبكم أولاً وهنا قلوبكم ثانياً بالأخير؟ أقول لك جداً طبيعي أولئك صحابة وعايشين مع النبي صلى الله عليه وسلم وشافوا معجزات فقلوبهم مطمئنة لكن القلوب متعلقة بالمدد متى يأتي المدد؟ هم واثقون مائة بالمائة أن المدد آتٍ فينتظرون المدد فإذاً مشكلتهم بالمدد أما الاطمئنان هو مطمئن بالله ناس صحابة شاف الوحي وشاف النبي صلى الله عليه وسلم إذاً قدّم القلوب لأنهم كانوا في غاية الرعب في غاية الخوف (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الذي يستغيث في غاية الخوف فإذاً صار التركيز أين؟ التركيز على اطمئنان القلب من الخوف لأنهم كانوا خائفين، ولكنهم في البداية واثقين أن الله سيبعث المدد. لنا جميعاً نحن الذي ما فيها لكم إلا بشرى للجميع نحن في الحقيقة مشكلتنا المدد كيف سيأتي المدد؟ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم معجزات نحن الآن ما في معجزات فمشكلتنا أين؟ لو أصابك كرب في العام الماضي أو قبل سنتين في مدينة اعتدى عليها جيش غازي جيش سيمسح فيها الأرض وكلهم سيموتون هذا (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) بالمدد. رب العالمين عندما قال (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) بهذا القرآن لما قال تطمئن قلوبكم يعني يتكلم عن القلب المطمئن وينبغي أن يكون قلب المؤمن مطمئناً لأن اطمئنان قلب المؤمن هو هدف من أهداف هذا القرآن الكريم (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ﴿28﴾ الفجر) من حيث أن هذه النفس والقرآن الكريم يطلق كلمة النفس على القلب والقلب على النفس أحياناً وهذا كلامٌ آخر تحدثنا عنه سابقاً والآن العلم الحديث يثبت أن التفكير يبدأ بالقلب وليس بالدماغ. كان سابقاً يقولون كل كلمة قلب يعني دماغ لا، الآن القلب القلب والدماغ الدماغ والنفس النفس. فرب العالمين يقول (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) قدّم اطمئنان القلوب يعني عليكم أن تجتهدوا لكي تطمئن قلوبكم بهذا القرآن الكريم. لما يقول (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) يجب أن تتعامل مع القرآن تعاملاً علمياً بفهمٍ وتدبر لكي يستطيع هذا القرآن بفهمك هذا أن يُدخِل الطمأنينة على قلبك ونفسك إذاً هما قضيتان قضية أن القرآن مشحون بقوةٍ جدلية بحيث يستطيع أن يُطمئِن أي قلبٍ أو أي نفسٍ متزعزعة، وعلى نفسك أو قلبك أو عقلك أن يكون مطمئناً  إذن هما قضيتان قضية أن هذا القرآن كيف تتعامل معه تعاملاً تستل منه قدرته على الطمأنينة، القضية الثانية عليك أن ترعى قلبك أو نفسك أو عقلك لكي يطمئن من تعامله ذلك مع القرآن الكريم وهكذا في كل الأساليب . الوقفة كاملة
٣٤ *قال تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) و (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) الطارق) و (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ (142) النساء)؟ما الفرق بين المكر والكيد والخديعة؟(د.أحمد الكبيسى) عندنا ثلاث كلمات عجيبة غريبة (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) النمل) وعندنا (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)) وعندنا (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) أساليب تعامل ناس غير مؤمنين وغير صالحين مع الله عز وجل وهو تعاملهم مع الناس أنت هناك من يمكر بك ومن يكيد لك ومن يخادعك وهذا شأن الناس جميعاً في بعض تصرفاتهم. فما الفرق بين (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ) (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) وبين (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يوسف) وبين (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء)؟ المكر سر في الإنسان عن طريقه يعني تضعه في مكان معين يفرح به وظيفة عالية تجعله غنياً بعد فقر، تعطيه رتبة هائلة مثلاً كان جندياً بسيطاً تجعله لواء، يعني تكرمه إكراماً زائداً ولكن هذا ليس لمصلحته وإنما تريد أن تقلب به الأرض، هذا المكر (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا). مثلاً قارون أعطاه الله مالاً (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (76) القصص) ولما رب العاليمن أعطاه هذا المال ليسعده به وإنما أراد أن يمكر به (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ (81) القصص) هكذا شأن الذين يتعاونون مع الطغتة في كل التاريخ، هذا الطاغية سواء كان استعماراً أو محتلاً يأتي بعملاء يعطيهم فلوس ومناصب وقصور وأرصدة في الخارج يسعدهم سعادة وهمية وهم فرحون بذلك ولكن هو لا يعني هذا هو يمكر بهم وفي النهاية سوف يأخذ كل شيء منهم ثم يلقيهم في التهلكة وهذا يحصل كل يوم ناس تتعاون مع محتلين وعصابات وجماعات وقتلة كثير في التاريخ ثم بعد ذلك يقلبونهم قلبة هائلة. قبل سنتين قرأت في جريدة البيان في دبي عن واحد فلسطيني نظموه اليهود جاسوساً لهم وتكلم في مذكراته كيف أعطوه شقة في القدس وشقة في حيفا وشقة في إيطاليا وأرصدة هائلة إلى أن صار أسعد الناس ثم لما انتهى عمله نكبوه نكبة هائلة وتحدث كيف فعلوا به. هذا الجيش في لبنان الذي خدم إسرائيل ثلاثين سنة وأعطوه دبابات وفلوس ثم لما صارت المشكلة وهربوا إلى إسرائيل انتقموا منهم إنتقاماً أمام شاشات التلفزيون في العالم مزقوهم مزقاً، هذا هو المكر. الله تعالى قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ (36) الأنفال) (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ (16) الحشر) الشيطان قال للإنسان اكفر وأنا سأعطيك ويوم القيامة أنكر (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ (22) إبراهيم) (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف) (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ (166) البقرة) هذا المكر. من مكرهم بالله أنهم فلسفوا الكفر، كيف مكروا بالله؟ لو تعرف كيف يتكلم هؤلاء،  إقرأ كل ما في القرآن الكريم عن وجهة نظر هؤلاء عملوا فلسفة (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا (5) ص) (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا (3) ق) وقس على هذا كلام وفلسفة وجماعات وطروحات وفلاسفة هؤلاء الشيوعيون في الاتحاد السوفياتي طلع عندهم فلاسفة وكتب ودور نشر وإذا بها هباء منثوراً كأن لم تكن. (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (33) سبأ) قال حينئذ (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) هذا هو المكر ولهذا كل من يعطي عطاء الهدف منه توريط المعطَى وليس إسعاده وإنما إلهلاكه بهذا العطاء يسمى مكراً. الإتحاد السوفياتي هذا أغوى دولاً عشرين ثلاثين دولة عملهم شيوعيون في آسيا وعند العرب ثم ذهب وقطعوا إرباً هذا هو المكر. الكيد هو دقة التدبير الخفي (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ (76) يوسف) رب العالمين أراد أن يجعل يوسف ملك مصر ويوسف صغير عند يعقوب كيف؟! يقول القول الحكيم: لو يعلم العبد كيف يدبر الله الأمور لذاب فيه عشقاً. شيء عجب ولذلك كل واحد منا مر في حياته أشياء كان يكرهها (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216) البقرة) وإذا بها من تدبير الله يؤدي إلى سعادة متناهية. يوسف فتى جميل وإخوانه حسدوه رموه في البئر ورب العالمين أراد أن يرمى في البئر ثم يباع لرئيس الوزراء في مصر لماذا رئيس الوزراء كان يمكن أن يذهب لمكان ثاني هذا حسن تدبير هائل خفي وهو لا يعرف هو في البئر كان يبكي وفي السجن قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33) يوسف) لكن رب العالمين كما في الحديث "إن الله ليضحك من يأس عبده وقُرب غيَره" أنت في أزمة وزعلان ويائس وبعد يوم يومين شهر شهرين وإذا هذا العناء الذي كنت فيه هو المقدمة الضرورية لسعادة ما بعدها سعادة ونجاح ما بعده نجاح فرب العالمين يضحك من هذا الوضع من يأسك والفرج القادم يبهرك. حينئذ هذا الكيد (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ (28) يوسف) حسن التدبير بخفاء وحينئذ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) الطارق) تعال وانظر كل قوى الشرك في العالم مؤامرات وعصابات وأحداث سبتمبر وما يحصل في الهند هذه كلها مصنوعة وكلها مبرمجة يعني شيء خيال وإذا بها في النهاية تنقلب لصالح المسلمين بالمائة مائة والآن نسب كبيرة من الأوروبيين في العالم بعد الهجمة على الاسلام والإرهاب هذا كيد وجاؤا بأكاذيب وأسلحة دمار شامل في العراق وبرنامج نووي في سوريا يعني أكاذيب واليوم هذه الهند وما يحصل فيها مدبر لماذا؟ لأن الهند هي الدولة الوحيدة مع الصين التي ما تأثرت بهذه المحنة المالية فجاؤوا ببعض المسلمين مغفلين وهذا من صنائعهم وما أكثر صنائعهم عملوا هذه المشكلة حتى يقال الإسلام إرهابي ودمروا الهند وألغو الثقة الاقتصادية فيها. كيف الآن أميركا وأوروبا تتراجع وتهوي والصين والهند تبرز والعالم كله يتحدث بما فيه أوباما وماكين قالوا الصين تتقدم والهند تتقدم كيف تتقدم؟ فجاؤا بهذا الكيد جاؤوا من الباكستان بشباب صغار أدخلوهم هنا وهنا هذا الكيد والمكر هذه العلاقة البشرية إلى يوم القيامة. المكر إذن عطاء كثير إسعاد كثير مواقف إيجابية لكن وراءها مصيبة ستأتي يعني السُمّ بالدسم تعطي واحداً كل ما يريد تسعده سعادة هائلة لكن بغرض أن تودي به إلى مهلكة. الكيد تدبير خفي ينطلي على المكيد به وأنت تريد من ورائه شيئاً معيناً أما المخادعة والخديعة فإظهار المحبة إظهار الولاء والشفقة ثم أنت في واقع الأمر أن تصل بهم من وراء هذا الظن إلى أن تؤدي بهم إلى الهلاك. إذن ثلاثة تشترك في أنها إلى هلاك لكن هلاك عن طريق التزيين والعطاء السم بالدسم والكيد عن طريق دقة التدبير بحيث لا تأتيك التهمة إطلاقاً ولا يطالك القانون نهائياً إذن هكذا هو الفرق بين المكر والكيد والخديعة. الوقفة كاملة
٣٥ آية (56): *ما الفرق بين(أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) الأنفال) - (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ (32) آل عمران) - (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا (92) المائدة) - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (59) النساء) - (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) النور) ؟(د.أحمد الكبيسى) أساليب الأمر القرآني بطاعة الله ورسوله جاءت بعدة صيغ وكل صيغة تعني معنىًً يختلف عن المعنى الآخر : الأسلوب الأول: صيغة الأنفال طاعة واحدة لله ورسوله الرسول الكريم هنا معرّف بالإضافة إلى إسم الجلالة. (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لاحظ أن الرسول أضيف إلى الضمير يعني أطيعوا الله ورسوله الذي أرسله الله عز وجل بالكتاب هذا الأمر بالطاعة طاعة الرسول هنا هي طاعة الله بالضبط لماذا؟ لأن الرسول جاءك مبلغاً ينقل لكم هذا الكتاب فأطيعوه ولهذا قال وأنتم تسمعون (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) الأنفال) يعني قضية سماع (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (67) المائدة) فلما جاءت هذه الصيغة وهي الصيغة الأولى التي ينبغي أن نفهم بأنها أول الصيغ أنت أول عمل تعمله أن تسمع القرآن الكريم، من الذي جاءك به؟ محمد صلى الله عليه وسلم. فلما محمد صلى الله عليه وسلم يقول لك هذه آية في سورة كذا هذا القرآن من عند الله هذا كلام الله إنما أنا رسول مبلِّغ عليك أن تطيع (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما بلغكم به عن ربه ولهذا أضاف الرسول إليه (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لأن طاعة الرسول هنا هي بالضبط طاعة الله. فحيثما رأيت في كتاب الله أطيعوا الله ورسوله إعلم أن الكلام يتحدث عن القرآن الكريم. هذا الأسلوب الأول. الأسلوب الثاني: في آل عمران أطيعوا الله والرسول هذا أسلوب جديد. يقول (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) ما أضاف الرسول إلى نفسه بل عرّفه بالألف واللام هذا الرسول له صلاحيات أن يفسر لكم القرآن ويبين مجمله ويفصِّل ما خفي منه والخ حينئذٍ أنتم أطيعوا الله في القرآن الكريم ثم أطيعوا الرسول في تصرفاته في هذا القرآن الكريم. وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أوتيت القرآن ومثله معه) الذي هو هذا الذي بلغنا هو من أين يعرف النبي أن الصلاة خمس اوقات والصبح اثنين والظهر أربعة من أين يعرف؟ كما نزل القرآن الكريم بلفظه للمصطفى جاء بيانه (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) القيامة) هذا الرسول (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فقط مبلّغ يا مسلمون هذا أوحي إلي ، (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ)لا الآن النبي صلى الله عليه وسلم هو يؤدي دوره كرسول له علم وله كلام موحى بمعناه لا بلفظه وله صلاحية الفهم (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) النساء) ورب العالمين علّم كل الأنبياء كما قال عن سيدنا عيسى (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (110) المائدة) وهكذا. الأسلوب الثالث: في المائدة طاعتين مستقلة طاعة خاصة لله وطاعة خاصة للرسول صلى الله عليه وسلم و فيها كلمة زيادة ما جاءت إلا هنا هي واحذروا هذا الأمر المهم إلا في هذا المكان في سورة المائدة (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أضاف كلمة واحذروا ، قلنا الأولى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فيما يبلغ به عن القرآن الكريم مجرد تبليغ هذا واحد (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) بإضافات النبي صلى الله عليه وسلم شرحاً وبياناً وإجمالاً وما إلى ذلك، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) لا هنا طاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه عليه من سنن يعني النبي صلى الله عليه وسلم كما تعرفون له صلاحيات التحليل والتحريم وحرام محمد وحلال محمد حرام وحلال إلى يوم القيامة وحينئذٍ كما أن الله أمر النبي أن يبلغكم بكلامه حرفياً ثم سمح له أن يشرح بعض أو يبين بعض معضلاته ثم في هذه الآية الثالثة النبي صلى الله عليه وسلم له تصريف تصريف في الكتاب من حيث معناه وأسباب نزوله ومناحيه وبياناته وهذا علم أصول التفسير مليء في هذا الباب هذه (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) قال (واحذروا) لأن هذه قمة الجهد المبيَّن والمبيِّن في هذه الفقرة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وحده أطيعوا الله فيما أمركم به من كتابه وأطيعوا الرسول باعتباره مشرعاً مشرعاً للسُنّة نحن من أين أتى علمنا؟ كتاب وسنة (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) هنا أضاف (واحذروا) هناك (أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) نفس المعنى أيضاً فيها سنة هناك لكن هنا أضاف (واحذروا) لماذا أضافها؟ هنا القرآن الكريم بكلمة احذروا يلفت أنظارنا إلى أهمية الانتباه إلى منظومة الشهوات التي ينزلق إليها الإنسان متى ما غفل عن ذكر الله. هناك شهوات آسرة فأنت عندما تسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله شارب الخمر وحاملها وعاصرها وبايعها والمحمولة إليه وووالخ) (لعن الله من نظر إلى المرأة ومن اختلى بها ومن لمسها وووالخ) هذه المنظومة الهائلة من الشهوات الآسرة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) آل عمران) قال (احذروا) تنزلقون بسرعة فكُن مع السُنة ما الذي يقوله لك النبي صلى الله عليه وسلم لا تختلي لا تهمس لا تكلم لا تلمس لا تخضعي بالقول انظر ماذا احتاط النبي صلى الله عليه وسلم في سنته لمنظومة الشهوات الآسرة والآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة) إذاً (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) وأطيعوا الرسول طاعة ثانية طاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم في سننه فيما أمر فيما شرع فيما نهى واحذروا عندما ينهاكم لأنه ينهاكم عن مزالق كثيرة. الأسلوب الرابع: في النساء أيضاً 59 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) النساء) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول لكن ليس وحده وأولي الأمر منكم أيضاً المرة الوحيدة رب العالمين جعل طاعتين طاعة لله وطاعة للرسول لكن طاعة الرسول مشترك هو وأولي الأمر. أطيعوا الله انتهينا وأطيعوا الرسول وأولي الأمر لأول مرة وآخر مرة يأتي الأمر بأن تطيع أولي الأمر مع طاعة النبي بالضبط من حيث أن طاعة هؤلاء أولي الأمر هي طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .فهمنا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فهمناها أيضاً فيما شرّع فيما أمر ونهى فرب العالمين كما جعل أن طاعة الرسول من طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (80) النساء) هنا من يطع أولي الأمر فقد أطاع الرسول (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) من هم أولي الأمر؟ طبعاً من الناس من يقول هم الحُكام وهذا ليس صحيحاً فالكلام يتكلم عن الشرع حلال وحرام (العلماء ورثة الأنبياء) ولذلك قليل من العلم خير من كثير من العبادة وأنتم تعرفون (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28) فاطر) والكلام طويل في هذا فرب العالمين يقول أطيعوا الله هذا انتهينا هنا طاعة جديدة بحقل خاص للرسول وأولي الأمر الذي له مسألة الفتوى الحلال والحرام. والسؤال من هم أولي الأمر؟ طبعاً التفاصيل كثيرة موجزها أصحاب الدليل (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ (108) يوسف) يعني أرني دليلك وإلا كل واحد تعلّم آيتين وصار شيخاً ويُلحن كل وقت إن تلاها لا للعلم. العلم هو الذي يجعلك أنت أهلاً للفتوى من أولي الأمر الذين أنت من ورثة النبي تحلل وتحرم (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) العلم وحينئذٍ أصحاب العلم هم الذين يملكون الدليل ويملكون البصيرة (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ (104) الأنعام) أدلة على التوحيد والفقه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي (108) يوسف) وحينئذٍ العلماء الذين لهم حق الفتوى هو الذي يملك الدليل والفتوى مصيبة المصائب النبي صلى الله عليه وسلم أول مفتي (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ (127) النساء) الخ فمن يملك الدليل حجة على من لا يملك الدليل ولهذا إذا شاعت الفوضى وتصدى الجهلاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم وينزل الجهل) كل واحد تكلم كلمتين حلوين صار مفتي ويحلل ويحرم على أن الفتوى خطيرة يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (أجرأكم على النار أجرأكم على الإفتاء) أصحاب النبي رضوان الله عليهم كنت تسأل الواحد عن سؤال يقول لك اذهب إلى فلان وفلان يقول لك اذهب إلى فلان وهكذا إلى أن تعود على الأول كانوا يتدافعونها لأنها المسؤولية الكبيرة من أفتاه فإنما اثمه على من أفتاه إذا أفتيت فتوى وعمل بها الناس وكانت خطأ بلا دليل ولا علم ولا أصول فقه ما عندك حجة على الله هوى اتبع الهوى كما فعل بلعم (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فكلهم يعملون هم في السليم وأنت الذي تذهب في النار لأن إثم هؤلاء في النهاية عليك. الأسلوب الأخير: آخر أسلوب طاعة الرسول وحده في النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هنا باعتباره حاكماً رئيس دولة قائد للجيوش في الحروب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (152) آل عمران) ما عصوا حكماً شرعياً عصوا أن محمداً كان قائد عصوا قائدهم العسكري محمد صلى الله عليه وسلم قال أنتم الرماة ابقوا جالسين لا تتحركوا أمر عسكري (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ)والله قال وقد عفا عنهم لأنه ما هو حكم شرعي وإنما خلل تكتيكي عسكري عصوا القائد وأعظم أسباب الإنكسارات العسكرية هو عصيان القائد أنت نفِّذ ثم ناقش هذه قاعدة معروفة .فهذه آخر أسلوب الرسول وحده (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) هذه في سورة النور 56 فقط من حيث كونه قائداً (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) يعني فيها شيء من المرونة هكذا هذا هو أسلوب الأمر بالطاعة خمس أساليب كل أسلوب له معنى. الوقفة كاملة
٣٦ ما الفرق بين يذّكرون ويتذكرون؟(د.فاضل السامرائى) يذّكرون أصلها يتذكرون في اللغة صار فيها إبدال. وأصل الفعل الثلاثي ذَكَر يذكر (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) مريم) الفعل الثلاثي المجرد هو (ذكر). تذكّر هذا مزيد بالتاء والتضعيف. إذّكّر حصل فيه إبدال التاء صارت ذالاً وهذا إبدال جائز، التاء صار فيها إبدال يصير إدغام (ذال وذال) الأول ساكن والعرب لا تبدأ بالساكن فجاءوا بالهمزة فقالوا إذّكّر مثل إطّهر، إفّعل، إدّبر هذا كله من الإبدال الجائز. إذن يتذكرون ويذّكّرون هما في الأصل فعل واحد لكن أحدهما فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال: يتطهرون ويطّهرون، يدّبر ويتدبر أصلهما فعل واحد لكن أحدهما حصل فيه إبدال والآخر ليس فيه إبدال، هذا من الناحية اللغوية الصرفية. لكن كيف يستعمل القرآن يتذكرون ويذّكّرون؟ يتذكرون ويذّكرون من حيث اللغة واحد حصل إبدال كما في اصتبر واصطبر (التاء صارت طاء)، إزتحم وازدحم هذا إبدال واجب، وهناك إبدال جائز (يتذكرون ويذّكرون). إستخدام القرآن الكريم في هذا ونظائره: يتذكر ويذّكّر أيها الأطول في المقاطع؟ (يتذكر: ي/ت/ذ/ك/ر/) خمسة مقاطع، (يذّكّر: ي/ذ/ك/ر/) أربعة مقاطع. يتذكر أطول ومقاطعه أكثر هذا أمر. والأمر الآخر يتذكّر فيها تضعيف واحد ويذّكّر فيها تضعيفان. إذن عندنا أمران: أحدهما مقاطعه أكثر (يتذكر) والآخر فيه تضعيف أكثر (يذّكّر) والتضعيف يدل على المبالغة والتكثير. القرآن الكريم يستعمل يتذكر الذي هو أطول لما يحتاج إلى طول وقت ويستعمل يذّكّر لما فيه مبالغة في الفعل وهزة للقلب وإيقاظه. مثال (فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى (35) النازعات) يتذكر أعماله وحياته كلها فيها طول، (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر) يتذكر حياته الطويلة. (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ (37) فاطر) العمر فيه طول. (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) الأنفال) هؤلاء يحتاجون إلى هزة، ما عندهم قلب ويحتاجون إلى تشديد لتذكر الموقف، هنا موقف واحد وهناك عمر كامل. يحتاجون إلى من يوقظهم ويحتاجون إلى مبالغة في التذكر تخيفهم وترهبهم وليس تذكراً عقلياً فقط وإنما هذا تذكر فيه شدة وتكثير للتذكر ومبالغة فيه بحيث تجعله يستيقظ، هذا يسمى مبالغة في التذكر. (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة) هؤلاء في قلوبهم رجس يحتاجون إلى هزة توقظ قلوبهم ليس مسألة تعداد. (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41) الإسراء) ليعتبر. إذن يتذكر ويذّكّر الصيغتان في القرآن عموماً. يتذكر لما هو أطول وهو تذكر عقلي ويذّكّر فيه مبالغة وفيه إيقاظ للقلب، تهز القلب. يذّكّر فيه إيقاظ للقلب وهزة ومبالغة مع أن الجَذر واحد. الوقفة كاملة
٣٧ العدل معناه ما يعادل الجُرم الذي هو الفدية. إيصال هذا المال أو المبلغ لمستحقه في حال قيام الإنسان بجريمة أو ما شابه لأهل المرتكب عليه الجريمة أو الشخص نفسه الإيصال له أسلوبان: الأول أن يرسل وفد صلح وشفاعة حتى يقبلوا ما يقدمه لهم فيبدأوا أولاً بإرسال الوفد ثم يذهب بالفدية أو المقابل. والصورة الأخرى أن يذهب إبتداء فيقدم ما عنده فإذا رفض يذهب ويأتي بوسطاء يسفعون له. الآيتان كل واحدة منهما نظرت إلى صورة. فنُفي الصورتان عن القبول فيما يتعلق بالأمم التي آمنت قبل اليهود بشكل خاص حتى يؤمنوا بالله تعالى ورسوله محمد  وبكتابه. الآية الأولى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)) هذه الصورة الأولى تقدمون الشفاعة غير مقبولة. الشفاعة ى تقبل والفدية لا تؤخذ. الآية (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)) هذه الصورة الثانية. نجمع بين الآيتين على بعد ما بينهما هذه نظرت في صورة وهذه نظرت في صورة فانتفت كلتا الصورتين يعني لا يمكن أن يقبل منكم إلا أن تتبعوا هذا النبي لا تقدموا ابتداء ولا تأتون بالشفاعة هذا كله لا يُقبل والذي يقبل منكم هو الإيمان بما أنزلت مصدقاً لما معك. (لا يقبل منها) استعمل المذكر (يقبل) مع الشفاعة. الشفاعة مؤنثة حتى تكون الشفاعة مطلقة إذا فصلت بين المؤنث والمجازي.التأنيث. مع المؤنث الحقيقي يجوز التذكير والتأنيث يقول ذهب إلى الجامعة فاطوة وذهبت إلى الجامعة فاطمة هكذا إذا كان هناك فصل. لكن ذهبت فاطمة لا يجوز غير هذا، إلا ذهبت فاطمة. أما المؤنث المجازي تقول: طلعت الشمس وطلع الشمس ابتداء فهنا مؤنث مجازي ومع ذلك فصل فذككّر حتى يكون الكلام عاماً عن الشفاعة أياً كانت ليس لتأنيثها وإنما جعلها عامة يعني لا يقبل منها أي شيء من أشياء الشفاعة. كأنه نوع من التيئيس لأن الإنسان إذا إرتكب جرماً إما أن يذهب بالعدل أي المال المقابل للجرم إلى القبيلة فإذا رُفِض يذهب ويأتي بالشفعاء أو العكس يأتي بالشفعاء أولاً حتى يقبلوا العدل منه. فالقرآن الكريم يأّس بني إسرائيل من الحالتين لا يقبل منكم عدل إبتداء وبعده شفاعة ولا شفاعة ابتداء ثم يأتي العدل بعد ذلك لا ينفعكم إلا أن تتبعوا محمداً . *د.أحمد الكبيسى: الآية الأولى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿47﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿48﴾ البقرة) الشفاعة أولاً العدل الفداء يعني الفدية شخص يفتدي نفسه بمال الشفاعة لا بدون مال مجاناً لكنه بوجاهة أحد الناس يشفع لك . إذاًَ أول مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) شفاعة أولاً وعدلٌ ثانياً في آية123 غيّر الترتيب قال (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴿123﴾ البقرة) يقبل منها عدل أي فدية ولا تنفعها شفاعة. لماذا في الأولى قدم الشفاعة وأخّر الفدية وفي الثانية أخر الشفاعة وقدم الفدية؟ باختصار شديد الحديث لبني إسرائيل ورب العالمين يخاطبهم في هاتين الآيتين يحذرهم من أن هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم أنهم لم يؤدوا شكرها فيحذرهم يقول اتقوا ذلك اليوم القادم وهو يوم القيامة في ذلك اليوم مرة قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) الثانية بالعكس. الفرق أن بني إسرائيل ككل الأمم نوعان نوعٌ حريصٌ جداً على المال أكثر من حرصه على حياته هذا موجود في كل الأمم لكن في اليهود أكثر. المعروف أن اليهود يحبون المال حباً أكثر من أنفسهم ألف مرة بحيث أن الإنسان يقدم نفسه فداء لحفظ ماله ولا يقدم ماله فداء لحفظ نفسه وهذا موجود في كل الدنيا لكن في بني إسرائيل ظاهرة. إذاً خاطبهم وقال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ) قدّم العدل وهو الفداء في الآية التي قدم فيها الفداء يخاطب أولئك اليهود الذين يفدون مالهم بأنفسهم، هذا واحد. في الآية الثانية أيضاً هناك فريق ثاني ولا ينكر كما في كل الأمم هناك من تكون نفسه عزيزة عليه ولهذا يفديها بماله يعطي المال ولا يعرّض نفسه للموت. من أجل هذا رب العالمين في الآيتين خاطب الفريقين والفريقان في بني إسرائيل ظاهران معروفان متميزان قومٌ بلغ بهم البخل إلى حد أنه يفدي ماله بنفسه وقسم بلغ بهم حب الحياة كما رب العالمين سبحانه وتعالى وصفهم في آية أخرى أنهم يحبون الحياة هؤلاء يفدي نفسه بالمال وبالتالي في كل ترتيبٍ من هاتين الآيتين رب العالمين يخاطب شريحة من شرائح بني إسرائيل وهاتان الشريحتان ليستا في عصرٍ واحد يعني جاء عهد شاع في بني إسرائيل حب المال حباً عظيماً وفي عهد شاع فيه حب الحياة وبالتالي هاتان الآيتان تخاطب جميع اليهود على اختلاف أدوارهم في التاريخ عموماً. نلاحظ أيضاً أن كلمة شفاعة جاءت منكّرة الشفاعة في القرآن تأتي عادة معرّفة (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿109﴾ طه) حينئذٍ الشغاعة هناك معروفة شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، لما نكرها قال (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) الشفاعة المنكّرة يعني أن هناك شفاعات متعددة وأنواع متعددة من الشفاعات وهذه معروفة الشفاعات في الإسلام كثيرة أهمها وأعظمها وأكرمها وأوفاها الشفاعة الكبرى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم (شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي) (قم يا محمد فاشفع تشفع) هذه الشفاعة الكبرى ولكن هناك شفاعات إلى جانب هذه الشفاعة. النبي صلى الله عليه وسلم يقول للشهيد شفاعة إذا مات شخص وهو شهيد يشفع لسبعين من أهل بيته، هناك المُسِنّ المؤمن إذا بلغ المؤمن تسعين عاماً يعني مات بعد التسعين شفعه الله في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار، العالم العامل يشفع في عشرة من أهل بيته، الزهراوان البقرة وآل عمران يشفعان، رمضان يشفع، قيام الليل القرآن الكريم يشفع وهكذا شفاعات كثيرة فرب العالمين لما قال نكرة قال (وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ) أيّ شفاعة كانت من الشفاعات لا تنفع من لا يتقي ذلك اليوم ولا يحسب له حساباً ولا يعمل له وإنما يكون كل همه في الدنيا كما هم بنو إسرائيل عموماً. الخطاب لبني إسرائيل بنو إسرائيل أبصر الناس بالحياة ما من أحد بصير بالحياة كبني إسرائيل وهذا شيء معروف والتطبيق العملي أمام أعيننا جميعاً كما هم الآن في العالم يحكمون العالم كله ما من بقعة ولا دولة في العالم إلا ولليهود عليها دالة. حينئذٍ هؤلاء الله قال (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴿24﴾ يونس) وأهل الدنيا هم اليهود من حيث أن الله أخبرنا بأنهم سوف يعلون علواً كبيراً بحيث يكون سلطانهم على جميع سكان الأرض كما هو الحال اليوم وهذا من علامات القيامة كما هو في الآية. الوقفة كاملة
٣٨ (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) والآية التي نحن بصددها وردت ثلاث مرات في القرآن الكريم. قوله تعالى: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49] { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ }[الأعراف: 141] وقوله جل جلاله في سورة إبراهيم:{ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ }[إبراهيم: 6] الاختلاف بين الأولى والثانية هو قوله تعالى في الآية الأولى: { يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ }. وفي الثانية: { يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ }. " ونجينا " في الآية الأولى: " وأنجينا " في الآية الثانية. ما الفرق بين نجينا وأنجينا؟ هذا هو الخلاف الذي يستحق أن تتوقف عنده.. في سورة البقرة: { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ }.. الكلام هنا من الله. أما في سورة إبراهيم فنجد { اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ }. الكلام هنا كلام موسى عليه السلام. ما الفرق بين كلام الله سبحانه وتعالى وكلام موسى؟.. إن كلام موسى يحكي عن كلام الله. إن الله سبحانه وتعالى حين يمتن على عباده يمتن عليهم بقمم النعمة، ولا يمتن بالنعم الصغيرة. والله تبارك وتعالى حين امتن على بني إسرائيل قال: { نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ }. ولم يتكلم عن العذاب الذي كان يلاقيه قوم موسى من آل فرعون. إنهم كانوا يأخذونهم أجراء في الأرض ليحرثوا وفي الجبال لينحتوا الحجر وفي المنازل ليخدموا. ومن ليس له عمل يفرضون عليه الجزية. ولذلك كان اليهود يمكرون ويسيرون بملابس قديمة حتى يتهاون فرعون في أخذ الجزية منهم. وهذا معنى قول الحق سبحانه وتعالى:{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ }[البقرة: 61] أي أنهم يتمسكون ويظهرون الذلة حتى لا يدفعوا الجزية. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يمتن عليهم بأنه أنجاهم من كل هذا العذاب. بل يمتن عليهم بقمة النعمة. وهي نجاة الأبناء من الذبح واستحياء النساء. لأنهم في هذه الحالة ستستذل نساؤهم ورجالهم. فالمرأة لا تجد رجلا يحميها وتنحرف. كلمة نجَّى وكلمة أنجى بينهما فرق كبير.كلمة نَجَّى تكون وقت نزول العذاب. وكلمة أنجى يمنع عنهم العذاب. الأولى للتخليص من العذاب والثانية يبعد عنهم عذاب فرعون نهائيا. ففضل الله عليهم كان على مرحلتين. مرحلة أنه خلصهم من عذاب واقع عليهم. والمرحلة الثانية أنه أبعدهم عن آل فرعون فمنع عنهم العذاب. قوله تعالى: ( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ) ما هو السوء؟ إنه المشتمل على ألوان شتى من العذاب كالجلد والسخرة والعمل بالأشغال الشاقة. ما معنى يسوم؟ يقال سام فلان خصمه أي أذله وأعنته وأرهقه. وسام مأخوذة من سام الماشية تركها ترعى. لذلك سميت بالسام أي المتروكة. وعندما يقال إن فرعون يسوم بني إسرائيل سوء العذاب. معناها أن كل حياتهم ذل وعذاب.. فتجد أن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن حكام مصر من الفراعنة يتكلم عن فراعنة قدماء كانوا في عهد عاد وعهد ثمود. بعد أن تحدثنا عن الفرق بين نجيناكم وأنجيناكم. نتحدث عن الفرق بين ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ). و ( يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ ).. الذبح غير القتل.. الذبح لابد فيه من إراقة دماء. والذبح عادة يتم بقطع الشرايين عند الرقبة، ولكن القتل قد يكون بالذبح أو بغيره كالخنق والإغراق. كل هذا قتل ليس شرطا فيه أن تسفك الدماء. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن فرعون حينما أراد أن ينتقم من ذرية بني إسرائيل انتقم منهم انتقامين.. انتقاما لأنهم كانوا حلفاء للهكسوس وساعدوهم على احتلال مصر. ولذلك فإن ملك الهكسوس اتخذ يوسف وزيرا. فكأن الهكسوس كانوا موالين لبني إسرائيل. وعندما انتصر الفراعنة انتقموا من بني إسرائيل بكل وسائل الانتقام. قتلوهم وأحرقوا عليهم بيوتهم. أما مسألة الذبح في قوله تعالى: ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ ) فلقد رأى فرعون نارا هبت من ناحية بيت المقدس فأحرقت كل المصريين ولم ينج منها غير بني إسرائيل. فلما طلب فرعون تأويل الرؤيا. قال له الكهان يخرج من ذرية إسرائيل ولد يكون على يده نهاية ملكك. فأمر القوابل (الدايات) بذبح كل مولود ذكر من ذرية بني إسرائيل. ولكن قوم فرعون الذين تعودوا السلطة قالوا لفرعون: إن بني إسرائيل يوشك أن ينقرضوا وهم يقومون بالخدمات لهم. فجعل الذبح سنة والسنة الثانية يبقون على المواليد الذكور. وهارون ولد في السنة التي لم يكن فيها ذبح فنجا. وموسى ولد في السنة التي فيها ذبح فحدث ما حدث. إذن سبب الذبح هو خوف فرعون من ضياع ملكه. وفرض الذبح حتى يتأكد قوم فرعون من موت المولد. ولو فعلوه بأي طريقة أخرى كأن القوة من فوق جبل أو ضربوه بحجر غليظ. أو طعنوه بسيف أو برمح قد ينجو من الموت. ولكن الذبح يجعلهم يتأكدون من موته في الحال فلا ينجو أحد. والحق يقول: ( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ). كلمة الابن تطلق على الذكر، ولكن الولد يطلق على الذكر والأنثى. ولذلك كان الذبح للذكور فقط. أما النساء فكانوا يتركونهن أحياء. ولكن لماذا لم يقل الحق تبارك وتعالى يذبحون أبناءكم ويستحيون بناتكم بدلا من قوله يستحيون نساءكم. الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أن الفكرة من هذا هو إبقاء عنصر الأنوثة يتمتع بهن آل فرعون. لذلك لم يقل بنات ولكنه قال نساء. أي أنهم يريدونهن للمتعة وذلك للتنكيل ببني إسرائيل. ولا يقتل رجولة الرجل إلا أنه يرى الفاحشة تصنع في نسائه. والحق سبحانه وتعالى يقول: ( وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ). ما هو البلاء؟ بعض الناس يقول إن البلاء هو الشر. ولكن الله تبارك وتعالى يقول: ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) إذن هناك بلاء بالخير وبلاء بالشر. والبلاء كلمة لا تخيف. أما الذي يخيف هو نتيجة هذا البلاء؛ لأن البلاء هو امتحان أو اختبار. إن أديته ونجحت فيه كان خيرا لك. وأن لم تؤده كان وبالا عليك. والحق سبحانه وتعالى يقول في خليله إبراهيم:{ وَإِذِ ابْتَلَىا إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }[البقرة: 124] فإبراهيم نجح في الامتحان، والبلاء جاء لبني إسرائيل من جهتين.. بلاء الشر بتعذيبهم وتقتيلهم وذبح أبنائهم. وبلاء الخير بإنجائهم من آل فرعون. ولقد نجح بنو إسرائيل في البلاء الأول. وصبروا على العذاب والقهر وكان بلاء عظيما. وفي البلاء الثاني فعلوا أشياء سنتعرض لها في حينها. الوقفة كاملة
٣٩ آية (25): *يقول تعالى(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴿26﴾ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿27﴾ البقرة) - (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) فلماذا في النقض الأول في البقرة قال أولئك هم الخاسرون والنقض الثاني في الرعد قال أولئك عليهم اللعنة ولهم سوء الدار؟(د.أحمد الكبيسى) الخطاب في البقرة لبني إسرائيل وبنو إسرائيل من حقهم بل من واجبهم أن يتّبعوا سيدنا موسى وهم اتبعوا سيدنا موسى إلا أنهم حرّفوا في هذا الدين، المهم أنهم على شريعتهم وعلى ما أوجب الله عليهم من إتباع التوراة وما جاء به سيدنا موسى عليه السلام وعندما حرّفوا حرّفوا ضمن المشروع، ضمن هذا الدين فرب العالمين قال هؤلاء الذين نقضوا الميثاق. والميثاق هو الذي أخذ الله به على البشرية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ الأعراف) الميثاق الذي أخذه الله على كل بني آدم أنني أنا الله لا إله إلا أنا وقالوا بلى، فمن كفر بعد ذلك فقد نقض الميثاق. الميثاق الثاني للأنبياء جميعاً وأممهم أن يؤمنوا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴿81﴾ آل عمران) هذان هما الميثاق، جميع البشرية أخذ الله عليها هذا الميثاق، بعض البشرية حرّفوا ونقضوا هذا الميثاق إما كُلاً أو جزءاً، جزءاً هم بنو إسرائيل ولهذا الله قال أولئك هم الخاسرون نقضوا بعض ما جاء به سيدنا موسى ولم يتبعوه وحرفوه وإلى هذا اليوم هم يتّبعون هذا التحريف والله قال هم خاسرون لأنهم لا يزالوا أتباع سيدنا موسى، هذا في سورة البقرة. في سورة الرعد خطاب للمسلمين المسلمون إذا نقضوا العهد وتركوا الإسلام وحرفوه واتبعوا ما جاء به بنو إسرائيل (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فانحراف بني إسرائيل جزئي، انحراف المسلم الذي يترك دينه ويتبع ما جاءت به التوراة في تعليماته في أوامرها في ولائه لهم في خدمته لهم (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) فاليهود الذين حرّفوا (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) لأنهم ضمن دينهم. المسلمون الذين حرّفوا تبعاً لإرادات اليهود ومشيئتهم وهذا في التاريخ كثير (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). هؤلاء اليهود صنعوا من المسلمين فرقاً فرقاً أعدى ما تكون للإسلام نفسه (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). *(أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿159﴾ البقرة) – (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) - (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴿87﴾ آل عمران) - (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) -(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) ما الفرق بين هذه التعبيرات؟(د.أحمد الكبيسى) مرة أخرى البقرة أيضاً استدراك على ما مضى في الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴿159﴾البقرة) اللعنة هذه كما تعرفون اللعنة هي الطرد فلان ملعون لعناه الخ كل كلمة لعن ويلعن يعني طردته من حضرتك أنت ملك فصلت وزيراً يقال لعنه طردته من رحمتك من عطفك من ثقتك طرد، هكذا معنى اللعن. في القرآن مرة قال (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فعل مضارع ومرة قال (لَعَنَهُمُ اللَّهُ (52) النساء) فعل ماضي ومرة قال (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴿87﴾آل عمران) تعبير آخر ومرة قال (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) تعبير رابع ومرة قال (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) مرة واحدة مرة واحدة قالها لإبليس لما رفض أن يسجد طرده ولعنه (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هكذا، من أجل هذا عليك أن تعرف أن كل تعبير من هذه التعابير تعني أسلوباً في اللعن واللعن هذا أخطر ما يمكن أن يصادفه المخلوق سواء كان إنساً أو جناً أو ملكاً أو بشراً حتى الحيوان إذا لعنت نعجة لا تؤكل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا لعنت بعيراً لا يُركب إذا لعنت سيارة لا تُركب وإذا لعنت إنساناً فإذا كان يستحق اللعن لأنه ارتكب شيئاً يستحق عليه اللعن مما جاء في الكتاب والسنة خلاص هو ملعون وإذا كان لم يكن يستحق اللعنة تدور اللعنة في السموات والأرض فلا تجد أحد تصيبه فتعود إلى من لعن ولهذا (ليس المؤمن لعّاناً) المؤمن لا يلعن لأنها مصيبة وإذا عادت اللعنة ابتلي بعدم التوفيق في كل شيء. نعود إلى هذه الصيغ عندما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال يلعنهم فالقضية مستمرة إذاً، لماذا؟ في كل عصر هناك من يكتم الآيات البينات ويكتم الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في كل أدوار التاريخ ما من نبي جاء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً إلا وابتلي ذلك الدين بواحد مفتي كاهن أو قس أو شيخ أو عالم أو مُلا أو مطوّع يعرف الحق تماماً هذه الآية واضحة وهذا الحديث واضح يلويه يغطيه لكي يصل إلى نتيجة دنيوية سيئة فينحرف بمجموعة. هذه المجموعة تبقى طيلة حياتها وطيلة عمر الدنيا تكيد لذلك الدين ولأهله تمزقه تنخر فيه وهذا في كل الأديان. وما عانت الأديان أكثر مما عانت من هؤلاء الذين ينحرفون عن الرسالة السماوية وما انحرفوا من اختيارهم هناك من أفتاهم، هؤلاء الذين يسمون رجال الدين العلماء الأحبار (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴿34﴾ التوبة) وهكذا علماء المسلمين وهكذا كل رجال الدين حتى رجال الدين الوثنيين هناك تحريفيون ولو أن ذاك التحريف فاضل. إذاً هذا الكتمان وهذا الانحراف موجود في التاريخ قال يلعنهم فعل مضارع والمضارع في الحال والمستقبل (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) حينئذٍ هذا الفعل المضارع كلما وجدته على ملعونين إعلم أن هذه القضية مستمرة ما انقطعت. إذا قال (لَعَنَهُمُ) شيء راح وانتهى ناس ارتدوا كفروا (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) حينئذٍ شيء يتكرر هكذا لعنهم. وحينئذٍ كلمة يلعنهم مضارع مستمرة كل من وما يستحق اللعن إذا هو مستمر يقول (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) إذا كان شيء انتهى أو كان في الماضي يقول (لَعَنَهُمُ) إذا كان قضية خطيرة واحد عمل مبدأ انحراف ونشأت عليه جماعة أو طائفة وكل الأديان الموجودة نحن عندنا ناس انسلخوا من الإسلام يعبدون الشيطان وناس تعبد قبراً وناس تعبد نعل النبي وأشكال اقرأ التاريخ سبعين فرقة عند المسيحيين سبعين فرقة وعند اليهود سبعين فرقة وعند المسلمين سبعين فرقة واحد أضلهم واحد! وهذا الواحد يقتل كل من انحرف بفتوى، هو سيدنا عمر سيدنا عثمان سيدنا علي سيدنا الحسين قُتِلوا بفتوى واحد قال هؤلاء مشركين اقتلوهم، تصور! وهؤلاء أنشأوا طائفة وإلى اليوم القتل مستحر في أيامنا نحن في هذا الزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل) نشأنا أمة واحدة فعلاً عرب مسلمون طيبون توجد مذاهب إسلامية متعايشة عيشاً سلمياً رائعة وهذا من عظمة الإسلام المسألة الواحدة في الإسلام لها أربع خمس حلول حدّان حد أعلى وحد أدنى وأنت حرٌ بينهما (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴿187﴾ البقرة) هذه خمسين في المائة (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴿229﴾ البقرة) هذه بالمائة مائة وأنت حرٌ فيما بينها تأخذ ستين سبعين مقبول جيد جيد جداً أنت حر. إلى أن جاء واحد باعتقاده أن الذي لا يصل إلى المائة مائة فهو كافر واقتلوا اقتلوا وهكذا في زماننا كانت الأمة متجانسة يعني في الأربعينات الثلاثينات التي نحن وعيناها أمة واحدة حيثما ذهبت في العالم مهما كان مذهبك أو اختلافك اختلافات فقهية صحيحة كلها واردة عن رسول الله. النبي صلى الله عليه وسلم طبّق تطبيقات عديدة وكل واحد أخذ له رأي وهذا شيء جميل واتفق عليه المسلمون بأن هذا يجوز وهذا يجوز وهذا يجوز. وعينا على ناس قالوا نحن فقط صح وكلكم أنتم رجعيين يعني يُطلِق على من عداه رجعيون ويقتلهم وقد قتلوا وسحلوا وعلقوا ثلاثين عاماً. نعود إذاً إلى ما كنا نقول إن التعبير بـ (يلعنون) بالفعل المضارع لأمر أو جريمة أو دمٍ سيستمر مدى الدهر كما قلنا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) طيلة التاريخ كان هناك من يكتم الحق مع وضوحه هنا النقطة (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ) بيان ظاهر قضية لا تقبل الخطأ. وحينئذٍ هذا الذي يخالف هذا ثم يُضل الناس ويكتم الحق عليهم هذا سوف يستمر وجوده إلى يوم القيامة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) كما قلنا في زماننا كثير عناوين سياسية تقتل الآخر بحجة أنك رجعي جاءت ثلاثين عاماً بعدهم ثلاثين عاماً جاء من يقتل الآخر بحجة أنك أنت خائن وعميل إلى سنة الألفين ألفين وثلاثة أربعة من الآن فصاعداً هناك من يقتل الآخر لأن الآخر مشرك وكافر وهذا مستمرٍ إلى يوم القيامة. ما أن مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءت هذه الفرقة الخوارج كفّروا كل من عداهم واستحلوا دمائهم بأبشع صورة يعني لا يقتلون قتلاً عادياً لا، قتل مع التمثيل هذا مستمر ولم ينقطع من زمن موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم وإلى يوم القيامة (لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم الهرج القتل القتل القتل حتى يقتل الرجل أخاه وجاره وابن عمه حتى لا يدري القاتل لما قتل ولا المقتول فيما قتل) نسمع الآن أن فلان قتل أخوه فلان قتل أبوه باعتباره مشرك هذا (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لماذا؟ لأن هذا خالف قضية واضحة (أمرت أن أمر الناس حتى يقول لا إله إلا الله فإذا قالوه عصموا مني دماءهم) وهذا الذي يقتل الآن يصلي خمس أوقات وفي المسجد ويصوم رمضان وهو مسلم ابن مسلم يُذبَح لأنه مشرك حينئذٍ هذا مستمر الله قال (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع. الشيء الآخر (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿86﴾ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿87﴾ آل عمران) هذا قضية أصبحت يعني حُكم بها هؤلاء الذين ارتدوا بعد الإسلام بعد أن آمنوا بالله وقالوا محمد رسول الله ثم ارتد وهكذا فعلوا مع سيدنا موسى وهكذا فعلوا مع سيدنا عيسى على هؤلاء جميعاً (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وهذه من باب التهديد يعني هذا التعبير بالإسمين (إن واسمها وخبرها) فيه رائحة تهديد وفعلاً كيف يمكن أن تتعامل مع مرتد والارتداد مستمر منذ أن جاءت الرسل وإلى يوم القيامة. عندنا تعبير آخر (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) هذا أيضاً تعبير جديد يقول (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ الرعد) مجموعة ذنوب كبيرة بعضها أكبر من بعض فاجتمعت فقال (لهم) هذه اللام للاختصاص وكأنه لا يلعن أحدٌ كما يلعن هؤلاء فرق بين أن أقول هذه لك وهذه عليك. هذه لك اختصاص (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) كأن اللعن ما خُلِق إلا لهؤلاء ينقضون عهد الله بالتوحيد ويقطعون ما أمر الله به طبعاً بعد ميثاقه فرب العالمين قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴿172﴾ الأعراف) أخذ علينا العهد (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿172﴾ الأعراف) هذا نقض عهد الله هذا واحد، (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) يقطع الرحم وقد أمره بها أن توصل ويقطع النعمة ويقطع الخ يعني ما ترك شيئاً رب العالمين يريد أن يصله إلا قطعه (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قتل وإبادة وتكفير وما إلى ذلك هؤلاء (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). فرق بين (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) وبين (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) وبين (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ (25) الرعد) يعني كأنها ما من أحد يُلعَن كما يلعن هؤلاء. أقوى هذه التعبيرات الرهيبة جاءت مرة واحدة في القرآن كل هذا جاء مرات مرة واحدة في القرآن الكريم رب العالمين لعن بها إبليس لما قال له (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴿77﴾ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿78﴾ ص) أنا رب العالمين وتعرف رب العالمين إذا اختص وحده باللعنة هناك لعنة الله والملائكة والناس يعني لكن أنت إبليس عليك لعنتي وأنت تعرف وقد لا تعرف ماذا يعني أن أختص أنا وحدي بلعنك (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) هذا الفرق بين عدة التعبيرات لكلمة اللعن. الوقفة كاملة
٤٠ آية (31): *هل اللغة تألف حذف جواب الشرط؟(د.فاضل السامرائى) طبعاً. حذف الجواب له أكثر من موضع إما أن يكون معلوماً، مثلاً (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى (31) الرعد) ما ذكر ما الذي يحدث، هذا في القرآن كثير أحياناً يأتي للتفخيم وأحياناً لمجرد العلم. *ما الفرق بين كلمتى معاد و ميعاد؟(د.فاضل السامرائى) المعاد غير الميعاد. المعاد هو بلد الرجل من العَوْد، نعاد إسم مكان بلد الرجل معاده لأنه يسافر ثم يعود. هناك فرق بين المعاد والميعاد: المعاد من عاد والميعاد من وعد (مفعال - موعاد) أصلها موعاد سكن حرف العلة وقبلها كسرة فيصير ميعاد. إذن المعاد من عاد من العوْد إسم مكان، المعاد هو البلد بلد الإنسان هو معاده، البلد الذي يعيش فيه لأنه مهما ذهب يعود إليه فهو معاده ، والميعاد من عاد، الميعاد هو الموعد (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) يعني لا يخلف الموعد ولا يصح أن يقال لا يخلف المعاد. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ (81) هود) هذا موعد من ميعاد، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) (وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (47) الحج). قسم قال المعاد هو الحشر والجنة باعتبار الناس يعودون أو الجنة لأنه تعود إليهم حياتهم. نقول نعود إلى المعاد في الميعاد. الوقفة كاملة


إظهار النتائج من 31 إلى 40 من إجمالي 314 نتيجة.