التدبر
| ٩١ | الأدب مع أهل الفضل من العلماء والأتقياء والمربين والحكماء الذين وقفوا حياتهم لخدمة الدين - تعليمًا ودعوة- يقتضي التوقير والاحترام، سواء في معاملتهم أو في طرق أبوابهم، ومراعاة أوقاتهم؛ لما في ذلك من مصلحة عامة للمسلمين. الوقفة كاملة |
| ٩٢ | من تأمل هذه الآيات: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)، (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) ، (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) وغيرها، أدرك أن المنهج الحق للمؤمن الموفق في عباداته، بل في حياته أن يكون بين الخوف والرجاء، فلا يطغى أحدهما على الآخر، وهذا هو هدي الأنبياء وسلف الأمة. الوقفة كاملة |
| ٩٣ | الفرح له اعتبارات متنوعة، وصور متباينة، ويختلف باختلاف القلوب التي تتعامل معه، وفي القرآن ذكر لصور متباينة للفرح، فقارن -مثلا- بين: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) وبين: (ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )؛ لتدرك الفرق بين فرح يوجب رحمة الله ورضوانه، وبين فرح يوجب غضبه وخذلانه. الوقفة كاملة |
| ٩٤ | لم ينكر والدهم ذلك بل أرسله معهم؛ مما يدل على مشروعية اللعب البريء، وحاجة الأبناء إليه، وهو يرسم منهج الوسطية بين الذين اتخذوا حياتهم لهوًا ولعبًا، واشتروا لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله، وبين الذين تشددوا وغلوا، وحرَّموا زينة الله التي أخرج لعباده؛ فلا يجوز تحريم اللعب بإطلاق أو تحليله دون ضابط. الوقفة كاملة |
| ٩٥ | العبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي، ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول: (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي). الوقفة كاملة |
| ٩٦ | مبنى الفاتحة على العبودية؛ فإن العبودية إما محبة، أو رجاء، أو خوف، و (الْحَمْدُ للّهِ) محبة، و (الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ) رجاء، و (مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) خوف، وهذه هي أصول العبادة، فرحم الله عبدًا استشعرها، وأثرت في قلبه، وحياته. الوقفة كاملة |
| ٩٧ | (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (وجعلنا الليل لباسا) (النبأ)، (قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم) (الأعراف: ٢٦) تأمل هذه الآيات، تجد الرابط بينها (الستر) والمشترك بين الثياب حسن سترها، فهل يدرك الزوجان أنه عندما يتحدث أحدهما بعيوب شريك حياته ويكشف أسراره قد أصبح كالثوب المخرق قبيح المنظر، فاضح المخبر؟. الوقفة كاملة |
| ٩٨ | وقفت متأملًا لقوله تعالى: (الحج أشهر معلومات ) فتساءلت: لماذا تميز وقت الحج بـ(أشهر) دون سائر الأركان؟ فكأنه لعدم وجوبه في العمر إلا مرة واحدة، ولبعد مسافة قاصده غالبًا (من كل فج عميق) الحج: ٢٧؛ أطال أمده ليقضي المسلم نهمته من العبادة في الحرم، ويتهيأ قبل فترة المناسك وبعدها، إذ يقدم مبكرًا وينصرف متأخرًا إن رغب، توسعة ورحمة، وحثًا على المبادرة والتزود؛ لما لذلك من أثر إيجابي في حياته الوقفة كاملة |
| ٩٩ | تأمل في سير الأنبياء والمصلحين، إذ تجد البركة في حياتهم، مع قلة إمكاناتهم المادية وصعوبة الحياة في أزمانهم، فاقتد بهم، متدبرا قول عيسى عليه السلام -إذ وصف نفسه- مثنيًا على ربه: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) الوقفة كاملة |
| ١٠٠ | بعض الناس كلما أراد أن يتقدَّم في حياته، تذكَّر بعض زلاته في الماضي، فتراجع، وهذا خطأ؛ فالعبرة بكمال النهاية، انظروا إلى موسى قتل نفسًا لم يُؤمَر بقتلها، ولم يمنعه هذا من التصحيح، بل قال: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ)، ونال شرف الرسالة وقام بأعبائها، فإياكم واليأس. الوقفة كاملة |
تذكر واعتبار
| ٩١ | (ولا أقسم بالنفس اللوامة) رجَّح الإمام الطبري أن (اللوامة) صفة مدح، وهو القول الذي قاله ابن عباس، وسعيد بن جُبَير، وعكرمة، ومجاهد قال الطبري : «وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشر، وتَندم على ما فاتَ" أقسم الله بالنفس اللوامة تنويها بها ولا يقسم الله إلا بعظيم النفوس التي تلاحق أصحابها بالتأنيب والمحاسبة والتوبيخ والندم. النفوس الحية التي تستعيد كلماتها وتصرفاتها فتتألم لكلمة قالتها وعمل فعلته. النفوس الشفافة الطهور التي تتمنى أنها لم تؤلم أحدا تتمنى لو أنها قالت كلمة أحسن أو عبارة أرق. تستعيد المشهد فتكون عنيفة مع صاحبها وتمقت كل تقصير فعله أو إساءة بدرت. عندما يضع رأسه لينام تقبل بأحداث يومه كيف كان مع صلاته مع ذكره مع القرآن تلاحق عمره وماضيه تستدعي اللحظات المعتمة من حياته تواجهه بالملفات الخفية التي لا يعرفها أحد من البشر تلاحق تعامله ماذا قلت لفلان ولماذا تصرفت بهذه الطريقة مع فلان ولو كنت صبرت لكان أحسن ولو أنك قلت كذا لكان أفضل. تلاحق شبابه وغدراته وفجراته تظل تصيح به تكسره وتحرجه وتنغص عليه تشعره بالحياء من ربه. بل ربما تلومه وتلومه حتى تبكيه وتشعره بالمقت لنفسه. النفس اللوامة تبقي صاحبها في محراب عبودية الندم والندم توبة. تبقيه منكسر القلب لربه والله يحب القلوب الحيية المنكسرة. اللوامة تبقيه في قفص الاتهام على الدوام بعيدا عن الكبر والفخر والإعجاب بنفسه. إذا كانت تلاحقك هذه المشاعر فقد أعطاك الله قلبا ينبض بالحياة. أحيا الله قلبك!! الوقفة كاملة |
| ٩٢ | توفني مسلما... ( رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ) أكثر المفسرين على أن يوسف عليه السلام سأل ربه الموت منجزا وهو المروي عن ابن عباس من طرق ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وابن عيينة ومقاتل بن سليمان..... وعباراتهم متقاربة وهذه عباراتهم... قال ابن عباس رضي الله عنهما من طريق مجاهد: اشتاق إلى لقاء الله، وأحبَّ أن يَلْحَق به وبآبائه، فدعا اللهَ أن يَتَوَفّاه، وأن يُلْحِقَه بهم، ولم يسأل نبيٌّ قطُّ الموتَ غيرُ يوسف قال قتادة : لما جمع ليوسف شمله، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربّه..... وقال مجاهد: أن يوسف النبي ﷺ، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته، وهو يومئذ ملك مصر، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق... وقال ابن إسحاق: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردَّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة..... قال مقاتل بن سليمان: فلمّا جمع الله ليوسف شَمْلَهُ، فأَقَرَّ بعينه وهو مغموسٌ في المُلْكِ والنِّعمة؛ اشتاق إلى الله وإلى آياته، فتَمَنّى الموت. وقال بعضهم إنه سأل ربه الصفة أي أن يموت مسلما حين يأتي أجله وهو مروي عن الضحاك بن مزاحم. واستشكال المتأخرين بسبب ما ورد في شرعنا من النهي عن تمني الموت وقد أجيب عن ذلك بأجوبة بعضها من جهة النهي وهو أنه خاص بمن تمنى الموت ضجرا وجزعا بسبب الضر الذي نزل به. وأجوبة أخرى من جهة يوسف عليه السلام وأن هذا كان سائغا في ملتهم وشرعهم أو أنه قال ذلك عند احتضاره أو أنه سأل الصفة وهي الموت على الإسلام واختار هذا الأخير ابن تيمية وابن عطية رحمهم الله. وليس هذا محل البحث عن أحكام تمني الموت ولكن تفسير هذه الآية من المواطن الكثيرة التي عظم فيها منهج مفسري السلف في قلبي مع أن تفسير هذه الآية من المواطن التي يسوغ فيها الخلاف لورود قول آخر عن السلف واختيار هذا القول من أئمة محققين معتبرين كابن تيمية وابن عطية وغيرهم رحمهم الله جميعا ولكن جمهورهم على القول الأول. وقد بينوا وجهه بقولهم إن يوسف عليه السلام لما رأى تكامل النعمة عليه في الدنيا اشتاق إلى ربه عز وجل. قلت: وهذه فطرة النفوس التواقة التي لا تزال تطمح للمراتب العالية والمنازل الرفيعة. ومنها أن يوسف عليه السلام لما رأى تكامل النعم الدينية والدنيوية في حياته وأيقن أن الذي أعطاه إياه إنما هو ربه اللطيف الكريم الوهاب اطمأن إلى آخرته واشتاق إليها ولذا قال ( أنت وليي في الدنيا والآخرة) ومنها أنه قد جرت سنة الله تعالى في الدنيا أن كمالها يعقبه النقص وسرورها يتلوه الحزن وجمعها يلاحقه الفقد والفراق فسأل الله تعالى أن يتوفاه في كمالات النعمة قبل زوالها. وهو النبي الذي مرت به آلام الظلم والغربة والرق والسجن والأحزان. ومنها أن الشوق إلى الله تعالى أكمل ما يكون من العبد عند تكامل النعمة عليه وانغماره فيها. فإن النفوس عادة تركن لذلك وتحب لو طالت حياتها في ذلك النعيم العاجل. لكن المشتاقين لربهم لا تلهيهم عن الشوق إليه لذة مهما عظمت. الوقفة كاملة |
| ٩٣ | (إِنَّ هَـٰذَا لَرِزۡقُنَا مَا لَهُۥ مِن نَّفَادٍ) قلق النقص والنفاد والانقطاع يلاحق الإنسان في حياته.... الرصيد ينقص الراتب ينفد الإجازة تنتهي العمر يذهب الصحة تتراجع انتهى الغاز وقود السيارة يشير للفراغ التأمين لم يتبق منه سوى شهر رخصة القيادة انتهت الجواز يحتاج للتجديد لقاء الأحبة يقترب من النهاية. أشواق الأحبة تضعف مشاعر الود تتلاشى قلق النقص يلاحقنا في كل شيء وغدا ينتهي قلق المؤمنين من النقص والانقطاع إن هذا لرزقنا ما له من نفاد الوقفة كاملة |
| ٩٤ | (متلازمة سبأ....) يسأم الإنسان أحيانا ويصيبه الملل ويضجر من الرتابة والسكون حتى في أحوال النعمة والسلامة والأمان. كل هذا جزء من ضعف المخلوق وطبيعته ولذا استثنى الله الملائكة من ذلك قال سبحانه ﴿فَإِنِ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فَٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ یُسَبِّحُونَ لَهُۥ بِٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمۡ لَا یَسۡـَٔمُونَ ۩﴾ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلو لأنه يورث الملل ففي صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْها وعِنْدَها امْرَأَةٌ، قالَ: مَن هذِه؟ قالَتْ: فُلانَةُ، تَذْكُرُ مِن صَلاتِها، قالَ: مَهْ، علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَواللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتّى تَمَلُّوا وكانَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ مادامَ عليه صاحِبُهُ. الملل جزء من ضعفنا وقدرنا في دنيانا المكتظة بالنصب والابتلاء السأم يهجم على الإنسان قهرا ورغما عنه ولو كان في غمرات النعم وقلة المتاعب ليست المشكلة في السأم نفسه لكن في ردود أفعالنا تجاهه. في (سبأ) حين أصابهم السأم وقعوا في خطأ وضلال جسيم بدل أن يتخلصوا من الملل باستحضار نعم الله عليهم وتجديد سعادتهم وحياتهم بشكر الله فيها ظنوا أن سبب مأساتهم هي،النعم نفسها فقالوا كما أخبر الله عنهم ﴿فَقَالُوا۟ رَبَّنَا بَـٰعِدۡ بَیۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَحَادِیثَ وَمَزَّقۡنَـٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ﴾ [سبأ ١٩] تقارب القرى كان نعمة كبرى لو كانت لهم عقول وبصيرة فجعلوا النعمة سببا لسأمهم وملللهم فسألوا الله أن يزيل النعمة عنهم. (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) دواء السأم : الصبر والشكر انتبه حين تشعر بالسأم فقابله بالصبر مثل كل ابتلاء وقل اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك سأمك سببه في داخلك شيطان يلقي عليك الملل من النعمة لتجحدها وتزول عنك. عالج سأمك بالشكر والطاعة وتجديد الشعور بالنعم. وإياك أن تصبح نعمك أحاديث وأطلالا من أثل وشيء من سدر قليل. الوقفة كاملة |
| ٩٥ | اهدنا.... لا أعلم دعاء جاء الوحي بالحث عليه وشرعه في أعظم المقامات وأوجبه مكررا إلا الدعاء بالهداية مما يدل على أنها أعظم فاقة يضطر لها كل العباد وأنها أعظم أسباب سعادة الدنيا والآخرة. فالفاتحة التي هي سورة الصلاة كلها نصفها الأول حمد وثناء وإقرار بين يدي هذا الطلب العظيم. ونصفها الثاني هذا الطلب. وأمر الله بها رحمة بعباده سبع عشرة مرة . لشدة فاقتهم لها وما سعد أحد إلا بما ناله من إجابة هذه الدعوة وما شقي أحد في الدنيا والآخرة إلا بنقص نصيبه منها ولا ذهبت الحيرة والأحزان والضيق إلا بأنوارها ولو انكشف للعبد آثار هذه الدعوة لما فتر عنها لسانه وما غفل عنها قلبه ولدعا بها لنفسه وأحبابه. فالعبد ضال إلا إذا هداه ربه. ضال في دنياه وفي دينه وفي حياته وفي معاملته وتجارته وكلامه وأهله وولده وجيرانه ضال في كل وجه حائر في كل أرض تائه في كل حال إلا بهداية الله له اللهم اهدنا صراطك المستقيم قم في الصلاة وأنت تشعر بمشاعر ذلك الحائر في الصحراء التائه بين رمالها الذي فقد طعامه وشرابه ورفاقه لا يدري أن يسير ويتوجه. الطالب لهداية ربه في كل شؤونه في نفسه وعبادته وأهله وولده وعمله ومشكلاته وأزماته ثم قلها بلسان المسكين الضعيف الذي يرجوا رحمة ربه (اهدنا الصراط المستقيم) فيا لها من ساعة نور الله لك فيا السبل وهداك لأقوم الطرق في كل شيء فرأيت النور في نفسك وأهلك ولسانك وجوارحك وعلاقاتك وحياتك الوقفة كاملة |
| ٩٦ | كان لسيدة نساء العالمين الدور البارز في تفاعل الأحداث بتفاعل عواطفها وانفعالاتها حتى حققت الهدف والمغزى والعبرة التي كانت درساً مهماً في تاريخ الإنسانية، فكانت عوناً وسنداً لنبي الله عيسى عليه السلام، الذي حمل الرسالة ومضى يطوف البلاد يدعو إلى الله بالمحبة والتسامح والسلام، والمتأمل في القرآن الكريم يلحظ الاتي في سيرة مريم عليها السلام: ـ ليس في القرآن الكريم سورة باسم امرأة سوى سورة مريم عليها السلام، لا آمنة أمُّ رسول الله ﷺ (محمد)، ولا خديجة زوجه، ولا فاطمة ابنته. ـ ذكرت مريم (34) مرة في القرآن الكريم. مريم مكفولة من قبل الله، قال تعالى:﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: 44]. مريم مصطفاة، مرة لإنجاب عيسى، ومرة على نساء العالمين، وهي مطهَّرةٌ من كل عيب قال الله تعالى: ﴿وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 42]. مريم عفيفة شريفة، قال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم: 12]، وقد شرَّف الله تعالى مريم بنت عمران تشريفاً عظيماً وتكريماً جليلاً؛ لأنها اعتصمت بالعفاف والطهر طوال حياتها، فاستحقت ذلك، وبهذا نرى أن من خضع لله تعالى رفعه، ومن كان مع الله تعالى طاعةً، كان الله معه عزّاً وكرامةً. مريم وابنها من آيات الله تعالى الدالَّة على قدرته العظيمة، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: 50]، لذا فإن الله تعالى تكريماً ورعايةً لهما اواهما إلى جهة مرتفعة من الأرض، وهذا إن دلَّ فإنما يدلُّ على أنَّ من سلك طريق الطاعة فهو في رفعة وسموّ، ومن سلك طريق المعاصي فهو في انحطاط ودنو. مريم من أفضل نساء العالمين، قال ﷺ: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأسية امرأة فرعون»، وفي رواية أخرى، قالﷺ: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، واسية امرأة فرعون». مريم من أفضل نساء أهل الجنة، قال ﷺ «أفضل نساء أهل الجنَّة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، واسية بنت مزاحم امرأة فرعون». مريم سيدة كاملة، قال ﷺ: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء إلا: مريم بنت عمران، واسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». مريم لم يمسَّها الشيطان، قال ﷺ: «كل بني آدم يطعن الشيطان في جبينه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب». وفي رواية: «كل بني آدم يمسُّه الشيطان يوم ولدته أمُّه إلا مريم وابنها». مريم نذر مقبول، قال تعالى:﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾ [آل عمران: 37] . مريم يأتيها رزقها رغداً في كل وقت وان، قال تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 37] . مريم مؤيَّدة بالمعجزات: قال تعالى: ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: 24-25]. ويكفي أن نتدبّر في الآيات التي ذكرها الله في سورة مريم وآل عمران؛ لندرك قيمة مريم البتول عليها السلام، نحن المسلمون، فدورها عظيم وأساسي وهادف في القصص القرآني، وقد منحها الله هذه المكانة ليمنحنا قصة هادفة لها بُعد إنساني وعقائدي وإعجازي مليئة بالدروس والعبر العظيمة. فمن مريم تعلمنا أهمية النذر والطاعة لله تعالى، وألا نقنط من رحمة الله، ونلجأ لوجهه الكريم في السراء والضراء. ومن مريم تعلمنا الصبر والعفة والطاعة وحمل المسؤولية والعمل والسعي لرعاية ابن حمل رسالة سماوية واجهت معه قومها ومجتمعها، فكانت خير نساء العالمين. ومن خلال قصتها تتعلم الإنسانية كيفية مواجهة الصدمات النفسية من خلال تدبُّر قصتها التي جاءت في القرآن الكريم، وذلك باستلهام الدروس والعبر: ـ كالاستسلام لقضاء الله وقدره. ـ أهمية العزلة المؤقتة. ـ الصبر بصدقٍ مع الله على البلاء والمصيبة. ـ الخروج من دائرة الحزن، ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾ [مريم: 24] . ـ تذكُّر نعم الله تعالى وأنها لا تعدُّ ولا تحصى، ﴿ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: 24] . ـ المحافظة على القوة وعدم الاستسلام للضعف،﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: 25] . استدراك الاثار سريعاً، فللصدمات النفسية اثار ينبغي استدراكها سريعاً، أحدها جسدي ويتمثل بأعراض كثيرة منها: اضطرابات الأكل وفقدان الشهيَّة، والاخر معنوي ومنها: الحزن وفقدان السكينة والاطمئنان. وإذا تدبرنا قوله تعالى نجد أن الله الحكيم العليم وجَّه مريم إلى علاج الأمرين: الآثار ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: 26]، والآثار المعنوية، فكان لعلاج الآثار الجسدية (فكلي واشربي)، وكان العلاج للآثار المعنوية (وقري عيناً) أي: لا تغتمِّي، واتركي عنك ما أحزنك وأهمك، وكوني سعيدة باصطفاء الله لك، مسرورة بما أعطاك فيما تهتمين به وتحزنين هو عين النِّعمة التي ليست لأحد غيرك من نساء العالمين. الاستعانة بعد الله بالصمت وتفويض الأمر إليه سبحانه وتعالى. اليقين بأن مع العسر يسراً، وبعد الضيق فرجاً، فها هي سيِّدة نساء العالمين مريم الطاهرة تباعدت عن الذِّكر حينما اعتزلت وتنحَّت للعبادة، فخلَّد الله ذكرها، وبعدما صدمت بذلك الأمر العظيم، وهو طفل بلا أب، وتمنَّت أن تنسى فلا تذكر قال تعالى: ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: 23] . خلَّد الله ذكرها في كتابه، وأعلى شأنها، وبيَّن براءتها وجعلها مثالاً يحتذى، وقدوةً لنساء العالمين، ثم بعد ذلك يصبح ابنها نبيّاً رسولاً يجري الله على يديه النور والصلاح، ويؤيده بالكثير من المعجزات، ويحقق العبودية الخالصة لله، ويتعدّى لمن يشكك دعوة الله تعالى للمحبَّة والسلام والتسامح والرفق والرحمة، والحجة والبرهان والدليل. لقد كان للسيدة مريم عليها السلام مكانة خاصَّة رفيعة في القرآن الكريم، فقد اصطفاها الله بالتطهُّر، لتقوم بأنبل وأعظم مهمة، وهي مهمة الأمومة في سياق المعجزة الإلهية، فكان لها الدور العظيم والأساسي في محور الأحداث المتعلقة بسيرة عائلتها وابنها، ورسالته التوحيدية الخالصة لله عزَّ وجل. الوقفة كاملة |
| ٩٧ | الحمد لله. لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته . ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن . أولاً : الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية : 1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه . 2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض . أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه . هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه . 3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير . 4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله . 5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض . ثانياً : الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن : ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة . ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة . ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه : 1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 . 2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون . 3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه . 4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية . 5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي . 6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين . صور من اهتمام المسلمين بالسجناء : - الحديث السابق الذكر الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالاهتمام بالأسير وتلبية حاجته من الطعام والشراب ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدفع بالأسرى ونحوهم على أصحابه ويوصيهم بهم خيرا . - كان الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص عن أحوالهم . - كتب عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس إلى عماله يقول : انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى . - جعل الخليفة المعتضد العباسي من الميزانية 1500 دينار شهريا لنفقة المسجونين وحاجاتهم وعلاجهم ونحوه . - لما سجن الخليفة العباسي المقتدر أحد وزرائه وهو ابن مقلة ، ساءت أحوال الوزير فأرسل له الطبيب المشهور ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة ليعالجه في سجنه وأوصاه به خيرا . وكان الطبيب يطعم السجين بيده ويرفق به وبحاله . - وكتب الوزير علي بن عيسى الجراح في زمن الخليفة المقتدر إلى رئيس مستشفيات العراق حينذاك يقول له : ( فكرت مد الله في عمرك في أمر من بالحبوس - أي السجون - وأنه لا يخلو مع كثرة عددهم وجفاء أماكنهم أن تنالهم الأمراض ، وهم معوّقون عن التصرف في منافعهم ولقاء من يشاورونه من الأطباء فيما يعرض لهم ، فينبغي أن تفرد لهم أطباء يدخلون إليهم في كل يوم ، وتحمل لهم الأدوية والأشربة ، ويطوفون على سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى ويزيحون عللهم فيما يصفونه لهم ) واستمر هذا الحال خلافة المقتدر والقاهر والراضي والمتقي . للمزيد يُراجع : أحكام السجن ومعاملة السجناء في الإسلام ص367-379 ، والموسوعة الفقهية ج16 ص320-327 . الوقفة كاملة |
| ٩٨ | سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت. ADVERTISING وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب. يقول د. مصطفى السباعي في كتاب «من روائع حضارتنا»، إن الفكر الذي جاء به رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم في «جبر خواطر الأسرى» هو عتقهم ليكونوا أحراراً، حتى أصبح هذا العتق قربة إلى الله عز وجل، يفعله المسلم لينال به رضاه سبحانه. ولم يكن «جبر خاطر» الرسول صلى الله عليه وسلم للأسرى والمنّ عليهم أمراً خيالياً يجمل به صور المسلمين، بل كان أمراً واقعياً، وأجمل ما فيه أن هذه المواقف لم تكن مواقف عابرة حدثت نتيجة ظروف خاصة، أو تحت ضغوط معينة، إنما كانت منهجاً ثابتاً. كانت القاعدة العامة التي حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في أول غزوة غنم فيها المسلمون أسرى هي: «استوصوا بهم – أي الأسرى – خيراً». لكن المهم في الأمر أن هذه المعاملة الحسنة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسرى لم تكن مجرد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة، ولكنها تمثلت في مظاهر كثيرة تنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة، وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان. يضيف د. راغب السرجاني في كتاب «أخلاق الحروب في السنة النبوية» قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (سورة الإنسان: الآية 8)، في هذه الآية الكريمة يحث الله تعالى عباده المؤمنين على الإحسان و«جبر خاطر» أسراهم وإطعامهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكرم الأسير ويجبر بخاطره بالمعاملة الحسنة، تقرباً إلى الله عز وجل، وهذا يعطي أماناً أكثر للأسير، لأن المُسلم يُحسن معاملته وهو يعلم أن الله يراقبه. قال ابن عباس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم «بدر» أن يكرموا الأسرى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وقتادة. ولم يكن الصحابة رضوان الله عليهم يقدمون للأسرى ما بقي من طعامهم، بل كانوا ينتقون لهم أجود ما لديهم من طعام، ويجعلونهم يأكلونه عملاً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إجباراً لخاطرهم، وها هو أبو عزيز – شقيق مصعب بن عمير رضي الله عنه – يحكى ما حدث يقول: «كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على من يمسها». ولم يقتصر المسلمون على إطعام أسراهم من المشركين، بل إنهم كانوا يقدمون لهم الملابس أيضاً، وهذا ثابت في الصحيح، فقد جعل البخاري رحمه الله باباً في الصحيح سماه: باب الكسوة للأسارى. يقول الشيخ، محمد صديق المنشاوي في كتاب علموا أولادكم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي غزوة بدر أيضاً أسر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقيراً محتاجاً له بنات اسمه أبو عزة. فقال أبو عزة: يا رسول الله لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال فامنن علي. فرحمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأجبر بخاطره وأطلق سراحه دون أن يدفع فدية. وفى معركة بدر أسر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أسر سهيل بن عمرو، وكان خطيباً مفوهاً يؤلب الناس ضد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أنزع ثنيتي (الأسنان الأربع التي في مقدمة الفم من أعلى ومن أسفل) سُهيل بن عمرو، ليخرج لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم: «لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً». ثم قال صلى الله عليه وسلم: «عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه». وقد كان، فما استطاع أحد أن يخطب في أهل مكة ويُثبت قلوبهم على الإيمان غيره بعد أن أسلم. وحتى يتم النظر في شأن الأسرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يجعلونهم في أحد مكانين، إما المسجد وهو أشرف مكان عند المسلمين، وإما بيوت الصحابة رضي الله عنهم. وكان الهدف من إبقاء الأسرى في المسجد أن يروا أخلاق المسلمين وعبادتهم لعلهم يتأثرون بها، فيدخل الإيمان في قلوبهم، وقد حدث هذا بالفعل مع بعضهم ك«ثُمامة» بن أثال رضي الله عنه. أما إبقاء الأسرى في منازل الصحابة فكان هذا إكراماً كبيراً وجبراً لخواطر هؤلاء الأسرى، كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه، فيكون عنده اليومين والثلاثة، فيؤثره على نفسه. الوقفة كاملة |
| ٩٩ | بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته لطائفُ اللهِ و إن طالَ المدى = كلمحةِ الطَّرفِ إذا الطَّرفُ سجى كم فَرَجٍ بَعْدَ إياسٍ قد أتى = و كمْ سرورٍ قد أتى بَعْد الأسى خَلقَ اللهُ الناسَ و اقتضتْ حكمته أن يبتليهم . و هذا الأمر قدّره الله عز و جل في سورة الإنسان { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ } و الناس يتفاوت صبرهم على بلواهم و مصائبهم .. عجيبٌ أمرُهُ ذلك المُبتلى ! كانت حياته عادية ، يمشي فيها يطلب رِزقه .. و يجري كثيراً خلف شهواته .. أغرته الحياة ، و أغراه تقلّبه في النِعم . ثم يشاء الله - و هو الحكيم – أن يُريَ هذا الإنسان حالاً أخرى و أن ينبهه من غفلته .. فيبتليه الله و تحلُّ بعبده مصائبٌ بعلمه و مشيئته سبحانه . فأصبحَ العبدُ في حالٍ آخر .. يدعو الله ليلَ نهار أن يكشف الغُمــّـة و أن يُنير الظـُــلمة . ذلَّ و خَــضــَعَ لخالقه انكسرَ عند بابهِ - سبحانه - ، و انطرح بين يديه لا ينتظرُ وقت إجابةَ الدعوات حتى يدعو .. بل كان دعاؤه في كل الأوقات ، في الاجتماع و أوقات الخلوات . كم طالت سجدتـــُـه و سالتْ عبرتــُـه و هو يدعو الله كم ليلٍ سهره و فرحةٍ فقدَها و هو يتقلّب في ساعات هذا الابتلاء إنها أيّامٌ عصيبة و أوقاتٌ مريرة فالقلبُ يكاد يُخلعْ ، و النفسُ تجزعْ . و مع هلعه يعطيه الله صبراً و يقينا ، و يُنزلُ عليه السكينة فيرى الحقَّ مبينا يُعللُ نفسه بــ ( لعلّ و عسى ) عسى فرَجٌ يكونُ عسى = نعلل النفسَ بعسى فلا تجزع إن حُمّلتَ = هَمّاً يقطع النفسا فأقربُ ما يكونُ المرءُ = مِن فرَجٍ إذا يئسا و قبل هذا يستحضرُ آياتِ النصرْ ، و البشائر بعد الصبرْ { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } و يظل يتذكر حديثَ الرسول عليه الصلاة و السلام [ و ما أُعطي عبدٌ عطاءً أوسعُ من الصبر ] تمرُّ به الأيامُ و هو يقول " عسى فـَـرَجٌ يكون عسى " فحيناً يصبر و حيناً يتصبّر . يعيشُ المُبتلى ساعاتِ الابتلاء و كأنها دهور !! طويلٌ ليلكَ أيها المُبتلى .. و كئيبٌ هو نهاركَ أيها المُبتلى . كان للسعادةِ عنده طعمٌ لكنه فقده .. و كان له للفرَحِ طريقٌ لكنه ما وجده .. عاش هذا المُبتلى سنواتٍ و هو في بلائه و محنته . يدعو الله و لا يفترُ لسانهِ عن الدعاء ، و لا تتعب مقلتيه من البكاء . و كل يومٍ يقول : هي الأيامُ و الغِيرُ = و أمرُ الله يُنتظرُ أتيأسُ أن ترى فرَجاً = فأينَ الله و القَدَرُ و كل لحظةٍ و هو يتفاءل ما بينِ غمضةِ عَيْنٍ و انتباهتها = يُغيّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ و يمضي يومٌ و يعقبه آخر ، و تمضي الشهور ثم السنوات و هو لا يَكلُّ و لا يَملُّ من التضرع و الدعاء و نفسه لا تعرف اليأس و الجَزعْ . ثم يشاء الله سبحانه و تقتضي حكمته أن تنقشع الغمامةَ السوداء ، و تنير الليالي الظلماء و يأذنَ الله بالفرَج . فتتنزلُ عليه رحمة الله و يُذهبُ الله عناء سنينَ ذاقَ فيها المــُـرَّ بكل أنواعه . فتبتهجُ نفسه و تقرُّ عينه . فماذا هو صانعٌ بعد سنين العناء ؟؟ و كيف يستقبلُ تلك النعمة ؟؟ أهو من الذين قال الله فيهم { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يونس أم من الذين قال الله فيهم { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران سنواتٌ مضتْ و هو يدعو و يتضرّع .. أراد الله أن يذيقه طعْمَ المرارةِ ليُحسَّ بالحلاوة . فماذا أنت صانعٌ أيها المُبتلى ؟؟ تخيّل أنَّ الله فرّج همّك و نفّس كَربك .. تخيّل أن الرحمن الرحيم الذي وسعتْ رحمته السموات و الأرض ؛ قدّر و أذِنَ بالفرَج .. فماذا أنت صانع ؟؟ أتتوقف تضرعاتك ، و تمضي ؟؟ أم ستتحول تلك التضرعات إلى شُكرٍ و حَمْدٍ لخالق الأرضِ و السموات . و تلك الدموعُ المسكوبة من عينيكَ المُرهـَـقتين .. دموعُ الحزن و الرجاء .. هل ستتوقف ؟! أترى عيناك تفقدُ ماءها ؟؟ أم ستكون دموعُ خشيةٍ له و شُكرٍ و فَرَح ؟؟ أيها المُبتلى .. إن ابتلاكَ الله فهو رحيمٌ بكَ عالمٌ بحالك .. و إن رفَعَ الله البلاءَ فهو متفضّلٌ عليك متمنن . فاحذر أن تنسى فضْلَ الله و تنسى أياماً عِشتــَـها كاد الكبِدُ فيه يُفتُّ و العينُ تفقدُ نورها . و تذكّر قوله تعالى { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سبأ و أخيراً اشتدي أزمةُ تنفرجي = قد آذنَ ليلُكِ بالبَلجِ أسأل الله الإخلاصَ فيما كتبتُ و أن ينفع بكلماتي و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته الوقفة كاملة |
| ١٠٠ | القائمة الرئيسية » أرشيف الأدعية المأثورة في الحج أرشيف إسلام أون لاين أخي الحاج والمعتمر، هذه مجموعة من الأدعية المأثورة في الحج، وهي أدعية مختارة يمكن أن تدعو بها، وإلا فادعُ بما شئت وبما تحفظ، وما يفتح الله به عليك، وبما كتبناه لك هنا من الأدعية التي جعلناها لك في عرفات وفي أي موطن من مواطن الإجابة اثناء اداء مناسك الحج، وهناك لا تنسنا من صالح دعائك: المسافر للمقيم:أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه دعاء السفر الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقَلَب في المال والأهل والولد. وهذا الدعاء من بين الأدعية المأثورة في الحج. الدعاء بعد الإحرام لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الدعاء عند دخول الحرم من بين الأدعية المأثورة في الحج، الدعاء عند دخول الحرم : أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم باسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. الدعاء عند رؤية الكعبة “اللهم زِدْ هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزِدْ من شرَّفه وكرَّمه ممَّن حجَّه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحَيِّنَا ربنا بالسلام”. وهذا الدعاء من بين الأدعية المأثورة في الحج. الدعاء بين الركن والحجر الأسود ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. الدعاء عند صعود الصفا يقرأ قوله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”، ثم يقول بعدها (أبدأ بما بدأ الله به)، ثم يرقى على الصفا حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه كما يرفعها عند الدعاء ويقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. وهذه الأدعية هي من بين الأدعية المأثورة في الحج الدعاء عند صعود المروة من بين الأدعية المأثورة في الحج أيضا دعاء عند صعود المروة، حيث يقرأ قوله تعالى: “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”، ثم يقول بعدها (أبدأ بما بدأ الله به)، ثم يرقى على المروة حتى يرى الكعبة فيستقبلها ويرفع يديه كما يرفعها عند الدعاء، ويقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر, لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. دعاء يوم عرفة على الحاج أو غير الحاج أن يستفيد من يوم عرفة ويدعو بالمأثور عن النبي ﷺ وبغيره من خيري الدنيا والآخرة، جاء في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله ﷺ قال: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. والحديث (رواه الترمذي وحسنه الألباني). وقال ابن عبد البر رحمه الله : (دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره، وفي فضل يوم عرفة دليل أن للأيام بعضها فضلا على بعض… وفي الحديث أيضا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب، وفيه أيضا أن أفضل الذكر: لا إله إلا الله). الدعاء عند العودة من السفر قال دعاء السفر وزاد عليه: آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون. أدعية عامة ومن جملة الأدعية المأثورة في الحج، هناك عدة أدعية عامة: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ، رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَار، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين. ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَاب.ُ رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا. رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ. رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي. اللهم استر عوراتي, وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي, وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي, وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي, اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت. اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر, لا إله إلا أنت. اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت, أعوذ بك من شر ما صنعت, أبوء لك بنعمتك عليّ, وأبوء بذنبي, فاغفر لي, فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم اجعل أول هذا اليوم صلاحًا، وأوسطه فلاحًا, وآخره نجاحًا, وأسألك خيري الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين. اللهم إني أسألك الرضى بعد القضاء, وبرد العيش بعد الموت, ولذة النظر إلى وجهك الكريم, والشوق إلى لقائك, في غير ضرّاء مضرة, ولا فتنة مضلة, وأعوذ بك أن أَظلم أو أُظلم, أو أَعتدي أو يُعتدى علي, أو أكتسب خطيئة أو ذنبًا لا تغفره. اللهم إني أعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر. اللهم اهدني لأحسن الأعمال والأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. اللهم أصلح لي ديني, ووسّع لي في داري، وبارك لي في رزقي. اللهم إني أعوذ بك من القسوة والغفلة والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الكفر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجذام وسيئ الأسقام. اللهم آتِ نفسي تقواها, وزكّها أنت خير من زكاها, أنت وليها ومولاها. اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع, وقلب لا يخشع, ونفس لا تشبع, ودعوة لا يستجاب لها. اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت, ومن شر ما لم أعمل, وأعوذ بك من شر ما علمت, ومن شر ما لم أعلم. اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك, وتحول عافيتك, وفجاءة نقمتك, وجميع سخطك. اللهم إني أعوذ بك من الهدم والتردي ومن الغرق والحرق والهرم, وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت, وأعوذ بك من أن أموت لديغًا, وأعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع. – اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر العدو وشماتة الأعداء. اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري, وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي, وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي, واجعل الحياة زيادة لي في كل خير, واجعل الموت راحة لي من كل شر, ربّ أعني ولا تعن علي, وانصرني ولا تنصر علي, واهدني ويسر الهدى لي. اللهم اجعلني ذكّارًا لك, شكّارًا لك, مطواعًا لك, مخبتًا إليك, أواهًا منيبًا, رب تقبل توبتي, واغسل حوبتي, وأجب دعوتي, وثبّت حجتي, واهدِ قلبي، وسدِّد لساني, واسلل سخيمة صدري. اللهم إني أسألك الثبات في الأمر, والعزيمة على الرشد, أسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك, وأسألك قلبًا سليمًا, ولسانًا صادقًا, وأسألك من خير ما تعلم, وأعوذ بك من شر ما تعلم, وأستغفرك مما تعلم, وأنت علام الغيوب. اللهم ألهمني رشدي, وقني شر نفسي. اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لي وترحمني, وإذا أردت بعبادك فتنة, فتوفني إليك منها غير مفتون. اللهم إني أسألك حبك, وحب من يحبك, وحب كل عمل يقربني إلى حبك. اللهم إني أسألك خير المسألة, وخير الدعاء، وخير النجاح, وخير الثواب, وثبتني وثقل موازيني, وحقق إيماني, وارفع درجتي, وتقبل صلاتي, واغفر خطيئاتي, وأسألك الدرجات العلى من الجنة. اللهم إني أسألك فواتح الخير, وخواتمه, وجوامعه, وأوله وآخره, وظاهره وباطنه والدرجات العلى من الجنة، اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري, وتضع وزري, وتطهر قلبي, وتحصن فرجي, وتغفر لي ذنبي, وأسألك الدرجات العلى من الجنة, اللهم إني أسألك أن تبارك في سمعي, وفي بصري, وفي روحي, وفي خَلقي, وفي خُلقي, وفي أهلي, وفي محياي, وفي عملي, وتقبل حسناتي, وأسألك الدرجات العلى من الجنة. اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء, ودرك الشقاء, وسوء القضاء, وشماتة الأعداء, اللهم مقلِّب القلوب, ثبت قلبي على دينك. اللهم مصرِّف القلوب والأبصار, صرِّف قلوبنا على طاعتك. اللهم زدنا ولا تنقصنا, وأكرمنا ولا تهنا, وأعطنا ولا تحرمنا, وآثرنا ولا تؤثر علينا. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا على من ظلمنا, وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم إني أسألك موجبات رحمتك, وعزائم مغفرتك, والغنيمة من كل بر, والسلامة من كل شر, والفوز بالجنة, والنجاة من النار. اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته, ولا عيبًا إلا سترته, ولا همًّا إلا فرجته, ولا دينًا إلا قضيته, ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضًا ولنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. اللهم إني أسألك رحمة من عندك, تهدي بها قلبي, وتجمع بها أمري, وتلم بها شعثي, وتحفظ بها غائبي، وترفع بها شاهدي, وتبيّض بها وجهي, وتزكي بها عملي, وتلهمني بها رشدي, وترد بها الفتن عني, وتعصمني بها من كل سوء. اللهم إني أسألك الفوز يوم القضاء, وعيش السعداء, ومنزل الشهداء, ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء. اللهم إني أسألك صحة في إيمان, وإيمانًا في حسن خلق, ونجاحًا يتبعه فلاح, ورحمة منك، وعافية منك، ومغفرة منك ورضوانًا. اللهم إني أسألك الصحة والعفة, وحسن الخلق, والرضاء بالقدر. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي, ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها, إن ربي على صراط مستقيم. اللهم إنك تسمع كلامي, وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي, ولا يخفى عليك شيء من أمري، وأنا البائس الفقير, والمستغيث المستجير, والوجل المشفق المقر المعترف إليك بذنبه، أسألك مسألة المسكين, وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل, وأدعوك دعاء الخائف الضرير, دعاء من خضعت لك رقبته, وذلّ لك جسمه, ورَغِم لك أنفه. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم إني أسألك الطيبات، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ، وتغفر لي وترحمني، وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غير مفتون، اللهم وأسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين. ربّ أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا، لك رهابًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا، إليك أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهدِ قلبي، واسلل سخيمة صدري. اللهم إنا نسألك لأولادنا الصلاح والعافية، وحفظهم كتابك الكريم والعمل به وسنة نبيك الأمين، اللهم إنا نسألك لهم الرفقة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا، وتنبهم إذا غفلوا، وتعلمهم إذا جهلوا، وتهديهم إذا ضلوا. اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي وولدي ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك وجميع خلقك. اللهم إني أسألك عيشة هنية، وميتة سوية، ومردًا غير مخز ولا فاضح. اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز ولا إلى الناس فنضيع. اللهم جمّل أمري ما أحييتني، وعافني ما أبقيتني، وبارك لي فيما خولتني، واحفظ عليّ ما أوليتني، وارحمني إذا توفيتني، وآنس وحشتي إذا أقبرتني، وتفضل عليّ إذا حاسبتني، ولا تسلبني الإيمان وقد عرفتني. اللهم اجعلني أخشاك حتى كأني أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تجعلني بمعصيتك مطرودًا، ورضني بقضائك، وبارك لي في قدرك. اللهم ألبسني العافية حتى تهنيني بالمعيشة، واختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني الذنوب، واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين.???? الوقفة كاملة |
أسرار بلاغية
| ٩١ | عندما يؤتي ماله ليس لأحد فضل عليه يؤديه له وإنما يفعله لوجه الله تعالى وعمله غير مشوب بشائبة فهو لا يرد معروفاً لأحد وإنما ابتغاء وجه الله من غير توقع رد جميل وإنما هو خالص لوحه الله وهذا هو منتهى الإخلاص. ليس لأحد فضل فيجازيه عليه وإنما يفعله خالصاً لوجه الله تعالى. (ولسوف يرضى): فيها احتمالين أن تكون للشخص الذي يرضى بثوابه في الآخرة (الأتقى الذي يؤتى ماله) أو هو الذي يبتغي وجه ربه الأعلى إذن سيرضى الله عنه، وهي الحالتين معاً سيرضى بثوابه فيما أعج الله تعالى له من كرامة ورضوان الله أعلى شيء ( ورضوان من الله أكبر) أكبر من الجنات. وقالوا في الأثر: تحتاجون لعلمائكم في الجنة كما كنتم تحتاجون إليهم في الدنيا قالوا كيف يا رسول الله قال يطلع الله على أهل الجنة فيقول سلوني سلوني ولا يعرفون ما يسألونه فيذهبون إلى علمائهم فيقولون ماذا نسأل ربنا فقالوا اسألوه رضوانه وهو أعلى شيء. الوقفة كاملة |
| ٩٢ | (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) *نظرة عامة على الآية : ربنا سبحانه وتعالى ذكر المؤمنين والمؤمنات في عرصات يوم القيامة وذكر أموراً فيها. قال عنهم أنهم يسعى نورهم ولم يقل يمشي نورهم وهذا يدل على إسراعهم أو الإسراع بهم إلى الجنة لأن السعي أسرع من المشي، ليس الجريان وإنما قال يسعى نورهم أي يُسرع بهم ولم يقل يمشي لأنه يحتمل أن المشي فيه إبطاء فأراد إما إسراعهم أو الإسراع بهم يُركب بهم على محافّ كما يقال أو على مطايا خاصة تسرع بهم إلى الجنة. لاحظ لو لم يكن يُسعى بهم أو لو كان النور يسعى وهم يمشون هذا يدل على الإسراع بهم ذكر يسعى نورهم ولم يذكرهم هم لو كان النور يسعى وحده كان سبقهم وتركهم في ظلمة. المقصود بنورهم (نورهم) لأن كل مؤمن يؤتى نوراً على قدر عمله يمشي به ويسعى به إلى الجنة على قدر عمله والنور محدد (بين أيديهم وبأيمانهم). قال يسعى لأن السعي فيه إسراع وقال يسعى نورهم ليس معناه أن النور يُسرع وهم مبطئون وإذا كان النور يسعى وهم يمشون لسبقهم وتركهم في ظلمة فلما قال يسعى نورهم دل على إسراعهم أو الإسراع بهم ولم يقل إلى أين يسعة بهم لأنه سيأتي التبشير لاحقاً. ذكر السعي للنور لماذا لم يقل يسعون؟ لأنه لو قال يسعون احتمال هذا يفضي إلى الجهد والتعب إذا هم سعوا لأن السعي يفضي إلى التعب والجهد فقال يسعى نورهم إذن نفهم من هذا أنه يُسعى بهم هم يُركب بهم على محافّ أو مطايا يُسرع بهم فيسرع نورهم معهم. إذن هو أسند السعي إلى النور ولم يقل يسعون لأن هذا يفضي بهم إلى الجهد والتعب وأسنده إلى النور وأسند النور إليهم لأن كل واحد يعطى له نوراً خاصاً يستضيء هو به ولم يقل يسعى النور. وهذا النور بين أيديهم وبأيمانهم. (بين أيديهم) أمامهم ولو قال أمامهم يحتمل القريب والبعيد، تقول القرية أمامك وقد يكون أمامك نور بعيد لكن لا تستضيء به ولا يكون نافعاً. بين أيديهم أي قريب وهم يسعون في هذا النور وجهة السير أمامهم. ولم يقل يسعون بنورهم لأن هذا يفضي بهم إلى تعب فكل كلمة مرسومة. *يسعى نورهم هل فيه دلالة على أن المؤمنين يسعون؟ لا وإنما يُسعى بهم ولا يركبون عليه وإنما النور يسعى بين أيديهم أي أنهم يبصرون الطريق وهذا الطريق نور لهم ولو لم يكن هكذا لضلوا كالمنافقين الذين ذكرهم في الآية التي بعدها. (بين أيديهم) جهة السير بين أيديهم لم يقل أمامهم لأن ذلك احتمال أن يكون بعيداً فلا ينتفعون به. (بأيمانهم) جمع يمين، يكون النور باليد اليمنى لأنها جهة كُتُب السعداء (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (19) الحاقة). ونلاحظ أنه لم يقل عن أيمانهم وإنما (بأيمانهم) الباء هنا للإلصاق كأنه مصباح تحمله في يدك، وكأنهم يحملون نورهم والله أعلم بالحال يوم القيامة. لذلك ما قال عن أيمانهم وقد وردت آيات أخرى فيها (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ (17) الأعراف) وإنما قال (بأيمانهم) كما قال (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) طه) لأنه ملتصق بأيمانهم. (عن) تستعمل للمجاوزة لما يقال جلس عن يمينه أي متراخياً عن يمينه ليس ملتصقاً أما بيمينك أي ملتصق. (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) هو يحملها في يده. *يسعى نورهم أسند السعي للنور فمسافة السعي بين أيديهم وبأيمانهم يُسعى بهم إلى الأمام هل هذا التركيب يُفهم منه أنه خاص بالمؤمنين والمؤمنات في حال سعيهم يوم القيامة؟ هو يتكلم عن المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة (بشراكم اليوم). والخطاب موجه لكل من يصلح أن يُخاطَب، (يوم ترى) لكل من يصلح أن يخاطب والرسول أولاً لكن كل من يصلُح أن يخاطب إما أن ينتفع بهذا الخطاب فهو مؤمن ويكون من هؤلاء والآخر فيكون حجة عليه من باب التأكيد. لأن أحياناً يكون الخطاب قد يكون لكل من يصلح له الخطاب. (يوم ترى) والرؤية هنا في الآية بالعين. *لماذا قال تحديداً المؤمنين والمؤمنات ولم يقل المسلمين والمسلمات؟ أولاً لأنه بعدها سيتكلم عن المنافقين والمنافقات مباشرة بعدها (يوم يقول المنافقون والمنافقات) والمنافقون أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14) الحجرات) الإسلام هو الظاهر وهو بالقول وما يُرى من أفعاله الظاهرة والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. لذلك لما ذكر المنافقين والمنافقات يقابلهم المؤمنين والمؤمنات وليس المسلمين والمسلمات لأن المنافقين يقولون نحن مسلمين. (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي إلى الآن ما دخل وهو متوقع الدخول. (لمّا) معناها لم يحدث إلى الآن ولكن متوقع الحدوث. نقول لمّا يحضر أي لم يحضر إلى الآن ولكنه متوقع الحضور. (لمّا) نفي لـ (قد) لما نقول قد فعل نفيه لمّا يفعل ولما تقول فعل نفيه لم يفعل، حضر تنفيها لم يحضر وقد حضر نفيه لمّا يحضر. *عدّد الله تعالى في آية أخرى بعض الصفات مثل القانتين والقانتات والصابرين والصابرات وغيرها وهنا اكتفى بالمؤمنين والمؤمنات تحديداً؟ هذا مقابل المنافقين والمنافقات تحديداً وهذا يسمى المقابلة. (بشراكم اليوم): البشرى ما يُبشّر به تقول أبشّرك بهذا. وأصل البشرى للمحمود فإذا قيلت في الذم تكون من باب التهكم (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان). البشرى في الأمور الحسنة هذا في اللغة فإذا استعملتها في آخر تُخرجها عن ظاهرها من باب التهكم كما تقول لأحدهم أنت أشعر من البحتري وهو لا يُحسن أن يقول بيتاً. (بشراكم اليوم) أي يوم القيامة. ثم حذف القول ما قال يقال لهم بشراكم اليوم (بشراكم اليوم) هذا قول يبشرون به. لم يقل يقال لهم بشراكم اليوم ولكن قال بشراكم اليوم لأنه أراد أن الأمر مُشاهَد مرئي مسموع وليس إخباراً وإنما هو مشهد أمامك تسمع وترى ولو قال يقال لهم يصير إخباراً. (يوم ترى) هذا مُشاهَد ترى وتسمع من دون إخبار فلما قال (يوم ترى) أراد أن المشهد مسموع مرئي وليس إخباراً وإنما المشهد هذا أمامك. (بشراكم اليوم) ليس إخباراً عن غائب. وقال بشراكم أي كل واحد يدخل في البشرى وما قال البشرى جنات. *في خارج القرآن قد يقول بشراهم لكن في الآية تحول من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب فما دلالة هذا.التحول؟ الآن الكلام موجه للمؤمنين وقبل كان الكلام موجه للآخرين لو قال بشراهم يكون إخباراً عن أمر غائب. (يوم ترى المؤمنين) أنت تشاهد هم أمامك لما أقول يوم ترى المؤمنين أنت جهة أخرى غيرهم وأنت تشاهدهم، المشهد أمامك والآن يتوجه الكلام للمؤمنين، (بشراكم اليوم) الكلام ليس لك وإنما أصبح خطاباً للمشاهَد وليس للمشاهِد، هذا يسمى تحولاً في الخطاب غرضه البياني أنه يجعل المشهد حاضراً أمامك وليس إخباراً عن أمور غائبة وإنما عن أمر مشاهد هذا يكلم هذا وهذا يقال له وأنت تنظر. *(بشراكم اليوم جنات): ما الذي أفادته كلمة اليوم وقال في أول الآية (يوم ترى المؤمنين)؟ يوم ترى المؤمنين غير اليوم في (بشراكم اليوم) يخاطب المؤمنين في الأولى يخبرك يوم ترى كذا وكذا، (بشراكم اليوم) هذا اليوم حاصل وهو ليس إخباراً عن أمر مستقبل والبشرى كلما كانت قريبة كانت أدعى للمسرّة. اليوم وليس بعد سنين طويلة لا، اليوم، فهذا أدعى للمسرة لأن البشرى قريبة. يسعى بهم الآن هم ذاهبين إلى الجنة (بشراكم اليوم) اليوم يعني هذا الأمر كائن في هذا اليوم. وقال جنات ولم يقل جنة وكـأنه لكل واحد أكثر من جنة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) الرحمن) إذن البشرى أن لكل واحد أكثر من جنة. (تجري من تحتها الأنهار) في آية واحدة فقط في القرآن قال (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة). أولاً (من تحتها) أعلى من (تحتها) لأن بداية الجريان من تحتها، العيون تنبع من تحتها فيصير مشهد الجري مع مشهد بدايته من تحتها. (تحتها) ليس بالضرورة أن يكون المنبع تحتها. لكن (من تحتها) أي بداية الجريان من تحتها يتمتع بمشهد الجري وبداية الجري. أما لماذا قال في آية واحدة فقط (تجري تحتها)؟ كل آية فيها (تجري من تحتها الأنهار) معهم الأنبياء، المؤمنين والمؤمنات معهم أنبياء. أما في آية سورة التوبة فليس معهم أنبياء (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) ليس معهم نبيّ. كل الآيات الأخرى على الإطلاق معهم الأنبياء وهذه ليس معهم الأنبياء. تجري من تحتها أي منبع الأنهار من تحتها. *لم يقل تسعى هنا بدل تجري؟ لأن الأنهار تجري ولا يقال تسعى والجري هو الركض من الإسراع. وتحت الجنة الواحدة عدة أنهار (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ (15) محمد). ونلاحظ أنه لما قال (تجري) معناها الأنهار غير راكدة، فيها تجدد للمياه لأن عدم الجري مظنّة الركود والأسن. إذا كان الماء لا يجري فهو مظنة الأسون. لاحظ لما لم يذكر الجري (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ) ما قال تجري ولكن قال (من ماء غير آسن) حدّد لأنه لما لم يذكر تجري حتى يرفع مظنة الأسون والركود قال (من ماء غير آسن) آسن أي متغيّر متعفن من عدم الجريان. لما يقول تجري لا يقول غير آسن ولما لا يقول تجري يقول غير آسن. الأنهار غير الآسنة تضاهي تجري من تحتها الأنهار من حيث التعبير البياني. * مرة يذكر في القرآن (خالدين فيها أبداً) ومرة (خالدين فيها) لماذا؟ وما نعنى أبداً (أبداً) أي ليس له نهاية. وخالدين الخلود عام وأحياناً العرب تقول خالدين لا يعنون فيها الأبد وإنما محدودة بفترة طويلة (ما دامت السموات والأرض). الأبد يعني بلا انقطاع لا ينتهي. وقد أثير هذا السؤال سابقاً وأجبنا عنه مطولاً وذكرنا جملة أمثلة من القرآن الكريم. إذا كان من باب تعظيم الأجور والكلام الطويل في وصفها يقول أبداً إذا كان تفصيل في الجنات ونعيمها يذكر أبداً وإذا كان إيجازاً لا يذكر أبداً. * بالرغم من أن المؤمنين والمؤمنات مذكورين لم يقل خالدين لماذا؟ لأنه لم يذكر نعيم الجنة وليس فيها تفصيل، ما ذكر شيئاً من النعيم وما فصّل في الجنة. *ختم الله تعالى هذه الآية بقوله (ذلك هو الفوز العظيم) وفي آية أخرى يقول (ذلك الفوز العظيم) فما دلالة الاختلاف؟ هو عرّف الفوز وجاء بضمير الفصل (هو) (وضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر أي إسم أن وخبرها وإسم كان وخبرها بين المفعولين حتى يفصل بين الخبر والنعت أو الصفة)، هذا هو ضمير الفصل وفائدته التوكيد والحصر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) يعني ليس هناك فوز آخر وما عداه هو الخسران. ما قال ذلك فوز عظيم لأن معناه قد يكون هناك فوز آخر محتمل. هذا ربح وليس معناه أنه ليس هناك ربح آخر، هذا نجاح وليس معناه أنه ليس هناك نجاح آخر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) تحديداً أي ليس هناك فوز آخر وما عداه خسران. وجاء بـ (هو) زيادة في التوكيد والحصر. ويقول في آيات أخرى (ذلك الفوز العظيم) هذه فيها حصر وأحياناً تأتي بؤكد واحد أو مؤكدين تكون أقوى. في نفس السؤال نضرب مثلاً في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصفّ) ما قال (هو)، قال (تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله)، ثم ذكر يغفر لكم ذنوبكم ويدخلهم جنات، طلب منهم الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات. وقال تعالى في آية أخرى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) في الآية الأولى قال تؤمنون بالله، يعني طلب منهم الإيمان بالله والاستمرار عليه وهنا قال اشترى من المؤمنين فوصفهم بالإيمان. هناك طلب منهم أن يجاهدوا في سبيل الله (تجاهدون في سبيل الله) عندهم الأموال والأنفس يجاهدون فيها لكن في الثانية باع واشترى ولم يبقى عندهم مال ولا أنفس (فاستبشروا ببيعكم).هناك جهاد وهنا يقاتلون والجهاد ليس بالضرورة من القتال فالدعوة جهاد (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان) أما القتال حرب (فيقتلون ويُقتلون) وهذا أقوى الجهاد. أي تضحية أكبر من أن يدفع الواحد نفسه فلا يبقى عنده مال ولا نفس؟ هذه أكبر ولذلك في الآية الأولى قال (ويدخلكم جنات) لما أدخلهم جنات هل بالضرورة أنها صارت مُلكهم؟ في الثانية قال (بأن لهم الجنة) كأنهم اشتروا الجنة فصارت تمليكاً لهم كأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، هذا تمليك أما في الآية الأولى فليس فيها تمليك فالإدخال ليس بالضرورة أن يكون تمليكاً، الثانية بيع وشراء هذا هو الفوز الأعظم ولذلك قال فيها (ذلك هو الفوز العظيم). في آية الحديد ما ذكر شيئاً من البيع والشراء لأن الفوز قد يكون في أمور أخرى. (والسابقون الأولون) ليس كلها على نمط واحد لكن هو شيء أعظم من شيء. لو رجعنا إلى الآية (والسابقون الأولون الفوز العظيم) وفي آية أخرى في سورة التوبة (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)) أولاً ما قال مساكن طيبة في جنات عدن وقال ورضوان من الله أكبر ورضوان من الله أكبر من الجنات. الرضوان هو الرضى (الرضوان مصدر) ولم يستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا رضى من الله تعالى أما المرضاة فتأتي من الله ومن غيره والرضوان هو أعظم الرضى وأكبره فخصّه بالله سبحانه وتعالى أما مرضاة فليست مختصة بالله تعالى وإنما تأتي لله تعالى ولغيره (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (207) البقرة) (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) التحريم) أما الرضوان فهو لله تعالى فقط، خاص بالله تعالى. والرضوان أعلى من الجنة وفي الأثر أنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا كيف يا رسول الله؟ قال يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة فيقول سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء سلوه الرضى. ولذلك قال (ورضوان من الله أكبر) ولما ذكرها قال (ذلك هو الفوز العظيم) فخي حسب السياق الذي يأتي. هنا في الآية بشرى ونور والله تعالى في آية سمى البشرى فوزاً (لهم البشرى في الحياة الدنيا). وفي هذه الآية نور وبشرى وما إلى ذلك فهو فوز عظيم. الوقفة كاملة |
| ٩٣ | (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) *نظرة عامة على الآية ودلالة الترتيب واللمسة البيانية فيه : حقيقة ما يعيشه الناس أجملَه تعالى في هذه الآية ورتّبها بحسب ترتيبها في حياة الناس. بدأ باللعب واللعب عادة يقع في دور الطفولة والصبا مبكراً هذا هو الأصل وإن كان أحياناً يُطلق على نقيض الجَدّ (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ (65) التوبة) (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) الزخرف) (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) الأنبياء) نقيض الجد أي غير جادّين. اللهو عادة يكون في دور الفتوّة والشباب بعد دور الطفولة. ثم اللهو أعمّ من اللعب لأن الكبير قد يلهو في أمور يضيق صدره في أمور فينتقل إلى أمر يلهو به بعض الشيء. ثم ذكر الزينة والزينة مقصد من مقاصد الشباب والنساء في دور بداية اكتمال أنوثتهن - خاصة النساء - وحتى الشباب يتزيّن لا يرضى كما كان طفلاً يلبس ما تعطيه أمه. ثم ذكر بعدها التفاخر وهذا أكثر ما يكون في شأن الرجال يتفاخرون بأعمالهم وبأنسابهم ومآثر ما يفعل هو وما فعل آباؤه وأحسابه لذلك الشعراء يفتخرون بآبائهم وأحسابهم وأنسابهم (أولئك آبائي فجئني بمثلهم). هذه المفاخرة هي أن ينسب الخير إلى أهله ونفسه كالشجاعة والكرم. ثم ذكر التكاثر في الأموال والأولاد وهذه مرحلة جادة يبدأ يشتغل بجمع المال والإنجاب لأن الحياة تقوم على هذين الأساسين المال والولد ولا تستديم الحياة بلا مال وولد وقدّم المال لأنه جمعه أكثر يشتغل به أكثر. حتى الوقت، الأولاد يهتم بهم وهم أعلى شيء والمال يتركه لهم لكن جمع المال يحتاج إلى وقت وإلى الذهاب إلى المحلات التجارية والأسواق فيبقى مع المال أكثر بكثير مما يبقى مع ولده. غالباً الأموال مقدمة على الأولاد في القرآن الكريم وفي مواطن تتأخر. في مواطن الحُب تتأخر الأموال (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة) هذه في المحبة ولا يمكن أن يرقى المال إلى محبة الأولاد. المال في خدمة الأولاد ويتركه لهم. فحينما يقدّم يكون حسب الموضع. في الانشغال يقدّم المال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) لأنه يشتغل بها كثيراً أما الأولاد أقل وإن كانوا في ميزان الآباء أثقل لكنه سيرحل ويترك الأموال لهم. وختم بالأولاد وهذه هي مراحل الحياة وأطوارها أجملها ربّنا تعالى وهي أطوار الناس في الحياة ثم صوّرها بقوله تعالى (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ). * هل هناك ترتيب مقصود لذاته في هذه الآية؟ هي هكذا حسب الأطوار في الحياة رتبها وذكرنا التقديم والتأخير وقلنا أنه ليس هنالك نمط واحد للتقديم والتأخير إنما هو السياق ومدار الاهتمام. العرب يقدّمون ما هم ببيانه أعنى وما هو أهمّ، الأهمية التي بحسب السياق فمرة نقدّم المتقدم ومرة نقدّم المتأخر، مرة نقدّم من القلّة إلى الكثرة ومرة من الكثرة إلى القلة ومرة نبدأ بالأفضل ثم ننتهي إلى المفضول ومرات أخرى تبدأ بالأدنى ثم الأعلى، المفضول ثم الفاضل. الذي يحدد التقديم والتأخير هو المقام ففي قوله تعالى مثلاً (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين) البلد الأمين هو مكة وهي أفضل من طور سنين لكنه أخّرها وبدأ بطور سنين. هناك دواعي للتقديم والتأخير تُنظر في سياقها والمقام الذي قيلت فيه (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ (2) التغابن) بدأ بالمفضول (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) هود) تأتي بحسب كيف وضعها في السياق هو الذي يحدد التقديم والتأخير وتقدر كل حالة بقدرها. (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (69) النساء) لما ذكر الذين أنعم الله عليهم بدأ بأعلى النِعم (النبيين). إذن هو حسب المقام الذي تقال فيه. *قال تعالى (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) عدد أشياء كثيرة وفي غير موطن في القرآن قال (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ (32) الأنعام) فقط ولم يذكر بقية الأطوار كما في آية الحديد، لماذا؟ أحياناً يقتصر على اللعب واللهو لأن ما ذكره بعدها يندرج (الزينة وما بعدها) يندرج في اللهو فإذا أراد أن يفصّل فصّل وإذا أراد أن يُجمِل وقف عندها. الزينة قد تُلهي والتفاخر يلهي والتكاثر يلهي. الله تعالى سمّى المال والبنون زينة (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) الكهف) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) دخلت في الزينة والزينة دخلت في اللهو. ما ذُكِر في الزينة دخل هنا في اللهو. قال تعالى (ألهاكم التكاثر) دخل التكاثر في اللهو، أطلق التكاثر. لما فصّل في آية الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) فصّل وعندما أراد أن يُجمِل يقف عند الأصل والباقي يدخل فيه (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (32) الأنعام) وقف عندها وما مثّل (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) محمد). يقولون البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال أراد التفصيل يفصّل، أراد الإجمال يُجمِل. *ما معنى الإجمال والتفصيل في القرآن الكريم ؟ من المستشرقين من يقول لِمَ يُجمِل هنا ويفصّل هنا مع أن الدلالة وصلت؟ أحياناً يريد أن يوضح المسألة ويعطيها أبعادها، أحياناً يكتفي بكلمة أو كلمتين وأحياناً يشرح أدق الأمور ويتعرض لها. هذا ليس تكراراً وإنما هو تفصيل يريد أن يوصل المعلومة كاملة في كل أبعادها وفي كل أحوالها. ثم إن الناس ليسوا سواء في الفهم والاستيعاب. إذا قلت (لعب ولهو) كم واحد يُدخِل فيها ما ذكر؟ كم شخص سيذكر الأموال والزينة والأولاد؟ قليل. يفصّل للجميع وكل آية تضيف ملمحاً في إطار السورة حتى تتضح جميع جوانبها. *قدّم الله تعالى اللعب على اللهو في هذه السورة وفي آية سورة العنكبوت قدّم اللهو على اللعب (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)) فما دلالة تقديم اللهو؟ قلنا ليس هنالك أمر يقضي بتقديم كلمة على كلمة وإنما هو السياق. لو لاحظنا سياق العنكبوت تقدّم هذه الآية قوله تعالى (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)) الرزق مدعاة إلى الالتهاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) ربنا تعالى ذكر أمرين: البسط والتضييق، الذي بسط له رزقه يلتهي بجمعه والذي قُدِر عليه رزقه يلتهي للحصول عليه حتى يعيش فإذن سيكون مدعاة للهو فقدّم اللهو. ما دام قدّم البسط في الرزق والتضييق سيكون مدعاة للهو (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) الفجر) (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) العاديات) الخير فسروه بالمال. (قُدِر عليه رزقه) أي ضيّقه. (نقدر عليه) أي نضيّق عليه، حتى في قصة ذي النون (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) الأنبياء) هو هنا في هذا المكان لم يجد أذناً صاغية ولم يجد من يستجب له قال أذهب إلى مكان آخر والله تعالى يوسّع عليّ في مكان آخر (لن نقدر عليه) أي لن نضيّق عليه، هناك متسع وهذا اجتهاد من ذي النون قال أذهب إلى مكان آخر فيه متسع والله تعالى لن يضيّق عليّ لكنه لم يخرج بإذن ربه ولكنه اجتهاد من تلقاء نفسه لذا قال تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) الصافات) مليم أي أتى ما يُلام عليه، ملوم يُلام لكن مليم أتى فعلاً يُلام عليه، لماذا خرجت من دون إذن؟ لذا قال (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ولذا قيل للرسول (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) القلم). إذن نقدر يعني نضيّق. * (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ (20) الحديد) لماذا ذكر في الأموال ولم يقل بالأموال؟ (في) ظرفية والباء للإلصاق وقد تكون ظرفية أحياناً. التكاثر بالأموال يعني بما عنده، تكاثر في الأموال ينفق وقته في الحصول عليها، يتكاثر في الحصول عليها. أما الباء فبما عنده. ربنا يقول (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (274) البقرة) يعني في هذين الوقتين فقط. نحن نقول ينفق المال في الليالي الحمراء يعني يُذهب المال فيها، يصرفها فيها، تكون ظرفاً لصرف الأموال. و(ينفق بـ) أى بهذين الوقتين. * عجيب! ينفق بالليل والنهار جعل الليل والنهار زمناً لإنفاق الأموال في مصادر أخرى وينفق في جعل الليل ظرفاً تذهب فيه الأموال. وهنا (وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ)؟ ينفق وقته في الحصول عليها، التكاثر ينفق الوقت في الحصول على المال. *ما المقصود بالكفار في الآية (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)؟ المفسرون ذهبوا إلى أمرين في تفسير الكفار قسم يقول الكافرون بالله الجاحدون لأن هؤلاء هم الذين يغترّون بالدنيا وقسم قال هم الزُرّاع لأنها من كَفَر البذرة أي سترها في الأرض وأصل كفر في اللغة ستر ومنه الكفر أي ستر الفطرة المؤمنة لأن رب العالمين سبحانه وتعالى خلق الناس فطرتهم مؤمنة. فإذن المفسرون قسم من قال الكفار هم الزُرّاع وقسم يقول هم الجاحدون وأنا يترجّح عندي أنهم الكفار الذين يكفرون بالله وآياته لأنهم يغترّون بالدنيا وقد يكون المعنيان مقصودان وليس هناك مانع أن يعجب هؤلاء ويعجب هؤلاء. *في موضع آخر في القرآن قال تعالى (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح) وهنا قال (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) فما الفرق بين الآيتين واللمسة البيانية في كليهما؟ اختيار كل كلمة في مكانها أنسب اختيار. الزُرّاع في آية الفتح أنسب ولا يقال يعجب الكفار ليغيظ بهم الكفار، الزُرّاع أفضل. ليس هذ فقط هذا تشبيه بصورة محمودة وإنما هناك فرق بين الزُرّاع. هذه الآية في سورة الفتح في أصحاب محمد (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) اختار كلمة الزُرّاع لأن الزارع يزرع ما ينتفع به هو وينفع الآخرين وهؤلاء ليسوا كالذين ذكرهم (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) غيث نزل في الأرض وخرج النبات وقد يكون فيه أدغال وحشائش لا تنفع الناس. هناك تصريح بالزُرّاع وقّيدت الآية بـ (نبات) وهو أي نبات نبت في الأرض وقال تعالى (كمثل غيث) ولم يقل مثل زارع والغيث عندما يمطر يُخرِج حشائش الأرض التي لو خرجت في حديقتك ستقلعها. في آية الفتح ذكر الزُرّاع لأن الزارع لا يزرع الحشائش وإنما يزرع ما ينتفع به هو وينفع الآخرين. ذاك كمثل غيث، الغيث أنت لا تسيطر على ما يُخرِجه فقد يُخرِج مما تريد وما لا تريد. آية الفتح وقعت في صورة محمودة في تشبيه أصحاب الرسول (محمد رسول الله والذين معه). ثم إن الزُرّاع كأنما هناك من زرعه فخرج أي خرج بأمر مقصود. مثال ذلك قوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) ما قال خرجت لأن ربنا أخرجها إخراجاً، هذه الأمة الإسلامية ربنا أخرجها بالصورة التي أرادها أُخرجت للناس ولم يقل خرجت من تلقاء نفسها. (خرجت) يعني خرجت من نفسها وليست برسالة، أخرج فعل متعدي (أخرجته)، خرج فعل لازم (خرجت من البيت). (أُخرجت للناس) أي أن الله سبحانه وتعالى أخرجها على نمط معيّن كما يريد ولم تخرج من تلقاء نفسها كما تخرج الحشائش والأدغال في النبات. الزارع ينتقي ويعلم ما يزرع وهذه الأمة أُخرِجت إخراجاً إلى الناس ولم تخرج من تلقاء نفسها وفق منهج معين معدّ واختيار دقيق. هذه الأمة أُخرجت بهذا المنهج لهذا الغرض للناس كافة. تلك الآية خرج كما تخرج الحشائش بالغيث يُعجِب من يُعجِب وأما في سورة الفتح إختار الزُرّاع يزرعون وينتقون ماذا يريدون. كنتم خير أمة أخرجت للناس أخرجها ربنا بصورة معينة ولغرض معين منهج معيّن واختيار معين وباصطفاء معين (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ (75) الحج). هذا هو الفرق بين كمثل غيث أعجب الكفار نباته هذا تشبيه حالة مذمومة بينما آية الفتح في الثناء والمدح في وصف سيدنا محمد والذين معه. *هل كلمة الزراع جمع زارع؟ الزُرّاع جمع زارع مثل كُتّاب وكاتب وواعظ وعّاظ. وعندنا زارعون جمع وأحياناً الكلمة يكون لها أكثر من جمع مثل كلمة ساجد تُجمع على سُجّد (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا (29) الفتح) وسجود (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) البقرة) وساجدين (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) الشعراء) يكون هناك أكثر من جمع للكلمة. وعندنا ميّت تُجمع على ميّتون (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) الصافات) وموتى (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى (39) فصلت) وأموات (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء (154) البقرة) كلها جمع ثم تختلف بين القِلّة والكثرة ودلالات أخرى. *في سورة الواقعة قال تعالى (أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) ولم يستعمل الزُرّاع لماذا؟ لما يذكر ضمير التعظيم يذكر جمع المذكر السالم. * ما اللمسة البيانية في الالتفات في الضمير في الآية (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)؟ ذكر مآل الزرع الذي خرج بالغيث حتى يخرج منه إلى تشبيه الحياة الدنيا كيف هي بعد أن ذكر أنه يُعجِب الكفار نباته ذكر ما سيؤول وذكر النتيجة حتى ينتقل منه إلى الآخرة. قال (ثم يهيج) يتحرك أول مرة ثم ييبس، هاج تأتي بمعنى يبس وتأتي بمعنى تحرك في النمو ثم يبس، هاج الزرع تأتي في اللغة بمعنى يبس الزرع وفي القرآن. يبس فتراه مصفراً. لكن بالنسبة للسؤال (فتراه مصفراً) الإسناد يختلف عن يهيج ويكون حطاماً ما قال ثم يكون مصفراً هذا يدلنا على زوال الزينة لأن الزينة تتعلق بالناظر لأنه قال قبلها (وزينة) لما قال فتراه مصفرّاً أي زالت الزينة بالنسبة للناظر لأن الزينة تتعلق بالناظر وإلا لماذا يتزين؟ لذا قال (فتراه مصفراً). الخطاب موجّه لكل سامع ولكل ناظر (فتراه مصفراً) كما قال تعالى (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر) لأن الزينة تتعلق بالنظر لذلك الأعمى لا يرى الزينة فالزنية ليست للعُمي وإنما للمبصرين. (فتراه مصفراً) أي الزينة زالت لأنه علّقها بالرؤية لأن الزينة تتعلق بالرؤية. ولم يقل وتراه حطاماً أنت تراه حطاماً لكن أحياناً الذي تراه أنت حطاماً له قيمة كبيرة والقيمة لا تتعلق بالرؤية لكن الزينة تتعلق بالرؤية. أنت قد ترى حطاماً لكنه قد يكون ثميناً جداً وقيمته عالية لا تقدر الأمور بما ترى. الحجر الصناعي أجمل من الطبيعي لكنه ليس أغلى منه هذا الأمر لا يتعلق بالرؤية. هذا يكون حطاماً وليس تراه حطاماً إذا رأيته حطاماً هذا لا يتعلق بقيمته لأن الرؤية لا تقدّر القيمة وإنما تقدّر الزينة، قد يراه حطاماً وفيه فائدة كبيرة أنت تراه هكذا ولكنك لا تحسن تقديره. (ثم يكون حطاماً) أي أصبح حطاماً لا فائدة فيه ولا يتعلق برؤيتك له وتقديرك، رؤيتك تتعلق بالزينة. هذا الأمر في تقييم حقيقة الأمر وقيمته الحقيقية وهذا لا يتعلق بالزينة وإنما يتعلق بالمعرفة الحقيقية والقيمة الحقيقية فقال (ثم يكون حطاماً) أصبح حطاماً لا فائدة فيه. إذن فرق بين تراه مصفراً وثم يكون حطاماً. (فتراه مصفراً) يعود على الزينة وعلى رؤيتك للشيء أما يكون حطاماً فهو حقيقة الأمر ذهبت الحياة الدنيا وتحطمت ولم يبق فيها شيء (إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) تحطمت وذهبت زينتها وأصبحت حطاماً فلِم تغترّ بهذا؟ لو قال في خارج القرآن فتراه مصفراً ثم تراه حطاماً لا يُفهم هذا المعنى أنت تراه ولكن لا تقدّر قدر الشيء لكن ما يعرفه أصحاب الشأن قد ترى أشياء حطاماً تراها حطاماً ولا تقدّر قيمتها لكن هناك صاحب شأن من يعرف قيمتها وفرق بين تراه وبين يكون. الإسناد في (فتراه) لكل ناظر. *ما دلالة اتسعمال (ثم) والفاء في الآية (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)؟ لما قال يهيج إنتهى. هي كلها (ثم والفاء) عاطفة لكن الفاء للترتيب والتعقيب و(ثم) للترتيب والتراخي أي مدة. (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ (22) عبس) الميت يُقبر فوراً (فأقبره) (ثم) للتراخي (ثم إذا شاء أنشره) النشور بعد الموت بآلآف السنين وليس مباشرة. (ثم يهيج) يبس (فتراه مصفراً) فوراً تراه مصفراً فاستعمل الفاء. (ثم) تحتاج لوقت. *في هذه الآية قال تعالى (ثم يكون حطاماً) وفي آية أخرى قال (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا (21) الزمر) فما الفرق؟ لو عدنا إلى السياق وقراءة كل آية يتضح الفرق. هذه الآية عرفناها، كل الكلام عن الغيث وما يخرج منه. في آية الزمر قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ) هو الذي أنزل ما قال في آية الحديد أنزل غيثاً وإنما قال (كمثل غيث) لم ينسبه إلى نفسه سبحانه، (فسلكه ينابيع في الأرض) الله سبحانه وتعالى هو الذي سلكه، (ثم يخرج به زرعاً) الله سبحانه وتعالى يُخرِج، (ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً) الذي أنزل من السماء ماء وسلكه ينابيع في الأرض وأخرج به الزرع هو الذي جعله حطاماً. ولو قال يجعله حطاماً في آية الحديد ليس هناك إسناد لله سبحانه وتعالى أما في سورة الزمر فالاسناد لله تعالى ابتداء من أول الآية إلى آخرها هو الذي جعله حطاماً. في آية الحديد ليس هناك إسناد لله تعالى أما في الزمر فالاسناد لله تعالى ابتداء. * هل الماء والغيث كلاهما مطر؟ ذكر الغيث في آية الحديد وماء في آية الزمر وهناك فرق بين الماء والغيث لكن الماء والغيث في الآيتين هو ما ينزل من السماء لكن هذا الماء الذي ينزل من السماء قد يكون غيثاً وقد يكون مطراً بحسب التعبير القرآني. المطر يستعمله الله سبحانه وتعالى في العقوبات (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) لم يستعمل القرآن المطر إلا في العقوبة (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ (40) الفرقان) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74) الحجر) (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173) الشعراء) أما الغيث فيستعمله في الخير. هذا في الاستعمال القرآني أما في الحديث فاستعمل المطر للخير ولكن للقرآن خصوصية في الاستعمال اللغوي نخصص لها إن شاء الله تعالى حلقات لنتحدث عنها لأنه موضوع كبير. والعرب فهمت هذا الفرق من الاستعمال. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) الشورى). إذن في القرآن الكريم يذكر المطر للعذاب. *ما دلالة تقديم العذاب على المغفرة في الآية (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)؟ العذاب يسبق المغفرة والرضوان في الآخرة: عذاب الموقف قبل الحساب وقبل القضاء والدخول في الجنة أو النار والناس ينتظرون خمسين ألف سنة قبل القضاء، هذا العذاب الأول. ورود النار لجميع الخلق (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) هذا عذاب قبل دخول الجنة، قسم من الناس يعذّبون ثم ينتهي عذابهم ثم يخرجون إلى الجنة وليس العكس لا يمكن أن يكون أحد في الجنة ثم يدخل النار، إذن العذاب يسبق المغفرة. وتقديم المغفرة على الرضوان لأنها تسبق الرضوان لأن الرضوان في الجنة والمغفرة قبلها حتى يدخل الجنة يجب أن يكون هناك مغفرة إذن العذاب قبل المغفرة والمغفرة قبل الرضوان. ونلاحظ أنه في العذاب قال تعالى (عذاب شديد ومغفرة من الله) ولم يقل عذاب من الله لكن في المغفرة قال ومغفرة من الله للدلالة على سعة رحمة الله تعالى ما ذكر الجهة المعذِّبة وإنما قال (عذاب شديد) بينما في المغفرة نسبها له سبحانه وتعالى فقال (ومغفرة من الله) لا ينسب تعالى السوء إلى نفسه أبداً (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) الجن) مع أنها إرادة الله تعالى في الحالين. وكذلك قوله تعالى (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ (51) فصلت). * في آية الحديد قال تعالى (ومغفرة من الله ورضوان) وفي مواضع أخرى في القرآن استعمل مرضاة وغفران فما الفرق؟ عندنا المغفرة وغفران ورضوان ومرضاة. كلمة غفران لم ترد إلا في موطن واحد في قوله تعالى (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) في طلب المغفرة من الله تعالى. إذن كلمة غفران مخصصة بطلب المغفرة من الله تعالى، هذه دعاء أي نسألك المغفرة (غفرانك ربنا). إذن غفران تستعمل في طلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً. المغفرة لم تأت في طلب المغفرة أبداً وإنما جاءت في الإخبار وفي غير الطلب (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً (268) البقرة) (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ (6) الرعد). في طلب المغفرة فقط يستعمل كلمة غفران ومن جهة واحدة وهي المغفرة من الله عز وجل. لم تأت المغفرة في الطلب وقد تأتي من غير الله سبحانه وتعالى كما في قوله (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) البقرة) قد تأتي من العباد. إذن المغفرة ليست خاصة بالله سبحانه وتعالى ولها أكثر من جهة ولم يستعملها القرآن في طلب المغفرة. الغفران مختصة بطلب المغفرة ومن الله تعالى تحديداً. مرضاة ورضوان: الرضوان من الله سبحانه وتعالى فقط ولم ترد في القرآن من غيره (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ (21) التوبة) (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ (109) التوبة). المرضاة من الله تعالى ومن غيره ولم تستعمل في القرآن إلا في ابتغاء وطلب الرضا من الله تعالى ومن غيره (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) التحريم) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (207) البقرة) في الابتغاء وفي طلب الرضا فقط أما الرضوان فهو في الابتغاء وغير الابتغاء. الرضوان عام وخاص بالله سبحانه وتعالى والمرضاة أخصّ من الرضوان وهو من الله تعالى وغير الله وهذه أيضاً من خصوصيات القرآن الكريم في الاستعمال اللغوي. الوقفة كاملة |
| ٩٤ | (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)) *نظرة عامة على الآية : قال سبحانه وتعالى قبل هذه الآية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)) ثم قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)) إذن ربنا سبحانه وتعالى بعد أن ذكر نوح وإبراهيم وقال وجعلنا في ذريتهم النبوة والكتاب قال وقفينا بعيسى ابن مريم. ذكر عيسى أولاً لأنه آخر الرسل قبل النبي الخاتم، السلسلة تنتهي عنده وخاتمة الرسل تنتهي قبل محمد عند عيسى وتنتقل إلى بني إسماعيل عند سيدنا محمد ، هذا أمر والأمر الآخر هو ذكر الكتاب الذي أنزل إليه وذكر أتباعه (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) ذكر الكتاب وذكر أتباعه ويذكر عنهم أمراً من الأمور فلا بد من ذكره. ولما أراد أن يذكر كتابه وأتباعه وأراد أن يخصهم بأمر ثم يذكر هذا الأمر فلا بد أن يذكره. إذن ذكر الكتاب الذي هو الإنجيل (وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ) ثم ذكر أتباعه (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) ثم هو تفرد عن بقية الرسل هو من ذرية إبراهيم لكن ليس من جهة الأب وإنما من جهة الأم ويختلف عن جميع الرسل فإذن هناك جملة أمور تقتضي ذكره. أبرزها ذكر الكتاب وذكر أتباعه وذكر أموراً تتعلق بأتباعه إضافة إلى أمور أخرى ولذلك اقتضى هذا الأمر أن يُخصص بالذكر. عيسى تنتهي الرسالة به قبل سيدنا محمد يمتد نسبه إلى إبراهيم ولكن يختلف عن جميع الرسل لأنه من جهة الأم ثم ذكر كتابه وأتباعه فالأمر يقتضي أن يُذكر. *هنا قال (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) وفي سورة المائدة قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) فما دلالة الاختلاف؟ الآية (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46)) السؤال هو لماذا قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا)؟ وقال في آية الحديد (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ولم يقل وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم كما قال في المائدة؟. أول مرة قال (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا) ثم لم يقل في عيسى وقفينا على آثارهم وإنما قال وقفينا بعيسى ابن مريم ثم قال في المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إذن هناك أكثر من سؤال. أولاً ما معنى قفّينا؟ معنى قفى على أثره يدل على قرب ما بين الماشيين أي جاء الثاني قبل أن يزول أثر الأول، الأثر لم يزل بعد فمعناه يصير قرب ولو كان الوقت طويل يزول الأثر ولا يبقى. لو تأخر الأمر أعواماً طويلة يزول الأثر. تلك قال (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) لأن الرسل متتابعة وهنا بالنسبة لعيسى قال وقفينا بعيسى ابن مريم معناه إذن أن المسافة طويلة بين عيسى ومن قبله، ويُذكر أن آخر واحد قبل عيسى هو يونس ابن متى وبينهما حوالي 800 سنة. آخر من يُذكر من الرسل قيل يونس في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد يعني 800 سنة هذا ليس على أثره وإنما (وقفينا) ليس على أثره. *في الآية قبلها (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (26) الحديد) (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا (27)) ثم تفيد التراخي في اللغة العربية إذن الفترة طويلة؟ لكن لم يزل الأثرالأول بدليل أنه بعد إبراهيم إسماعيل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54) مريم) (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (27) العنكبوت) اسحق ويعقوب ويوسف وهو رسول بنص القرآن (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا (34) غافر) إذن الفترة بين نوح وابراهيم وحتى عيسى قريبة نوعاً ما والأثر موجود بينما بين عيسى وآخر نبي فترة طويلة كما ذكر المؤرخون 800 سنة فانعدمت الآثار لذا قال (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ). *في المائدة قال (على آثارهم) لوجود الأثر؟ التقفية في المائدة ليست في الرسل وإنما في تقفية الربانيين والأحبار ولو قرأنا آية المائدة تحتلف عن هذه الآية. لو قرأنا آية المائدة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)) يحكم بها الربانيون والأحبار ولم يقل وقفينا على آثارهم وهم لم ينقطعوا أصلاً فالأحبار والربانيون موجودون والأحبار جمع حِبْر وهو العالِم والربانيون جمع ربّاني إذن هؤلاء لم ينقطعوا. في سورة المائدة (وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم) متعلقة بالربانيين والأحبار وفي آية الحديد متعلقة بالأنبياء والرسل خاصة فلما كانت في الرسل قال (وقفينا) ولم يقل على آثارهم ولما كان الكلام على الربانيين والأحبار وهو لم ينقطعوا قال على آثارهم. *(وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ) ما معنى رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم؟ (رهبانية ابتدعوها) هذا يسموه من باب الاشتغال يعني وابتدعوا رهبانية. رهبانية الترهب أي الانقطاع إلى الله تعالى والتبتّل وما إلى ذلك. قال (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وابتدعوا رهبانية (رهبانيةً منصوبة على الاشتغال وهي مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور معناه وابتدعوا رهبانية) إذن جعل في قلوبهم رأفة ورحمة وابتدعوا رهبانية لأن الرهبانية لا تكون في القلب، رهبانية ليست معطوفة مباشرة على (وجعلنا). إذن هي وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة، وابتدعوا رهبانية (وابتدعوا) الواو هنا عطف جملة على جملة (وجعلنا). قد يظن البعض أن رهبانية معطوفة على جعلنا رأفة ورحمة وقسم من المفسرين قالوا هكذا ولكن كيف جعلها وكيف ابتدعوها وهو لم يكتبها عليهم فكيف جعلها إذن؟ هذه الظاهرة تسمى الاشتغال مثل (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) أصلها وفرقنا قرآناً (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) الرحمن) أصلها رفع السماء. وهنا (ورهبانية ابتدعوها) أي ابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم، إذن هو لم يكتبها عليهم فكيف يجعلها؟ (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) وابتدعوا رهبانية ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله. ما معنى إلا ابتغاء رضوان الله؟ إذن هم ابتدعوا الرهبانية لأحد أمرين: ليرضوا ربهم هذا أحد الرأيين في التفسير. في الإخبار قال (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) يعني هم ابتدعوها ولم يرعوها حق رعايتها كما يجب على الناذر إذا نذر عليه أن يفي بالنذر. ابتدعوا رهبانية ليرضوا الله لكن لم يفعلوها هذا أحد التفسيرين، وفي الإخبار عنهم بقوله (ورهبانية ابتدعوها) ذمٌ من وجهين: الوجه الأول أنهم ابتدعوا الرهبانية والدين لا يؤخذ بالابتداع حتى لو كان لغرض رضوان الله لأن رضوان الله يأتي بما شرع الله، بالاتباع وليس بالابتداع كيف تظنون أن هذا يرضي ربنا فتفعل ما تشاء لا يمكن هذا وإنما هذا ذم. أولاً كونهم ابتدعوا الرهبانية حتى أياً كانت النية الابتداع لا يشفع، السُنّة الحسنة في العبادة في أصل العبادة يعني العبادة أصلها موجودة يزيد في العبادة الموجودة لكن الرهبانية ابتداع ابتدعوا على أنسفهم أمور ومع ذلك لم يوفوا بها. إذن هناك أمرين: الأمر الأول أنهم ابتدعوا الرهبانية والدين لا يؤخذ بالابتداع حتى لو ابتغوا رضوان الله والأمر الآخر أنهم لم يوفوا بها يعني ابتدعوها ولم يفوا بها. إذن الذمّ صار من جانبين الابتداع وعدم الإيفاء بحقها. حتى المفسرين في قوله تعالى (إلا ابتغاء رضوان الله) ذهبوا إلى أمرين في تفسير الآية: أولاً هم ابتدعوها لغرض ابتغاء رضوان الله والآخر لم نكتبها عليهم، لم نكتب إلا ابتغاء رضوان الله وهذا يسمى استثناء منقطع. إذن هذا لم نكتب عليهم إلا ابتغاء رضوان الله والمفسرين يذهبون إلى أمرين أنهم ابتدعوا الرهبانية لغرض رضوان الله لكن لم يرعوها والأمر الآخر أنه لم يكتب عليهم الرهبانية (ما كتبناها عليهم) وإنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فيقدرون فعلاً محذوفاً. (فما رعوها) متعلق برهبانية ابتدعوها وما رعوها حق رعايتها. إذن (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) هذه جملة لوحدها استثناء منقطع ليست متعلقة بابتداع الرهبانية، هذا أمر والأمر الآخر أنهم ابتدعوها ما كتبناها عليهم، لماذا ابتدعوها؟ ابتغاء رضوان الله ولم يرعوها حق رعايتها. إذن إلا ابتغاء رضوان الله قد تكون متعلقة بابتداع الرهبانية أو بما كتب الله عليهم. *في هذه الآية قال تعالى (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) وقبلها مباشرة قال (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) لم عبّر عنهم بالذين آمنوا ولم يقل فآتينا الذين رعوها حق رعايتها أجرهم؟ دل قول ربنا تعالى أن مناط الأمر هو الإيمان وليس غير ذلك من رهبانية مبتدعة. لماذا لم يقل فآتينا الذين رعوها حق رعايتها حتى لا يظن أن الله تعالى يرضى عن الابتداع حتى لو كان لغرض رضوانه. لو قال فآتينا الذين رعوها حق رعايتها معناه يرضى عن قسم من الابتداع وربنا لا يرضى عن الابتداع. لم يقل الذين رعوها حتى الذين رعوها حق رعايتها ربنا لا يرضى بذلك لأنها مبتدعة. لذلك قال (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) رجع إلى المسألة الأولى مسألة الإيمان. (رأفة ورحمة) ثم قال (ورهبانية ابتدعوها) إذن هو ذمّهم في هذا، ابتداع الرهبانية ذمّهم ربنا لا يريد إلا ابتغاء رضوانه بالرشع الذي شرعه. هناك فريق اتبع سيدنا عيسى وهناك فريق ابتدع الرهبانية. فريق ابتدع الرهبانية مع أن في قلبه رأفة ورحمة وفريق اتبع عيسى. العابد في قلبه رأفة ورحمة لكن عليه أن يعبد ربه بما شرع الله. الذين ابتدعوا الرهبانية في قلوبهم رأفة ورحمة وهذه لا تكفي المهم أن يتبع شرع الله لا أن يبتدع حتى لو كان في قلبه كل الرأفة والرحمة، مهما كان في قلبه من رأفة ورحمة إذا لم يتبع شرع الله لن يرضى عنه إذن مناط الأمر بالايمان والإتباع. لو قال وآتينا الذين رعوها حق رعايتها يعني ربنا يرضى عنهم وسيؤتيهم أجراً. قال الذين آمنوا أي لم يبتدعوا. حتى لو رعوها حق رعايتها يسقط هذا ومناط الأمور هو الإيمان وقال (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) ولم يقل الذين رعوها حق رعايتها حتى لا يفتح باب للإبتداع ولذلك قطع هذا الأمر. *(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) والآية قبلها (فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)؟ لو قال هنا فمنهم مهتد معناه يُظن أن الذين ابتدعوا الرهبانية يوصف بالهداية وربنا لا يصفهم بالهداية ولذلك لم يذكر وإنما قال (وكثير منهم فاسقون) ولم يقل فمنهم مهتد كما قال في الآية السابقة، الآية الأولى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) هذه مسألة اتباع الرسل أما هنا فرهبانية مبتدعة لو قال فمنهم مهتد سيظن أن هنالك في الابتداع هداية إذن قال فمنهم مهتد أي من الذين ابتدعوا ورعوها حق رعايتها كان يصفهم بالهداية والله تعالى لا يريد الابتداع. حتى لو رعوها حق رعايتها لم يقل فمنهم مهتد لئلا يفتح باباً للابتداع ولئلا يُظن أن نوعاً من الابتداع فيه هداية. فقطعه مرتين بقوله (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ولم يقل الذين رعوها ولم يقل فمنهم مهتد وإنما قال (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ). نلخّص القول أن الذين اتبعوا عيسى في قلوبهم رأفة ورحمة لكن هناك صنفان صنف آمن وصنف ابتدع ذمّه الله تعالى من جهتين أنه ابتدع ولم تشفع له نيّته ثم لم يراعي ما ابتدع لأنه نذر ولم يفي بنذره ثم تكلم عن الذين آمنوا وليس عن الذين ابتدعوها لم يقل وآتينا الذين رعوها حق رعايتها أجرهم وإنما قال الذين آمنوا يعني أسقط الابتداع مهما كانت النيّة. (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) أي كثير منهم أي من عموم المؤمنين، قليل متبعون (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف). مسألة الأكثرية في القرآن تحتاج إلى نظر (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف). * وآتيناه الإنجيل وفي المائدة قال (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ (46)) ولم يقل في آية الحديد فيه هدى ونور؟ في المائدة ذكر قبلها التوراة وقال فيها هدى ونور فلما قال (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ (44)) وذكر الإنجيل في الآية نفسها (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ (46)) هو ذكر التوراة وقال فيها هدى ونور وذكر الإنجيل فيه هدى ونور فلا يسكت عنه وإنما فيه هدى ونور. الهدى والنور عام في الكتب في التوراة والإنجيل والقرآن. في الحديد لم يذكر هدى ونور (وآتيناه الانجيل)؟ لا يذكر دائماً أن فيه هدى ونور هذا يحدده السياق، عندما ذكر الكتب السماوية التوراة والانجيل والقرآن في سياق واحد ذكرها، ذكر التوراة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة) ثم ذكر آتيناه الانجيل فيه هدى ونور لما ذكر التوراة فيها هدى ونور ناسب أن يذكر الانجيل فيه هدى ونور هناك تكلم عن التوراة وذكر أمور تتعلق بالأحكام (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) هنا لم يذكر شيئاً يتعلق بالأحكام (وآتيناه الانجيل). *سؤال من المقدم: أليس هذا تناقض في النص القرآني أنه مرة يقول هدى ونور ومرة لا يقول؟ التناقض في أن يقول مرة فيه هدى ونور ومرة يقول ليس فيه هدى ونور أما أن تذكر بعض الصفات وأحياناً لا تذكر لأن السياق لا يقتضي كما تقول في كلامنا العادي تذكر شخصاً وتقول جاء فلان وفلان وفلان وأحياناً عندما تذكر صفات عن فلان تقول فلان جيد وكذا وكذا، أحياناً تذكر الإسم فقط ولا تذكر شيئاً من الصفات وليس دائماً تذكر الصفات، (ذلك الكتاب لا ريب فيه) وأحياناً إذا أردت أن تذكر (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) الذاريات) مرة قال مكرمين ومرة لم يقل (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (51) الحجر). لما قال مكرمين ذكر ما يتعلق بالمكرمين ولما لم يقل مكرمين لم يتعلق. مرة قال بعجل حنيذ (فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) هود) ومرة سمين (فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) الذاريات)، الحنيذ هو السمين فالحنيذ هو المشوي الذي يقطر وَدَكه أي دهنه فكلمة حنيذ تعني سمين ومشوي وما زال حاراً يقطر وَدَكه، لا تناقض بين سمين وحنيذ، السمين صفة من الصفات ولا تعارض ولا تناقض بينهم. وهذا دارج في لغة العربية حتى في كلامنا العادي أحياناً تقول سافرت إلى بلد وذهبت عند فلان وبقيت عندهم ليلة وقضيت حاجة ومرة تذكر مكارمهم فتقول ذهبت إلى فلان وذبحوا لي وسهروا معي بالتفصيل، أنت تريد أن تركز على أي شيء؟ لهذا لم يقل ربنا وآتيناه الانجيل فيه هدى ونور لأنه لا يحتاج ذكر التوراة ثم بعدها ذكر وأنزلنا إليك الكتاب، ذكر التوراة والانجيل والقرآن. الوقفة كاملة |
| ٩٥ | *موضوع كلمة قسورة عند العرب (فرت من قسورة) وكلمة كُباراً وسمعنا أن أبو لهب وأبو جهل أنكروا على الرسول هذه الكلمات في القرآن أنهم لم يسمعوا بها من قبل وهم أهل اللغة ووردت قصة أن رجلاً كبيراً من المشركين أمره الرسول بالجلوس ثم أمره بالنهوض ثم بالجلوس فقال الرجل الكبير: (أتسخر مني يا قسورة العرب وأنا رجل كباراً) هل هذه القصة صحيحة؟ فهل كلمة قسورة (فرت من قسورة) وكباراً (ومكروا مكراً كباراً) كلمات عربية ؟(د.فاضل السامرائى) كلتاهما عربية وكبار من الصفات العربية وقسم من اللغويين يجعلونها تدرج فعيل فُعال فُعّال، كبير كُبار كُبّار طويل طوال طُوّال، حسن حُسان حُسّان يجعلها قياس تدرج، فعيل فإذا بلغ الزيادة في الوصف تتحول إلى فُعال وهي أبلغ من فعيل عجيب وعُجاب وإذا بلغ الزيادة اقتضى التكثير والتضعيف (فُعّال) مثل رجل قُرّاء. إذن كُبّار هي عند بعض اللغويين قياس لا سماع وقسم يقول هي سماع. * ربما نقرأ في بعض القصص (أتستهزئ بي يا ابن قسورة العرب وأنا رجل كباراً في قومي إن هذا لشيء عجاب) فهل هذه الكلمات عربية؟(د.فاضل السامرائى) قالوا هذه حبشية كبار هذه في القياس عندنا رجل قُرّاي أي رجل كثير القراءة مثل فُعّال في الجمع، مكر كباراً مكراً كبيراً محبوكاً تماماً. وحتى في العامية نقول رجل كباراً. وقسورة من (فعوَل) قسر الفريسة قسراً ونقول قسره إذن قسورة فعول موجودة في اللغة. هل في القرآن كلمات غير عربية؟ هذا سؤال قديم هنالك كلمات دخلت العربية قبل الاسلام فلما دخلت في اللسان العربي أصبحت عربية بالاستعمال. لكن ربما يكون الأصل الذي انحدرت منه غير عربي وهذا في كل اللغات ما يسمى بتقارب اللغة وهناك بحوث كثيرة في القديم والحديث في هذا المجال. هذا لا يتعارض مع قوله (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء) بلسان عربي أي يتكلمون به لأن العرب كانت تستعمل هذه الألفاظ مثل أرائك وسندس في حياتها ولم تكن هذه الألفاظ جديدة عليها الوقفة كاملة |
| ٩٦ | وقال بعد ذلك: (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) والعاجلة يؤثرها بنو آدم على وجه العموم، ويقدمونها على الآخرة وارتباطها بما قبلها وهو قوله تعالى: (لا تحرك به لسانك لتعجل به) ظاهر فكلتاهما في العجلة وإيثارها، فالرسول كان ينازع جبريل القراءة ولا يصبر حتى يتمها ليأخذه على عجل، والناس على وجه العموم يؤثرون العاجلة على الآخرة، فهو طبع عام في البشر خلقوا عليه كما قال تعالى: (خلق الإنسان من عجل) [الأنبياء] فالموضوع إذن موضوع واحد هو العجلة. وكلاهما يتعجل ما هو أثير لديه ومفضل عنده. جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: (كلا بل تحبون العاجلة)، كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة: (وتذرون الآخرة)… فإن قلت: كيف اتصل قوله: (لا تحرك به لسانك) إلى آخره بذكر القيامة؟ قلت: اتصاله به من جهة التخلص منه إلى هذا التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة. وجاء في (روح المعاني) في هذه الآية: "كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) تعميم الخطاب للكل كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم لما خلقتم من عجل وجبلتم عليه تعجلون في كل شيء ولذا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ويتضمن استعجالك، لأن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة… ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) فإن ملوح إلى معنى: بل تحبون الخ". إن هذه الآية كما هو واضح مناسبة لجو العجلة التي بنيت عليها السورة، وهي متصلة ـ كما مر بنا ـ بقوله تعالى: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) فإن الإنسان يسوف بتوبته ويغره أمله ويؤثر ما بين يديه ويغمس نفسه في شهواته، ويستحب عاجل حياته ولا ينظر فيما وراء ذلك من أمور الآخرة، فهي متصلة بما قبلها وبقوله: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) أتم اتصال. كما أنها متصلة بالنفس اللوامة التي بنيت عليها السورة اتصالاً ظاهراً بالنفس اللوامة كما ذكرنا تلوم نفسها لأحد سببين: إما أن تعجل فتعمل عملاً تندم عليه، فتلوم نفسها علة ذلك، وهذا ما أكده قوله: (كلا بل تحبون العاجلة) وإما أن تؤخر عملاً كان ينبغي لها عمله وقرتها خيره، فتندم عليه، فتلوم نفسها على ذلك وهذا ما يفيده قوله: (كلا بل تحبون العاجلة و تذرون الآخرة) فهو هنا عجل أمراً وترك آخر فندم من الجهتين ولام نفسه الحالتين، لام نفسه في العجلة ولام نفسه في الترك. وما أحرى أن تسمى هذه النفس بالنفس اللوامة، لأن دواعي اللوم لكاثرة عليها. ثم انظر كيف اختار الفعل: (وتذرون) على (تتركون) ذلك أم في تذورن) حذفاً واصله (توذرون) من (وذر) ليدل ذلك على طابع العجلة الذي يريد أن ينتهي من الشيء في أقرب وقت. فاختيار هذا الفعل المحذوف الواو، مناسب لجو العجلة. و قد تقول: ولم لم يقل: (تدعون) وهو فيه حذف كما في (وتذرون) والجواب ـ والله أعلم ـ أن اختيار (تذرون) على (تدعون) له سببه ذلك أن الفعل (وذر) في عموم معانيه يفيد الذم، ومنه قولهم: امرأة وذرة أي: رائحتها رائحة الوذر، وهو اللحم، وقولهم (يا ابن شامة الوذر) وهو سب يكنى به عن القذف. وفي الحديث : (شر النساء الوذرة المذرة) بخلاف (ودع) فإن من معانيه الراحة والدعة وخفض العيش. وقد يفيد المدح ومنه قولهم، رجل وديع، أي: هادئ ساكن. في حين أن الموقف ذم فإنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، فاختار الفعل الذي يقال في عموم للذم ولم يختر الفعل الذي يقال في كثير من معانيه و أكثر معانيه للمدح. وهو اختيار فني رفيع. الوقفة كاملة |
| ٩٧ | ثم قال بعد ذلك: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) هذا الصنفان هما ما يؤول إلى أحدهما الناس يوم القيامة. الذي يؤثر الآخرة ويعمل لها، والذي يحب العاجلة ويذر الآخرة. وهذه الآيات مرتبطة بأول السورة وهو القسم بيوم القيامة أتم ارتباط. فإنه في يوم القيامة ينقسم الناس إلى هذين الصنفين. ثم إن لاختيار كلمة (رب) وتقديم الجار والمجرور سببه أيضاً. أما اختيار كلمة (رب) فهو أنسب شيء ههنا، فإن وجوه أهل السعادة تنظر إلى ولي نعمتها في الدنيا والآخرة ومربيها وسيدها الذي غذاها بالنعم وهداها إلى طريق السعادة، وأوصلها إليه ولم تكن قد رأته من قبل. ولم يرد في السورة من أسماء الله تعالى غير لفظ (الرب). وأما تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: (إلى ربها ناظرة) فللاختصاص، فإن هذه الوجوه لا تنظر إلا إليه، فإن النظر إليه يذهلها عن كل ما عداه وينسي أهلها ما عداه من النعيم، فإن أهل الجنة ما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إليه كما في الحديث الصحيح. فهذا من أوجب مواطن الاختصاص فالتقديم اقتضاه المعنى كما اقتضته موسيقى الفاصلة وهذا الجمع بين النضرة وسعادة النظر إلى وجهه الكريم، يشبه الجمع بين النضرة والسرور في قوله تعالى: (ولقاهم نضرة وسروراً) [الإنسان]. ثم قال بعدها في الصنف الشقي: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) وهذه بمقابل الوجوه الناضرة، وهي وجوه من آثر العاجلة، وترك الآخرة، وجوه من يريد ليفجر أمامه، الوجوه التي ينبغي لأصحابها أن كثروا اللوم لأنفسهم ويبالغوا في اللوم. وتقديم (يومئذ) في الآيتين يفيد الاختصاص وهو ما يقتضيه المعنى الفاصلة، فإن نضرة أصحاب النعيم خاصة بذلك اليوم، أما في الدنيا ربما لم تعرف وجوههم النضرة. وكذلك أصحاب الوجوه الباسرة، فإن البسور مختص بذلك اليوم، وربما كانت وجوههم من أنضر الوجوه في الدنيا. (تظن أن يفعل بها فاقرة). والفاقرة: الداهية العظيمة التي تقصم فقار الظهر وأصلها من الفقرة والفقارة كأن الفاقرة تكسر فقار الظهر. واختيار فعل الظن مناسب أحسن مناسبة لجو السورة والسياق مع أن الموطن موطن علم ويقين، وقد فسره أكثر المفسرين بالعلم واليقين، وذلك أن الإتيان بفعل الظن متناسب مع تأخير التوبة وإيثار العاجلة وتقديم الفجور، فإنه في الحياة الدنيا بنى حياته على الظن، فهو يظن أن سيمتد به العمر ويطول به الأجل، فيسوف بتوبته ويقم شهوته. وهذا الظن يرافقه إلى اليوم الآخر، فهو إلى الآن يظن وقوع الداهية ظناً، وهو إلى الآن في حال ظن وأمل لا في حال علم وبصيرة، فهو لا يرى إلا اللحظة التي هو فيها، وما بعدها فهو عنده ظن لا يقين كما كان شأنه في الدنيا يقدم شهوته ويؤثر عاجلته ويقول: أيان يوم القيامة؟ فانظر هذا الاختيار الرفيع لفعل الظن في هذا الموقف، وانظر تناسب ذلك مع النفس اللوامة التي لا ترى إلا ما هي عليه حتى تفوتها الفرصة، ويفوتها معها الخير، ويدركها سوء العاقبة، فتلوم نفسها على ما فرطت في جنب الله. وذكر لاختيار فعل الظن سبب آخر هو أن الظان لا يعلم نوع العقوبة، ولا مقدارها فيبقى رجلاً أشد الوجل، خائفاً أعظم الخوف من هذا الأمر الذي لا يعلم ما هو ولا مداه ولا كيف يتقيه ألا ترى أن الذي يعلم ما سيحل به يكون موطناً نفسه على ذلك الأمر بخلاف الذي لا يعلم ماذا يتقي، وما مداه وما نوع تلك الفاقرة. جاء في (روح المعاني): "وجيء بفعل الظن ههنا، دلالة على أن ما هم فيه، وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبداً… وإذا كان ظاناً كان أشد عليه مما إذا كان عالماً موطناً نفسه على الأمر". ولاختيار الفاقرة دون غيرها سبب سنذكره في مكانه. واختيار تعبير (أن يفعل بها) بالبناء للمجهول دون أن يقول مثلاً: (أن تصيبها فاقرة) أو (تحل بها) أو نحو ذلك له سبب لطيف. ذلك أن قوله: (أن يفعل بها) معناه أن هناك فاعلاً مريداً يفعل بفقار الظهر ما يريد من تحطيم وقصم. أما القول: (أن تصيبها) أو (تحل بها) فكأن ذلك متروك للمصادفات والظروف، فقد تكون الفاقرة عظيمة أو هينة والفواقر بعضها أدهى من بعض. فقوله: (أن يفعل بها) أنسب اختيار في هذا السياق إذ لا تترك ذلك للمصادفات والموافقات، بل كان ذلك بقدر. ثم إنه لم يقل: (أن نفعل بها) بإسناد الفعل إلى ذاته العلية، لأنه لم يرد أن ينسب إيقاع هذه الكارثة والشر المستطير إلى نفسه كما هو شأن كثير من التعبيرات التي لا ينسب الله فيها السوء إلى ذاته العلية نحو قوله: (وأنا لا ندري أشر اريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) [الجن] وقوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا) [الإسراء] فلم ينسب الشر إلى ذاته. الوقفة كاملة |
| ٩٨ | *(سبّح لله) بصيغة الماضي وفي بعض السور (يسبح) بصيغة المضارع فهل هذا مقصود بذاته؟ نلاحظ أنه كل سورة تبدأ بـ (سبّح) بالفعل الماصي لا بد أن يجري فيها ذكر للقتال في كل القرآن أي سورة تبدأ بـ (سبّح) فيها ذكر للقتال والمبدوءة بـ (يسبح) ليس فيها ذكر للقتال أبداً. سورة الصف (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)) كل التي تبدأ بـ (سبّح) لا بد أن يجري فيها ذكر القتال. هذه الآية في سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)) ليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (سبح) إلا ويجري فيها ذكر للقتال وليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (يسبح) إلا لم يذكر فيها القتال. هذا توجيه للناس في الحاضر والمستقبل أن يتركوا القتال، أن لا يقاتلوا، الذي جرى جرى في تاريخ البشرية والله تعالى حكيم فعل ما فعل ودعا الناس يفعلون ما يشاؤون، هو التوجيه للخلق، للعقلاء، للناس، للمسلمين أنه في الحال والاستقبال عليهم أن يتركوا القتال ويعيشوا حياتهم، ينصرفوا إلى التعاون وما هو أنفع وما هو أجدى وما هو خير. هو توجيه لما يقول (يسبح) المضارع يدل على الحال والاستقبال لم يذكر القتال وكأنما هو توجيه - والله أعلم - للخلق في حاضرهم ومستقبلهم أن يتركوا القتال، أن لا يتقاتلوا فيما بينهم، أن يتفاهموا، أن يتحاوروا، أن يتحادثوا، أن تكون صدورهم رحبة، هذا أنفع لهم من القتال، الماضي ماضي ذهب لكن (يسبح) كأنه توجيه لعباده. الرابط بين القتال والتسبيح: التنزيه عما لا يليق والقتال لا يليق كما قالت الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة). *ما فائدة تقديم الجار والمجرور على الفاعل في قوله (سبح لله ما في السموات وما فى الأرض)؟ التقديم حسب الاهتمام في البلاغة، يتقدم المفعول على الفاعل لأغراض بلاغية. *لماذا قدم السموات على الأرض؟ أولاً من الذين كان يسبح سابقاً أهل السماء أو أهل الأرض؟ أهل السماء لأن أهل الأرض لم يكونوا موجودين أصلاً، قبل أن خلق آدم فبدأ بمن هو أسبق تسبيحاً، بمن هو أدوم تسبيحاً (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء) (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) فصلت) فبدأ بأهل السماء لأنهم أسبق في التسبيح قبل خلق آدم ولأنهم أدوم تسبيحاً، أدوم في هذه العبادة. الوقفة كاملة |
| ٩٩ | * ما دلالة استعمال (ما) في قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) في سورة الصف؟ وما الفرق بين استخدام (سبّح لله) بصيغة الماضي وفي بعض السور (يسبح) بصيغة المضارع فهل هذا مقصود بذاته؟ د.فاضل السامرائى : توجد ظاهرة في آيات التسبيح في القرآن كله. إذا كرّر (ما) فالكلام بعدها يكون على أهل الأرض. وإذا لم يكرر (ما) فالكلام ليس على أهل الآرض وإنما على شيء آخر. في سورة الحشر قال تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) بتكرار (ما) وجاء بعدها (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) وهذا في الأرض. وكذلك في سورة الصفّ (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)) وفي سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)) وفي سورة التغابن (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)). بينما في آية أخرى في سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) قال تعالى بعدها (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)) وليس الكلام هنا عن أهل الأرض وإنما هو عن الله تعالى. وكذلك في سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)). هذه قاعدة عامة في القرآن والتعبير القرآني مقصود قصداً فنياً. وهذا في مقام التسبيح ولم أتحقق من هذه القاعدة في غير مقام. نلاحظ أنه كل سورة تبدأ بـ (سبّح) بالفعل الماصي لا بد أن يجري فيها ذكر للقتال في كل القرآن أي سورة تبدأ بـ (سبّح) فيها ذكر للقتال والمبدوءة بـ (يسبح) ليس فيها ذكر للقتال أبداً. سورة الصف (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)) كل التي تبدأ بـ (سبّح) لا بد أن يجري فيها ذكر القتال. هذه الآية في سورة الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)) (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)) ليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (سبح) إلا ويجري فيها ذكر للقتال وليس هنالك سورة في القرآن تبدأ بـ (يسبح) إلا لم يذكر فيها القتال. هذا توجيه للناس في الحاضر والمستقبل أن يتركوا القتال، أن لا يقاتلوا، الذي جرى جرى في تاريخ البشرية والله تعالى حكيم فعل ما فعل ودعا الناس يفعلون ما يشاؤون، هو التوجيه للخلق، للعقلاء، للناس، للمسلمين أنه في الحال والاستقبال عليهم أن يتركوا القتال ويعيشوا حياتهم، ينصرفوا إلى التعاون وما هو أنفع وما هو أجدى وما هو خير. هو توجيه لما يقول (يسبح) المضارع يدل على الحال والاستقبال لم يذكر القتال وكأنما هو توجيه - والله أعلم - للخلق في حاضرهم ومستقبلهم أن يتركوا القتال، أن لا يتقاتلوا فيما بينهم، أن يتفاهموا، أن يتحاوروا، أن يتحادثوا، أن تكون صدورهم رحبة، هذا أنفع لهم من القتال، الماضي ماضي ذهب لكن (يسبح) كأنه توجيه لعباده. الرابط بين القتال والتسبيح: التنزيه عما لا يليق والقتال لا يليق كما قالت الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة). الوقفة كاملة |
| ١٠٠ | *إستعمال الأفعال المسندة إلى الموت : وجدنا أنه في أحد عشر موضعاً ورد الموت مع أفعال هي: الموت مع (حضر) ورد في أربعة مواضع، مع (جاء) ورد في موضعين، مع (يدرك) ورد في موضعين، مع (يأتي) ورد في موضعين، مع (يتوفى) ورد في موضع واحد. لما ننظر في الاستعمال القرآني لهذه الأفعال وما ورد في معجمات اللغة نرى أنها متقاربة المعنى يكاد يكون الذي يجمعها هذا القُرب. لما تقول جاء معناه صار قريباً، حضر معناه صار قريباً، أتى أيضاً معناها القرب، أدركه معناها القرب، توفاه أخذه كاملاً معناه قريب منه فلا يكون الأخذ إلا عن قرب، فيها معنى القرب لكن هل يصلح أن تكون كلمة مكان كلمة؟ لا، لأن كل كلمة لها معناها الخاص الجزئي فوق الإقتراب بالمعنى الذي جعلها خاصة في هذا الموضع دون موضع آخر. بصورة موجزة نقول لما ننظر في الآيات التي فيها كلمة حضر نجد معنى القرب لكن نجد المشاهدة والملامسة أحياناً، إقتراب إلى حد الملامسة، إقتراب شديد. لما نأتي إلى جاء وأتى مع فارق نجد معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع في جاء وفي أتي في موقع مع الفارق بينهما: جاء يكون العمل فيها أظهر والعربية أحياناً تراعي الصوت. لما ننظر إلى حروف (جاء) مكونة من جيم وألف وهمزة، لما ننظر إلى حروف (أتى) مكونة من همزة وتاء وألف فالمشترك بين الفعلين ألف وهمزة والمختلف جيم وتاء وكلاهما صوت شديد بالتعبير الحديث يقولون صوت انفجاري يحدث نتيجة إنطباق يعقبه إنفصال مفاجئ في نقطة معينة في المدرج الصوتي فكلاهما متقارب لكن الفارق أن الجيم مجهور والتاء مهموس. الجيم يهتز معها الوتران الصوتيان ويكون هذا الصوت أظهر وأنصع وأحياناً من مخرج واحد أحد الصوتين مجهور والآخر مهموس. التاء والدال من مخرج واحد لسانك يكون في نفس الموقع لما تقول (قد) تقلقل نجد نوعاً من الرنين لكن لما تقول (قت) التاء مهموسة ليس فيها الجهر. المجهور أقوى وأظهر ولذلك نقول جاء أظهر من أتى أو فيه شيء من الجهر والقوة أكثر من أتى. الإدراك يكون بمعنى القرب الشديد لكن فيه صورة تشعر بنهاية الفرار من شيء كأنما هناك فارٌّ ومن يلاحقه إلى أن يدركه فينتهي فراره وأيضاً فيها قرب لما يدركه ويوقف فراره. أدركه فيها معنى القرب وفيها صورة هارب وهناك من يلاحقه، من يدركه. التوفّي: أخذ الشيء وافياً غير منقوص فيه معنى القرب لأن الأخذ يكون قريباً من ما يأخذ. هذه بصورة عامة. حضر: حضر يمكن أن تلمس فيها ما هو شديد القرب وشدة القرب ظاهرة في الآيات: أولاً: في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي (133) البقرة) يعقوب مفعول به مقدم للعناية لأن القصة متوجهة ليعقوب وليس للموت فقدمه للإهتمام به ثم ذكر الفاعل. إذن حضره الموت وهو يتكلم معناه الموت صار قريباً منه، شارف على الموت لكن وقوعه لم يتحقق، لم يمت بعد بدليل أنه كان يكلم أبناءه ويوصيهم فالموصي لم يمت بعد ولم يفقد وعيه بعد. فالموصي إنما يذكر وصيته أو يؤكدها وهو يرى أنه شارف على الموت أو أن الموت قريب منه لكن وقوعه لم يتحقق بعد بدليل أنه يتكلم ويوصي. ثانياً: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة) إهتمام بالمتقدم وإبعاد شبح الموت الحقيقي. الآية في الوصية والموصي يكون في وعيه ويتكلم لكن ليس أن الموت اقترب منه. ثالثاً: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ (106) المائدة) أيضاً الآية في الوصية. رابعاً: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) التوبة المرفوضة هي التي تكون حين يشرف الإنسان على الموت ويدرك أنه صار قريباً منه كأن الموت لم يقع بعد بدليل أنه استطاع أن يتكلم فهو لم يمت بعد. وعلى هذا نقول أن كلمة (حضر) عندما تأتي مع الموت فيها معنى القرب والمشاهدة وكأنه فيها نوع من التجسيد للموت كأن الموت حيٌّ يحضر مع من يحضر حوله من أهل الذي ينازع فيشهد هذا الموت. جاء: أما (جاء) ففيه معنى القرب الشديد وتحقق الوقوع. هذا الفعل استعمل في القرآن بهذه الصيغة. قال تعالى في سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)) مجيء الموت هنا معناه وصول عمر الحيّ إلى نهايته فكأن الموت يخبر بهذه النهاية وتقدير الكلام: إذا جاء قضاء الموت على الحيّ توفت روحه الملائكة أي أخذتها وافية غير منقوصة. (جاء أحدكم الموت) أي اقترب منه ووقع حدث الموت. استوفت الملائكة روحه فيه القرب الشديد وتحقق الوقوع. وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)) قد يقول قائل هم يتكلم ما أدركه الموت، كلا. الكافر يقول رب ارجعون بعد قبض روحه، الرجوع إلى الدنيا يريد أن يرجع إلى الدنيا بعد أن يخرج من الدنيا فإذن هنا معناه (جاء أحدهم الموت) أي اقترب منه وتاله وفارقته الروح. عند ذلك لما يرى ما يرى من هول الحساب يبدأ يقول رب ارجعون. طلب الرجوع إنما يكون لمن فارق الحياة وليس لمن هو في هذه الدنيا. موضعان في القرآن ورد فيهما (جاء) فيهما معنى المفارقة، مفارقة الروح. يدرك: في سورة النساء (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78)) الآية كأنما تصور من ينتقل من مكان إلى آخر هرباً من الموت والموت يسعى وراءه حتى يدركه أينما كان ولو كان متحصناً في بروج مشيدة قوية الجدران محكمة الأبواب. لما يدركه يكون قريباً منه ويقبض بعد ذلك. يُفهم من الآية أنه يموت قطعاً. يدرككم أي لما يصل إليكم وسيكون نتيجته مفارقة الحياة. وفيه صورة الملاحقة والهارب الذي يلحقه شيء. حتى في المجاز تقول أدركت ما يريد فلان أي تتبعت عباراته بحيث وصلت إلى الغاية من عبارته. الآية الأخرى في سورة النساء (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)) هو مهاجر لما هاجر هاجر فراراً بدينه وحياته وهو خارج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله كأن الموت يسعى وراءه (ثم يدركه الموت) الخارج من بيته مهاجراً إنما خرج فراراً بدينه من أن يفتنه الكفار فهو فارٌ منهم لكن الموت يتبعه ويدركه في طريق الهجرة وهذا أجره عظيم فقد وقع أجره على الله كما قال تعالى (فإنه ملاقيكم) الموت هنا لم يأت فاعلاً وإنما إسم إنّ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة). يأتي: في سورة ابراهيم (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)) إتيان الموت المراد به إتيان أسبابه من وسائل العذاب لأن الكلام على المعذَّب بنار جهنم العذاب في جهنم بعد قيام الساعة (لا موت). (يأتي) هنا بمعنى إتيان أسباب الموت، أسباب التعذيب تصيبه وتلاحقه في كل مكان وتأتيه اسباب الموت لكن (وما هو بميت) لأنه في النار لا يوجد موت وإنما عذاب. الموت قريب منه بمحيء أسبابه لأن الإحراق من أسباب الموت لكن الإحراق بالنار يوم القيامة هو من أسباب الموت لكن لا يفضي إلى الموت فالموت قريب منه لكنه لا يقع. وفي سورة المنافقون (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)) هذا القول يصلح أن يكون قبيل الموت أو بعده لأن قوله (رب لولا أخرتني) (لولا) كلمة عرض كما تعرض تقول لولا زرت أخاك المريض أي أقترح عليك أن تزور أخاك المريض مع تحبيب الأمر. (رب) يتحبب إلى الله تعالى وما قال في الآية (يا الله لولا أخرتني) لأنه يرعض على الله تعالى أن يؤخره إلى أجل قريب يعطيه فرصة عندما أناه الموت. يمكن أن يقول قال هذه الكلمة التي فيها معنى الرجاء والعرض بعد وفاته أو يقولها في نفس لحظات وفاته. الإتيان فيه معنى المقاربة الشديدة وفي الموضع الثاني تحتمل الوقوع. يتوفى: ورد في موضع واحد في سورة النساء (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)) جعل الله تعالى لهن سبيلاً بالحدّ عندما نزلت الآيات وأخبر الرسول بحدّ مرتكبة الفاحشة. (يتوفاهن الموت) التوفي هو أخذ الشيء كاملاً غير منقوص. الموت لا يقوم بأخذ الشيء وافياً وإنما أُسند العمل إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت معناه إنقضاء العمر الذي يؤدي إلى أن تؤخذ روحه وافية غير منقوصة، أنه يتوفّى. الموت ليس هو الذي يأخذ الروح لكن الموت إيذان بانتهاء العمر، ما بقي لهذا الإنسان من عمره شيء فهو ميّت. الذي يتوفى هذه الأنفس (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61) الأنعام) الملائكة التي تأخذ الروح وحتى الرسل الملائكة ليست هي التي تتوفى الأنفس لأن (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) الزمر) النسبة الحقيقية أي الفاعل الحقيقي لهذا التوفي هو الله سبحانه وتعالى، الملائكة وسيلة والموت سبب. الله سبحانه وتعالى ينسب أحياناً الفعل لغيره باعتباره الغير سبب أو مرتبط بأمره (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا (10) فاطر) حصر هنا العزة لله عز وجل وحده دون غيره وفي موضع آخر قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون) إرتباط الرسول بالله، هو رسول الله فمنحه الله تعالى العزة. كذلك هاهنا لما قال تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) يعني يستوفي أرواحهن الموت أي يتوفاهن ملائكة الموت. قالوا كان ذلك عقوبتهن أوائل الإسلام فنُسِخ بالحدّ. في قوله تعالى (حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) جاء اللفظ بالإسناد إلى الموت على سبيل التوسع لعلاقة السببية لأن الموت نهاية العمر فهو سبب الوفاة والذي يتوفى الأرواح الرسل من الملائكة بأمر من الله سبحانه وتعالى فالذي يتوفى الأرواح على الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى. * سورة المنافقون (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)) (فَأَصَّدَّقَ) منصوبة لماذا وردت (وَأَكُن) مجزومة وهي معطوفة عليها؟(د.فاضل السامرائى) الآية هي (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) (لولا) هذا طلب (تحضيض)، هنا أمران الطلب أمران إما إذا أردنا السبب نأتي بفاء السببية أولاً مثل لولا تدرسُ فتنجحَ هذا جواب الطلب، هلا تدلني على بيتك فأزورَك، (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) هذه فاء السببية وحتى واو المعية نفس الشيء (لا تأكلْ وتشربَ) يعني في آن واحد أو لا تأكلْ وتتكلمَ، لا تأكلْ كثيراً فتمرضَ. *واو المعية تدل على أن الفعل الذي بعدها يحدث مع فسموها معيّة؟ لا تأكلْ فتمرضَ فاء سببية، لا تأكل كثيراً فتمرضَ هذه فاء السببية. (فأصدق) جاء بالفاء جواب الطلب لأنه شرط فاء السببية أو واو المعية أن يسبقها طلب محض (هذا طلب) أو نفي محض. الآن حذفنا فاء السببية يمكن أن يأتي جواب الطلب مجزوم ادرسْ تنجحْ، (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) يقيموا جواب الطلب، (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ (61) البقرة) جزم، إذن إذا أراد السبب جاء بفاء السبب وإذا أراد الشرط حذفها (ادرسْ تنجحْ)، هذا من حيث التقعيد العام. هذا يسموه العطف على المعنى (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) هذه فاء السببية (وَأَكُن) مجزوم على أنه جواب الطلب وليس على تقدير الفاء مثل هلا تدلني على بيتك أزرْك. لماذا سمي العطف على المعنى؟ وفي غير القرآن يسمى عطف على التوهم في القرآن يسموه العطف على المعنى. إذن هذا الجزم على معنى الشرط يعني لولا أخرتني إلى أجل قريب أكن من الصالحين، هذا تعبير صحيح، جواب الطلب، لولا أخرتني إلى أجل قريب أكن من الصالحين. إذن (فأصدق) سبب و(أكن) على جواب الشرط. الآن ذكر أمرين ذكر (فأصّدّق) جعله على السبب وقال (أكن) على الشرط كأنما اشترط على نفسه أن يكون من الصالحين. يعني واحدة على إرادة السبب والأخرى على إرادة معنى الشرط. لماذا لم يكونا على وتيرة واحدة؟ هو أراد أن يجمع معنيين السبب والشرط، لماذا؟ الشرط أهم لأنه اشترط على نفسه. الصلاح أهم أم الصدقة؟ الصلاح هو الأهم ولذلك في آية أخرى قال (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا (100) المؤمنون) ما ذكر الصدقة، الصلاح أهم والصدقة من الصلاح إذن هما ليسا سواء. عندنا أمر أهم من أمر، الصلاح أهم فجاء به بالشرط إشترط على نفسه (وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) لأنه أهم ليسا في منزلة واحدة ولذلك في الآية الأخرى لم يذكر الصدقة. قد تسأل لماذا قدّم الصدقة؟ ذكرنا عدة مرات التقديم والتأخير ليس على الأفضل دائماً (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ (32) فاطر) المسألة تعود على السياق، السياق في إنفاق الأموال قال تعالى (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم (10) المنافقون) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (9) المنافقون) السياق في الإنفاق، المنافقون قبلها قالوا (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) المنافقون) الإنفاق والمنافقين وماذا يقولون فقدم لكن بيّن أهميته بالشرط الصلاح شرط. قد يسال سائل لماذا قال فأصّدّق ولم يقل فأتصدّق؟ فيه أمرين مقاطع أتصدق أكثر من مقاطع أصدق، إذن أصّدّق أقل، هذا أمر. أصّدّق فيها تضعيفان، أتصدّق فيها تضعيف واحد، المبالغة تدل على التكثير هو أراد أجل قريب ليبالغ في الصدقة لولا أخرتني قال (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)، ما قال أتصدق فيها فترة طويلة، جاء بالفعل الذي هو أقل لأن الفترة أقل ويبالغ في الصدقة يكثر منها حتى يكون من الصالحين. الوقفة كاملة |
إظهار النتائج من 91 إلى 100 من إجمالي 314 نتيجة.